السينما... مرآة عالمية تعكس قضايا انسانية

اعداد: باسم الزيدي

 

شبكة النبأ: باتت السينما  ركيزة اساسية من ركائز الحوار بين الحضارات، لا في لغتها تفرق بين جنس واخر، او لون او عرق او مذهب، بل هدفها المعلن هو البحث عن القضايا التي تشغل بال الانسان وتعيش في وجدانه كالدكتاتورية والحروب والارهاب الى قضايا الطلاق والعنف وغيرها, ثم تؤطرها بؤطر مختلفة تارة تكون كوميدية ساخرة واخرى بصورة مأساوية حزينة .

ان العالمية التي تعيشها السينما من خلال افلامها التي تتناول مختلف الاتجاهات جعلتها سلطة قائمة بذاتها لا تعرف القيود او الحدود وجعلت مخرجو هذه الافلام يخرجون من بوتقة الوطن الى فضاء العالم ليتركوا بصماتهم في المجتمع ويؤثرو في الرأي العام تأثيراً لايمكن تجاهله.

"زبيية والملك"

فقد كشف الممثل الكوميدي الدولي، ساشا بارون كوهين، الذي عُرف بأفلام لاقت نجاحاً عالمياً، مثل "بورات" و"برونو" أنه يعتزم تنفيذ عمل كوميدي جديد يروي سيرة الديكتاتور العراقي السابق، صدام حسين، بالاستناد إلى إحدى الروايات التي كتبها الأخير خلال سنوات حكمه، المعروفة باسم "زبيبة والملك."

وسيحمل الفيلم الجديد اسم "الديكتاتور،" ويأتي التركيز على الرواية من باب أنها تحمل في طياتها مفارقات كبيرة، إذ يعتقد أن صدام كتبها بعد حرب الخليج الأولى، ووضعها بقالب وطني ورومانسي، في حين كان العالم يتهم نظامه بارتكاب جرائم دموية.

وقد نُشرت الرواية عام 2000، وكتب عليها آنذاك عبارة "رواية لمؤلفها" بحيث لم تحمل اسم صدام صراحة، ودارت حبكتها حول ملك يقع في غرام امرأة فقيرة بسبب مواقفها الوطنية والإنسانية.

وقالت شركة "فيرمونت" التي ستنتج العمل، إن الفيلم: "يروي قصة بطولية لدكتاتور خاطر بحياته لضمان عدم وصول الديمقراطية إلى البلاد التي يحب بشغف أن يضطهدها."

وبحسب بيان فيرمونت، فإن العمل سيشهد استمرار التعاون بين كوهين والمخرج لاري تشارلز، الذي سبق له الإشراف على فيلمي كوهين السابقين. بحسب السي ان ان.

يذكر أن لصدام، الذي أعدم عام 2006 بتهم متعلقة بارتكاب مجازر وجرائم ضد الإنسانية، رواية أخرى لا تحمل اسمه، وهي "اخرج منها يا ملعون،" ويقول بعض المقربين منه إنه كان يتصور نفسه كاتباً مرموقاً.

ومن المتوقع أن يرى الفيلم النور قريباً ، وسيعمل على إعداد السيناريو كل من ألك بيرغ وجيف شافر وديفيد ماندل، المعروف بكتابة برنامج ساينفيلد الكوميدي.

رصاصة طايشة

في سياق متصل تناول المخرج اللبناني جورج الهاشم في فيلمه الروائي الاول "رصاصة طايشة"، قصة تعكس تحول القيم في المجتمع اللبناني، مع بدايات الحرب في لبنان منتصف السبعينات من القرن الفائت.

وتتولى دور البطولة فيه المخرجة والممثلة نادين لبكي، الى جانب مجموعة من الممثلين المعروفين على غرار تقلا شمعون ووديع ابو شقرا وهند طاهر وسواهم.

وتدور حوادث "رصاصة طايشة" في العام 1976، في السنة الثانية للحرب التي شهدها لبنان، في اطار عائلة مسيحية من الطبقة المتوسطة تعيش تمرد ابنتها الصغرى عشية زواجها، وعنوسة الكبرى، وتسلط شقيقهما.

فنهى تستعد للزواج من جان الذي لا تحبه، بعدما تركت حبيبها جوزف بسبب تدخلات والدته. وعلى شرف العروسين، وقبل اسبوعين من زواجهما، اعد شقيقها عساف عشاء تكريميا لاهل العريس، حيث تعلن نهى تراجعها عن الارتباط.

