كيف نخرج البحرين من عنق الزجاجة؟

مرتضى بدر

الأحد 27 فبراير 2011 أي حوار إذا ما أُريد له النجاح يجب أن يوفرّ له بيئة سليمة، ومناخ صحي بعيداً عن الضغط والإملاء والتخوين والتشويش الإعلامي والشحن الطائفي، والأهم من كل ذلك يجب أن تكون الأجواء خالية من أي تهديد أو وعيد، والنفوس كذلك يجب أن تكون مطمئنة ومهيأة لأي حوار وطني.

لاشك أن الجميع يريد وطناً يشعر فيه المواطن بالعزة والكرامة، ويكون للمواطن دور في صنع القرار، وطن خالٍ من التمييز الطائفي والعرقي والمناطقي والوظيفي.

إن الإعلان عن انطلاق حوار يعد خطوة سياسية جيدة، ولكن يجب أن تتبعه خطوات لا تقل عن حجم التضحيات.

 يوم “الخميس الدامي” الموافق 17 فبراير 2011 هزّ ضمائر المواطنين البحرينيين بكل أطيافهم ومذاهبهم، والضمائر الحية في مختلف أنحاء العالم. الصور المأساوية التي بثتها القنوات الفضائية لحادثة دوّار اللؤلؤة قد أفجعت الكثيرين في البحرين وخارجها. وذاكرة الشعوب لا يمكن محوها بسهولة، وخاصة في عصر تقنيات المعلومات والاتصالات التي توثق كل شيء بمنتهى الدقة والشفافية.

 لا أريد الخوض في تفاصيل الفاجعة التي عايشتها شخصياً عن قُرب، فقد كنت طوال الأسبوع الماضي متنقلاً بين دوار اللؤلؤة الذي تحوّل إلى صرح تاريخي، ومستشفى السلمانية، والمقابر لدفن أجساد الشهداء التي غُطّيت بأعلام البحرين، بينما أصوات المشيعين كانت تعلو بالتهليل والشعارات الوطنية والوحدوية مثل: (إخوان سنة وشيعة .. هذا الوطن ما نبيعه) و(لا سنية ولا شيعية وحدة وحدة وطنية).

مساء يوم السبت وبعد أن انسحبت وحدات قوة دفاع البحرين وقوات مكافحة الشغب، زحفت الجماهير رجالاً ونساءً وأطفالاً نحو دوار اللؤلؤة رافعين أعلام البحرين والشعارات باللغتين العربية والإنجليزية. وبين عشرات اللافتات المرفوعة، كانت هناك لافتة ترفعها امرأة شابة جلبت أنظار الكثيرين كُتِبت بالانجليزية، تقول فيها: “أنا مواطنة سنية أتضامن مع مطالب شعبي”، وحينما اقتربت منها لأشكرها على موقفها الوطني أحاطوها الأخوات من كل جانب، واحتضنوها بحب ومودة، وفي حينها شكرت الله، وتيقنت بأن البحرين بخير مادامت هناك قلوب مجتمعة على حب الوطن، تجمع بين أهلها الألفة والمودة رغم محاولات البعض جرّ البلاد إلى منزلق طائفي، وخاصة في هذه الفترة العصيبة والمصيرية التي يمر بها وطننا الحبيب.

تأملت في خطاب سمو ولي العهد الذي ألقاه السبت الماضي (19/2/2011)، والذي أكد فيه أن “الأزمة ناتجة عن عدم الاهتمام ببعض مطالب الشعب، ونحن في مرحلة امتصاص الغضب، وعلينا الاستماع إلى آراء الآخرين”. لا يختلف اثنان بأن الآخرين الذي قصدهم سموه، هم المعارضة تحديداً. هذه المعارضة كانت تدعو مراراً إلى الحوار، لكن دعواتها كانت تواجه دوماً بالرفض، وبالجواب التكراري “بأن البرلمان هو مكان الحوار”.

 اليوم، يعد فتح باب الحوار رسمياً بمثابة تأكيد على صحة موقف المعارضة التي كانت تقول إن البرلمان ليس هو المكان المناسب للحوار. ويعرف الجميع أن المجلس النيابي الذي يعاني من الضعف في الصلاحيات، بحيث إنه يعجز عن تغيير مادة في لائحته الداخلية، فكيف يستطيع أن يحل ملفات وطنية ساخنة كالملف الدستوري والتجنيس وغيرها؟ هذه الملفات هي التي أوصلتنا اليوم إلى هذا المنزلق الخطير.

باعتقادي، أن أي إجراء يؤدي إلى تمييع عملية الحوار وجعلها مطاطية، يعتبر رصاصة موت للحوار من أساسه. ومادمنا مقبلين على مرحلة جديدة من حياتنا السياسية، أنصح الإعلام الرسمي، وخاصة في هذا الظرف أن يغير من خطابه بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة.

 فقد تألمت وأنا أتابع برنامج حواري للتلفزيون في يوم الأحد الماضي، والذي يديره الأخ محمد الشروقي، فقد تحدث عبر الهاتف شخص ورد اسمه على الشاشة، اتهم فيه المتظاهرين في دوار اللؤلؤة “بمثيري الفتنة” ووصفهم “بالخوارج”. بدوري أتساءل: أين هيئة الإذاعة والتلفزيون من دعوات التهدئة التي أطلقها ولي العهد؟ ألم يكن من الأجدر على المُخرج قطع تلك المقاطع المستفزة لمشاعر المحتجين، خاصة وأن البرنامج لم يكن على الهواء مباشرة؟ فإذا كان الإعلام الرسمي لا يساهم في خلق مناخ هادئ، فكيف يتوقع من المتظاهرين ومناصريهم أن يهدأوا؟ أي حوار بحاجة إلى العقلانية وإلى بيئة سليمة واحترام للمشاعر.

نسأل الله أن يوحد كلمتنا ويوفقنا لخدمة وطننا الحبيب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/شباط/2011 - 24/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م