ما بعد الثورة... مخاض تعديل الدستور المصري

 

شبكة النبأ: كشف خبراء قانونيون النقاب عن التعديلات المقترحة للدستور المصري بناء على تكليف من المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يحكم البلاد منذ اطاحة تظاهرات حاشدة بالرئيس حسنى مبارك.

وقال المجلس ان التعديلات المقترحة ستطرح في مناقشات عامة عبر وسائل الاعلام قبل اجراء استفتاء لإقرارها يعقبه انتخابات برلمانية ورئاسية. وعلق المجلس العمل بالدستور المصري عند توليه السلطة. وطالب بعض المعارضين والقضاة بوضع دستور جديد. في الوقت الذي تسعى بعض الجهات الخارجية حسب مخاوف المصريين الى اجهاض المساعي الرامية الى ذلك التعديل.

استفتاء 19 مارس

فقد قال عضو بائتلاف ثورة الشباب في مصر بعد لقاء مع المجلس العسكري الحاكم إن المجلس قرر اجراء استفتاء على التعديلات الدستورية في 19 مارس اذار واجراء انتخابات برلمانية في يونيو حزيران وانتخابات رئاسية بعد ذلك بستة اسابيع.

وائتلاف شباب الثورة هو الذي نظم وقاد الاحتجاجات التي اطاحت بالرئيس حسني مبارك في وقت سابق من هذا الشهر.

وقال زياد العليمي انه اجتمع مع ثلاثة من اعضاء المجلس الاعلى للقوات المسلحة، ومضى قائلا "مجلس القوات المسلحة أبلغنا ان الاستفتاء على التعديلات الدستورية سيجرى في 19 مارس وانتخابات مجلس الشعب ستجرى في يونيو.. انتخابات الرئاسة ستجرى بعد ذلك بشهر ونصف." ولم يعلن المجلس حتى الآن موعدا رسميا للاستفتاء او الانتخابات.

وقال العليمي إن المجلس قال انه ملتزم بتسليم السلطة لحكومة مدنية في فترة الاشهر الستة التي حددها ويرفض دراسة تمديد تلك الفترة.

حرية ونزاهة الانتخابات

في سياق متصل قال قاض مصري مسؤول عن لجنة لتغيير الدستور قبل اجراء انتخابات في غضون ستة أشهر ان التعديلات التي وافقت عليها اللجنة توفر ضمانات قانونية كافية لاجراء انتخابات حرة ونزيهة.

وتفتح التغييرات المقترحة الباب امام المنافسة على منصب الرئيس الذي شغله حسني مبارك لمدة 30 عاما وتقيد تولي المنصب بفترتين رئاسيتين مدة كل منهما أربع سنوات وتضمن اشرافا قضائيا على الانتخابات.

وقال المستشار طارق البشري "من ناحية الاحكام الدستورية وأحكام التنظيم القانوني من وجهة نظرنا هذه ضمانات كافية" لاجراء انتخابات حرة ونزيهة. وأضاف ان هذه هي التغييرات التي هناك حاجة اليها لفترة انتقالية. بحسب رويترز.

وستسهل الاصلاحات المقترحة على المصريين كثيرا خوض انتخابات الرئاسة وأزالت القيود التي كانت تجعل من المستحيل تقريبا على أي شخص خوض الانتخابات غير اعضاء الحزب الوطني الحاكم وأعضاء احزاب المعارضة الضعيفة والتقدم بمرشح للمنصب.

وقال البشري في مقابلة "أهم قيد على سلطات الرئيس في أي جمهورية ليس حجم السلطات التي لديه وانما الوقت الباقي له."

وقال انه سيكون هناك أيضا دستور جديد وهو طلب يقول كثير من المصريين ان البلد يحتاج اليه مضيفا ان التعديلات المقترحة تفوض باجراء اصلاحات دستورية شاملة تكون لها الاولوية ويقرها في نهاية الامر برلمان منتخب.

وقال البشري "هنا قيد الزمن مهم جدا بالنسبة للرئيس. والقيد يتعلق بأمرين أولا قيد الوقت وانه من أول يوم سيكون مشغولا والدولة مشغوله بوضع دستور جديد."

