
شبكة النبأ: ربما تقوم قريباً دول
الخليج العربي العربية الغنية بالنفط بضخ مبالغ ضخمة من المساعدات
المالية في سلطنة عمان والبحرين لتهدئة الاضطرابات التي اندلعت مؤخراً
في كلا البلدين. وتأتي تقارير عن هذا التمويل المُرجح حدوثه -- والذي
يشمل أكثر من عشرة مليارات دولار للبحرين وحدها، الدولة التي يبلغ عدد
سكانها حوالي 900000 مواطن -- بعد أسبوع واحد من إعلان السعودية عن
حزمة إعانات مالية لشعبها بلغت 36 مليار دولار. ويرى سايمون هندرسون
زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، إن منح
كرم مالي من هذا القبيل إنما يشير بأن هذه الحكومات غير راغبة في تقديم
تنازلات سياسية في الوقت الذي تقوم فيه بالتعامل مع رياح التغيير التي
تجتاح العالم العربي.
الخلفية
حيث يقول هندرسون تشارك سلطنة عمان والبحرين إلى جانب دول الجيران
الأكثر ثراءاً -- وهي السعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة
-- كدول أعضاء في "مجلس التعاون الخليجي" الذي تشكل عام 1981 ككتلة ضد
إيران والعراق، اللتين كانتا قد دخلتا في حرب في العام السابق. وعلى مر
السنين، أصبح هذا المجلس محفلاً دبلوماسياً مفيداً، على الرغم من أنه
قد ثبت بأن قيام تعاون عسكري ووحدة اقتصادية ناجحين يبقيان بعيدا
المنال.
وتملك السعودية والكويت ودولة الإمارات مجتمعة ما يقرب من 40
بالمائة من احتياطيات النفط العالمي. ولدى قطر -- أصغر عضو في "مجلس
التعاون الخليجي" من حيث عدد السكان -- القليل من النفط نسبياً، لكنها
تملك حوالي 14 بالمائة من الغاز الطبيعي في العالم. وتوفر العوائد
الناتجة لتلك الدول مداخيل هي الأعلى بين معدلات دخل الفرد في العالم.
ورغم أن سلطنة عُمان تصدر الغاز الطبيعي، وتعتبر البحرين مركزاً مالياً
مهماً، إلا أن كلا الدولتين لهما خلفيتين اقتصاديتين أكثر تواضعاً
بكثير.
الاضطرابات الأخيرة
ويستشهد هندرسون قائلا بعد عدة أيام خالية من الاضطرابات، حدثت في 3
آذار/مارس صدامات متجددة بين الجماعات السنية والشيعية المتناحرة في
البحرين. وعلى الرغم من أن سكان الجزيرة الذين هم من الأغلبية الشيعية
قد هيمنوا على الكثير من الاحتجاجات الأخيرة، بيد كان هناك بعض السنة
الذين طالبوا أيضاً بالمزيد من الحقوق من العائلة الملكية السنية
المتهمة بالمحسوبية والفساد. وقد أصيب العديد من الأشخاص في القتال
الذي جرى قرب العاصمة المنامة، حيث استخدم بعض المقاتلين السكاكين
والسيوف والعِصي.
وفي سلطنة عمان يقال إن الوضع هادئ لكنه متوتر في المدينة الشمالية
صحار حيث قُتل فيها شخصان خلال الاشتباكات التي وقعت بين الشباب وقوات
الأمن في 27 شباط/فبراير المنصرم. وخلافاً لما حدث في البحرين، إن
الاضطرابات في عُمان ليست طائفية بل تتعلق ببطالة الشباب ومزاعم الفساد
بين وزراء الحكومة. ويوقّر الكثير من سكان السلطنة -- البالغ عددهم 2.5
مليون نسمة -- حاكم البلاد السلطان قابوس بن سعيد، لكنه كافح من أجل
خلق قاعدة صناعية بسبب هبوط احتياطيات النفط والغاز.
