الاحتجاجات العراقية... مساعي للحد من فساد السلطة

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: مع اتساع الاحتجاجات الشعبية في بعض دول الشرق الاوسط، انعكس ذلك بحس المراقبين على الوضع العراقي بشكل مباشر، سيما بعد ان تعالت الاصوات المطالبة بالاصلاح والتغيير.

فيما كان للمظاهرات الجماهيرية خلال الايام الماضية وقع مؤثر للفت انظار الساسة عما تكتنف المجتمع العراقي من مشاعر احباط وسخط بسبب الفشل المستمر في اعادة اعمار وتنمية البلاد.

ويستعد الكثير من العراقيين الى احياء جمعة غضب على غرار ما حدث في مصر نهاية الاسبوع الحالي، تتأخذ من ميادين العاصمة العراقية بغداد والمدن والمحافظات الاخرى اماكن لأعلان الاعتصام، في خطوة عدها المراقبون حراك قد يساعد على مكافحة الفساد المالي والاداري بشكل مؤثر.

مئات الايتام والارامل

فقد تظاهر مئات الايتام والارامل، اغلبهم ضحايا اعمال عنف وقعت في العراق خلال الاعوام الماضية، في بغداد السبت مطالبين حكومة بلادهم باصدار تشريعات لتحسين اوضاعهم المعيشية والاجتماعية.

ونظمت التظاهرة منظمات انسانية ومنظمات المجتمع المدني وجمعت مئات الاطفال والارامل من مناطق متفرقة في بغداد والمناطق المحيطة بها، في منطقة اليرموك (غرب).

ورفعت في مقدمة التظاهرة لافتة كتب عليها "من حقنا ان نعيش كاطفال العالم" كما حمل الاطفال اعلاما خضراء تحمل اسم النبي محمد، لتزامن تحركهم مع الاحتفال بذكرى المولد النبوي. وسار الاطفال والارامل هاتفين بشعارات تطالب المسؤولين بالاهتمام بشؤونهم ورعايتهم.

واكد عمر المشهداني احد الناشطين المسؤولين عن التظاهرة، ان "الغالبية العظمى من الاطفال والايتام في التظاهرة هم ضحايا اعمال العنف التي وقعت في العراق خلال الاعوام الماضية".

وشهد العراق موجة اعمال عنف طائفي بلغت ذروتها في 2007.

وشارك في تنظيم التظاهرة 18 منظمة انسانية عراقية واجنبية مثل "الحياة كندا" و "الحياة اميركا" اللتان يديرها عراقيون بدعم اجنبي.

وتلت طفلة من المتظاهرين بيانا خلال التظاهرة طالبت فيه ب"تخصيص مبالغ مالي شهري لكل يتيم" و "البرلمان بتشريع قانون خاص بالايتام الذين بلغت اعدادهم بالملايين وفي تزايد" مستمر.

وقالت سوسن اسماعيل (44 عاما) مسؤولة عن تربية خمسة اطفال، فتاة واربعة اولاد، اكبرهم 18 واصغرهم عشر سنوات، وقتل زوجها بعد خطفه عام 2007 "اعيش من مساعدة تقدمها منظمة انسانية وراتب شهري عن عملي في مكتبة، بما مجموعه 265 الف دينار (حوالى 212 دولار)".

واضافت السيدة التي بدت شاحبة وترتدي ملابس سوداء "لكني ادفع ايجار لشقة حيث اسكن مع اطفالي قدره 300 الف دينار (حوالى 250 دولار)". وتابعت "اسأل الحكومة، كيف لي ان اطعم اطفالي"؟

ويشير تقرير للامم المتحدة لعام 2008، الى وجود نحو مليون و140 الف يتيم و نحو ثلاثة ملايين امرأة مسؤولة عن رعاية اسرتها اغلبهن من الارامل، في العراق.

وتتزامن التظاهرة مع موجة تظاهرات يومية في مدن عراقية اخرى، تطالب بتحسين الخدمات خصوصا الكهرباء ومعالجة البطالة والقضاء على الفساد.