وأضاف البشري ان الاستفتاء سيحدد بمجرد ان تنتهي المناقشات العامة وقال انه يعتقد بالفعل "ان الفترة لن تزيد على اسبوعين الى ثلاثة اسابيع" من الان.

وسيكون الانتخاب ببطاقة الرقم القومي وليس ببطاقات النظام الانتخابي المربكة التي يقول ناشطو المعارضة والناخبون انها تثنيهم عن المشاركة وسيشرف عليها القضاء.

وقال انه لن يكون هناك تصويت منفصل على كل تعديل وانما تصويت واحد على التعديلات بالكامل.

وقال البشري ان انتخابات مجلسي الشعب والشورى ستعقب الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي من المتوقع ان تتم الموافقة عليها وان انتخابات الرئاسة ستجري خلال ستة أشهر حددها الجيش. وقال البشري ان مصر تعمل داخل اطار زمني قصير.

وقال "ستة أشهر طبعا فترة قليلة لبناء أحزاب ناضجة واسعة الانتشار تبلور فيها رؤية سياسية واضحة ولها قوة جماهيرية ضاغطة."

وأضاف "الاحزاب السياسية عندما تتواجد لها حرية التكوين ستنشأ وتنمو أسرع بكثير من فترات الركود السياسي مثل ما قبل."

تقليص فترة الرئاسة

الى ذلك لن يسمح للرئيس المصري القادم بالبقاء في الحكم لاكثر من ثمانية أعوام وفقا للتعديلات الدستورية التي ستفتح باب المنافسة على المنصب الرئاسي الذي احتفظ به الرئيس المخلوع حسني مبارك لمدة 30 عاما.

وكان مبارك يقضي فترته الرئاسية الخامسة ومدتها ستة اعوام عندما أطاحت به في 11 فبراير شباط انتفاضة شعبية خرجت للمطالبة بإنهاء حكم الفرد.

وبتقليص عدد الفترات التي يمكن ان يقضيها الرئيس في الحكم فإن مصر ستقدم نموذجا للدول العربية الاخرى التي يحكمها سلطويون منذ عقود.

ومن بين هذه الدول تونس التي اطيح برئيسها الشهر الماضي وايضا ليبيا التي يواجه زعيمها حاليا ثورة شعبية.

وكان الدستور الحالي الذي عطله المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي سلمه مبارك السلطة يجعل في عداد المستحيل على أي مرشح معارض التقدم لمنافسة مرشح الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم. بحسب رويترز.

ويعد استكمال مسودة التعديلات الدستورية علامة فارقة على طريق مصر نحو الانتخابات التي قال المجلس الاعلى للقوات المسلحة انه يأمل في اجرائها خلال ستة أشهر والتي يأمل المصريون أن تدشن عهدا جديدا من الديمقراطية.

وقال محمد الكتاتني المتحدث باسم الاخوان المسلمين انه "عندما يعرف الرئيس ان اقصى مدة له هي ثماني سنوات فان استبداده سيتقلص او ينتهي تماما."

وسوف يحتاج المرشحون للرئاسة تأييد 30 نائبا في البرلمان ليلغى الاشتراط السابق بتأييد 250 نائبا منتخبا في البرلمان والمجالس الشعبية من بينهم 65 نائبا في البرلمان.

وفي حالة عدم توافر هذا الشرط يمكن ان يخوض المرشح الانتخابات بعد حصوله على توقيعات 30 ألفا من الناخبين المسموح لهم بالتصويت من 15 محافظة.

وبديلا لذلك أيضا من الممكن أن يخوض المرشح الانتخابات عن حزب سياسي مسجل له نائب واحد منتخب على الاقل في البرلمان بمجلسيه الشعب والشورى.

كما تزيد التعديلات المقترحة من صعوبة فرض الرئيس لحالة الطوارئ - التي تخضع لها البلاد منذ عقود - والتي يطالب الناشطون المعارضون برفعها كواحد من مطالب عديدة لاصلاح النظام الانفرادي للحكم في مصر.

ويقول الكثير من المنتقدين للدستور المصري ان الدولة لا تزال في حاجة الى دستور جديد بالكامل. وحتى بعد التعديلات فان الدستور مليء بالمتناقضات وما زال يمنح الكثير جدا من الصلاحيات للرئيس الى جانب عيوب اخرى. وقال البشري انه سيتم صياغة دستور جديد بعد الانتخابات.

