الافكار الحلوة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: قليلة هي الكتب التي تستمتع بقراءتها وتريدها ان لا تنتهي صفحاتها لتستمر بتلك المتعة. وكتب كثيرة تريد ان تنتهي من قراءتها بسرعة، واخرى لا تستطيع الاستمرار فيها.

وكثيرة تلك الكتابات التي لا تترك لديك غير الانطباعات السوداء، واخرى ترفع معدلات الضغط لديك، ومستويات السكر في الدم، او تجعلك تتوتر لتهيج قرحتك المعدية او النفسية.. كتابات تجعلك تشد شعرك واخرى تخرجك من ملابسك وغيرها تجعلك تفر هاربا. انها حال الكتب والصحف اليومية واخيرا اضيف الفيس بوك اليها.

كتاب (الامل والذاكرة.. خلاصة القرن العشرين) لتزفيتان تودوروف الصادر عن مكتبة العبيكان / ط1 / 2006 واحد من هذه الكتب القليلة التي تود لو انك تستمر في الذهاب مع صفحاتها الى ما لانهاية..

ولد تزفيتان تودوروف سنة 1939، بمدينة صوفيا البلغارية. سنة 1963 حصل على تأشيرة للقيام بزيارة إلى فرنسا، لكنه استقر بها نهائيا، قريباً من رولان بارت وجيرار جنيت، فصار أحد رواد النقد النصي. بداية سنوات الثمانينات، التفت تودوروف شيئا فشيئا نحو القضايا التاريخية والأخلاقية حيث انصبت اهتماماته على محاور:

التوتاليتارية: مواجهة المغالاة (1991). ذاكرة الخير، السعي إلى الشر (2000).

العلاقة مع الآخر: الحياة المشتركة (1995).

التداخل الثقافي: غزو أمريكا (1982). الخوف من الأجانب (2008).

تاريخ النزعة الإنسانية والأنوار: نحن والآخرون (1989)، الحديقة اللامكتملة (1998).

فاز، تودوروف سنة 2008 بجائزة Prince des Asturies، تقديرا لمجمل لبنات مشروعه الذي ترجمت أطروحاته إلى أكثر من خمس وعشرين لغة. أما، آخر ما كشف عنه قلم تودوروف، فقد جاء في غضون السنة الجارية (2009)، تحت عنوان: la signature Humaine. كتاب، جمع بين دفتيه، أهم الدراسات التي أنجزها بين سنوات 1983 و 2008، يتحدث تودوروف هنا بلسان رموز كبيرة في ساحة الفن والفكر بناء على الحدس التالي: إن الإنساني، لا يؤسس ما هو ذو دلالة إلا انطلاقا من تاريخه الخاص.

كتابه هذا اجابة عن سؤال طرحه: ما الذي جنيناه من القرن العشرين؟

لقد جاء هذا الكتاب مرآة عكست اسوأ ما في هذا القرن وافضل ما فيه.. من اسوأ ما جاء به نظام سياسي مبتكر نظام الشمولية او كما يدعى الحكم المطلق تجسد بتيارين سياسيين الا وهما الشيوعية والنازية.. كان هذان التياران وراء افناء الملايين من البشر كما تسبب بابشع اشكال التعذيب والنفي والاذلال لملايين اخرى. مع ذلك كان ابطال هذين التيارين يدعون الى الخير لا الى الشر، ولحسن طالعنا لقد تغلبت الديمقراطية على هذا النظام الا ان هذه الاخيرة بدورها لم تكن محصنة ضد نزعة الخير التي قادتها الى غرس (النهج الاخلاقي السليم) داخل البلاد ولكنها اسقطت قنابلها الذرية او (الانسانية) كما اطلقت عليها التسمية خارجها.

ان الاستخدام الصحيح والسليم للذاكرة هو الذي يخدم القضية العادلة، ليس ذلك الذي يكتفي بتصوير الماضي... هذه بعض من افكار تودوروف:

*عليك ان تطالع الصفحة التي امامك قبل ان تنتقل الى تلك التي تليها..

*لا يمكننا الاعداد لبناء المستقبل دون الالمام بأحداث الماضي.

