تونس ما بعد التغيير

احمد عقيل الجشعمي

 

شبكة النبأ: كان يظن الشعب التونسي انه عندما يطرد بن علي ويعزله عن الرئاسة فأنه بذلك سيجد ما كان يصبو اليه خلال سنين طوال وهذا ما فعله حقا ولكن بعدما قامت الثورة وغيرت الحكم بل هي كانت ملهمة للدول العربية كلها لتحذو حذوها في تحقيق الهدف وتحديد مصيرهم بأنفسهم حدث العكس فهم لحد الان لم يروا حال افضل مما كان عليه لاسيما وان الحكومة ما زالت لم تشكل بصورة اكيدة وثابتة.

وهذا ما ادى الى ظهور عدد من الاخفاقات الامنية وبعض اعمال الشغب والسرقة في حين تم تغيير عدد كبير من اصحاب المناصب الامنية الرفيعة في الدولة كانوا من اتباع الرئيس المخلوع لكن مازال الشعب يعاني من وضع متخلخل وامان مضطرب، في حين ادت هذه الاوضاع الى تدخل الدولة المحتلة السابقة لتونس وهي تقدم العون للقوات الامنية للسيطرة على الخروقات الامنية، من جانب اخر فأن هذه الاحتجاجات التي دخلت التاريخ واحيت روح الحرية في الشعوب العربية في الوطن العربي كله كلفت تونس ملايين الدولارات وادت الى تدهور اقتصادي في البلد لما لها من موارد سياحية كبيرة تعود على البلد باقتصاد كبير ولكن هذا فقد بعد ان سحبت الجاليات الاجنبية من البلد.

ثورة الياسمين تكبد تونس 3,52 مليار دولار

فقد قدر وزير التنمية الجهوية والمحلية في تونس احمد نجيب الشابي في مقابلة نشرتها صحيفة ليبراسيون الفرنسية قيمة الخسائر التي تكبدها الاقتصاد التونسي خلال ثورة الياسمين بخمسة مليارات دينار (3,52 مليار دولار) اي ما يوازي 4% من اجمالي الناتج المحلي.

وقال الشابي ان "التقدير الاولي للخسائر هو 3 مليارات دينار (2,11 مليار دولار). الا ان هناك مفاعيل تظهر مع مرور الوقت. يمكننا تقدير هذا المبلغ في المحصلة ب5 مليارات دينار (3,52 مليار دولار)، اي ما يوازي 4% من اجمالي الناتج المحلي تقريبا".

واضاف الوزير والمعارض التاريخي الذي يشغل منصب رئيس الحزب الديموقراطي التقدمي ان "تونس بلد منفتح جدا على الصعيد الاقتصادي. نحو مليون تونسي، وبالتالي قرابة نصف عدد السكان، يعتاشون من التبادلات الخارجية في السياحة كما في الصناعة". واعقبت فرار الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي اعمال عنف ومشاهد تخريب في البلاد. وتم اجلاء الاف السياح من تونس في كانون الاول/ديسمبر ومطلع كانون الثاني/يناير. بحسب وكالة انباء فرانس برس.

ويمثل القطاع السياحي التونسي الذي يعتبر اكثر القطاعات درا للعملات، 6,5% من اجمالي الناتج المحلي ويعمل فيه اكثر من 350 الف شخص من اصل نحو 10 ملايين نسمة. وبعد ان اعتبر ان تونس حافظت على "ثقة شركائها الاجانب"، اكد الوزير الجديد ان "تونس الجديدة" ستسدد قروضها مع توقع اقتراض مبالغ اخرى.

وقال "لدينا مبلغ مستحق قدره 450 مليون يورو علينا دفعه بحلول شهر نيسان/ابريل. تونس ستسدد المبلغ. لم نطالب يوما بإعادة جدولة ديننا وليس لدينا اي سبب لنفكر في ذلك. وبذلك نرغب في تحسين وضعنا بشكل يرفع تصنيفنا لأننا سنحتاج الى قروض جديدة". واضاف "اننا نعتمد اذا على تفهم شركائنا، ان كانوا في اوروبا، دول الخليج، الولايات المتحدة او اليابان". وتابع ان "حاجاتنا تقدر بين 5 و10 مليارات دولار سنستطيع تسديدها في ظروف استثنائية مثلا على 40 عاما".