وقال ابو العلا ماضي مؤسس حزب الوسط الذي تمت الموافقة عليه مؤخرا ان النظام السلطوي أغلق كل النوافذ وانهم كانوا يأملون في حدوث هذا التطور الذي لم يكن ليحدث لولا ثورة 25 يناير كانون الثاني.

وتصدت اللجنة القضائية لتغييرات مقترحة تسمح بتشكيل سريع للاحزاب السياسية وهو امر يخضع لقيود شديدة بموجب القوانين الحالية.

التعديلات المقترحة

وفيما يلي تفاصيل بعض المواد المعنية من الدستور والتعديلات بحسب رويترز.

مرشحو الرئاسة (المادة 76)

تتيح المادة الواردة في الدستور الحالي لقلة من المرشحين خوض انتخابات الرئاسة المقبلة المقرر ان تجري في سبتمبر ايلول - احدهم من الحزب الوطني الديمقراطي واخرون من عدد قليل من الاحزاب المعترف بها وهي احزاب صغيرة ذات ثقل لا يعتد به.

من الناحية النظرية يمكن أيضا للمستقلين الترشح في الانتخابات ولكن يتطلب ذلك مساندة 250 مسؤولا منتخبا من بينهم 65 من اعضاء مجلس الشعب الذي تم حله بالفعل.

وينص التعديل المقترح على ضرورة ان يحظى المرشح للرئاسة بتأييد 30 نائبا في البرلمان أو الحصول على توقيعات 30 ألفا من الناخبين الذين لهم حق التصويت من نصف عدد محافظات مصر أو أن يرشح من خلال حزب سياسي مسجل له نائب واحد منتخب على الاقل في البرلمان بمجلسيه الشعب والشورى.

تحديد فترات الرئاسة (المادة 77)

يسمح الدستور الحالي للرئيس بالترشح لعدد غير محدود من الفترات. وكان مبارك يشغل فترة رئاسته الخامسة ومدتها ستة اعوام. وتريد المعارضة تحديد فترات حكم الرئيس بفترتين فقط كما هي الحال في الكثير من الدول الديمقراطية.

تقترح المسودة خفض فترة الرئاسة الى اربعة اعوام وقصرها على ولايتين فقط.

ادارة الانتخابات (المادة 88)

تنص المادة الحالية على اشراف لجنة انتخابات معينة تضم قضاة وشخصيات عامة على العملية الانتخابية.

تريد المعارضة تعديلات دستورية تحول دون تزوير الانتخابات وهي ممارسة مستشرية منذ عقود طويلة. وأهم خطوة اعادة مبدأ الرقابة القضائية التي ألغيت من الدستور في عام 2007 (المادة 88).

وأعاد التعديل الاشراف القضائي الكامل.

احكام القضاء الخاصة بتزوير الانتخابات (المادة 93)

تعطي المادة البرلمان وحده حق الفصل في صحة عضوية النواب. واستغلت اغلبية الحزب الوطني الديمقراطي في البرلمان المادة لتجاهل احكام القضاء التي تبطل النتائج في بعض الداوئر.

يمنح التعديل المحكمة الدستورية العليا حق الفصل في صحة عضوية النواب.

تعيين نائب الرئيس (المادة 193)

تنص المادة الحالية على ان لرئيس الجمهورية ان يعين نائبا أو اكثر ويحدد اختصاصاتهم ويعفيهم من مناصبهم. وتقضي بسريان قواعد مساءلة رئيس الجمهوية على نواب الرئيس.

وتلزم التعديلات المقترحة الرئيس بتعيين نائب له في غضون 60 يوما من توليه منصبه وفي حالة خلو منصب نائب الرئيس يتعين على الرئيس تعيين نائب اخر على الفور.

قانون الطواريء (المادة 148)

ينص الدستور الحالي على حق الرئيس في اعلان حالة الطورايء وضرورة اقرار البرلمان للامر.

