التظاهرات السلمية دليل على تحضّر المجتمع

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لا يزال بركان التظاهرات الذي اندلع في تونس، يلقي بتبعاته على دول عديدة في الشرق الاوسط، ولا يزال لهيبه يمتد الى شعوب المنطقة، فيدفعها الى المطالبة بحقوقها السياسية، والاصلاحية، والمعيشية عموما، فالبداية التي حدثت في قرية تونسية صغيرة، ما لبثت أن أشعلت تونس كلها، لتجبر رئيسها على الفرار هو وعائلته وحاشيته، ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، بل سرعان ما اشتعلت التظاهرات في مصر، لتستمر على مدى 18 يوما من التظاهرات المتواصلة، لتسقط حسني ونظامه الذي تحكم برقاب الشعب المصري على مدى ثلاثة عقود، ثم عبر البركان الى دول اخرى، ومنها ليبيا التي لايزال حاكمها المتسلط متمسكا بالسلطة على الرغم من سقوط آلاف الشهداء والجرحى من شعبه، في حين يجاهد علي عبد الله صالح في اليمن، لكي يبقى في منصبه، مقدما تنازلات كان يحلم بها الشعب طيلة عقود التسلط والقمع، والحال نفسه يحدث في البحرين التي تغلي بالمتظاهرين، حتى تحقيق المطالب الاصلاحية التي لا تراجع عنها كما يبدو للمتابع، وكذلك الحال في الاردن، والسعودية، والسودان، والصومال، وجيبوتي، والجزائر وغيرها.

هذه التظاهرات حملت معها طابعا سلوكيا، يستند الى ثقافات متفاوتة بين التحضّر وسواه، وكان المثال التونسي جيدا، على الرغم من سرعته الخاطفة، فيما اعطى المثال المصري للتظاهر، صورة غاية في التحضّر والتمدّن للشعب المصري، فصار نموذجا تقلده جماعات متظاهرة في عدد من الدول العربية، وهذا ما اعطى انطباعا للعالم على مدى قدرة العرب نحو التغيير، والانتقال من خانة الشعوب المقهورة، الصابرة، الخاملة، السلبية، الى خانة الشعوب التي تضحي بالغالي والنفيس، من اجل حقوقها وحرياتها.

في العراق حدثت احتجاجات متعددة، في العاصمة ومدن عراقية اخرى، رافقتها عدة سلوكيات تعطي للآخر صورة عن طبيعة وجوهر الشعب بمختلف شرائحه، وإن كانت صورة أولية، لكنها تقدم تفسيرا لطبيعة الشعب، ومدى تحضّره وانتمائه الى المجتمعات المتمدنة او خلاف ذلك، ولابد أن المراقب لاحظ البدايات الجيدة لتظاهرة بغداد، وما رافقها من شعارات جيدة، ومن سلوك هادئ، واثق لاينم عن العصبية والتطرف، خاصة أننا أمام مجاميع معظمها من الشباب الذين تنحصر اعمارهم بين 15 الى 35 سنة، وهذا العمر يحمل معه حماسة الشباب، التي قد تنفلت لتتحول الى مسارات خاطئة، في حالة غياب الثقافة المتمدنة، التي تضبط التظاهر والاحتجاج، وتمنعه من الخروج عن طبيعته الهادفة والمسالمة في آن.

إننا نفهم ونتفق على أن التظاهر حق محفوظ للجميع، كما يردد ذلك حتى الذين نتظاهر عليهم، من مسؤولين حكوميين وغيرهم، وطالما كان التظاهر حقا مكفولا لنا، فإن سحبه الى منطقة التطرف والسلوكيات التي لاتمت للسلم والتمدن بصلة، حتما سيضر بأهداف الاحتجاج وأصحابه معا، لذلك فإن المظاهرات التي ترافقها وتتبعها حالات التجاوز على المال العام، والخاص، بالنهب والسلب والحرق وما شابه، من مظاهر سيئة، لابد أنها ستسيء الى المتظاهرين قبل غيرهم، وسوف تغطّي على الحقوق المشروعة للمتظاهرين، وتحرفها عن مسارها الصحيح، وهو الامر الذي ظهر ورافق بعض التظاهرات، التي سيِّرت في بغداد، والمحافظات، والاقضية، والنواحي، مما أعطى صورة ليست في صالحنا كشعب وكحكومة ايضا.

لذلك لابد أن تسود بين شبابنا، ومجتمعنا عموما، ثقافة التظاهر المتمدّن، والسلوكيات الراقية التي تؤكد مطالب الجمهور، ولا تغمطها وتضيّعها بالافعال الخارجة على القانون، والاعراف وما شابه، ويكفي أن نتذكر القائد الانساني الكبير المهاتما غاندي الذي انتصر على اعظم امبراطورية في وقته (بريطانيا العظمى)، وأخرجها من بلاده، بالتظاهر السلمي الراقي، ووسائل العصيان المدني، الذي لم ترافقه طلقة واحدة، بل لم ترافقه كلمة بذيئة واحدة، إنما استمدت قوتها من قوة سلميتها وتحضّرها العميق، المتجذّر، في روح قائدها وشعبها، الذي ثار على الاحتلال البريطاني آنذاك.

وهكذا يمكن أن تكون التظاهرات السلمية المتمدنة، مصدر قوة مضاعفة، لتحقيق اهداف المتظاهرين، وبعكسه فإنها ستتحول الى سلوك مسيء للمحتجين واهدافهم، لهذا نحن بحاجة الى يفهم ويعي ويؤمن شبابنا وغيرهم، بأننا اذا أردنا أن نتظاهر، لابد أن نستمد طبيعة وأهداف المظاهرات، من طبيعة اخلاقنا، وديننا، وثقافتنا، وبعكسه فإننا سنضيّع حقوقنا بأنفسنا، إضافة الى أننا سنثبت للاخرين، عدم قدرتنا على عبور حواجز التطرف، والعصبية، الى رحاب التمدن وملامح المجتمعات المعاصرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/شباط/2011 - 23/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م