ظاهرة التغيير السياسي ودور الحكومات المعاصرة

رؤى من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يحتاج المجتمع دائما الى التخطيط المنظّم قبل أن ينتقل المعنيون الى التنفيذ، لكي لا تعمّ الفوضى ولا تسود العشوائية حركة المجتمع، وكذلك كي لأبقى المجتمع أسيرا للركود والبقاء على الحال نفسه بسبب التخوّف من التجديد، وهنا يبرز دور الحكومات المعاصرة في وضع الخطط اللازمة لضخ الدماء الجديدة في شرايين المجتمع من خلال العمل المخطط والمنظم مسبقا.

ولابد أن تبادر الحكومة الى التغيير والتجديد في مجالات الحياة كافة وأولها وربما أهمها في مجال السياسة الذي تتوقف عليه عملية صنع القرار التي تؤثر بدورها على الحراك المجتمعي عموما، وغالبا ما تؤدي خطوات التجديد الى بث روح الحماسة والابتكار والحيوية في نسيج المجتمع فيتصاعد في حراكه الجيد وإنتاجه المتجدد على الصعد كافة.

يقول الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (الفقه: الاجتماع ج2) حول أهمية التجديد في المجتمعات: (كل جديد في المجتمع المتصاعد يزيد الاجتماع تصاعداً وتحركاً إلى الأمام).

وهذا يعني أن كل حركة تجديد تقود الى أخرى تصاعديا، على العكس من المجتمعات الراكدة، التي تسهم حكوماتها الى حد بعيد كي تبقى شعوبها في حالة ركود لكي تبقى تهيمن عليها وتمتص دماءها لأطول فترة ممكنة، وهو ما يحدث غالبا في المجتمعات ذات الحكومات القمعية كما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن حيث يبقى الرئيس عقودا في عرشه ويعمل على كبح التجديد السياسي او غيره خوفا على منصبه ومنافعه وذويه وحاشيته، ولذلك تقوم مثل هذه الحكومات بمحاربة التجديد دائما، بل وتدفع المجتمع الى رفضها!

وبهذا الخصوص يقول الامام الشيرازي بكتابه نفسه: (في المجتمع الراكد يركد كل شيء، ويسير الزمان بتؤده وبطؤ وتخلو الحياة عن التجدد، ويكون كل فكر جديد وحركة جديدة موضع الإعراض والازدراء والاستهزاء، وإن لم ينفع الإعراض في ردع من أتى بتلك الفكرة، وتلك الصنعة، حكم المجتمع عليه بالسجن والقتل ونحوهما).

إذن هناك حكومات تسعى لتحييد المجتمع وشل طاقاته وتقليص مواهبه بل وقتلها أيضا، كل هذا يحدث من اجل أن تضمن بقاءها على سدة الحكم حتى لو كان الثمن جهل المجتمع وركوده ورفضه للجديد وبقائه في مهاوي الظلام الى أجل غير مسمى، فالجهل والظلام عدو التجديد وهو ما تسعى إليه الحكومات المستبدة، فتفرض على شعوبها واقع الجهل والظلام، على خلاف المجتمعات التي تبحث عن الجديد دائما وتشجع المواهب وترعى الكفاءات، فتنمو المواهب وتتنامي الطاقات لأن المجتمع نفسه يرعى ويشجع تلك الطاقات، إذ يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه بهذا الصدد:

(وبينما المجتمع المتحرك المتصاعد يجعل للتقدم جوائز ويشوق، سواء من اكتشف فكراً جديداً أو صنعة جديدة، يقف المجتمع الساكن ضد أولئك بالتكفير والتشهير والعقوبات الجسدية وما إلى ذلك).

ولم يتخلص حتى الغربيون في مراحل تاريخية معينة خاصة في القرون الوسطى، من عيوب الركود الاجتماعي، وقمع المواهب ومحاربة الاكتشافات تحت سلطة الكنيسة ومحاكم التفتيش المعروفة بوحشيتها ومحاربتها للعلم والتجديد في ذلك الوقت، وقد ورد في كتاب الامام الشيرازي بهذا الخصوص:

(لقد وضع المقننون البريطانيون قانوناً يقتضي بمنع استعمال الفحم الحجري، وقد عاقبوا بالإعدام بعض من استعمله ـ في أول زمان كشفه ـ وإلى القرون الأخيرة كان الغرب يمنع المرأة حقوقها، وكان من يتفوه بلزوم إعطائها حقوقها يطرد ويهان، ويعاقب، وقصة توبة [غاليلوا] معروفة، إلى غير ذلك).

وثمة اسباب تقف تدفع الحكومات الأحادية وغيرها على محاربة التجديد، لاسيما الجماعات والحركات والاحزاب المحافظة، حيث تتردد كثيرا من اتخاذ الخطوات اللازمة للتغيير، ويذكر لنا الامام الشيرازي عددا من الاسباب التي تدفع المجتمعات الى تبني الركود ومحاربة التجديد ومنها كما جاء في الكتاب نفسه:

(يقف الراكدون دون التجدد، لعدة أسباب:

1 ـ التقدم يوجب تحطم امتياز أصحاب الامتيازات، ولذا لما ظهر القطار خالفه أصحاب السيارات، اشد المخالفة… وكذلك في أصحاب الامتيازات الاجتماعية والسياسية، وغيرها.

2 ـ يخاف الراكدون من أنهم إذا أجازوا الجديد، أن يجد المجتمع سبيلاً إلى جديد آخر، مما يوجب تحطم الاجتماع بزعمهم.

3 ـ وقد يكون المنع لخوف أنه إذا انفتح الباب يصل الأمر إلى ما لا يحمد عقباه، مثل أنه إذا استوردت بضاعة من بلد فلاني، خيف من انفتاح الطريق أمامه، مما ينجر إلى استعمار البلد المصدّر للبلد المستورد، ولذا كان الإمام يحيى في اليمن يمنع استيراد البضائع الأجنبية خوفاً من استعمارهم لليمن.

4 ـ لأن الإنسان يعتاد عمله، بينما لا يعتاد الشيء الجديد، وكذلك في الفكر).

وعلى العموم لابد للحكومات أن تعاون شعوبها على التغيير نحو الافضل ولابد من رعاية المكتشفين والمخترعين والموهوبين وليس الخوف منهم، وبإمكان الحكومة أن تضمن محبة المجتمع وتأييده فيما لو استخدمت النظام التشاوري الديمقراطي الذي يحفظ لجميع الاطراف حقوقهم، من خلال بناء الدولة التي تقبل التجديد ولا تقف ضده.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/آذار/2011 - 8/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م