ويقضي التعديل بعرض الرئيس قرار اعلان حالة الطواريء على البرلمان في غضون سبعة ايام. ويجب موافقة الاغلبية على اعلان حالة الطواريء وينبغي الا تتجاوز مدة اعلان حالة الطوريء ستة اشهر ولا يجوز مدها اكثر من ذلك الا بعد استفتاء الشعب.

لجوء الرئيس للقضاء العسكري (المادة 179)

تسمح هذه المادة للرئيس بتحويل اي قضية تتعلق "بالارهاب" لاي جهة قضائية مما يعطيه حق اللجوء للقضاء العسكري. واستخدمت الحكومة القضاء العسكري في حالات قالت انها تتعلق بالامن القومي والعنف الاسلامي نظرا لصدور الاحكام بشكل اسرع.

وتسمح حالة الطواريء المعلنة منذ عقود والتي تعهدت الحكومة التي يقودها الجيش بانهائها بمحاكمة مدنيين امام محاكم عسكرية.

وتقترح التعديلات الغاء هذه المادة.

تعديل الدستور (المادة 189)

تقضي بان الرئيس يطلب من البرلمان اقرار تعديلات دستورية او ان يقترح البرلمان تعديلات من جانبة وتقر جميع التعديلات من خلال استفتاء.

وتضيف التعديلات المقترحة ان من حق الرئيس ان يطلب اعداد دستور جديد بعد موافقة الحكومة ويمنح أيضا نفس الحق للبرلمان في حالة تقدم نصف الاعضاء في مجلسي الشعب الشوري بهذا المطلب. وفي الحالتين يجب اقرار الدستور الجديد من خلال استفتاء شعبي.

ردود الفعل

وفيما يلي ردود فعل شخصيات من المعارضة ومحللين:

أبو العلا ماضي مؤسس حزب الوسط

"وجود فترتين كل منهما أربع سنوات أمر رائع. ورغم أن هناك بعض الصعوبة في تلبية الشروط التي حددتها اللجنة للترشح الا أنه لا بأس بها."

"النظام الشمولي أغلق كل النوافذ. الجميع كان له أمل في التغيير لكن دون ثورة 25 يناير لما تحقق أي مما تم انجازه."

"التحفظ الوحيد لدي يتعلق بمجلس الشورى. كان لابد حله للابد لانه بلا فائدة."

المعارض أيمن نور

"ما زال لدينا تحفظات على ادارة التعديلات في حدود ضيقة جدا. نطالب أن يكون نائب الرئيس بمدتين. لابد أن يكون هنالك تصحيح لقانون الاحزاب... وتحديد لصلاحيات الرئيس."

جمال عيد نشط لحقوق الانسان

"هذه التعديلات مقبولة نظرا للوقت الضيق. ولو أنني كنت أتمنى أن تتغير المادة الثانية من الدستور لتجعل الشريعة الاسلامية واحدة من عدة مصادر للتشريع وليس المصدر الوحيد."

نبيل عبد الفتاح المحلل السياسي في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

قال ان وضع مادة تنص على أن فترة الرئيس لا تزيد عن أربع سنوات وأنه لا يحق له الترشح أكثر من فترتين ربما تكون أكبر التغييرات في الدستور المصري خلال الفترة المقبلة.

وأضاف أن من الضروري رفع حالة الطوارئ لانها يجب ألا تستخدم الا لمواجهة أوضاع تمرد على نطاق كبير في مناطق معينة أو الكوارث الطبيعية.

مصطفى كمال السيد خبير العلوم السياسية

"كان من الافضل صياغة الدستور بأكمله بدلا من تقييد عمل اللجنة. كان سيستغرق ذلك وقتا لكنه كان سيصبح أفضل للاعداد لدستور جديد يمنح مصر دستورا يحترم حقوق الانسان ويقيم توازنا حقيقيا بين سلطات الحكم الثلاث."

"يكفل الدستور حق المصريين لانشاء أحزاب سياسية طبقا للقانون لكن القانون يقيد الحق لانشاء أحزاب سياسية."

"كان من الممكن أن نذكر ببساطة (في التعديلات) أن للمصريين حق تأسيس أحزاب سياسية مع ابلاغ المؤسسين السلطات فحسب."

"نحتاج الى تغيير هذا القانون."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/آذار/2011 - 2/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م