عامل إيران
فيما يرى هندرسون إن قرب إيران من كل من عُمان والبحرين يشكل خطراً
كبيراً للغاية. فقد ادعت طهران رسمياً -- حتى السبعينات من القرن
الماضي -- أن البحرين أرض تابعة لها، كما يقوم سياسيون إيرانيون بإحياء
هذه الفكرة أحياناً، ويعود ذلك جزئياً إلى الروابط التاريخية المشتركة
والارتباط الطائفي بين السكان الشيعة في كلا الدولتين.
ويقع ساحل عُمان الشمالي على مسافة أميال قليلة من إيران، مباشرة
عبر مضيق هرمز الاستراتيجي عند مدخل الخليج، والذي يعْبِر منه يومياً
حوالي 30 بالمائة من النفط المتداول عالمياً. وفي تصريحاتها العلنية،
تلتزم عُمان بالحذر للحفاظ على موقف محايد تجاه إيران (التي حققت
بالمناسبة نفعاً لواشنطن في العام الماضي بتأمينهاً الإفراج عن واحد من
ثلاثة من المتجولين الأمريكيين المسجونين). وعلى الرغم من وجود طائفة
شيعية في السلطنة، إلاً أن معظم العمانيين هم من المسلمين الإباضية.
هذا، فضلاً عن موقع البلاد على المحيط الشرقي لشبه الجزيرة العربية،
بمواجهة المحيط الهندي، وهو ما يميز عمان عن جيرانها في "مجلس التعاون
الخليجي".
ردود الفعل على الثورات العربية
ويضيف، منذ وقوع الاضطرابات لأول مرة في تونس ومصر، أظهر حكام دول "مجلس
التعاون الخليجي" قلقهم بشكل واضح، وقد جاءت تفضيلاتهم المحافظة مخالفة
لموقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية. فعلى سبيل المثال، منذ فراره
من بلاده مُنح الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي ملاذاً آمناً
في مدينة جدة السعودية. وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس المصري السابق
حسني مبارك يترنح في السلطة، أرسلت عمان مبعوثاً خاصاً إلى القاهرة
لإظهار الدعم، في حين أرسلت دولة الإمارات وزير خارجيتها. وفي غضون ذلك،
أفادت الأنباء أن العاهل السعودي الملك عبد الله أجرى مكالمة هاتفية
غير ملائمة مع الرئيس الأمريكي أوباما حول مصر، أشارت فيها المملكة إلى
استعدادها لتعويض القاهرة عن أي وقف للمساعدات الأمريكية.
وفي الآونة الأخيرة، أطلق الجيش البحريني النار على متظاهرين قاموا
باحتجاجات سلمية، مع انتشار موجة الاضطرابات الإقليمية في الخليج. ورداً
على ذلك، مارست واشنطن ضغوطاً على الملك حمد بن عيسى آل خليفة لسحب
قوات الجيش من الشوارع، وفتح حوار سياسي مع المعارضة، وهو ما فعله. بيد،
ما يزال شبح التدخل السعودي قائماً. ومن منظور الرياض، إن أي تنازل
للشيعة سيوحي لإيران بالضعف. وتخشى أسرة آل سعود أيضاً من أن تؤدي
زيادة الحقوق السياسية في البحرين إلى مطالبات مماثلة من قبل الشيعة
السعوديين البالغ عددهم مليوني شخص، والذي يعيش الكثير منهم قرب حقوق
النفط على ساحل الخليج في المملكة قبالة البحرين.
وفي خضم الاضطرابات، شهدت الأيام العشرة الماضية موجة متزايدة من
اجتماعات رفيعة المستوى بين زعماء دول "مجلس التعاون الخليجي". فقد كان
ملك البحرين بين من استقبلواً الملك عبد الله لدى عودته إلى السعودية
بعد ثلاثة أشهر قضاها في العلاج الطبي في الخارج. وبالإضافة إلى ذلك
فإن أبرز أولاد حمد -- ولي العهد سلمان الموكلة إليه مهمة تطوير الحوار
السياسي المحلي -- قد زار الرياض لمدة يومين في 2 آذار/مارس أجرى
خلالها محادثات مع وزير الداخلية السعودي الأمير نايف الذي يُعتبر من
مؤيدي التعامل بحزم مع المحتجين الشيعة، وفي الوقت نفسه يُنظر إليه
بأنه صانع قرار حاسم لأية معونات يتم تحويلها. كما قام ولي عهد قطر،
الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بزيارة العاصمة السعودية. وفي غضون ذلك، قام
حاكم الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، واثنان من زعماء الإمارات --
حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن
زايد آل نهيان -- بزيارة مسقط للتوسط لحل النزاع بين سلطنة عُمان ودولة
الإمارات حول وجود مزاعم بالتجسس. ومن المهم الإشارة هنا إلى أنه لم
ترد أخبار عن قيام زيارات لليمن -- الدولة الأخرى في شبه الجزيرة
العربية -- التي يبدو أن رئيسها المحاصر بالإنتقادات علي عبد الله صالح
قد تُرك ليلقى مصيره وحده.