تونس تغير 34 مسؤولا

من جانبها قالت وزارة الداخلية التونسية انها غيرت 34 مسؤولا أمنيا بارزا في أول خطوة نحو اجراء تغييرات شاملة للشبكة الضخمة من مسؤولي الشرطة وقوات الامن والشرطة السرية التي بناها الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي على مدى عقدين.

ومن بين الذين جرى عزلهم رئيس الامن الوطني ورئيس الامن العام ورئيس أمن الرئاسة وهي مناصب كانت مهمة في عهد بن علي الذي فر من البلاد في 14 يناير كانون الثاني عقب احتجاجات دامت أسابيع. بحسب وكالة الانباء البريطانية.

وتأتي هذه الخطوة بعدما قال مسؤول دولي في مجال حقوق الانسان انه يتعين اجراء تغييرات شاملة في قوات الامن التونسية حتى لا تعمل ضد الشعب كما فعلت خلال الانتفاضة التي قتل فيها 147 شخصا.

فرنسا وافقت

فيما تخاطر فرنسـا التي أصبحت في موقع الدفاع منذ ان قدمت تونس الخبرة اللازمة للسيطرة على المحتجين في حين كان يقتل بن علي في مواجهة انتفاضة شعبية.

وأكدت رسالة فيون انه لم يتم شحن أي صادرات غاز مسيل للدموع اثناء تلك الفترة لكنه اعترف بأن سلطات الصادرات التي تطلب موافقة وزارة الخارجية الفرنسية قد حصلت عليها. وتم تعليق التصريحات بعد يوم 18 يناير كانون الثاني بعد فحوص بدأتها سلطات الجمارك يوم 14 يناير كانون الثاني وفقا لرسالة فيون الى جان-مارك ايرول وهو عضو بارز في الحزب الاشتراكي المعارض في فرنسا.

وفوجئت فرنسا المستعمر السابق لتونس مثل العديد من الدول الاخرى من سرعة التطورات في الساعات التي سبقت فرار بن علي الى السعودية لكنها في موقف دفاع وخاصة بشأن ما كشفت عنه وزيرة الخارجية ميشيل اليو ماري. وأثارت اليو ماري صرخات استنكار في البرلمان يوم 12 يناير كانون الثاني عندما أعلنت ان باريس تقدم لتونس خبرة قوات الامن الفرنسية في السيطرة على الحشود. بحسب وكالة الانباء البريطانية.

واعترفت بأنها كانت تقضي عطلات في تونس في نهاية عام 2010 عندما كانت تجري الاحتجاجات مثلما يفعل أكثر من مليون فرنسي كل عام في الاوقات العادية. وأقر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الفترة الاخيرة ان فرنسا "هونت من تقدير" الموقف في تونس وأعلنت حكومته المنتمية ليمين الوسط ان باريس ستسحب سفيرها في تونس وترسل بديلا له. وقتل 147 شخصا على الاقل واصيب 510 أشخاص اثناء الانتفاضة في تونس التي بدأت يوم 17 ديسمبر كانون الاول حسبما ذكر بكري والي نداي رئيس فريق حقوق الانسان التابع للامم المتحدة في مؤتمر صحفي.

ومنذ رحيل بن علي عرضت فرنسا تقديم مساعدات لتونس وتعهدت بوقف أي تحركات مشبوهة لأموال لها صلة ببن علي وعائلته. وصادرت فرنسا طائرة صغيرة تخص بن علي في مطار لو بورجيه القريب من باريس بعد يوم من موافقة الاتحاد الاوروبي المكون من 27 دولة على تجميد الارصدة التي تخص الحاكم المخلوع وزوجته.