احتجاج واحراق مقر محطة تلفزيون

الى ذلك أصيب 48 شخصا على الاقل بجروح عندما خرج مئات المحتجين المدفوعين بالاضطرابات في أنحاء العالم العربي للتظاهر في شوارع مدينة السليمانية بشمال العراق.

وذكر مسؤول بالشرطة أن قوات الامن أطلقت النار في الهواء حين حاول محتجون كانوا يهتفون منددين بالفساد الاقتراب من المقر الرئيسي للحزب الديمقراطي الكردستاني حيث قتل شخصان وجرح عشرات اخرون يوم الخميس الماضي خلال اشتباكات.

وقال مسؤول طبي طلب عدم نشر اسمه "استقبلت المستشفيات في السليمانية 48 مصابا بينهم 19 من قوات الشرطة والامن.. ثمة 11 شخصا اصيبوا بأعيرة نارية."

وقالت محطة تلفزيونية ومسؤولون حكوميون بشمال العراق ان مسلحين داهموا مقر المحطة وأضرموا النار فيه مما أدى الى وقف بث تغطية الاحتجاجات.

ويطالب المحتجون بتحسين الخدمات العامة واقالة مسؤولين محليين ومطالب أخرى. وأقيمت مسيرات احتجاجية مماثلة في الفلوجة وأماكن اخرى.

وفي بغداد قررت الحكومة أن يلتقي الوزراء بالمحتجين لتهدئة غضبهم من الفساد ونقص المواد الغذائية والطاقة الكهربائية ومشاكل أخرى أدت الى سلسلة من الاحتجاجات تخللتها مصادمات مع قوات الامن.

وعلى عكس نظرائهم في دول اقليمية اخرى لا يطالب المحتجون العراقيون بصورة عامة بتغيير حكومتهم التي شكلت قبل شهرين فقط بعد مفاوضات مشوبة بالتوتر استمرت عدة شهور بين الفصائل السياسية.

وقال توانا عثمان مدير محطة (ان.ار.تي) الفضائية ان زهاء 50 مسلحا ملثما يرتدون زي قوات الامن اقتحموا مقر المحطة التلفزيونية في المساء وأمطروا المكان بالرصاص وحطموا المعدات وجرحوا أحد الحراس ثم أشعلوا النار.

وكانت المحطة بثت تغطية لاحتجاجات عنيفة في السليمانية الاسبوع الماضي. وندد بهروز محمد محافظ السليمانية بالهجوم ووعد بتقديم منفذيه للعدالة.

وقال في بيان ان المخربين الذين هاجموا محطة التلفزيون يسعون لتقويض الاستقرار في السليمانية.

وفي مدينة الفلوجة بغرب العراق طالب زهاء 300 محتج باقالة محافظ الانبار وأعضاء مجلس المحافظة. وقال عبد الهادي موحان نائب رئيس مجلس محافظة الناصرية في جنوب البلاد ان عشرات المحتجين شاركوا في مسيرة للمطالبة بفرص عمل.

وسلط قرار الحكومة التواصل مع المحتجين الضوء على قلق الساسة من الاضطرابات المتزايدة.

وجاء في بيان صدر عن المكتب الاعلامي للحكومة أن أمين مجلس الوزراء طالب باتخاذ اجراءات فورية لتحسين نظام بطاقات الحصص التموينية والعمل على اصلاح نظام المزايا الاجتماعية.

كما جاء في البيان أن وزير المالية صدرت له تعليمات بمطالبة البرلمان ببدء اطلاق فرص العمل من أجل تقليص البطالة.

وحاول رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في الايام القليلة الماضية تهدئة الغضب بتقليص راتبه وخفض فواتير الطاقة الكهربائية وشراء المزيد من السكر للبرنامج الوطني للحصص التموينية وتحويل أموال كانت مخصصة لشراء طائرات مقاتلة ليشترى بها مواد غذائية بدلا من ذلك.

من جهتها افادت مصادر حزبية كردية وشهود عيان الجمعة عن تعرض العديد من مقار حركة "التغيير" المعارضة الى السرقة والحرق اثر تظاهرة عند مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني الخميس.