تتوالى الاحداث مشهدا اثر مشهد في اطار تصويري معبر وسيناريو بسيط ومحكم بواقعيته لا يخلو من السخرية والالم، عن عائلة ضربتها حرب طائشة ودمرتها، بين الموت والجنون والهجرة والوحدة.

وحكاية "رصاصة طايشة" كانت اصلا رواية قصيرة كتبها جورج الهاشم، وعندما اخذ قرارا بتصويرها، شرع في كتابة السيناريو والحوارات.

ويقول لوكالة فرانس برس "حكاية الفيلم تلازمني، علما انها ليست قصة حقيقية، لكنها تتطرق الى مجموعة شخصيات وحكايات حاضرة في ذاكرتي، وفي العام 1976 كنت لا ازال فتى صغيرا".

ويعتبر المخرج ان "رصاصة طايشة" يطرح "فلسفة الايام التي تشكل منعطفا مفصليا في حياة الانسان، وكيف يمكن لشخص في يوم واحد، ان يبدأ نهاره بشكل عادي، وينقلب كل شيء في نهاية النهار، كما حصل مع نهى".

ويضيف "تلك المرأة تتراجع عن قرار سبق واتخذته عشية زواجها وتشذ عن المتوقع منها، خارجة فجأة عن التقاليد، ونرى كيف ينعكس ذلك على حياتها".

ويرى الهاشم ان الحرب اللبنانية "دمرت القيم وأحدثت تحولا في المجتمع اللبناني، وضربت خصوصا الطبقة المتوسطة، ومعها القيم الاخلاقية التي قامت عليها هذه الطبقة التي كانت ذات حضور طاغ في لبنان".

ويضيف "المجتمع الذي مارس اشياء قبيحة ومرعبة او عايشها، لا يمكنه أن يدعي انه لم يتغير وأنه حافظ على القيم نفسها".

ويسترجع الهاشم في الفيلم حقبة منتصف السبعينات بتفاصيلها على المستويات كافة، خالقا مناخا واقعيا. يقول في هذا الصدد "كان استرجاع السبعينات تحديا ومتعة بالنسبة الينا. بترا ابو سليمان عملت على الديكور والملابس والمظهر، ومورييل ابو الروس اشتغلت على الصورة".

وحرص الهاشم على ان يرد السيناريو ونوعية الحوار والعبارات الى زمن السبعينات، وقال "بحثنا عن زوايا واماكن في بيروت تذكر بالسبعينات لدرجة ان البعض حين شاهده اعتقد انه مصور في قرية وليس في بيروت، لان بيروت اليوم تغيرت كثيرا ".

واستخدم الهاشم في "رصاصة طايشة" النوعية نفسها التي كانت تستعمل لتصوير الافلام في تلك الحقبة، "وكأن الفيلم صور في تلك المرحلة وكان مفقودا ثم عثر عليه".

يقول "في السبعينات لم تكن السينما هي الطاغية في لبنان بل كان التلفزيون في عهده الذهبي. ملامح الممثلين وتسريحاتهم في بعض المشاهد تذكر بخزان الصور في التلفزيون اللبناني، لكن من ناحية الصورة هو فيلم سينمائي بامتياز".

ولا يخلو "رصاصة طايشة" من نفس مسرحي، على الأقل "من ناحية الزمن اذ انه يدور في يوم واحد، ومن ناحية القدر والمصادفة التي تحرك الاحداث ومصيرالشخصيات"، على ما يشرح الهاشم.

ويضيف "الفيلم مبني دراميا على شخصيات قوية كلها تأخذ حقها، ومن ناحية البناء الدرامي تذكر شخصياته بالشخصيات المسرحية حيث لكل شخصية دورها، ثانوية كانت او رئيسية".

دراسة جورج الهاشم للمسرح في لبنان وعمله على نصوص مسرحية لادباء، اضافة الى دراسته السينما في فرنسا وتوليه رئاسة القسم السمعي البصري في جامعة الانطونية، جعلته يدرك جيدا اهمية الممثل وتجسيده للشخصية الموكلة اليه، بحسب فرانس برس.

وعن تعامله مع الممثلة والمخرجة نادين لبكي يقول الهاشم "في فيلم (بوسطة) كانت لبكي ممثلة وكذلك في فيلمها (سكر بنات). هي شغوفة بالتمثيل وشعوري بموهبتها كممثلة سينمائية تحديدا كان اساس اللقاء وانجاز الفيلم بيننا. هي لم تتصرف كمخرجة، فهي ممثلة حساسة جدا، اضافت موهبتها التمثيلية، واعطت الشخصية كل ابعادها. كان تحديا بالنسبة اليها ووصلنا الى مكان انا راض عنه".