وزيرة خارجية فرنسا تحت النار

كما تعهدت وزيرة الخارجية الفرنسية بالا تقبل مطلقا استقلال طائرة خاصة مرة اخرى بينما تواجه نداءات بالاستقالة لتمضيتها عطلة في تونس اثناء الانتفاضة وتنقلها في انحاء المستعمرة السابقة لبلادها في طائرة رجل أعمال.

وتضيف الضجة بشأن زيارتها الى سلسلة المواقف المحرجة بشأن علاقات فرنسا بتونس الذي فر رئيسها زين العابدين بن علي. وقالت وزيرة الخارجية ميشيل اليو ماري لإذاعة اوروبا 1 "ما من شك انني لن أستقل طائرة خاصة مرة اخرى مهما كانت الظروف وما دمت وزيرة." وذكرت في مقابلة نشرتها صحيفة لو باريزيان "أدرك أن الناس مصدومين. سأتعلم الدروس".

وسعت حكومة الرئيس نيكولا ساركوزي لتيار يمين الوسط الى انهاء الجدل عندما قال رئيس الوزراء فرانسوا فيون ان اليو ماري تنال "ثقة ساركوزي الكاملة" ووصف متحدث حكومي القضية بأنها قضية مغلقة. لكن هذين الاعلانين فشلا في منع اليو ماري من الغوص بدرجة أكبر في الصعوبات بعد تكشف المزيد من التفاصيل بشأن الرحلة ورفض ساركوزي الرد على اسئلة بشأن القضية خلال اجتماع مع زعماء اخرين في بولندا. بحسب وكالة الانباء البريطانية.

واتهم ساسة من المعارضة اليو ماري بالافتقار الجسيم الى الكفاءة قائلين ان زيارتها بين عيد الميلاد والعام الجديد شوهت صورة فرنسا. وظهرت الوزيرة (64 عاما) التي كانت تمضي عطلة مع والديها وصديقها باتريك اولييه وهو وزير ايضا على شاشات التلفزيون في محاولة أولى لشرح الموقف محتجة بان رحلتها الى تونس سبقت أسوأ أعمال العنف التي وقعت هناك.

كما دافعت عن قرارها التنقل داخل تونس بطائرة رجل اعمال تونسي صديق لها. لكنها وقفت موقف المدافع مرة اخرى بعد ايام حين تبين انها قامت برحلة اخرى على نفس الطائرة وهو ما لم تعترف به صراحة في دفاعها عن نفسها للمرة الاولى على شاشات التلفزيون. وقالت مؤخرا ان من حقها السفر الى تونس في زيارة خاصة لكنها حولت نهجها الى الدفاع لتشدد على انها أخطأت في التقدير.

مهاجمة معبد يهودي ومدارس والخوف ينتشر

من جانب اخر أضرمت النار في معبد في تونس وهاجمت عصابات مدارس في العاصمة مما دفع الجيش إلى التدخل لتهدئة المخاوف بحدوث فوضى بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.

وتراجعت الاحتجاجات الكبرى في الشارع التونسي خلال الايام القليلة الماضية بعد أن أدى تعديل وزاري الى ابعاد معظم الموالين للرئيس بن علي عن الحكومة المؤقتة مما أدلى إلى رضا الرأي العام.

ولكن أعمال ترهيب وتخريب متقطعة اندلعت بعد أسابيع من الاحتجاجات التي أجبرت بن علي على الفرار من البلاد. وقال بيريس طرابلسي المتحدث باسم الطائفة اليهودية التونسية انه لا يعلم من يقف وراء الهجوم على المعبد الواقع في مدينة قابس في جنوب البلاد. وأدان طرابلسي الهجوم معربا عن اعتقاده ان من قام به يريد احداث انقسام بين اليهود والمسلمين في تونس الذين عاشوا في سلام لعقود.

وفي تونس واحدة من أكبر الطوائف اليهودية في شمال افريقيا ولكن الهجمات فيها نادرة. وكان اخر هجوم شهدته تونس قد وقع في عام 2002 حينما قتل تنظيم القاعدة 21 شخصا في هجوم على معبد يهودي في جزيرة جربة. وفي مؤشر اخر على تدهور الحالة الامنية قال شهود عيان ان عصابات هاجمت عدة مدارس في تونس العاصمة مما روع التلاميذ. وأطلق الجيش النار في الهواء في قرطاج لتفريق عصابات هاجمت مدرستين.