ورغم اعلان حركة التغيير المعارضة في الاقليم، عدم مسؤوليتها عن التظاهرة او المشاركة فيها، وقعت اعمال سرقة وحرق لعدد من مقارها في مدينة اربيل (320 كلم شمال بغداد).

واتهمت حركة التغيير في بيان صدر عن مقرها الرئيسي في مدينة اربيل عاصمة الاقليم ومقر الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني رئيس الاقليم، انصار الحزب الديمقراطي بارتكاب هذه الاعمال.

من جانبه، طالب رئيس الاقليم مسعود بارزاني في بيان شعب الاقليم بالتصدي لاعداء الاقليم ومثيري الفوضى، وجاء في البيان انه "واضح ان اعداء شعب كردستان مايزالون يحاولون خلق الفتنة والفوضى، ولكن شعب كردستان واعٍ ومتيقظ لمواجهة وإفشال خطط ومؤمرات الاعداء المتربصين بتجربة ومكتسبات إقليم كوردستان، وكذلك الوقوف بوجه أي تهديد وفتنة يواجههما".

واضاف "ندعو الجميع الى أن يتعاملوا بهدوء وحذر مع الحدث وأن يحافظوا على الوضع الآمن والمستتب في كردستان".

وتعد هذه الاحداث الاكثر توترا بين الاحزاب الكردية والاعنف منذ سقوط النظام السابق في العراق عام 2003.

تهدئة الغضب

من جانبهم يسعى ساسة عراقيون يشعرون بتوتر من الاحتجاجات المناهضة للحكومات في أرجاء الشرق الاوسط لتوفير السلع الاساسية وتحويل الاموال لشراء الغذاء بدلا من الطائرات المقاتلة وتقديم الكهرباء بالمجان وخفض مرتباتهم ارضاء للمواطنين المحبطين.

وقال محللون ان الحكومة المنتخبة التي تسلمت السلطة قبل شهرين فقط والمصممة على ما يبدو على تفادي ذلك النوع من الانتفاضات الشعبية التي أطاحت برئيسي مصر وتونس اتخذت خطوات مفاجئة رغم أن الديمقراطية الوليدة في العراق تختلف بشكل ملحوظ عن النظم الشمولية الراسخة في الشرق الاوسط.

ويحتج العراقيون منذ فترة طويلة على سوء الخدمات الحكومية. ولكن المظاهرات ضد نقص الغذاء والكهرباء والمياه تزايدت في الاسابيع الاخيرة ويعبر بعض المحتجين الان عن غضبهم المباشر من حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الجديدة.

وقالت جالا رياني محللة الشرق الاوسط في مؤسسة اي اتش اس جلوبال انسايت للاستشارات "من المؤكد أن الخطوات التي يتخذونها تكشف انهم متوترون فيما يبدو."

ومضت تقول "شهد العراق في الماضي احتجاجات كبيرة نسبيا مرتبطة بسوء الخدمات العامة دون اتخاذ خطوة كبيرة كتلك مثل زيادة الدعم للكهرباء."

ولم يطالب العراقيون في معظم الاحتجاجات بتنحي الحكومة الاتحادية التي تشكلت بعد تسعة أشهر من المشاحنات السياسية المؤلمة بين فصائل شيعية وكردية وسنية. ولكنهم طالبوا بتنحي مسؤولين محليين وبتحسين حصص الغذاء وبمزيد من الكهرباء.

ولا توفر شبكة الكهرباء العراقية امدادات الا لساعات قليلة في اليوم وهي مصدر ازعاج مستمر خصوصا في الصيف عندما ترتفع درجات الحرارة الى أكثر من 50 درجة مئوية.

وقالت وزارة الكهرباء في الاسبوع الماضي ان العراقيين سيحصلون على أول ألف كيلووات من الكهرباء كل شهر مجانا.

ويتزايد الاستياء بينما لا يزال التقدم بطيئا بعد ثماني سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق الذي أطاح بالرئيس الراحل صدام حسين.

وتعرض برنامج الغذاء الوطني الذي يقدم حصصا شهرية من السكر والارز والسلع الاساسية الاخرى لملايين العراقيين لانتقادات بسبب نقص بعض السلع.

