شهيق الجماهير وزفيرها

من القاموس السياسي العراقي المعاصر

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: (الزمن الذي تتحكم فيه الحكومات بشهيق الجماهير وزفيرها قد مضى، وعلينا ان نعطيهم القدر الكافي من الحرية في التظاهر دون التدخل في صلب ارادتهم الا في حالات الفوضى والتخريب المفتعل) اسامة النجيفي/ رئيس البرلمان العراقي.

ليس ابرع من التيارات القومية في التأسيس للغة الشعارات الرومانسية منذ ان تأسست تلك التيارات واكتسبت زخمها وحضورها من المراحل الزمنية التي كانت فيها لأفكارها سوقا رائجة..

كان ظهور التيارات القومية في البلدان العربية متأثرا بالإيديولوجية القومية الالمانية التي ستفرز بعد عقود الحركة النازية وزعيمها هتلر.

ساد التيار القومي في العراق وكان من آثامه ان قضى على الروح الوطنية العراقية تحت شعارات الامة العربية والوحدة من المحيط الى الخليج وشعارات من مثل الوطن العربي الكبير والامبريالية والعدو الصهيوني وغيرها الكثير من المفردات ذات الوقع الرومانسي في اسماع جمهور عريض اندفع وراء تلك الشعارات تحركه امجاد الماضي ويجد فيها عزاءه لكل النكبات والمصائب التي يعانيها.

شعارات ما بنت الامة بل فرقتها وشرذمتها الى امم وقبائل ، ولم توحدها لا على مستوى الاقتصاد او الثقافة فما بالك بالسياسة.

لم تفلح تلك التيارات وبعد ان استلمت مقاليد السلطة في بعض البلدان من ان تنهض بواقع مواطنيها بل عملت على تهميشهم واقصائهم تحت شعارات القضية المركزية وكل شيء من اجل المعركة وملاحقة الخونة والمدسوسين والعملاء..وغيرها من الشعارات التعبوية التي جعلت الانفاق على العسكر والمؤسسة العسكرية يتصدر ارقام الميزانيات في تلك البلدان ثم ليتحول ذلك التضخم الى عملية عسكرة للمجتمع كما رأيناه في العراق والى تحول المؤسسة العسكرية الى اداة من ادوات القمع ضد الجماهير التي تدعي الدفاع عن مطالبها.

ولنا في تجارب الكثير من البلدان العربية مثل بارز على تلك الديماغوجية الثورية التي صادرت الاحلام وحتى الواقع لصالح اوهام لا تنسجم مع لغة العقل والمنطق.

افرزت تلك القومية قادة وحكام مثل جمال عبد الناصر وحافظ الاسد وصدام حسين ومعمر القذافي الذين ورطتهم احلامهم في حروب لم تجلب سوى الكوارث لشعوبهم..واستعمل ثلاثة منهم الجيش في قمع معارضيه..وتفوق عليهم صدام حسين في استعماله السلاح الكيمياوي ضد مواطنيه الاكراد.

لم يقدم التيار القومي في تلك البلدان اعتذاره عما الحقه بتلك الجماهير وعلى مدى عقود من صنوف القهر والاذلال والاستبداد والطغيان..

ولنأخذ العراق مثلا فنحن معنيين به اكثر من غيره من تلك البلدان ذات التوجه القومي ونراجع مسيرة تياره القومي خلال السنوات المنصرمة من عام 2003 وحتى الان لم نسمع من اي من اقطابه كلمة اعتذار واحدة او دعوة لمراجعة افكاره او فترة حكمه في العراق بل جل ما فعله هو التنصل من المسؤولية عن بعض مما قام به صدام حسين تحت مبرر ان صدام قد صادر الحزب وصادر الفكرة القومية لصالح نفسه وطموحاته الشخصية.

شهيق الجماهير وزفيرها ليس واحدا ، فمن خرج في الموصل او صلاح الدين او الانبار ليس كمن خرج في الناصرية او البصرة او الكوت.

في الموصل كان شهيق الجماهير ضد الحكومة المركزية وضد المالكي تحديدا ، ومن احرق المباني الحكومية هم قوات عسكرية دخلت الى الموصل بلباس مدني وقتلت لأسباب طائفية كما صرح المحافظ اثيل النجيفي وتلقفت تصريحه قنوات (الشرقية – الرافدين – البغدادية).

والاجدر بمكان المالكي وكتلة دولة القانون ، ضمنا وليس تصريحا ، هو اياد علاوي والقائمة العراقية.. وقد اشار ابراهيم الجعفري الى ذلك في كلمة له في البرلمان اعقبت كلمة النجيفي (ان التظاهرات في العراق ظاهرة صحية لكن يجب ان نفرق بين المطالبة بتغيير النظام والتغيير في النظام).

العراق الان محكوم بثنائية (الشيعة – السنة) اعترفنا بذلك ام انكرنا وهذه الثنائية وجدت صداها في احياء طرح قديم وهو (تفريس الشيعة) اي جعل كل شيعي هو فارسي الانتماء والهوية وهو ما نلاحظه في اكثر من موقع اعلامي يروج للقائمة العراقية واقطابها..وهم نفسهم اقطاب ذلك التيار القومي.

يرى حارث الحسن في مقاله المنشور قي جريدة العالم 8/ 3 /2011 (المجتمع الوطني: محنة الانتقال بين القومية التوتاليتارية والمحاصصة الاثنو- طائفية).

انت مرحلة ما بعد 2003 مرحلة غياب لسردية وطنية لان الوطن كان قد مات مسبقا، عندما افرغ من جدوى وجوده بمعزل عن وجود القائد، فلم يكن لدى العراقيين ايديولوجيا وطنية بديلة لتملأ الفراغ وتمنحهم هوية جامعة واضحة، ولذلك انطلقت العصبيات ما تحت وما فوق الوطنية محاولة الهيمنة ومتصارعة مع بعضها حول السلطة و الذاكرة والتاريخ. عدم الاتفاق على علم واحد كان احد ابرز مظاهر غياب السردية الوطنية الجامعة، لاسيما ان النظام الجديد بني ضمنيا على فكرة غياب هوية وطنية عراقية جامعة ومتجاوزة للهويات الفرعية، وبالتالي فانه شرعن محاصصة السلطة والموارد بين جماعات اثنية وطائفية مفترضا انها تمثل هويات حقيقية، على الاقل اكثر من الهوية الوطنية. غير ان نهج المحاصصة علاوة على انه عجز عن انتاج مفهوم موحد للأمة العراقية بحكم ان استمراريته تقوم على اثارة المشاعر الاثنية والطائفية وادعاء تمثيل الهويات الفرعية، فانه عجز عن تقديم سردية موحدة للماضي ورموز جامعة تتخطى صراعات الماضي.

جميع ما يقوله قادة التيار القومي والعروبي في العراق يدخل في باب الرومانسية البلاغية في توصيفهم للأحداث التي تقع على المسرح السياسي العراقي.

لان الحقيقة المؤكدة انهم ورغم مرور ثماني سنوات لم يستوعبوا انقلاب موازين القوى لغير صالحهم وان العراق يمكن ان يحكم من قبل الشيعة ، لان المعادلة الجديدة في نظرهم لا تستقيم مع عروبة العراق.

من هنا يكون في بعض الاماكن للجماهير (شهيقها المقدس) وفي اماكن اخرى (نهيقها المدنّس).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 10/آذار/2011 - 4/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م