عصر الثورات

مهند السماوي

لقد خرج المارد من القمقم... سباته طال عدة عقود حتى اصابه الملل!.

خرج ولن يعود ابدا الى وضعه السابق!... لقد انتهى عصر السكون والخمول والعيش على هامش الحياة... لقد بدأ التأريخ يعيد كتابة نفسه بمنهج مختلف عن شعوب عاشت طويلا تحت ظلال الاستعباد والتخلف!... لقد بدأت معركة الحياة المصيرية الحقيقية...

انتهى تزييف العقول وترويضها... وانتهى زمن الخنوع والاذلال... لقد بدأ عصر الثورات لتمهد لعصر الحرية والعدالة والكرامة الانسانية...

هذه الحقيقة التاريخية لا يمكن تجاهلها، فبعد الثورة التونسية... انطلقت الثورة المصرية، وكان النصر حليفهما بفضل عوامل عديدة اهمها الجرأة والشجاعة والاصرار والصبر والوحدة الخ بالرغم من قوة الاعداء وحلفائهم...

بعد ذلك النجاح الباهر الذي يعيد الينا ذكرى ايام الثورات الشعبية التي اطاحت بالانظمة الشيوعية في اوروبا الشرقية عام1989 خلال اسابيع!... فأن التاريخ يعيد نفسه ولكن الان في العالم العربي، فالثورات انطلقت مجددا بعد الانتصار التاريخي للثورة المصرية في 11شباط (فبراير)2011 في كل من الجزائر واليمن والبحرين وليبيا وان كان قد خمدت مؤقتا في الاردن!.

ان العصر الحالي هو بحق عصر الثورات التي لن تنتهي الا بإزالة هذا الكابوس الجاثم على صدر الشعوب منذ قرون... والثورات لن تنتهي بمجرد النصر الاولي بل هنالك عملية معقدة من البناء الداخلي الضرورية لاكمال النصر النهائي لانه بدونها سوف تتوقف الثورة بل تفقد جوهر وجودها الفعلي!.

رعب الجلادين وخوفهم

لا يمكن تصور حالة التخبط الناتجة من الرعب والخوف من المجهول الذي يلازم الانظمة العربية المترهلة الحالية التي طالما حكمت شعوبها بالحديد والنار ولم تكن عندها ذرة من الحكمة والرحمة والرأفة والشفقة حتى تمنحهم الحد الادنى لحقوق الانسان الاساسية، وهم الان يرون كيف يثور المستضعفون في الارض بحيث لا تقدر ان تقف بوجههم اية قوة مهما بلغت قوة جبروتها... فلا امريكا قادرة على حمايتهم! فهي تميل دائما للاقوى حسب منطق المصالح! وهنا الشعوب قد استعادت المبادرة وبالتالي اصبحت اقوى بكثير من جلاديها!.

كذلك لا تنفعهم علاقاتهم العلنية والسرية مع اسرائيل مدللة الغرب، ولا علاقاتهم مع بعضهم البعض!... صحيح انهم يكرهون بعضهم البعض ولكن عند الشدائد تجدهم يدا واحدا وهذا تفسير وقوفهم مع زملائهم السابقين(صدام وبن علي وحسني!)... ولا تنفعهم وسائلهم البدائية المتمثلة بالقهر والقمع والغدر!.

فما ان انتهت الثورة التونسية حتى ظهر اثر الرعب عند القذافي فأصدر تعليماته بضرورة صرف عشرات المليارات من الاموال المخزونة لديه في بناء مساكن ودعم لطبقة الفقراء بغية اضعاف الدوافع الجماهيرية المعروفة للثورة!...

الاخر هو بشار الاسد الذي اصدر قرارات عاجلة لدعم الطبقات الشعبية لنفس الغرض السابق!...

اما دعاوى الاصلاح الفارغة فلم تستثني احدا!! بل حتى محمود عباس رئيس سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية المحدودة اعلن عن نيته اجراء انتخابات مستقبلية لغرض ابعاد شبح النقمة والثورة عليه بعد الانكشاف المفضوح للتنازلات المذلة لاسرائيل مع حالة الفساد المستشرية في صفوف تلك السلطة!!.

اما بعد الثورة المصرية!... فلم تمضي سوى سويعات قليلة على خلع الطاغية حسني مبارك حتى اعلن ملك البحرين عن توزيع منحة مالية لكل عائلة بحرينية في محاولة ساذجة لمحي عقود من الاستبداد والفساد والتبعية!... وكأن الشعوب بلا ذاكرة او حتى قدرة عقلية قادرة على التمييز والاختيار!.