وأرجأت الحكومة العراقية شراء مقاتلات اف 16 لتحويل 900 مليون دولار مخصصة لشراء الطائرات للحصص الغذائية واشترت 200 ألف طن من السكر هذا الشهر لدعم خطتها.

وقال وين وايت وهو باحث في معهد الشرق الاوسط "يظهر رد المالكي المذعور تقريبا على هذه الاضطرابات الجديدة الى الحد الذي يشعر معه بعدم الامان.. فهو رجل يدرك تماما أنه حصل على فترة ثانية كرئيس للوزراء أساسا من خلال الدهاء والعناد وبمساعدة من طهران."

وضمن المالكي فترة ثانية كرئيس للوزراء في ديسمبر كانون الاول الماضي بموجب اتفاق أعطى حصصا في الحكومة للسنة العرب والاكراد.

وبينما تعهد الزعماء المنتخبون ديمقراطيا باصلاح العراق الا أن التحسن كان بطيئا. والوظائف كانت نادرة وأعاقت البنية الاساسية المدمرة التنمية وانتشر الفساد.

وكثيرا ما يشير المحتجون الى الفساد المستشري على نطاق واسع بينما يطالبون بتنحي المسؤولين المحليين والمحافظين. ويعتبر العراق من بين البلدان الاكثر فسادا في العالم.

وقال المالكي هذا الشهر انه سيتنازل عن نصف راتبه البالغ 30 ألف دولار شهريا ودعا الى تقييد فترة الولاية الى مدتين فقط.

وأرسل كذلك قانون يقضي بخفض مرتبات المشرعين والوزراء ومعاشات المشرعين والوزراء السابقين بنسبة 50 في المئة الى الحكومة للتصديق عليه.

وكانت احتجاجات العراق متفرقة الى الان ويقول محللون انه من غير المرجح ان يسعى العراقيون الى تغيير الحكومة.

وقال رانج علاء الدين من مؤسسة نكست سنتشري "كانت الرغبة في تغيير النظام واجراء انتخابات حرة ونزيهة هما محور الانتفاضتين التونسية والمصرية."

وأضاف "العراق لديه حكومة ائتلافية منتخبة ديمقراطيا وهي حكومة ممثلة للمجتمع العراقي بخلاف الفرد الحاكم أو الاسرة الحاكمة أو النخبة الحاكمة. من الصعب للغاية تنسيق وتنفيذ انتفاضة ضد حكومة متنوعة ومختلطة" كالحكومة العراقية.

تأييد المراجع الدينية

من جانبه اصدر مكتب ممثلية المرجع الاسلامي الاعلى سماحة اية الله العظمى السيد صادق الشيرازي في كربلاء بيان ايد خلال مطالب المحتجين على مظاهر الفساد، جاء فيه "تعصف بالعالم الإسلامي موجة من المسيرات الاحتجاجية المطالبة بالحقوق والتغيير لكون معظم الجماهير تعيش تحت خط الفقر وتعاني من البطالة وأنواع المضايقات والضرائب والقوانين القاسية الاستبدادية المخالفة للشرع والعقل والكرامة الإنسانية.

وقد انتهك بعض رجال الأمن حريات الشعوب في إبداء الرأي ونتج على أثره سقوط دماء بريئة مما يعقد الأمور ويجر البلاد الى نفق مظلم.

إن هذا الواقع المتأزم يحفزنا لنؤكد ما يلي:

1ـ ان هذه الاحتجاجات العارمة إنما تنم عن روحٍ وطنية وإصلاحية وتدعو للتغيير الجذري وهذا حق إنساني مشروع.

2ـ ومن الحق الشرعي والقانوني أيضا حرية التعبير عن الرأي واستخدام أي وسيلة إعلامية من وسائل الاتصال, كما أن من مصاديق حرية التعبير؛ تأسيس الجمعيات والتنظيمات والأحزاب المخلصة وإقامة المؤتمرات والندوات وغيرها.. ومتى صودر هذا الحقُ معناه الانزلاق إلى هاوية الدكتاتورية والاستبداد. وامتلاء السجون بالأبرياء.