قد نال "رصاصة طايشة" جائزة المهر الذهبي كأفضل فيلم عربي في مهرجان دبي السينمائي الدولي، وجائزة افضل صورة في المهرجان الدولي للفيلم الفرنكوفوني في نامور، وجائزة أفضل تعبير فني في مهرجان "ميدفيلم" لأفلام بلدان المتوسط في روما، وجائزة افضل سيناريو في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

فيلم الجامع

من جانبه وخلال حكاية بسيطة تجمع بين الطرافة والعمق الانساني، يسلط المخرج المغربي داود اولاد السيد الضوء في فيلمه الأخير "الجامع" على العلاقة بين الاسلام الشعبي والاسلام الرسمي المدعم بعصا السلطة.

مشهد واقعي أثار تعليقات ساخرة تحول الى عمل سينمائي قوبل حتى الآن باستقبال حسن في المهرجانات الاقليمية والدولية التي شارك فيها، وخصوصا مهرجاني سان سيبستيان الاسباني وأيام قرطاج السينمائية بتونس، وان خرج خاوي الوفاض من مشاركته في المسابقة الرسمية للمهرجان القومي للسينما الذي احتضنته مدينة طنجة (شمال المغرب) مؤخراً .

خلال تصويره لفيلمه المطول السابق "في انتظار بازوليني" باحدى قرى الجنوب المغربي،  لاحظ المخرج داود اولاد السيد أن ديكور المسجد الذي احتضن تصوير بعض مشاهد الفيلم تحول فعلا الى مسجد حقيقي يؤمه أهالي القرية لأداء الصلوات.

وكقناص لحكايات تجمع بين الواقعية والسخرية الكاشفة لأبعاد اجتماعية وانسانية عميقة، انبرى الفيلم لسرد قصة موحى، القروي البسيط، الذي أجر قطعة أرضية لبناء ديكور المسجد، ليجد نفسه بعد انتهاء العمل ورحيل الطاقم محروما من أرضه المصادرة باسم اقامة شعائر الله، مضطرا لمواجهة تحالف صلب بين ممثلي السلطة وإمام المسجد-الديكور ( السلطة الدينية الرسمية)، سطا على الأرض التي ينتفع بها الرجل الفقير...وسط سلبية الأهالي الصامتين.

ورغم اصرار المخرج داود اولاد السيد على نفي الطابع السياسي لفيلمه وحرصه على تقديم نفسه كراوي قصص مستلهمة من معيش البسطاء ويومياتهم، إلا أن جوهر الصراع كأساس لكل عمل درامي يحيل الى اشارات سياسية ناصعة، ترصد التوتر بين تمظهرات الممارسة الدينية الموزعة بين الواجهة الرسمية الممأسسة والممارسة التعبدية الفردية. بحسب السي ان ان.

ويؤكد داود أنه لم يسع أبدا الى ركوب موجة الأعمال الفنية التي تقارب قضايا الأصولية والاسلام السياسي خدمة لطلب محلي وأجنبي على هذا النوع من التيمات، بل كان همه، كما في معظم أعماله، الاقتراب من انشغالات وعوارض واقعية للناس، مذكرا بأن بطل الفيلم الذي يناضل من أجل استرجاع أرضه بدا شخصية متدينة حريصة على الشعائر، لكنه لا يقبل ببساطة سلب حقه باسم الدين.

واتفقت شريحة واسعة من النقاد والجمهور على اعتبار بطل الفيلم عبد الهادي توهراش (موحى) إحدى نقط قوة العمل. بسحنته المصبوغة بشمس الجنوب، بقسماته وتجاعيده التي تنطق ببساطة غير مفتعلة أقرب الى الطبيعية ونظرات تظللها مسحة حزن مع نبرات صوت متهدجة ناطقة بالانسحاق والشعور بالعجز فضلا عن أداء حركي متميز مطابق لطبيعة ووتيرة الحياة في القرية الصحراوية الهادئة، حظي عبد الهادي بثناء منقطع النظير.

لم يخف داود اولاد السيد في تصريحه للموقع افتتانه بالفضاء الصحراوي الجنوبي، وهو المنحدر من مدينة مراكش بوابة هذ الفضاء. وبدا ذلك واضحا في التشكيلات المتنوعة من المناظر الطبيعية التي احتضنتها الحكاية أو شكلت فواصل انتقالية في مجرى العمل، الذي امتاز أيضا بايقاع بطيء أراده المخرج على منوال وتيرة الحياة الاجتماعية وعلاقة الناس بالمكان والزمان في تلك المنطقة.

