الحكومة والمتظاهرون بين الحقوق والواجبات

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لكل بلد خصوصياته وظروفه التي قد تدفع بمواطنيه للتظاهر على الحكومة، وقد تتشابه ظروف المتظاهرين في البلدان التي تحدث فيها التظاهرات، لكن ستبقى درجة تشابه التظاهر نسبية، فما حصل في تونس، لم يشبه تماما ما حصل بمصر بهذا الخصوص، لا في الاسباب، ولا في النتائج، ولم يشبه حرفيا، ما حدث في إيران او البحرين او الاردن او ليبيا وغيرها.

أما ما حدث من تظاهرات في العراق، فهو ما سنبحثه بشيء من التفصيل في هذه المقالة، وبداية نقول ان تظاهرات العراقيين من حيث الظروف والاهداف، لا تشبه ما حدث في تونس او مصر تفصيليا أو غيرهما، والسبب الاول الذي يؤكد هذا الاختلاف، أن النظامين في تونس ومصر يتسمان بالفردية وطول فترة الحكم، وعدم وجود المؤسسات الدستورية المستقلة عن قرارات الحاكم، وعن مصالحه، ومصالح عائلته، وحاشيته، بالاضافة الى مصالح رموز النظام كافة.

فالعراق سبق وأن مرّ بما مرت به مصر وتونس، وتسلّطت على رقابهم أنظمة عسكرية فردية، وآخرها النظام السابق الذي لم يتوانَ عن استخدام العنف والبطش بأعلى درجاته كي يحتفظ بالسلطة، أما حكومات ما بعد 2003، ومنها الحكومة العراقية الحالية، فهي حصيلة تجربة ديمقراطية جديدة، لم يجربها العراق إلا بعد إزاحة النظام السابق، بل وحتى في الحكومات الأبعد زمنيا، لم يمارس العراقيون تجربة ديمقراطية راسخة او مكتملة، ولهذا تعتبر مرحلة ما بعد 2003 مرحلة تأسيس وتجريب للنهج الديمقراطي في العراق.

وهكذا نظر العراقيون الى المرحلة الجديدة (الديمقراطية) على أنها مرحلة خلاص وتعويض في آن، فقد تخلصوا فيها من حقبة الحكومات المستبدة، وتأمّلوا بصدق وشغف عريض، أن يتم تعويضهم عن فترات الحرمان، والقمع والقهر والفقر، لكن الذي حدث كان مخيّبا للجميع حقا، ولا يسع المجال هنا للخوص في تفصيل الاسباب التي حوّلت أحلام العراقيين العريضة الى وقائع ونتائج مليئة بالخيبة والشعور بالخذلان.

والسبب أن العراقيين الذين ترقبوا بفارغ الصبر مرحلة التعويض، صُدِموا بزمر الفساد، وعصابات النهب التي انتشرت على نحو غير مسبوق، في أجهزة ومؤسسات ودوائر الدولة والحكومة، فأخذ سرطان الاختلاس والرشوة ينمو في جسد الدولة والحكومة، ولم يترك مكانا منه إلا وتغلل فيه، إبتداءا من الرؤوس، وقد تداخلت عمليات الفساد مع تفاصيل العملية السياسية ذاتها، فأصبح السكوت عن المفسدين أمرا متبادلا بين الكتل والاحزاب التي تقود العملية السياسية، وأصبحت قضية التغطية على ملفات الفساد أمرا معتادا، كما أن أوراق التصدي لها والكشف عنها، دخل في حالات الصراع والتوافق بين اطراف العملية السياسية، وهكذا صار التستر على المفسدين من الوزراء والمدراء العامين والموظفين الكبار سلوكا معتادا، بل مقبولا ومتداولا بين السياسيين العراقيين، والمشكلة أن الارهاب ورؤوسه وأذنابه تداخل مع الفساد، فصار المفسدون يتهمون كل من يحاول كشفهم وفضحهم وردعهم بأنه يصطف الى جانب الارهابيين ويحاول أن يجهض العملية السياسية الديمقراطية في العراق، وهكذا صار كل من يحاول التصحيح والاشارة الى الخطأ والمطالبة بمحاسبة المفسدين وحماية المال العام متهما بالارهاب او وقوفه الى جانبه.