وشنت عصابات من الشبان هجوما في وسط العاصمة مفرقة احتجاجا قامت به نساء تونسيات. ولكن أصحاب المتاجر المسلحين بالمدى والعصي في شارع بورقيبة طاردوها وأجبروها على الفرار. وقالوا انهم يحمون تجارتهم من الهجوم. ورأي بعض أصحاب المتاجر أن العصابات مكونة من الموالين لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي أو أن بن علي قد دفع لهم كي يخلقوا فوضى في الشارع. بحسب وكالة الانباء البريطانية.

وقال جندي في ناقلة أفراد مدرعة خارج مدرسة في تونس "نحن نسعى هنا لطمأنه الناس على أننا ما زلنا نحميهم." وكان لبن علي قبل أن يتسلم زمام السلطة عام 1987 شبكة من رجال الشرطة وقوات الامن والشرطة السرية. ويقول دبلوماسيون انه اذا كان معظم حرس الرئاسة التابع لبن علي قد قتل أو تشتت فان عددا صغيرا من المسلحين الموالين له ربما ما زالوا في البلاد. وقال مسؤول دولي في مجال حقوق الإنسان انه ينبغي اجراء اعادة هيكلة شاملة لقوات الامن التونسية من أجل منع أفرادها من العمل ضد الناس كما فعلوا خلال الانتفاضة التي شهدتها البلاد والتي قتل فيها 147 شخصا.

واضاف بكري والي ندايي الذي يقود فريقا مؤلفا من ثمانية أعضاء أوفدته الى تونس المفوض السامي لحقوق الانسان التابع للأمم المتحدة "القطاع الرئيسي الذي يحتاج للإصلاح هو قوات الامن التي يتعين أن تعمل من أجل الناس لا ضدهم.. نظام الامن في قلب عملية الاصلاح. ينبغي أن يكون هناك حد فاصل موضوع على الدولة البوليسية."

وقال ندايي في مؤتمر صحفي ان 510 أشخاص أصيبوا خلال أسابيع من الاحتجاجات التي بدأت في 17 ديسمبر وألهمت مصريين لتنظيم انتفاضة شعبية هائلة في بلدهم. وتعهدت الحكومة التونسية المؤقتة بالتحقيق في أي وفيات واصابات وقعت خلال الانتفاضة وبدأت تعويض الاسر التي تأثرت.

الحكومة التونسية تبدأ المعركة

بينما دعا رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي النواب في جلستهم الاولى منذ سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي، الى الاجازة للرئيس الانتقالي بالحكم بواسطة مراسيم اشتراعية في محاولة للالتفاف على برلمان يسيطر عليه الحزب الحاكم سابقا.

وقطعت المعركة ضد التجمع الدستوري الديموقراطي الذي كان يتمتع بنفوذ كبير في السابق مرحلة اولى مع اعلان وزارة الداخلية "تعليق" انشطة الحزب قبل "حله" قريبا. وامام النواب المجتمعين في قصر باردو مقر البرلمان التونسي، حث رئيس الوزراء النواب الى المحافظة على انجازات الثورة الشعبية التي ادت الى الاطاحة بزين العابدين بن علي.

وصرح رئيس الوزراء ان مشروع قانون بهذا المعنى "سيسمح للرئيس بالوكالة (فؤاد المبزع) بإصدار مراسيم اشتراعية بموجب المادة 28 من الدستور". وقال الغنوشي "الوقت ثمين. هذه المراسيم الاشتراعية حاجة فعلية في تونس لإبعاد المخاطر" التي تهدد انجازات الثورة.