مواقف تجاه الإصلاح
كما يرى الكاتب الامريكي هندرسون في مقاله، ما تزال جميع دول "مجلس
التعاون الخليجي" مشيخات قبلية في جوهرها، بينما تصف السعودية والبحرين
نفسيهما بأنهما نظامان ملكيان. وعلى هذا النحو، فإن هذه الأنظمة هي في
الغالب استبدادية، حيث تبقى السلطة التنفيذية في أيدي الحاكم، وتُخصص
أهم المناصب الحكومية لأعضاء الأسرة الحاكمة. إن الكويت هي الوحيدة فقط
من بين هذه الدول التي لديها جمعية وطنية منتخبة ["مجلس الأمة"]، وتسير
على قدم المساواة مع المعايير التشريعية الدولية، وتسجل درجات عالية
نسبياً في مؤشرات مؤسسة "فريدم هاوس". وعلى النقيض من ذلك، لدى
السعودية مجلس استشاري مُعين، بينما يتم التلاعب [بقرارات] "مجلس
النواب" في البحرين لصالح الأقلية السنية في البلاد. وأما حول المساواة
بين الجنسين، فلدى غالبية دول "مجلس التعاون الخليجي" حالياً، وزيرة
واحدة على الأقل أو نائبة وزير/وزيرة في الحكومة. كما لدى كل من عُمان
والبحرين سفيرة معتمدة لدى الولايات المتحدة، وفي حالة البحرين فإن
المبعوثة هي يهودية أيضاً.
وإذا توضع هذه التجارب الديمقراطية جانباً، نجد أن النتيجة السائدة
بين النخب الحاكمة لدول "مجلس التعاون الخليجي" هي أن مَنْح المزيد من
الليبرالية في المستقبل القريب إما غير ضروري أو غير حكيم. فعلى سبيل
المثال، يعتبر الكثيرون أن التوترات في "مجلس الأمة" الكويتي -- التي
غالباً ما تكون صاخبة -- تشكل عائقاً أمام الحكومة وليس تحسناً. لذلك،
ليس من المستغرب أن يبدو زعماء دول "مجلس التعاون الخليجي" وكأنهم
يرفضون فكرة الولايات المتحدة القاضية بأنه ينبغي عليهم أن يكونوا
مستعدين للاعتراف بالقيم العالمية مثل حرية التعبير والمشاركة السياسية.
السياسة الأمريكية
ويختتم في الوقت الذي أدت الأزمة التي لم تُحسم بعد في ليبيا إلى
تشتت انتباه واشنطن، يبدو أن دول الخليج العربية المحافظة قد قررت ما
هو الطريق الذي ستسلكه في المرحلة اللاحقة. فبدلاً من المجازفة مع
المجهول فإنها تعود إلى الأساليب التقليدية مثل زيادة سخائها نحو
شعوبها مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بالسيطرة الحازمة عليهم. وبالنظر إلى
أن منشآت القوات الجوية والبحرية الأمريكية في الكويت والبحرين وقطر
ودولة الإمارات وعُمان تقدم دعماً حاسماً للعمليات في العراق
وأفغانستان، ربما يروق لواشنطن رؤية استقرار هذا الاتجاه المحافظ
والمقاوم للتغيير. ومع ذلك، فكما هو الحال في الزيادات الضخمة في
الهبات المالية من قبل حكومات دول "مجلس التعاون الخليجي"، تبقى
المراهنة على هذه النتيجة على المدى الطويل مقامرة وليست يقيناً.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |