الصراع المؤسساتي في العراق اختبار حاسم لديمقراطية ناشئة

المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: وصف المشهد السياسي العراقي بالمعقد بعد ان شهدت الساحة مؤخرا احتجاجات في عموم المحافظات، يرى لهذه الاحتجاجات بانها منعطفا جديدا في المسرح السياسي، وتوقع محللون سياسيون من ان العراق سيشهد في الأيام القادمة مزيدا من الاحتجاجات التي يطالب فيها المحتجون بتحسين واقع الخدمات بشكل عام ومحاسبة المسؤولين علن الفساد في وقت كشف فيه عن ضياع 40 بليون دولار خلال الأعوام الماضية.

الأحتجاجات تخللها أعمال عنف من الجانب الحكومي، فيما تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية الصمت حيال الغضب الشعبي، خصوصا انها  شددت من خلال تصريحات أخرى حول الأحتجاجات بالدول العربية على التعامل بايجابية مع المحتجين الذين يطالبون بحقهم.

ويرى محللون سياسيون ومراقبون  للاحتجاجات بانها ذات طابع خدماتي لجهة دعوة الحكومة للقيام بتوفير الكهرباء في شكل أفضل، وتوفير فرص عمل أكثر، والمناداة بأبعاد المسؤولين المحليين الذين يؤكد المحتجون أنهم فاسدون.

لكن على مايبدو ان الولايات المتحدة تواجه حرجا في التعامل مع الأزمة، فالولايات المتحدة حققت انجازا في العراق بتصدير التجربة الديمقراطية وخصوصا ان العراق يقع في موقع جغرافي يؤثر كثيرا في منطقة الشرق الأوسط في وقت تجد فيه من الصعوبة ايجاد حلفاء لها في حكومة المالكي الذين يواجهون موجة من الأحتجاجات.

وأن الموقف الأميركي نابع من حاجة واشنطن الى نظام مستقر في العراق يسهل لها الانسحاب من دون النظر الى الأثمان التي يعنيها هذا الاستقرار.

وهناك اشارات متزايدة تدل على ان رئيس الحكومة نوري المالكي يقوم بتوسيع سلطاته وتقويض الديمقراطية الهشة التي تناضل من اجل ان تترسخ في العراق.  وقد منح القرار الصادر من المحكمة الاتحادية العليا مؤخرا، المالكي سيطرة على الهيئات التي كانت مستقلة ومسؤولة عن ادارة البنك المركزي واجراء الانتخابات والتحري عن الفساد، وهذا القرار جاء بناء على طلب من المالكي نفسه.

ويرى المسؤول عن العراق في المعهد الاميركي للسلام، شون كين ان القرار يبدو مناقضا للدستور العراقي الذي يقرر ان اللجان تختلف في مستوى مسؤوليتها امام البرلمان.

ويقول المسؤولون في سفارة الولايات المتحدة ان المالكي ومستشاريه يحاولون الاشارة الى انهم يتفهمون غضب العراقيين من الفساد والفقر.

لكن وعلى اية حال فان تلك التنازلات لم تقدم الا القليل لتهدئة العراقيين وقد خرج الاف منهم الى الشوارع بعنف احيانا للاحتجاج على اخفاق الحكومة بتوفير الكهرباء وفرص العمل. والمالكي شخصية تفتقر الى الكارزما غير مؤثرة لكنه سياسي بارع  لكن منتقديه يقولون ان هذه الانتصارات كان لها ثمنها. ويتهمون المالكي بانه كانت له اليد الطولى بالتصرف بقوات الشرطة والجيش تاركا منفذا صغيرا غير محددا لوزيري الدفاع والداخلية مما سمح له ان يكون الرئيس الفعلي للوزارتين.

ويقول المستشار في حكم القانون في المعهد الاميركي للسلام، جيسن غلوك ان التطورات التي جرت في الاشهر الاخيرة اثارت مخاوف حقيقية في الوسط السياسي العراقي بكامله والمسؤولية ملقاة الان على البرلمان بشكل كبير لتدقيق في سلطات رئيس الوزراء. وسيكون قيام الاحزاب السياسية العراقية المتنوعة فعليا بذلك (بالتدقيق في صلاحيات المالكي) بمثابة اختبار حاسم لديمقراطية العراق التي بدأت بالتبرعم.

ويقول جوست هلترمان الخبير بالشأن العراقي في مجموعة الازمات الدولية ان المالكي استفاد من حقيقة كون العراق كان يمثل اولوية عليا لادارة اوباما.

اتجاهات الاحتجاجات ومحفزاتها

ويتوقع خبراء من ان الأحتجاجات في العراق ستكون أوسع مما هي عليه الآن لجهة تحديد مستقبل السياسة العراقية، فما هي اتجاهاتها الاحتجاجات. وفي استعراض لمجريات مايجري على الساحة الجماهيرية حيث تشير الى عدة مطالبات:

- شهدت عموم محافظات العراق احتجاجات. وركزت الشعارات والهتافات الغاضبة على التنديد بـ: الفساد الحكومي المستشري، عدم التزام الحكومة العراقية بإجراء الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية، تردي الخدمات العامة بمستويات غير مسبوقة.

