حُكُومَةٌ بائِسَةٌ و جَمَاهيرٌ يائِسَةٌ

محمد جواد سنبه

مرّ العراق الديمقراطي بمرحلة اختبار الديمقراطية عملياً، من خلال ممارسة بعض أبناء الشعب التظاهر سلمياً. هذا المنعطف ارعب أركان الحكومة العراقية بكل مستوياتها، وبدأ المسؤول يفكّر باحتمالات سيئة، ربما ابسطها كيفيّة مواجهة الجماهيرية الغاضبة، المعبأة بهموم الكثير من المشاكل، التي تلكأت الحكومة في معالجتها بالرغم من مرور سنين عليها.

والظاهر أنّ هذه الأفكار لم تنحصر في اذهان السياسيين فحسب، وانّما تعدّت الى مراجع دين من داخل وخارج العراق، تحفزت لاصدار الفتاوى الدينية بحرمة المشاركة بالتظاهرات خوفاً على ارواح العراقيين. كما القى السيد رئيس الوزراء كلمة في الرابع والعشرين من شهر شباط 2011 حذر فيها (من دافع الحرص)، اندساس البعثيين الصداميين والارهابيين التكفيرين بين صفوف المتظاهرين، لأحداث الفوضى والتخريب.

لقد امتُصّ الغضب الشعبي نسبياً بتقديم الوعود والسقوف الزمنية القريبة للتنفيذ. ولعمري كم هو مسكين هذا الشعب المظلوم، الذي خرج من خرج منه للتظاهر حتى بدون قيادة تقود المتظاهرين، وحتى بدون وجود مطالب ذات سقوف مطلبية عالية غير(سدّ غائلة الجوع، وسقف واربعة جدران لتضم العائلة المشرّدة، او المهددة بالتشرد. وايصال شبكة مياه صحية واخرى للصرف الحي، و اصلاح طريق و بناء مدرسة، وتشغيل العاطلين).

كل المطالب كانت من اصل حق المواطن، وله ان يأخذها بلا منّة من الحكومة التي انتخبها، خصوصاً أنّ الموارد الهائلة للعراق والارقام الفلكية للموازنات العامة، لهذه السنة والسنين الماضية، تجعل هذه المطالب تافهة وساذجة ايضاً. لقد تحرك السيد رئيس الحكومة العراقية بانفعالية متميّزة هزّت الحكومة، مثلما شنجت اعصاب الشعب ايضاً. هذا المشهد المفعم بالتلميح الى (المجهول المخيف) حفّز عدة اسئلة يمكن استنباطها من مجريات الحدث منها:ــ

1. الى متى يبق البعث الصدامي والارهاب الكافر، مصدران يتعبان الشعب العراقي على الدوام، أليس هناك سلطات تشريعية وقضائية وتنفيذية تستطيع استخدام ادواتها لإنهاء هذين الملفين؟.

2. ألم يعلن اللواء قاسم عطا بان الجهات الأمنية استطاعت مسك هويات مزورة تخول اصحابها حمل السلاح، ذلك في عشية يوم التظاهر؟. وهذا منجز أمني ليس بالقليل، مبني على معلومات استخباراتيّة دقيقة. ثم كيف يتسنَ لجهاز امني الكشف عن هويات من هذا النوع، وتختفي عن انظاره فلول البعث الصدامي والارهابيين التكفيريين؟.

3. ألم يُسنّ قانون اجتثاث البعث او المسائلة والعدالة لقلب هذه المعادلة الرتيبة والانتهاء من ترديد هذه النغمة التبريريّة؟.

4. أين جهود لجان المصالحة الوطنية التي اخذت من ميزانية البلد، كمّاً لايستهان به من الاموال دون افراز أيّة نتيجة ملموسة؟. وفي الوزارة الحالية استحدث منصب (وزير المصالحة الوطنية) بدلاً من لجنة المصالحة الوطنية.

من الملاحظ ان المتظاهرين لم يطرحوا قضايا كبرى، لعدة اسباب منها؛ الانشغال بضروريات الحياة وضغوطها العنيفة من الناحية الاقتصادية، وغياب الوعي الجماهيري وفقدان القيادة الجماهيرية، التي تجتمع تحت لوائها كلمة الجماهير. ولو كانت الجماهير بالمستوى المطلوب من فهم الواقع لطرحت قضايا مصيرية مثل:

1. تعديل الدستور الذي اثبتت الأحداث عملياً ان هناك خللاً في العديد من فقراته، وانه لا يلبي متطلبات مرحلة النهوض بالعراق، كما ان بعض فقراته اصبحت مصدراً لإثارة الخلافات السياسية، وهذا يتنافى مع الغاية التي يُسن لأجلها الدستور.