واضاف "هناك من يريد اعادة تونس الى الوراء، لكن علينا ان نحترم ذكرى شهدائنا الذين سقطوا من اجل الحرية"، داعيا النواب ال125 الحاضرين (من اصل 214) الى اقرار النص الذي يرفع الى مجلس المستشارين. وينتظر ان يتخذ النواب قرارهم في خلال اليوم حول "مشروع القانون الذي يخول رئيس الجمهورية بالوكالة اصدار مراسيم اشتراعية"، بحسب النقطة الوحيدة على جدول اعمال الجلسة.

وامام قصر باردو تجمع مئات المتظاهرين المطالبين "بحل البرلمان" الذي تسيطر عليه نسبة 80% من نواب حزب بن علي. وتحت ضغط الشارع الذي يطالب بحل الحزب الحاكم سابقا ونظرا لأعمال العنف في الريف حاولت الحكومة الانتقالية نزع فتيل الاحتجاجات عبر تعليق انشطة الحزب والتخطيط لحله قضائيا قريبا.

وفي بيان نشرته الحكومة التي تتحدث منذ ايام عن "مؤامرة" ينفذها اشخاص تلقوا المال من التجمع الدستوري الديموقراطي، تطرقت الى "همها المتمثل في الحفاظ على مصلحة الوطن العليا وتجنب اي انتهاك للقانون". وفي الواقع لم يعد حزب الرئيس المخلوع بن علي الذي كان يضم مليوني عضو في بلاد تعد 10 ملايين نسمة، يتمتع بحق تنظيم الاجتماعات ولا التجمعات فيما اغلقت مكاتبه كلها. بحسب وكالة انباء فرانس برس.

لكن عددا من قياديي الحزب ما زالوا يعملون في الادارة والشرطة. وتخشى المعارضة ان يحصد الحزب الحاكم السابق الذي كان يتمتع بهيكليات في جميع انحاء البلاد، ثمرة الانتخابات المقررة في ستة اشهر. وهذه المهلة تلقى معارضة كذلك حيث يعتبرها عدد من التشكيلات السياسية المحظورة في حقبة بن علي اقصر مما ينبغي.

وتأتي هذه الحملة على التجمع وسط توتر حاد في مختلف مناطق البلاد (شمال، جنوب، ووسط) فيما خففت الحكومة من حظر التجول الساري منذ 12 كانون الثاني/يناير بعد عملية "تطهير" واسعة في قيادات الشرطة. ولم يكن تعيين 24 محافظا جديدا امرا سلسا، ففي عدد من المناطق طالب متظاهرون برحيل هؤلاء بعد ايام على تسلمهم مناصبهم بسبب "موالاتهم لحزب التجمع".

واضطر محافظ قفصة (غرب وسط) الى مغادرة مكتبه تحت حماية عسكرية.

وشمالا شهدت مدينة الكاف نهاية اسبوع طبعتها اعمال العنف التي نسبها سكان الى استفزازات منظمة من حزب التجمع. وقتل شخصان بيد مفوض في الشرطة، واحرق مبنى قسم الشرطة مرتين فيما اثارت عصابات نهب الذعر في المدينة.

من يقف وراء الإشاعات والأخبار الزائفة ولأي دوافع؟

وسرت طيلة الفترة القليلة الماضية إشاعات بين التونسيين وبثت الهلع والفوضى في مدن عديدة وبشكل متزامن، مما استدعى تدخل مسؤولين أمنيين في وسائل الإعلام لتكذيبها. مما يدفع إلى التساؤل حول مصدر هذه الأخبار الزائفة والمصالح التي تختفي وراء ترويجها.