3ـ ومن مطاليب هذه الشعوب اطلاق الحريات في مختلف المجالات ضمن الإطار الشرعي.. وهذا مطلب حيوي يشمل كل مجالات الإعمار والتربية والزراعة والحضر والسفر والتجارة والسياسة والاقتصاد..

4ـ إن استخدام وسائل العنف وإطلاق الرصاص الحي على المحتجين الأبرياء موقف غير مقبول ويزيد الجماهير تصميماً وإصراراً للمضي في طريق التغيير وان حوادث القتل التي ارتكبت خلال هذه الاحتجاجات مشمولة بقوله تعالى: (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) المائدة:32.

5ـ إن الفساد الإداري والاستئثار بأموال الناس وإيداعها في حسابات خاصة في البنوك الأجنبية أدى إلى المزيد من الحرمان والبطالة والتخلف والمرض والجهل وسوء الخدمات مما عمق جراح المظلومين والمسحوقين من أبناء هذه الشعوب وجر عليها أنواع المآسي والمحن.

6ـ نؤكد حقيقة ثابتة أن لا استقرار لبلادنا إلا بالتعددية السياسية والمؤسسات والانتخابات الحرة النزيهة (وأمرهم شورى بينهم) دون أدنى استئثار وحرص, فضلاً عن عدم قمع صوت المعارضة وان حركات الاحتجاج إنما تستنكر الاستئثار السياسي وهيمنة الحزب الواحد الذي أدى بواقع الحكومات إلى التخلف والاستبداد التي هي أم كل فساد وجهل وتخلف.

وبتجاوز هذه الحقوق يكون الحاكم مصداقاً للحديث الشريف: «من استبد برأيه هلك وأهلك».

«اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة».

فيما اعلن المرجع الشيعي الكبير آية الله علي السيستاني ايضا، تأييده التظاهرات التي ينظمها العراقيون ضد "تقصير الحكومة" على ان تكون سلمية ودون الاعتداء على الاملاك العامة.

وجاء في رسالة وزعها مكتب المرجع في النجف (جنوب بغداد) على ممثليه في العراق مساء الاحد، ان "المرجعية الدينية تقدر ما يمر به الشعب العراقي من معاناة بسبب تقصير الحكومة او قصورها".

واضاف ان "التظاهرات حق مكفول للمواطنين ولكن ينبغي عدم اراقة الدماء والاعتداء على الاملاك العامة والخاصة كما حدث في بعض الاماكن".

واشار المرجع الى انه "تحدث مرارا وتكرارا مع المسؤلين حول هذا الامر" اي نقص الخدمات في البلاد. بحسب فرانس برس.

ويتظاهر الاف العراقيين بشكل شبه يومي منذ اسابيع في عدد من المدن العراقية بينها بغداد، للمطالبة بمعالجة البطالة والقضاء على الفساد وتحسين الخدمات وفي طليعتها الكهرباء.

تفشي المحسوبية والمحاباة

من جهته برر النائب جعفر الصدر ابن آية الله محمد باقر استقالته المفاجئة من منصبه الذي فاز به في انتخابات 2010 ضمن حزب رئيس الوزراء نوري المالكي، برغبته في مكافحة تفشي المحسوبية والمحاباة في السياسة العراقية.

وتاتي تصريحات جعفر الصدر بعد ايام من سلسلة الاحتجاجات التي شهدتها انحاء من البلاد المطالبة بمكافحة الفساد وسوء الخدمات الاساسية وارتفاع معدلات البطالة وسقوط ثلاثة قتلى واكثر من مئة جريح اثر المظاهرات الاولى من نوعها في العراق بعد انتفاضتي تونس ومصر.

والصدر هو النائب الاول الذي يقدم على مثل هذه الخطوة لاسباب سياسية خلال ثلاثة دورات برلمانية شهد العراق منذ 2003.

والنائب الاول الذي استقال من البرلمان كانت سهام كاظم عن حزب الفضيلة لاسباب امنية في الدورة السابقة.

