مبارك يرثي ذاته في كلمة بائسة

ناجي الغزي

بعد مرور 17 يوم على وقوف الشعب العربي المصري في ثورة شعب يريد أسقاط نظام مبارك في مصر ورحيله. ميدان التحرير في مصر يشهد يوميا آلاف وفي أحيان ملايين المتظاهرين ومئات الشعارات تطلق بحناجر ملئها الغضب وأصوات أنهكها التعب, وفي الميدان الواسع الذي أصبح رمزاً للأحرار وفخراً للثوار نرى الشباب في هذا الرمز يدافعون عن حقوقهم السياسية والاقتصادية وحقوقهم في الحريات المدنية بصدور عارية وبقلوب حديدية. وفي نهاية يوم الخميس 10/02/2011 وفي منتصف الليل وبترقب حذر من قبل الشعب المصري والعالم العربي والاوربي. لخطبة مبارك الذي توقع الكثير من السياسيين والمراقبين والمحللين بأنها ستكون خطبة الوداع الاخيرة التي يواجه بها الشعب المصري, ويحقق له أرادته في التنحي عن منصب رئاسة الدولة التي مكث على أعتابها ثلاثين عاماً.

ولكن المفاجئة التي خيبت آمال العالم الحر هي تلك الكلمات السمجة التي نالت مسامع الناس بعبارات لاتلامس الواقع الساخن في ميدان التحرير التي لاتحقق للشعب المصري ولا الى تطلعات العالم الحر البشرى والامل التي كان العالم ينتظرها.

 خرج مبارك بخطبة بائسة ويائسة مستخفاً بمطالب الشباب الثائر ومتكابر ومتبجح بتاريخه العسكري والسياسي الدموي الدكتاتوري الذي عاث في مصر ظلما سياسياً وفساداً مالياً. فقد طبق نظام مبارك طيلة حكمه الثلاثين نظام الطوارئ الجائر , اضافة الى الفقر الذي شمل أكثر من ثلاثة أرباع الشعب المصري. في حين أن ثروة عائلة مبارك تتجاوز سبعين مليار دولار وهي عبارة عن عقارات تتمدد على مساحات متعددة من عواصم اوربية.

فقد رثى مبارك نفسه في تلك الخطبة البائسة مناديا نفسه ومكرراً كلمة رئيساً للجمهورية ومتهما الشعب المصري بالتحريض الخارجي وعاتباً عليه كسر القيود والتظاهر علناً. وعلما أن الشعب المصري شعب وفي لحكامه ويحترم رموزه للغاية وهذا يشهد له في كل المجالات السياسية والفنية والثقافية, معتمدين بتوصيف هؤلاء بكنايات راقية مثل (أمير الشعراء, وكوكب الشرق, والعندليب الاسمر, وزعيم الامة, ووحش الشاشة.... ). ولكن اليوم بعد خيبة الامل التي واجهها الشعب المصري رفع المتظاهرين في ميدان التحرير أحذيتهم تعبيراً عن سخطهم وغضبهم على مبارك وبكلمات موجعة ومضحكة وعبارات ساخرة.

وفي خطابه أراد مبارك أن يدفن رأسه برمال الوهم متجاهل مطالب الشعب وحقهم الشرعي في نيل حقوقهم. ومنذ اليوم الاول من تلك الثورة الاسطورية حاول مبارك أن يغمض عينيه ويصمم أذنيه عما يحدث ويدور من أصوات وحركات في ميدان التحرير, الذي يغلي بمشاعر الشباب التي لم تغادر الميدان حتى يتحقق أمل الحرية المنشود للشعب المصري. ولكن مبارك وحاشيته الغليظة من العسكر والجنرالات المقربون كأمثال عمر سليمان يسبحون عكس تيار الشعب ويجذفون باتجاه رغبات حكام المنظومة العربية الدكتاتورية الضاغطة بقوة على تثبيت حكم مبارك. التي دعت امريكا واوربا بمساندة نظام مبارك علناً من أجل أن لاتنجح تلك الثورة وتقطف ثمارها, كما لوحت بعض الانظمة الحاكمة ان تمنح مبارك ونظامه ما كانت أمريكا تمنحه لمصر.

وهذه الضغوطات التي تمارس على مبارك ونظامه جعلته يعيش حالة صداع وتخبط مضطرب في خطابه. وهذا واضح في إصراره غير المبرر على مواصلة عناده الذي يذهب بالبلاد الى نفق مظلم وربما يقود المؤسسة العسكرية الى الانقسام داخل صفوفها, وربما تنحدر تلك المسارات الى حروب داخلية.

فقد كان خطاب مبارك البائس بمثابة رثاء لذاته المريضة مستعرضاً فيه مسيرته ومناشداً عواطف الشباب, كطريقة من قبل محرر تلك الخطبة العصماء لإستمالة مشاعر الشعب والتعاطف معه. من أجل منحه شيء من الوقت ليلفظ أنفاسه الاخيرة التي يحاول بها أن يخرج الى التاريخ بوجه أبيض ويمنح الانظمة الاستبدادية مبرر البقاء. والتفويض الكامل لنائبه الطارئ عمر سليمان بصلاحيات الرئيس هو دليل على موته السريري الذي أختاره لنفسه. إذ شاهد العالم مبارك عبارة عن مخلوق ضعيف بائس يلقي خطابه بنشيج يشبه البكاء على أطلال حكمه المتهاوي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/شباط/2011 - 9/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م