كيف ستؤثر الثورات العربية على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية؟

صالح النعامي

هناك سؤال يطرح بقوة في هذه الأثناء في كل من واشنطن وتل أبيب حول تأثير تداعيات الثورات التي تعتمل حالياً في العالم العربي ضد الأنظمة الديكتاتورية على العلاقات بين الطرفين، فهل هذه الثورات ستؤدي إلى تعزيز هذه العلاقات أم إنها ستؤدي إلى تراجعها؟.

على الرغم من أنه لم يصدر تقييم رسمي من الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن مستقبل العلاقات بين الجانبين في أعقاب هذه التطورات، إلا إنها يتضح من خلال الجدل الدائر بين النخب الإسرائيلية على وجه الخصوص أن الإجابة على هذا السؤال متفاوتة إلى حد ما. فهناك من يرى أن الثورات التي شهدها العالم العربي والتي أدت إلى سقوط أنظمة استبدادية متعاونة مع الولايات المتحدة والغرب وضعضعة أنظمة أخرى من نفس الطراز، يدلل على أن مكانة إسرائيل كحليف استراتيجي للولايات المتحدة قد زادت بشكل كبير، على اعتبار أن هذه التطورات أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأنه لم يعد هناك للولايات المتحدة حليف مستقر يمكن الاعتماد عليه في الحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة سوى إسرائيل.

ويرى وزير الحرب الصهيوني الأسبق بنيامين بن اليعازر أنه في أعقاب سقوط نظام الرئيس مبارك، الذي كان يعد أوثق حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وأكثرهم استعداداً لخدمة المصالح الإسرائيلية، فإنه لا يمكن الوثوق بالأنظمة العربية الأخرى التي لازالت متحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية، سيما الأردن ودول الخليج والمغرب. يورام إتينغار رئيس مركز " بمحشفا " للدراسات الإستراتيجية " يرى أن ما خسرته الولايات المتحدة من حلفاء في غضون شهرين يذكرها بما خسرته على مدى عقود، منوهاً إلى خسارة واشنطن في الماضي نظام الشاه في إيران وتركيا، وهي اليوم تخسر مصر وتونس، وهناك مخاوف كبيرة أن تنتقل الثورة إلى الأردن لتطيح بالنظام القائم في عمان، وهو ما يمثل ضربة قاصمة ليس فقط للولايات المتحدة، بل لإسرائيل بشكل أكبر.

ويذكر إيتنغار بالخدمات التي قدمتها إسرائيل للولايات المتحدة في فترات حساسة جداً، منوهاً إلى إنه في غمرة إنشغال الولايات المتحدة في حربها في فيتنام، تدخلت إسرائيل وحركت قواتها لمنع سوريا عام 1970 من إسقاط! نظام الملك حسين، بعدما نفذ المجزرة ضد الفلسطينيين، فيما بات يعرف بأيل ول الأسود. ويشير إيتنغار بشكل خاص إلى دور إسرائيل في منع الدول العربية من التحول إلى قوى عسكرية كبيرة، على اعتبار أن هذا يمثل أيضاً مصلحة أمريكية واضحة، مستذكراً بقيام إسرائيل بقصف المفاعل الذري العراقي عام 1981، والمنشأة النووية شمال شرق سوريا عام 2006. لكن – حسب – إيتنغار – فإن أعظم ما تقدمه إسرائيل للولايات المتحدة يتمثل في المجال الاستخباري، حيث ينقل عن السيناتور إينويا رئيس لجنة الموازنة في مجلس الشيوخ، والذي شغل في الماضي منصب رئيس لجنة الاستخبارات، قوله أن ما تقدمه إسرائيل من معلومات استخبارية للولايات المتحدة يفوق ما تقدمه دول حلف الناتو مجتمعة. ويكشف إيتنغار النقاب عن أن إسرائيل أسهمت وتسهم بشكل كبير في تطور القدرات الأمريكية في مواجهة قوى المقاومة في العراق وأفغانستان، مشيراً بشكل خاص إلى إسهام إسرائيل في تقديم مساعدات تقنية وفنية واستخبارية للجيش الأمريكي مكنته من تحسين قدراته في مواجهة تهديد العبوات الجانبية والسيارات المفخخة، فضلاً عن تعقب المقاومين والتحقيق معهم.

لكن زلمان شوفال السفير الإسرائيلي الأسبق في الولايات المتحدة والقيادي في حزب الليكود يتحفظ على تصور إيتنغار، ويرى أن سرعة تخلي الولايات المتحدة عن حليفها الرئيس مبارك سيشجع من تبقى من حلفائها على إعادة تقييم موقفه من التحالف مع الولايات المتحدة. ونوه شوفال أن هناك من الزعماء من قد يتحول للتعاون مع إيران في حال تبين له أنه لا يمكنه الاعتماد على واشنطن في ساعة الاختبار. وبخلاف معظم المحللين الإسرائيليين، فإن شوفال يرى أن الخطر الذي يتهدد العلاقات الأمريكية الإسرائيلية مصدره الجمهوريين، وليس الديموقراطيين.

 ويشير في هذا الصدد إلى أن هيكابي، الذي يعرض نفسه كمرشح للرئاسة في الانتخابات القادمة عن الحزب الجمهوري يقول بشكل صريح وعلني أنه يتوجب على الولايات المتحدة العودة إلى حدودها والتوقف عن التدخل في الشؤون الأجنبية واستثمار الإنفاق على العلاقات مع الدول الخارجية في الانفاق على مشاريع التنمية ! الداخلية، حيث يصل الأمر بهيكابي إلى حد الدعوة إلى قطع المساعدات الاقتصادية والعسكرية عن إسرائيل. صحيح أن هناك أغبية ساحقة داخل الحزبين الجمهوري والديموقراطية تدعو بحماس للحفاظ على وتيرة العلاقات مع إسرائيل، إلا إنه من غير المستبعد أن يصل الكثير من الأمريكيين إلى ذات القناعة التي توصل إليها هيكابي.

بغض النظر عن التباين في تصور النخب إزاء تأثير الحراك الديموقراطي الذي يجتاح العالم العربي، فإن ما تجمع عليه هذه النخب هو حقيقة أن التحول الديموقراطي سيؤثر سلباً على إسرائيل. فمعظم التحليلات والمقالات التي زخرت بها وسائل الإعلام الإسرائيلية تعتبر أن تحول أنظمة الحكم العربية للديموقراطية يمثل ضربة قاصمة لإسرائيل، على اعتبار أن الأنظمة الديموقراطية العربية ستكون أقل تسامحاً مع إسرائيل، علاوة على أنها ستبدي استعداداً أقل للتعاون الأمني مع إسرائيل من وراء الكواليس، في حين أن الأنظمة الديكتاتورية بطبعها أكثر برغماتية ونفاقاً، حيث أنها في الوقت الذي تكتفي بدفع ضريبة كلامية للفلسطينيين، فإنها في المقابل ترتبط بتحالفات سرية مع إسرائيل.

www.naamy.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/آذار/2011 - 26/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م