اما حاكم اليمن الذي يحكم منذ عام 1978 !! فأعلن عن استبعاد ترشحه للانتخابات عام 2013 وهو نفسه الذي ضحك على شعبه عندما اعلن عام 2006 عدم قبول ترشحه ثم عاد للترشح الهزلي لانعدام وجود انتخابات حقيقية في ظل حكمه الفاسد الذي تشترك فيه اسرته واقربائه، بل ومنع الاخرين وحاصرهم وشن الحروب الداخلية حتى ظهرت الدعوات الاخيرة بالبقاء مدى الحياة في السلطة!... الا ان تلك الثورات جعلت مبدأ البقاء مدى الحياة والتوريث امرا مستحيلا في الوقت الراهن على الاقل!.

الواجب الاسمى

لا يوجد واجب على جميع القوى الحرة في العالم العربي وبقية دول العالم الاخرى من التضامن المشترك مع الثورات الناشئة او المتوقع قدومها او دعمها بكافة الوسائل المتاحة!... فهذا التضامن هو جزء بسيط من منظومة القيم الثورية اللازمة لكل فرد، والشعوب الاخرى المنكوبة دائما تنتظر العون من الذي تخلصوا من دوائر الظلم والطغيان، وعدم الاستجابة لانقاذ او اعانة المنكوبين هو ليس جريمة لا اخلاقية بل هو خسارة لحلفاء جدد في المعركة الدائمة بين الخير والشر.

التضامن يمثل الحد الادنى من الالتزام الديني والادبي والاخلاقي لكل فرد تجاه مجتمعه والمجتمعات الاخرى... وعليه فأن واجب الحد الادنى يتمثل في الدعم الاعلامي بكل الوسائل المتاحة واضعاف القوى المناوئة للثورات وخلق لوبيات ضغط خارجية على الانظمة المحاصرة كي تستعجل الرحيل!.

من الخطأ التصور ان كل ثورة تواجه نظامها!... فذلك غير صحيح، فالثورة البحرينية تواجه عدوين شرسين متحدين منذ فترة طويلة وهما النظامان البحريني والسعودي! كذلك الوجود الامريكي الداعم لهما ايضا!... اما بقية الثورات فهي تواجه العداء الداخلي وحتى الخارجي وبخاصة من الانظمة المجاورة.

ان قوة الاعلام المؤثر جعلت الانظمة مهزوزة في الداخل مما يعني ضرورة استغلال ذلك المناخ الاعلامي في ظل العولمة المعاصرة في توجيه الضربات الاستباقية لاسلحة الخصوم التقليدية المتمثلة بالتضليل الاعلامي وخنق الاعلام الغير خاضع والتفرقة بين افراد الشعب واستخدام اقصى وسائل الارهاب والقمع.

تهافت فكرة نهاية التاريخ

لقد سقطت بالفعل مقولة نهاية التاريخ التي سادت قبل عقدين من الزمن بعد انهيار المعسكر الاشتراكي... فالثورات المعاصرة والصراعات الدولية المستمرة تثبت ان الحياة لن يتوقف نموها عند مذهب فكري معين مهما بلغت درجة قوته! فالحياة قادرة على ازالة اسس اكبر قوة استبدادية سواء من الناحية الفكرية او العملية.

والثورات المعاصرة هي ضد نظام سياسي عالمي متمثل بالرأسمالية المتوحشة بغض النظر عن اختلافاتها.

كل منهج فكري يحكم في الحياة اذا لم يقبل بالاخر او يحترم وجوده على الاقل... فأن مصيره الزوال او التحول الى هيكل عظمي يحتاج الى دفعة بسيطة لرفعه من الحياة الى المتاحف لغرض التفرج عليه.

بعد ان يأست الشعوب من واقعها المرير الذي طال امده... فأن التوجه الان ضمن عصر الثورات هو نحو اعادة بناء الثقة بالانسان وقيمه الاجتماعية المهزوزة بفضل التدمير المبرمج لشخصية الفرد وترويضها لغاية مبدأ في غاية السوء وهو ان يكون خير مستعبد لاسياده!.

عصر الثورات لن يكون محصورا ضمن فترة من الاضطراب السياسي لحين اسقاط النظام... بل هو العيش ضمن مناهج متغيرة ضمن واقع الحياة المعاصرة.

ان شعوب العالم المنكوبة تنتظركم فلا تخذلوها في ذروة نشوة الانتصار الجزئي!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/شباط/2011 - 16/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م