ما وراء صمت أوباما عن حمامات الدم في ليبيا؟

علي الأسدي

وزيرة الخارجية الأمريكية قالت يوم الاثنين21 فبراير الجاري، " إن ما يجري في ليبيا غير مقبول " بعد صمت دام أياما، وليس ساعات على قيام القذافي بتوجيه مرتزقته وطائراته العسكرية لقصف أبناء شعبه العزل في بنغازي وتاجوراء والجبل الأخضر والزاوية والبيضاء وبنغازي ومصراته وصبراته وطرابلس.

لكن السيدة كلينتون لم تشر ولو بكلمة خجولة واحدة عن المسئول عن حمامات الدم في ليبيا التي سمع عنها العالم كله، ولم يشر الى ذلك أيضا الجنرال مولين رئيس هيئة الأركان العسكرية المشتركة في تعليقه الأخير على ما يحدث في ليبيا عندما دعا الليبيين إلى الحوار. يظهر أن الجنرال مولين كوزيرة خارجية بلاده لم يسمع بأن القذافي قد قام بقصف ابناء شعبه العزل بالسلاح من الجو، وربما لم يجد الجنرال في ذلك القصف والدماء الزكية التي سالت في كل مكان في ليبيا خروجا عن الشرعية الدولية.

 أليس غريبا أن يطلب الرئيس باراك أوباما من محمد حسني مبارك أن يبدأ فورا انتقالا سلسا للسلطة، وأن يوقف أعمال العنف ضد المتظاهرين، وهو يعرف أن مبارك لم يستخدم الجيش ولاسلاحه الثقيل ضد أبناء شعبه؟ لكن السيد أوباما لم يطالب القذافي بنقل السلطة السلس الى حكومة جديدة، مع علمه بأن القذافي يخوض حرب ابادة ضد الشعب الليبي.

السبب واضح هنا، فليس لأمريكا في مصر استثمارات نفطية، بينما لها الكثير من الشركات النفطية وغير النفطية في ليبيا. ومما زاد الصورة قتامة تصريح الناطق الرسمي باسم القصر الأبيض في مؤتمره الصحفي عندما قال :

" ليس لنا ما نستطيع فعله تجاه الحكم الليبي "، تصريحا كهذا وقبله تصريحات وزيرة الخارجية وقائد هيئة الأركان المشتركة تفوح منه رائحة المصالح النفطية، وهذا ما يفسر لنا لماذا تخلت الولايات المتحدة عن مبارك بتلك الصراحة وقلة الخجل، مع أن مبارك قد خدم مصالح الولايات المتحدة طوال حياته السياسية أكثر مما خدم مصر. فالمصالح الاقتصادية المتمثلة في الاستثمارات الغربية الهائلة في ليبيا هي من يحدد المواقف السياسية لقادة الدول الرأسمالية. فبريطانيا صدرت الى ليبيا في عام 2004 وحدها ما قيمته 500 مليون دولار من الأسلحة المختلفة التي تستخدم في قمع الانتفاضات الشعبية. كانت تلك الأسلحة بغالبيتها بنادق خاصة للقنص، وقد كشف عنها المتظاهرون في اليومين الأخيرين، عندما استخدمها ضدهم قناصة مرتزقة دربوا لهذا الغرض، حيث اتخذوا من سطوح المنازل مواقع لهم لاحداث أكثر ما يمكن من الاصابات المميتة والمباشرة بين أبناء الشعب العزل. لقد كان الساسة البريطانيون على علم بالأسباب التي دفعت القذافي لاستيراد تلك الأسلحة الفتاكة، ما يجعلهم شركاء في المجازر التي يقترفها القذافي بحق شعبه الطيب.

وأكثر من هذا قامت الحكومة العمالية السابقة برئاسة توني بلير رئيس وزراء البريطاني السابق بعقد صفقة مع القذافي، قايضت فيها المقرحي مجرم كارثة لوكوربي بالنفط الليبي. حيث أبرمت الشركات البريطانية والأمريكية عقودا نفطية ببلايين الدولارات مع بي بي وشل وأكسون موبايل وغيرها، اضافة الى عقود في مجال البناء والتجارة والمال. وقد بلغ عقد شركة النفط بي بي لوحدها أكثر 1.3 بليون باوند استرليني لحفر أبار للنفط في مياه وأراضي ليبيا.