فما أن وضعت الثورة التونسية أوزارها حتى برزت تحديات جديدة أمام التونسيين. فإضافة للهاجس الأمني واستعادة وتيرة الحياة العادية وضمان عودة تدريجية لمؤسسات الدولة، أصبح التونسيون يواجهون عدوا جديدا هو الشائعات والأخبار الزائفة، التي يسعى مروجوها إلى بث السموم في المجتمع التونسي لغايات ودوافع مختلفة. فمن له مصلحة في هذا الظرف الدقيق بالذات في العبث بإنجازات الثورة الشعبية؟ وإلى أي مدى يمكن الوثوق في صحة الأخبار المتداولة حول الأوضاع الراهنة في تونس؟

طيلة تلك الفترة انتشرت على صفحات فيس بوك وبين المواطنين أخبار حول انفلات أمني واسع شهدته أبرز المدن التونسية، كتونس العاصمة وصفاقس وبنزرت تحدثت الأخبار عن هجمات شنتها عصابات مسلحة بالهراوات والأسلحة البيضاء والمسدسات على متاجر ومساكن ومباني جامعية. وتناقل البعض أخبارا عن وقوع عمليات اغتصاب في صفوف طالبات في مؤسسات جامعية في مدينة منوبة وحدوث عمليات اختطاف لتلاميذ مدارس إعدادية في مدينة أريانة وأخرى في المهدية. كما ردد البعض أخبارا عن قيام جماعات مجهولة الهوية بعمليات سطو على بنوك وفروع مصرفية في تونس العاصمة وأهم المدن التونسية في وقت متزامن. وتعالت الأصوات المطالبة بإعادة تشكيل اللجان الشعبية التي تكونت عشية سقوط نظام بن علي لحماية الأفراد والممتلكات.

ولئن اتفقت الأخبار المتداولة والتي انتشرت بشكل واسع حول وجود عمليات منظمة لبث الفوضى في تونس فإنها اختلفت في تحديد هوية هذه المجموعات، وتراوحت التخمينات بين اعتبارها ميليشيات من الحرس الرئاسي التابع لبن علي، أو أفرادا من الشرطة تم عزلهم بعد قيام الثورة في تونس، أو مواطنين فقراء ينتمون إلى أحياء شعبية فقيرة يريدون استغلال المرحلة الانتقالية التي تمر بها تونس للسطو والسلب والنهب قبل أن يستتب الأمن من جديد.

 الصحفي خميس بن بريك صرح بأن الأخبار التي عمت الشارع التونسي أخذت طابع كرة الثلج حيث تداول الناس في البداية أخبارا عن عودة القناصة إلى استهداف المواطنين، ثم وقوع عمليات اختطاف. وتزامنت هذه الأخبار مع إضراب أفراد الشرطة والأمن عن العمل طيلة يومين للمطالبة بتحسين أوضاعهم المادية والشخصية.

وحسب خميس فإن هذه الإشاعات انتشرت في هذا الظرف بالذات خاصة بعد أن هاجم أفراد الشرطة وزارة الداخلية بكل ما تعنيه من رموز ومحاولتهم الاعتداء على وزير الداخلية الجديد فرحات الراجحي. وتضخمت هذه الأخبار بشكل سريع لتصل إلى حد الحديث عن حرب داخلية طاحنة بين الأجهزة الأمنية.

ويقول بن بريك إن انتشار هذه الأخبار التي ثبت زيفها بعد وقت قصير، بث الهلع والبلبلة في صفوف المواطنين، وهزت ثقة المواطنين في أنفسهم وفي الوضع الأمني، مما دفع بالعديد من الأولياء إلى مغادرة أماكن عملهم والانتقال إلى المدارس للعودة بأبنائهم إلى ديارهم وهو ما رغب المروجون الوصول إليه.

الحياة تعود تدريجيا

سمير السعيدى هو رجل أمن من منطقة باردو المتاخمة للعاصمة، قال إن هذه الأخبار التي تداولها الشارع التونسي على نطاق واسع طيلة الفترة السابقة والتي أكدت وجود عمليات اختطاف واقتحام لمنازل مواطنين وحتى لمنازل جامعية هي ليست سوى أخبار كاذبة تأكدت المصادر الأمنية من عدم صحتها. وما حادثة اختطاف تلميذ من مدينة أريانة إلا دليل على أن هذه الأخبار اختلقها البعض لبعث الفوضى، حيث تبين أن هذا التلميذ قام بالاختفاء بمحض إرادته وعثر عليه بعد ساعات قليلة.