*النظام الديمقراطي لا يفرض على مواطنيه الكفر بالخالق انما الاحتفاظ بمعتقداتهم وممارسة عباداتهم ضمن نطاق حياتهم الخاصة مع السماح للاخرين بممارسة معتقداتهم الدينية الخاصة بهم.. فالديمقراطية هي نظام علماني لا ينادي بالالحاد، انما يرفض تحديد طبيعة المعتقد الديني لكل مذهب ويكتفي بتامين السلام بين المعتقدات المختلفة شريطة عدم تعارضها مع الافكار الخفية التي تحقق العدالة..

*كان كل من لينين وستالين يلجأ ان الى تغيير العالم عندما كانا يلحظان اتساع الهوة بينه وبين الخطاب..

*الراحة الزهيدة (راحة السجين غير المسؤول عن تامين المأوى والفراش لنفسه)..

*في الانظمة الشمولية كانت كل من الوشاية والخنوع الذليل الطريقان الوحيدان للبقاء على قيد الحياة..

*قد حان الوقت ليتخلص كل منا من العبد الكامن في اعماقه..

*في عهد ستالين كان يتم ايقاف المؤلف وقتله، اما في عهد خروتشوف فكانوا يكتفون بمصادرة الاعمال الادبية من العقول تاركين الاجسام حرة طليقة..

*ان القومية بالنسبة لشعب يشكل الاقلية في دولة ما، تفقده انتماءه الى الجنس البشري النبيل ويتم ذلك بسهولة خادعة.

*ان اكثر ما يعاني منه هذا الشعب (في ظل الانظمة الشمولية) هو الذعر الذي يتولد عنده نتيجة الروايات التي تحكي عن احكام الاعدام والنفي والتعذيب او غطرسة الجلادين الى جانب الاكاذيب الدعائية والوشاية والتذلل كل هذه الامور باتت اساسا لقواعد السلوك اليومي في البلاد.

*من يقرر ابادة اخيه الانسان ينزع الى خنق كل مشاعر الانسانية في اعماقه، اذا فهو لا يتصرف كادمي.

*ان انعكاس الكون في ذاكرة الانسان يشكل اساسا لقوته ولكن الحياة لن توفر السعادة والحرية والقيم السامية الا اذا مارس الانسان حياته كعالم متكامل بحد ذاته... ففي هذه المرحلة فقط يستطيع ان يعي معنى السعادة والحرية والتسامح عندما يكتشف عند الاخرين صدى لما وجده في اعماقه...

*إذا أحسستم دوما بنداء طفلكم، سيصبح من الصعب الاحتفاظ بحد فاصل بين حياتكم وفكركم.

*لا أعتقد، بوجود 'شر' كوني وراسخ. صحيح، أننا نعثر على مختلف تمظهراته في كل حقبة تاريخية. أساسه، أن كل واحد في حاجة للآخرين، لكنهم يرفضون منحه تلقائيا ما يريده. نمط للتمركز الذاتي، يصير خاصة خطيرا حينما يأخذ بعدا جماعيا. فأقبح الجرائم، ارتُكبت بدواعي حماية ' ذواتنا' في مواجهة تهديد ينبعث من مكان آخر. هذه المانوية، التي تخلط بين ' النحن والآخرين'، ' الصديق والعدو' أو الأسوأ ' الخير والشر تعتبر مميتة للجسد. بكل ما أستطيعه من قوتي ـ رغم ضعفها ـ أسعى إلى مقاومة الشر. لذا، أتملى تمظهراته وكيفيات التصدي لها.

*الكونية: كل الكائنات الإنسانية، تنتمي إلى ذات النوع، بحيث تنعم بنفس الكرامة.

الحرية الإنسانية: إن الحتمية ـ بيولوجيا، تاريخيا، اجتماعيا، نفسيا ـ ليست قط كلية. لا يعتبر الإنسان، محض ألعوبة في يد قوى تتجاوزه وتحدد مصيره، ما دام يملك دائما وسيلة أن ' يمتثل أو يقاوم' (جان جاك روسو)..

*هناك جدار وجدار.. الجدار الإسرائيلي ليس كجدار برلين.. والحاجز المرفوع على الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة يخضع لمسار آخر: يراد به إنشاء فاصل بين الأغنياء والفقراء. وتتلخص النقطة المشتركة بين هذه العوازل في إنشاء حلّ منيع يهدف إلى درء الخوف من الآخرين. لكن من بين جميع أشكال الحواجز المشار إليها هناك حاجز واحد جديد حقا وهو: الجدار المناهض للمهاجرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/آذار/2011 - 7/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م