على أننا نفهم خطورة أعداء التجربة العراقية الجديدة، ونفهم تداخل المصالح والحسابات الدولية والاقليمية، ونعرف من هم الذين يتخوفون من التجربة العراقية، لكن المشكلة التي لا تزال قائمة، هي حالة خلط الاوراق بين العدو والصديق، حتى يبقى المفسدون وسارقو المال العام يتصرفون بحرية، بحجة أن من يطالب بمعاقبة المفسدين - وجلهم من موظفي الدولة الكبار والمسؤولين- إنما يريد الرجوع بالشعب الى المربع الاول ممثلا بالدكتاتورية، ولكن لا ينبغي أن يكون مثل هذا القول شماعة تعلق عليها إخفاقات الحكومة في مجال الخدمات ورفع القدرة الشرائية والحفاظ على سلة البطاقة التموينية وغيرها.

ولهذه الأسباب تحديدا، خرج المتظاهرون في العراق، على الحكومات المحلية والحكومة الاتحادية، ولم يكن ولا ينبغي أن يكون هدف المتظاهرين، تغيير النظام السياسي في العراق، فإذا كان من حق المواطن العراقي أن يتظاهر كما يكفل له الدستور ذلك، فإن من واجبه أن يدافع عن التجربة الجديدة كونها هي التي أتاحت له حق التظاهر والاعتصام والمعارضة.

إذن فالمعادلة بين حقوق المتظاهرين وواجباتهم، ينبغي أن تُفهّم، ولا تُنسى قط، نعم من حقنا جميعا أن نتظاهر سلميا، ونعتصم ونطالب بحقوقنا التي تجاوز عليها المختلسون وسراق المال العام، ومن حقنا المطالبة بإقالة هذا المسؤول او ذاك، ومن حقنا المطالبة بالحفاظ على قوت الشعب، وتوفير الخدمات الاساسية كالكهرباء والماء، وشبكات الصرف الصحي، وتعبيد الطرق، ورفع القدرة الشرائية للمواطنين، ورفع مستوى التعليم، والقضاء او الحد من البطالة، وحل ازمة السكن، ورفع سقف الخدمات الصحية، كل هذه الطلبات وغيرها مشروعة وينبغي أن تتحقق.

وليس مقبولا من الاجهزة الحكومية قط، أن تمنع التظاهر ولا أن تتجاوز على المتظاهرين بإطلاق النار عليهم، فهذا خط أحمر لا يجب السماح به إطلاقا، لأنه يشكل مؤشرا واضحا للعودة الى أنظمة القمع والمصادرة، بالمقابل ليس مقبولا من المتظاهر أن يتحول الى مخرّب وعدو للدولة وممتلكاتها العامة تحت أي ظرف كان، بل لابد أن يحكم جميع المتظاهرين السلوك المتمدّن.

هذه هي المعادلة التي ينبغي أن تضبط السلوكين الحكومي والشعبي، والتي يجب على الحكومة فهمها تماما والعمل بها، كما ينبغي أن يفهمها المتظاهرون، فالحق والواجب طرفا معادلة، يجب أن يفهمها ويتمسك بها الجميع.

ومثلما تبقى الفرصة متاحة أمام التظاهر السلمي، فإن الفرصة ذاتها متاحة أمام الحكومات المحلية والاتحادية، لمعالجة النواقص والاسباب التي ادت وستؤدي الى قيام التظاهرات، ففي ظل النظام الديمقراطي، لا احد يستطيع أن يكمم افواه الناس ويخرس ألسنتهم وأصواتهم، لذلك مطلوب من جميع المسؤولين في السلطة التنفيذية والاجهزة الحكومية، العمل فورا على تصحيح الاخطاء الجسيمة التي أدت الى طغيان حالات الفساد المالي والاداري، والتي أدت بدورها الى تفاقم الشعور الشعبي بالغبن، وإحساسهم بالخيبة، وبأنهم لم يحصلوا على حقوقهم، في ظل النظام الديمقراطي، الذي أثبت تلكّؤه في ظل عناصر مفسدة، ينبغي أن تُؤشَّر وتُحدَد وتُفرَز، ثم تُعالَج بسرعة من خلال إعمال القضاء وتفعيله من جانب، ومن جانب آخر اتخاذ الخطوات العملية السريعة، التي تُظهر اهتمام الحكومة بالشعب على نحو واضح وجوهري.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/شباط/2011 - 15/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م