وقال الصدر ردا على اسئلة عبر البريد الالكتروني "لا يمكن لاحد أن ينكر اهمية وحيوية البرلمان في حياة الأمم. غير أنه في العراق ، وللاسف الشديد، تم عمليا تعطيل وإفراغ هذه المؤسسة من محتواها الاساسي وذلك بفعل ما يسمى بالكوتا والمحسوبية وما يلحقها من علاقات زبانية".

وأضاف الصدر ، وهو الابن الوحيد لمؤسس حزب الدعوة الاسلامية الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي "اجواء المحسوبية الطاغية افسدت الحياة السياسية وعرضتها للتآكل والغنغرينة، في وقت ترك فيه المجتمع يواجه لوحده المصاعب الجمة". بحسب فرانس برس.

وقال الصدر الذي قدم استقالته الخميس "لا اريد هنا ان احمل مسؤولية كل ما آل إليه الوضع ثم القيه بسهولة على من يتحمل قيادة البلد، ولكن علينا الاعتراف بأن خيبة وقلق عميقين يخيمان على عموم العراقيين بتعدديتهم الاثنية والمحلية والمذهبية".

وتاتي هذه التصريحات وسط احتجاجات التي حدثت في جميع أنحاء البلاد، من مدينة السليمانية الكردية الشمالية الى مدينة البصرة في جنوب العراق، مطالبة الحكومة مكافحة الفساد وإعادة بناء اقتصاد العراق والبنية التحتية المتداعية في هذا البلد الذي مزقته الحروب.

واضاف "كل شيء غائب عن الحركة السياسية، إن كان على مستوى الحكومة أو البرلمان : غياب الحلول لمواجهة مشاكل البلد الأساسية والمزمنة، غياب الإستراتيجية والرؤية المستقبلية. كل ذلك في وقت ما يزال فيه المواطن يطالب بعد سنوات بأبسط الخدمات".

وتابع "دون شك، التبعية الثقيلة للنظام البائد، وآثار الاحتلال الثقيلة، والتدخلات الفظة والمتزايدة لدول المنطقة، ثم الإرهاب الذي يضرب وما زال الأبرياء وما تبقى من بنى البلد التحتية، أقول أن كل ذلك وغيرها من الأسباب ساهم في إيصال البلد للحالة التي هو عليها اليوم".

واضاف "لكن علينا امتلاك الشجاعة الأدبية والصراحة أن نقول للشعب بأن السياسات الفاشلة التي اتبعت منذ 2003 وحتى اليوم تتحمل ايضا الكثير من المسؤولية فيما وصل إليه الوضع".

وحل الصدر في الانتخابات التي جرت في اذار 2010 في المركز الثاني من حيث عدد الاصوات ضمن ائتلاف دولة القانون بعد رئيس الوزراء نوري المالكي عن محافظة بغداد.

اسس والده آية الله العظمى محمد باقر الصدر حزب الدعوة الاسلامية في 1957 ، لكنه قتل عام 1980 على يد نظام صدام حسين، الذي اطيح به في غزو العراق عام 2003 بقيادة الولايات المتحدة.

وجعفر البالغ الاربعين من العمر، هو النجل الوحيد لاية الله العظمى محمد باقر الصدر الذي اعدمه صدام حسين في 1980، والذي كان في اواخر الخمسينات مؤسس حزب الدعوة الشيعي الاسلامي الذي يرأسه المالكي حاليا.

ودرس جعفر وهو ابن عم الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وصهره، العلوم الدينية في بغداد والنجف وقم، قبل ان ينتقل الى بيروت ليحصل على بكالوريس في علم الاجتماع والانثروبولوجيا.

ووفقا له ان "الديمقراطية في العراق ما زالت هشة، لذلك على الجميع احترام الدستور والقانون".

ويقول "لقد نجا العراق من الفوضى وما يسميه المراقبون بالدولة الفاشلة، ولكن علينا ان نعي بان مستقبل الوطن لا يحدده الدستور فقط. فعلى المجتمع المدني تقع مسؤولية الدفاع عما تحقق والمطالبة بالمزيد من الإصلاحات. علينا أن لا ننسى بأن المسيرة الديمقراطية، أينما كانت، ليست حركة مجتمعية لا تعرف الرجعة والانتكاس".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/شباط/2011 - 18/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م