الكفاح المدني

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الغوغاء مفردة تتجذر بمعناها وفعلها في الواقعين العربي والعراقي، ولها حضورها لاسيما في الازمات السياسة، فهي تطلق على مجاميع بشرية يستفزها واقع الحال المعيشي المتردي، فتنتفض على ذلك الواقع، لكنها ما تلبث أن تشطّ عن سبل الصواب، فتسودها الفوضى بسبب غياب التنظيم والقيادة السليمة الواعية، وتبدأ هذه المجاميع بعمليات التخريب والسلب والنهب وحرق المنشآت الحكومية، وتعتدي على الممتلكات العامة والخاصة، وتدفع البلاد الى حالة من عدم الاستقرار المقرون بغياب الأمن، وقد يمتد الامر الى إزهاق الارواح وانتهاك الحرمات، مع الغياب الكلي لسلطة القانون، او العرف، او الدين والنواميس التي تحكم حركة المجتمع.

وتجد هذه الظاهرة مكانا فسيحا لها، في ظل الانظمة السياسية التي تحكم شعوبها بالحديد والنار، بل تقوم الانظمة الدكتاتورية عن قصد مسبق بنشر ثقافة الغوغاء، أو (البلطجية) كما يطلق عليها المصريون، بين فئات الشعب، خاصة بين الشرائح الشعبية ذات الوعي المتدني، وفي حالة قيام التظاهر او الاحتجاج ضد الانظمة القمعية، فإن الوقت يحين لاستخدام مجاميع الغوغاء، من أجل القيام بمهامها في التخريب والقتل والاعتداءات التي تدفع بعموم الشعب الى التخوّف من التظاهرات والاحتجاجات، حتى لو كانت سبيلهم لاستعادة حقوقهم من السلطة التي تحكمهم وتنتهك حرياتهم.

إذن تبدو الغوغاء نوعا من التربية المسبقة تنشأ وتنمو بصورة قصدية في ظل الحكومات القمعية، لأن الوعي الحقيقي هو العدو الاول لتلك الحكومات، ولذلك توغل في التجهيل وترك الشعب يغوص في وحل العوز والجوع والجهل، فتنشأ بؤر الغوغاء تلقائيا، بسبب الشعور بالغبن وحالات الظلم التي ستجد لها متنفسا في التظاهرات والاحتجاجات والانتفاضات، التي سرعان ما تتحول بدورها، الى مظاهر تخريب، تسيء للتظاهرات، بدلا من أن تساندها وتديمها، وهذا تحديدا ما تهدف إليه الحكومات المستبدة.

الكفاح المدني نقيض الثقافة الغوغائية، حيث يتدرب المجتمع على تنمية قدراته النضالية بطرائق سلمية متمدّنة، وهذا لا يحدث في ظل الحكومات القمعية، بل لا يُسمح به قط، إنما يمكن أن تبدأ ثقافة التظاهر السلمي المتمدن، في ظل الحكومات الديمقراطية التي تساعد شعوبها على كيفية الاحتفاظ بحقوقها، وعدم المس بحرياتها، فتسمح بثقافة التمدن، أما في المجتمعات التي لاتزال تفتقر الى الأنظمة الدستورية، والى دولة المؤسسات القوية، فإنها تحتاج الى انتهاج ثقافة واسلوب الكفاح المدني المتواصل، من اجل تأسيس وتطوير وتنمية ثقافة الاحتجاج والتظاهر المدني، بكل درجاته الأدنى والأعلى، ومنها بطبيعة الحال العصيان المدني الذي يعد من أعلى مظاهر الاحتجاج السلمي.

ولهذا لابد للمجتمع العراقي، أن ينحو الى تطوير ثقافة الكفاح المدني في عموم توجهاته وفعالياته، وأن ينبذ حالات التخوّف من التظاهرات المدنية السلمية، لأنه في حالة تنمية هذا الاسلوب المتمدّن، سوف يتم القضاء على مجاميع الغوغاء التي تستغل التظاهرات، لتحقق مآرب مادية سريعة ولاشرعية، فتفسد الاهداف المشروعة التي تدفع بالشعب الى التظاهر السلمي، وفي المقابل تنمو ثقافة السبل السلمية لحماية الحقوق والحريات.

ولابد أن نفهم ونؤمن جميعا، بأن نشر ثقافة الاحتجاج السلمي، لا تتحقق من دون التخطيط المسبق لها، من لدن الجهات المعنية، سواء رسمية كانت او مدنية، ولذلك يمكن طرح المقترحات التالية في هذا الصدد:

- توعية الشعب عموما على التفريق بين التظاهر السلمي المكفول، وبين النوايا المبيّتة لمجاميع الغوغاء.

- تدريب الشعب على كيفية المطالبة بحقوقه، والحفاظ على حرياته، بالسبل السلمية المتحضّرة، وهذه مهمة المنظمات المعنية، ووسائل الاعلام، والمؤسسات التعليمية، كالمدارس والجامعات وغيرها.

- التحذير من عمليات التخريب، التي تعطي انطباعا مضادا لاهداف التظاهر، وضرورة العزل بين الغوغاء والجمهور الواعي.

- كشف الاساليب التي تقف وراءها بعض المؤسسات الامنية، التي تشجع على التخريب، وفضحها امام الشعب، والعالم، عبر وسائل الاعلام المستقلة، بالادلة القاطعة.

- عدم التخوف من الاحتجاجات (شعبيا وحكوميا) طالما أنها محكومة بمظاهر السلم والتمدّن.

- نشر ثقافة النضال المدني، كبديل معاصر لثقافة الغوغاء، وهذه مهمة الدولة ومؤسساتها المعنية، بالاضافة الى مسؤولية المنظمات المدنية المعنية بهذا الأمر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعائ 9/آذار/2011 - 3/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م