2. الغاء المحاصصة في العملية السياسية، التي انتجتها المحاصصة الطائفية والقومية، حيث اثبتت الوقائع ان للمحاصصة سبباً مباشراً في ما آل إليه الوضع المتردي في العراق.

3. اصدار قانون الاحزاب السياسية للكشف عن مصادر تمويل الاحزاب السياسية.

4. اصدار قانون ينظم عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات يتم بموجبه إلغاء نظام توزيع فائض الاصوات، وبذلك نقطع الطريق امام صعود نواب(البخشيش!!). هذه الفئة من النواب لم يستطع افرادها الحصول على اصوات تؤهلهم للفوز بمقعد في مجلس النواب، لكنهم وصلوا الى ذلك بسبب (صاحب الفضل) الذي منحهم الاصوات الزائدة عنده، فوهب (صاحب الفضل) ما لديه من اصوات زائدة عن نصابه المقرر، ومنحها لمرشح لم يحصل إلاّ على اصوات قليلة، والشواهد بالاسماء كثيرة.

5. تطبيق مبدأ (من أين لك هذا؟.)، على ان يكون ذا أثر رجعي للسنين الماضية، ويشمل ايضاً من ترك الوظيفة الحكومية، بسبب الفصل او الاستقالة او التقاعد او الاعفاء.

6. اجراء التعداد السكاني بشرط الابتعاد عن التوصيفات الطائفية والقومية. فالهوية العراقية هي عنوان لكل عراقي شريف.

7. محاسبة الوزراء والمحافظين المستقيلين وغيرهم من المسؤولين، لأنهم جزء من منظومة حكومية اخفقت بواجباتها، فيجب ان يتحملوا نتائج الفشل في عملهم، وكان آخر هذه الاستقالات استقالة السيد امين بغداد، والسؤال: ألم يبق امين بغداد يدير دائرته لأكثر من خمس سنوات؟.

8. الفساد المالي المستشري في كيان الحكومة. والسؤال: ان الحكومة لها مؤسساتها وهي القادرة على تفعيل نشاط الأجهزة الرقابية، والاحتكام للقضاء(شريطة توفر الاخلاص والنزاهة)، ليأخذ المرتشون والمفسدون جزاءهم العادل. واختفاء اربعين مليون دولار من سجلات الموازنة لعام 2011 يقدم ذريعة شكّ قويّة، في مجال الفساد المالي والاداري.

9. الشهادات المزورة عند بعض المسؤولين، والتي تعتبر من اهم ركائز الفساد والتجاوز على النظام والقانون.

10. تقديم مشاريع قوانين من قبل مجلس الوزراء لاقرارها من قبل مجلس النواب، وحسب متطلبات الحياة العامة والحاجة اليها، فالوزارات هي الجهات التي تعمل بصورة متماسة مع حاجات المواطنين، وعدم الاعتماد كلياً على مجلس النواب بهذا الشأن.

11. تفعيل الجهاز القضائي وحثه على انجاز محاكمات المتهمين، ليأخذ المسيؤون جزاءهم وينال الابرياء حرياتهم.

12. تقديم مشروع قانون الى مجلس النواب يحدد رواتب رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس الوزراء ونوابه والوزراء ومن هم بدرجاتهم ورواتب الدرجات الخاصة من الموظفين، بدلاً من(التفضل) بالتنازل عن 50% من راتب هذا وذاك الى خزينة الدولة، حتى يبادر مجلس النواب من جانبه ايضاً، بسنّ قانون لتخفيض رواتب النواب حيث اصبحت الرواتب الضخمة التي يتقاضاها المسؤولون محطّ امتعاض شديد من قبل عامة المواطنين.

اتمنى من ابناء الشعب العراقي أنْ يدركوا بوعي ناضج هذه النقاط، كما التمس من مراجع الدين مساعدة الشعب العراقي لتحقيق هذه الاهداف المركزية، والعمل على تعريف الشعب بحقوقه، فذلك افضل بكثير من طلب السلامة والسكون، وترويض النفوس بالقبول بالأمر الواقع، فكل عراقي وطني غيور لا يرجو الفوضى لبلده، وانما يتمنى تطبيق الحق والعدل والمساواة.(فَلَيْسَ مَنْ طَلَبَ اَلْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ كَمَنْ طَلَبَ اَلْبَاطِلَ فَأَدْرَكَهُ)(الامام علي عليه السلام).

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 10/آذار/2011 - 4/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م