فيلم الجامع يعد خامس عمل مطول في ريبرتوار داود اولاد السيد، الذي بات اسما وازنا ضمن مخرجي الوجه الجديد للسينما المغربية، بعد أفلام " باي باي سويرتي" 1998، و " عود الريح " 2001 ، و " طرفاية أو باب البحر " 2004 و "في انتظار بازوليني" 2007.

الأطباء يحذرون من 127 ساعة"

من جهة اخرى حذر الأطباء الأستراليون رواد السينما من مشاهدة فيلم "127 ساعة" والمرشح لجائزة الأوسكار نظرا لأنه قد يصيبهم بالإغماء أثناء المشاهدة.

ويجسد الفيلم محنة آرون رالسون، المتسلق الأمريكي الذي اضطر إلى قطع ذراعه العالق تحت صخرة ضخمة.

وقدم مستشفى سانت فنسنت في سيدني العلاج لثلاثة أشخاص إثر إصابتهم بالإغماء والقيء ونوبات مثل الصرع بسبب مشاهد في فيلم "127 ساعة".

وقال رئيس قسم الطوارئ جورديان فوردي لصحيفة ديلي تليجراف: "إذا كان الجسم سيتلقى رد الفعل هذا فمن الممكن أن يتوقف مما يتسبب في إصابة المرء بالإغماء.. عندما يبدأ "المشاهدون" في فقدان الدم والأكسجين من المخ، فهم يدخلون إلى المرحلة التالية وقد يصابون بنوبة مرضية".

وقضى روان فيربيكاس خمس ساعات في مستشفى سانت فنسنت بعد أن فقد وعيه خلال مشهد قطع ذراع رالسون.

وقال فيربيكاس "27 عاما": "لقد اعتقدوا أنني سأصاب بالصرع.. وعندما استيقظت تذكرت لقطة استمرت حوالي 30 ثانية".

وكانت دور السينما في سيدني قد تلقت تحذيرات من إمكانية تعرض بعض المشاهدين للإغماء وكان ينبغي أن تكون مستعدة لذلك.

واعترف المخرج داني بويل بحدوث حالات مؤسفة للجمهور خلال المرات الأولى لعرض الفيلم في المهرجانات السينمائية في أمريكا الشمالية.

وقد انهار شخصان في مهرجان تيلوريد السينمائي وثلاثة في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي وشخص واحد في مهرجان ميل فالي السينمائي.

السينما والمجتمع

الى ذلك يعتبر الطلاق احدى اهم المشاكل التي يعاني منها المجتمع الايراني حيث نسبة المطلقين من بين الاعلى في العالم وقد اختار المخرج اصغر فرهادي هذه القضية لمعالجتها في فيلمه "انفصال نادر وسيمين" الذي يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي في دورته الاخيرة .

غير ان هذه القضية ليست سوى منطلق ومدخل للفيلم يعبر منها المخرج الى قلب المجتمع الايراني المعاصر ويطل من خلالها على باطن النفس الانسانية وما يعتمل بها من تناقضات ليكتسب عمله مرة جديدة بعدا عالميا.

ويلامس هذا الفيلم الخامس للمخرج وكاتب السيناريو اصغر فرهادي الذي من اكثر المخرجين موهبة في جيله الكثير من الامور مثل البطالة والعلاقة بين الاجيال والعجز والمرض ومسائل الحق والباطل والظلم والعدل وما الى ذلك مما يمكن اعتباره دعوة لاعادة النظر بمنظومة الاخلاقيات التي تحكم المجتمع الايراني.

ويبقي المخرج في عمله على عدد من نقاط الغموض والاسئلة المعلقة في طريقة معالجته للاحداث.

وقد حظي فيلمه بالاعجاب لدى تقديمه امام الصحافة اللثلاثاء في مهرجان برلين الذي منحه العام 2009 جائزة الدب الفضي لافضل مخرج عن شريطه "عن الي".

ويفتح الفيلم الباب على تعددية في القراءة وهو اسلوب اتبعه فرهادي في اعماله السابقة وهو ما اعاد تأكيده خلال المؤتمر الصحافي الذي تبع العرض موضحا "اردت اجبار المشاهد على حمل اسئلته معه الى بيته". بحسب فرانس برس.

ويقوم الفيلم على مجموعة من الملابسات التي تطرأ على عائلة صغيرة على وشك الانفراط ونتيجة ذلك، يبدأ العالم الذي شيداه طوال اربعة عشر سنة بالانهيار بعد حادث غير مقصود يقع لامرأة حامل جاءت لتعمل في المنزل بعد رحيل الزوجة.