- من جهتها تعمدت الوسائط الإعلامية العربية الرئيسية والعالمية إلى غض النظر عن الاحتجاجات العراقية والتركيز حصراً على الاحتجاجات الليبية، وهي نفس إستراتيجية هذه الأجهزة والوسائط القائمة على أساس اعتبارات إدارة عمياء على ما يحدث ليس فقط في العراق، وإنما في السعودية واليمن والبحرين وسلطنة عُمان.

- سقوط عدد من القتلى والجرحى بسبب استخدام قوات الأمن العراقية العنف.

- ضغط الاحتجاجات على السلطة التشريعية حيث تأثرت الكتل السياسية العراقية بضغوط الاحتجاجات، وفي هذا الخصوص فقد تعرضت كتلة العراقية التي يتزعمها إياد علاوي إلى الانقسام، وتقول المعلومات بأن أحد زعماء القائمة العراقية وهو حسن الهاشمي قد خرج ومعه ثمانية من نواب القائمة العراقية وشكلوا ما أطلقوا عليه تسمية "الكتلة البيضاء" وإضافة لذلك فقد سعى الزعيم الشيعي مقتدى الصدر لجهة القيام بعمليات التعبئة الفاعلة في أوساط قاعدته الشعبية ومناطق نفوذه، وخلال اليومين الماضيين سير أنصار الزعيم مقتدى الصدر قائد التيار الصدري العديد من المواكب الغاضب التي نددت بالحكومة العراقية وبالسعودية ودول الخليج، إضافة إلى التنديد بالولايات المتحدة الأمريكية واتهامها بالتدخل لجهة استهداف خصوم أمريكا وإسرائيل في المنطقة.

- ضغوط الاحتجاجات على السلطة التنفيذية حيث  أدت تأثيرات ضغوط المظاهرات الاحتجاجية الغاضبة إلى تصاعد مخاوف وغضب رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي والذي سعى على الفور إلى اتهام المتظاهرين بالسعي لنسف العملية السياسية العراقية، وأضافت التقارير بأن نوري المالكي قد سبق وأن تقدم بما أطلق عليه تسمية برنامج الـ (100) يوم من أجل إجراء الإصلاحات والتغييرات، والآن، وخلال تصريحاته عاد نوري المالكي ليطالب المتظاهرين بضرورة التريث ريثما ينتهي الـ 100 يوم، وتقييم ما يتم القيام به، وإضافة لذلك أكد المالكي على التزامه بإجراء التحقيقات وتحديد المسئولين عن عمليات قتل المتظاهرين وتقديمهم للمحاكمة.

احتمالات احتدام الصراع المؤسساتي

وبدأت تلوح في الأفق احتمالات حدوث الصدام بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وفي هذا الخصوص نشير الى جملة نقاط:

- سعى رئيس الوزراء نوري المالكي إلى اتهام البرلمان العراقي ورئيسه أسامة النجيفي بالتباطؤ والتلكؤ في إجراء الإصلاحات القانونية والتشريعية.

- سعى رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي إلى المطالبة بضرورة عدم الاعتماد على مجلس الوزراء  وحده في إدارة شؤون السلطة التنفيذية، وذلك بسبب عدم قدرة وفعالية مجلس الوزراء في التصدي بكفاءة لجهة تقديم المعالجات التنفيذية التي تتسم بالمصداقية.

تشير المعطيات إلى أن الخلافات التشريعية التنفيذية العراقية قد أدت إلى صعود خلافات نوري المالكيمع أسامة النجيفي، الأمر الذي دفع النجيفي إلى المطالبة بالآتي:

- عدم الاعتماد على مجلس الوزراء الحالي.

من الواضح أن خلافات البرلمان العراقي- مجلس الوزراء العراقي سوف تستمر لفترة أطول بما يمكن أن يزكي وقود الاحتجاجات الشعبية الغاضبة أكثر فأكثر، وعلى الأغلب أن يؤدي ذلك إلى إصابة مجلس الوزراء العراقي ورئيسه نوري المالكي بالعجز والشلل، ونفس الشيء بالنسبة للبرلمان العراقي ورئيسه أسامة النجيفي، أما بالنسبة للمتظاهرين والمحتجين العراقيين الغاضبين، فقد اتخذوا موقفاً جديداً لجهة رفض العملية السياسية العراقية بكاملها فقد خرجت جميع المدن والقرى العراقية من مظاهرات حاشدة يوم أمس الاثنين في ذكرى مرور عام كامل على الانتخابات البرلمانية العامة العراقية، وما هو جدير بالملاحظة والاهتمام أن المتظاهرين العراقيين أطلقوا على هذا اليوم اسم يوم الندم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/آذار/2011 - 6/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م