 ويؤكد رجل الأمن أن البلاد بدأت تشهد عودة تدريجية للحياة الطبيعية بعد تلاشي كل مظاهر الفوضى والفلتان الأمني التي ظهرت في أول أيام سقوط نظام بن علي. فالمراكز التجارية الكبرى أعادت فتح أبوابها والمواطنون عادوا إلى العمل بصفة عادية والدروس استؤنفت في المدارس الإعدادية و المؤسسات الجامعية. وخير دليل على ذلك صدور قرار من وزارة الداخلية بتخفيف حظر التجول من منتصف الليل إلى الرابعة صباحا، مما يعنى أن البلاد بصدد تجاوز المرحلة الأصعب وهي استعادة التوازن الأمني.

ويؤكد سمير السعيدي أن هذه الإشاعات قد يكون مصدرها فلول جهاز الأمن الرئاسي السابق، خاصة أن هذه العناصر تمكنت من التسلل إلى الانترنت وصفحات "فيس بوك" لبث الفوضى والإشاعات خاصة بعد اعتقال أبرز رموزها وعناصرها وأضاف أن بقايا هذه العناصر تعمل الآن بصفة غير منظمة ليس كما كان الحال في البداية، كما أن المواطنين يواصلون بصفة عفوية إبلاغ الجيش عن أماكن تواجد بقايا هذه الميليشيات ولاعتقالها.

ولم يخف سمير السعيدي ابتهاجه للعلاقة الجديدة التي أصبحت تربط المواطن التونسي بالأجهزة الأمنية بعد مرحلة الشك التي سادت هذه العلاقة في عهد بن علي. واستشهد بصفحات فيس بوك التي تضم الآلاف من الأعضاء الذين يدعمون وزير الداخلية الجديد فرحات الراجحي الذي يحظى بشعبية واسعة لدى التونسيين لوضوح خطابه وصراحته غير المعهودة لدى من شغل هذا المنصب الحساس طيلة عقود.

تونسيون يطالبون بإقالة وزير خارجيتهم

في حين قال عاملون مع وزير الخارجية التونسي ان وزيرهم لا يستحق ثورة بلادهم ويتعين عليه الاستقالة بعد أن اسرف في الاطراء على نظيرته الفرنسية. وقال وزير الخارجية التونسي أحمد ونيس انه كان يحلم دائما بمقابلة نظيرته الفرنسية ميشيل اليو ماري المتهمة في الداخل بان لها صلات قوية بشكل مفرط مع رفقاء الرئيس التونسي المخلوع.

وتوقف حوالي 300 موظف بوزارة الخارجية التونسية عن العمل ونظموا احتجاجا امام مقر عملهم وطالبوا بتنحي الوزير الذي عين قبل اقل من شهر. وقال عبد الرؤوف طيب الموظف بوزارة الخارجية ان الاولوية هي اجبار الوزير على الاستقالة. وشدد على ان الوزير لا يستحق الثورة مشيرا الى أنه وزملاءه لا يقبلون العمل معه بعد الان وسيواصلون الاحتجاج لحين رحيله.

وقال موظف اخر بالوزارة يدعى محمد نجيب جورجي انه وزملاءه يرفضون العمل مع وزير يقول ان حلمه مقابلة وزيرة الخارجية الفرنسية التي دعمت نظام بن علي وكانت تستعد لإمداده (النظام) بالأسلحة من أجل قمع الشعب التونسي. بحسب وكالة الانباء البريطانية.

وكانت اليو ماري قد اثارت غضب المشرعين الفرنسيين المعارضين عندما أعلنت قبل ايام من رحيل بن علي أن باريس كانت تعرض تقنيات فرنسية للسيطرة على أعمال الشغب التي اندلعت في تونس. وقال الوزير ان مقابلة اليو ماري كانت حلما وقد تحقق. وأثار الوزير الغضب في مقابلة تلفزيونية عندما رفض وصف تغيير السلطة بالثورة وهي محل فخر كثير من التونسيين الذين يرون ان الاحداث في تونس مصدر الهام للعالم العربي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/شباط/2011 - 9/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م