ويعرض المخرج من خلال التطرق لعوالم النفس الانسانية بتشابكاتها الباطنية وانعكاسات ذلك على علاقاتها الاجتماعية، الازمة التي المت بمنظومة الاخلاقيات في مجتمع ممزق بين الحداثة وبين التقليد.

ويسجل الفيلم السلس الصياغة تباين المفاهيم وطريقة التعاطي الخاصة بكل فرد في مواجهة الازمات التي توجهه في حياته اليومية. ففي حين تبدو الزوجة سيمين اكثر مرونة وبراغماتية في التعاطي مع الشؤون الطارئة ، يبدو الرجل في غالب الاحيان غير مستعد للتنازل عن مبادئه مهما كلفه ذلك.

كذلك يبين الفيلم مشكلة العلاقة بين الطبقات نظرا للمبادئ التي تتحكم بعقلية كل طبقة. فالزوجان المنتميان الى الطبقة المتوسطة في ايران حيث يعمل نادر موظفا في احد المصارف وتعمل الزوجة مدرسة يبدو الزوجان الآخران، اللذان يأتيان للعمل لديهما بسبب بطالة الرجل وانتمائهما بالتالي للطبقة الفقيرة، اكثر تعلقا بالدين وتمسكا باخلاقيات تقليدية.

ومن خلال المقارنة بين الاخلاقيات التي تتحكم بعقلية الازواج الاربعة كما من خلال شخصيات اخرى في الفيلم، يسلط المخرج الضوء على مسألة نسبية الاخلاقيات، فالقوانين والتقاليد وما هو متعارف عليه، لا يمكن النظر اليها وتطبيقها الا بالنظر للظروف التي قادت اليه.

وامام صرامة القوانين التي لا تميز بين مختلف الحالات والظروف وتطبق بحذافيرها كما يفعل القاضي في الفيلم، يتساءل المخرج "كيف نعرف ما هو اخلاقي مما هو غير اخلاقي، الشيء الاخلاقي تحول الى تقاليد بينما كل منظومة العلاقات والتفكير الانساني في العالم اليوم اصبحت اكثر فاكثر تعقيدا، لذلك لم نعد نستطيع ان نطبق عليها القواعد والسلوكيات التقليدية".

ويشير المخرج الى ان "لدى الطبقات الفقيرة والتي هي بطبيعة الحال اقرب الى التقليدية يمكن ان يكون الامر اسهل، لكن الرجل المعاصر يعيش ازمات داخلية كثيرة وهذا يسبب له الكثير من المشاكل، هذه هي حال نادر ايضا وحين نتعرف الى ظروف ما حدث له ، يصبح بامكاننا ان نعذره."

ويحفل سيناريو الفيلم بالكثير من التحولات والانقلابات، ويبدو الرجل في العمل اقرب الى التمسك بالتقاليد، بينما تبدو المراة اكثر رغبة في مقاربة الحداثة وتعبر بحرية اكبر عن رغبتها.

ويثير الفيلم عددا هاما من الاسئلة حول معنى تحضير مستقبل جيد للابناء اذا كانت العائلة غير قادرة على توفير حاضر مطمئن، فسيمين التي تتطلع الى مستقبل ابنتها وتريد الهجرة الى الخارج، لا تعي تماما نسبة الالم الذي تسببه لابنتها بانفصالها عن الوالد.

كما يثير الفيلم قضايا من مثل هل يمكن لامراة من غير العائلة ان تنظف وتغسل رجلا مسنا عاجزا؟ وما الذي يبيحه الدين وما الذي يجيزه.

ويضع المخرج الانسان في المجتمع المعاصر في ورطة امرأة كان او رجلا، كما يطرح تساؤلات حول دور القانون ممثلا بالقاضي الذي اعتبره "موظف بيروقراطي" يطبق النصوص التي بحوزته، من دون النظر الى ظروف المحكوم.

وتظهر نسبية الاخلاقيات التي يتبناها المخرج حين تكشف الابنة لوالدها انه كذب امام القاضي وحين يعترف امامها انه كذب فعلا لكن بهدف الا يترك والده العاجز وحيدا لكن المراهقة التي تستغرب من ابيها ذلك تعود وتكذب امام القاضي، لايمانها بان ما حصل لم يكن عن قصد.

باختصار فان الكل في مشكلة والكل في ورطة في المجتمع المديني الايراني المعاصر الذي كثيرا ما صوره فرهادي احد ابرز حاملي التجديد الى السينما الايرانية وسبق ووقع اعمالا مثل "الرقص في الغبار" (2001) و"الاربعاء الاخير" (2004) و"عن ايلي" (2009).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/شباط/2011 - 19/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م