 كما بلغت صادرات ليبيا من النفط الى بريطانيا العام الماضي وحده أكثر من بليون باوند، وهو ما أدانته منظمات حقوق الانسان والشفافية الدولية، باعتباره مقايضة دماء أكثر من 350 مواطنا مقابل النفط. وقد اعتبرت منظمة التضامن مع الشعب الليبي أن الانفتاح الاستثماري والتجاري مع ليبيا قد اعتمد على حجج ومبررات زائفة، كاعتباره قد تخلى عن الارهاب الدولي الذي مارسه لعدة سنوات. وقالت المنظمة، أن لنا من الأسباب والأدلة ما ينفي بأن القذافي قد عدل من سلوكه، فهو لم يغير من طبيعته الفاشية والعدوانية، وهو ليس أقل من ديكتاتور قاتل، وأن سفر توني بلير عام 2007 الى ليبيا ومصافحة القذافي قد صعقت العالم. وتساءلت الجمعية، ماذا ستقول بريطانيا للحكومة التي ستخلف القذافي، وهو الملطخة يديه بدماء الشعب البريطاني، عندما كان يزود الجيش الجمهوري الايرلندي باسلحة السيمتكس.

إن خطاب القذافي يوم 22 فبراير الجاري قد دلل على أنه عدواني وشرس، بل اكثر عدوانية مما كنا نتصور، لقد أثبت أنه يستهتر بحقوق شعبه في التعبير عن رأيهم في الحكم الذي يريدون، ويستخف بطموحاتهم في حياة حرة كريمة، متجاهلا الرأي العام العربي والعالمي. أثبت القذافي أنه يفتقر الى أي نوع من التفكير السليم، وما نخشاه أن يجازف بأرواح المزيد من أبناء شعبه من أجل بقائه في السلطة، كما فعل قبله دكتاتور العراق صدام حسين، عندما قال : " اذا اضطررت لترك العراق فلن أتركه إلا أرضا خرابأ ".

 تهديد القذافي الأخير باستخدام كافة أسلحته ضد المعارضة السلمية في أكثر المدن الليبية يجب أن يدق ناقوس الخطر في مجلس الأمن الدولي، والأمم المتحدة، فما يواجه المجتمع الدولي حاليا هو وضعا غير مسبوق في تاريخ هيئة الأمم المتحدة منذ تأسيسها. إن القذافي ربما أتخذ موقفه المغامر هذا، مستفيدا من موقف الولايات المتحدة المراوغ، بتغاضيها عن ممارساته القمعية ضد شعبه الأعزل. فمنظمة العفو الدولية في آخر بيان لها، حذرت العالم من رجل لا يتردد في قتل المئات من أفراد شعبه قائلة " لقد قتل القذافي بالفعل وبدم بارد اكثر من 1500 سجين سياسي في سجن بني سليم قبل سنوات. وأن المنظمة تنظر حاليا في مطالبة الهيئة العامة للأمم المتحدة لتقديمه وشركائه في تلك الجريمة الى المحكمة الدولية لجرائم الحرب، فنحن نعرفه، أن له تاريخا طويلا في قتل أبناء شعبه في داخل بلده وخارجها، وهو مطلوب للمحاكمة في لبنان لاتهامه بتصفية عالم الدين اللبناني السيد موسى الصدر في سبعينيات القرن الماضي عندما كان في زيارة الى ليبيا.

 القذافي يواجه حاليا حملة ادانة عربية واسعة بسبب ممارساته الفاشية ضد ابناء شعبه، فقد أرسل أكثر من 300 شخصية مصرية ضمت المثقفين والمحامين والفنانين والكتاب ورجال القضاء خطابا للقذافي يستنكرون المجازر التي اقترفها ضد المتظاهرين العزل. ويحاول مثقفون من تونس والعراق والعربية السعودية والكويت والمغرب والجزائر، بتوجيه رسائل مشابهة الى نظام القذافي، يطالبونه باحترام ارادة الشعب الليبي، وبوقف سياسة تغييب المعارضين السياسيين، وضمان حقوقهم في التعبير والتظاهر، وايقاف كل اجراءات الملاحقة ضدهم.

الشعب الليبي ليس وحده، فشعوب مصر والعراق وتونس وبقية الشعوب العربية، والرأي العام الدولي تقف الى جانبه في مقارعة نظام القذافي ومرتزقته، وليعلم أن عقاب الشعب قادم، ولن يفلت منه أبدا، ويخطأ اذا اعتقد أن التهديد باستخدام القوة سينجيه ونظامه من عقاب شعبه، عندها لن يكون الغبي الوحيد الذي يتجاهل مصير الديكتاتوريين. فقد كان النصر دائما مع الشعوب، والخيبة والعار لكل الديكتاتوريين ومرتزقتهم.

المجد للشعب الليبي، وليتوحد الجيش مع الشعب في النضال ضد الديكتاتور.

المجد والخلود للشهداء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/شباط/2011 - 24/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م