حلاق الملوك وحلاق حاتم العراقي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تتنوع اهتمامات الناس بمظهرهم والانشغال به، بدءا من الملابس مرورا بالاحذية وقصة الشعر واللحية والشوارب وغيرها من تفاصيل المظهر. كل انسان يحب ان يظهر بصورة جميلة امام الاخرين وهذا الاهتمام بالمظهر يعود الى حالة الرضا التي يشعر بها الانسان حين يكون محط انظار الاخرين.

منهم من يساير الاعراف الاجتماعية في مظهره، ومنهم من يساير اخر الموضات حتى ان كانت تنتهك تلك الاعراف، ومنهم من يلتزم بمظهر واحد لا يتغير على مدى سنوات طويلة.

الشعر وقصه وتصفيفه جزء رئيسي من اهتمامات الناس في مختلف الازمنة والامكنة منذ القديم وحتى الان، ومن يزاول عمل القص والتصفيف هو الحلاق ومهنته هي الحلاقة... وكان يُطلق على الحلاق سابقا اسم (المزيّن).

يخبرنا تاريخ الادب الطبي ان الحلاق البغدادي كان يجرب فصد ورق السلق في عروقه حتى تتمرن يده وهذه الظاهرة لم تكن حكرا على حلاقي العرب. فقد كان طبيب القرى الاوربية في القرن الخامس عشر حلاقا. وعرفنا من الحلاقين البغداديين الذين اشتهروا بقلع الاسنان: السيد علي الحلاق، وسيد حمودي في محلة سوق حمادة في الكرخ، ومن الذين اشتهروا بالجراحة وقلع الاسنان والختان والفصد وتفجير الدنابل، عباس في محلة الماي خانة، ومال الله في محلة سوق حمادة، ومهدي دروش في محلة العوينة، واحمد الولي في العوينة ايضا.

ومن الذين اقتصروا على شق الدنابل وقلع الاسنان: سيد عبود سيد علي في محلة سوق الجديد، وعبد العنون في محلة الجعيفر، وقد انفرد الحلاق الحاج حسين مال الله من الحلاقين بتحضير الادوية فهو حلاق ومطبب وصيدلي، وقد اشتهر في محلة سوق حمادة وتوفي في حدود سنة 1923.

وقد كابد الحلاق العراقي ضروبا من التعسف والمضايقات كانت تنغص حياته ففي العهد العباسي المتأخر الزم المحتسب (وهو المراقب البلدي العام) جميع الحلاقين بالامتناع عن حلاقة بعض اللحى. وفي الاندلس كان الحلاق هدفا لاضطهاد الفقهاء لأنه يباشر النساء الزينة والحجامة.

وفي سنة (1923) بالذات اصدر مجلس وزراء العهد الملكي قرارات اثقلت كاهل الحلاق برسوم اجازة الحلاقة فارتفعت شكواه ولا مجيب. وقد دافعت الصحافة البغدادية عن حقوقه يومئذ. ففي 22 حزيران 1925 طلعت جريدة (المفيد) على الناس بمقال للسيد محمد اسماعيل الحمامي تناول فيه شكوى الحلاقين. وفي 31كانون الاول 1929 عالجت جريدة البلاد وضع الحلاقين في بغداد والضرائب المفروضة عليهم.

وقد شهدت بغداد ولادة جمعية تعاون الحلاقين سنة 1929 واسهم الحلاقون في التوقيع على مذكرة وقعها رئيس نقابة اتحاد العمال في 24 مايس 1933 الى رئيس مجلس الوزراء. حول ضرورة ترشيح ممثل لعمال العراق في مؤتمر العمل الدولي.

وفي خريف 1933 كان الحلاقون انشط اصحاب الصنائع في الدعوة الى تخفيض سعر الوحدة الكهربائية (الكيلو واط) من 28 فلسا الى 18 فلسا. وحين عزم البغداديون على مقاطعة شركة التنوير الاجنبية.. اشترى الحلاقون ومعهم اصحاب المقاهي والفنادق والمطاعم المصابيح النفطية واللوكسات والفوانيس تنفيذا للمقاطعة المذكورة.

وقد اشتهرت في بغداد صالونات عديدة في اواخر العشرينيات وعرفنا منها ثمانية في شارع الرشيد ابرزها صالون الحياة. وصالون وندسور وصالون دار السلام. وصالون وستمنستر وصالون الاحرار.

وكانت الحلاقة اضافة الى ذلك عنصرا جزائيا وشرطا تاديبيا في مواجهة المجرم والجريمة فكان القاضي (او مدير السجن) يامر بحلق راس المجرم (او السجين) امعانا في الاذلال.

ومهنة الحلاقة لها طقوس خاصة تبدأ بعد ان يأخذ (الصانع) اصول المهنة عن استاذه الحلاق وعندها يجتمع الاستاذ صاحب المهنة مع الاسطوات الاخرين ويخبرهم بان فلان(الصانع) سيتخرج ويصبح حلاق وتكون هذه بمثابة شهادة تخرج له وبعدها يتعاون اصحاب (الصنف) على تأثيث دكان خاص للحلاق الجديد ثم يأخذونه الى (سلمان باك) للاحتفال بتخرجه سيراً. ثم يقوم الاسطة بتقليد تلميذه (القايش) الخاص بحد موسى الحلاق سابقاً ويضعه في حزامه كاعتراف اخيراً لكونه اصبح حلاقاً(اسطة).

اما ادوات الحلاقة ايام زمان فكانت بسيطة وحتى الامواس كانت من النوع الرديء وكانت مكائن الحلاقة يدوية ثم تلتها المكائن والمجففات الكهربائية التي حدثت ثورة في عالم الحلاقة. وكان الحلاق لا يفتح دكانه ليلاً لعدم وجود الكهرباء ويتم تسخين الماء على الموقد الطيني لغسل الرأس اما الفوط فكانت من (البشطمال ابو النجمة) ذات الحواشي المزينة بنجوم بيض واستخدم بعض الحلاقين المتطورين المفارش النظيفة البيضاء لحماية ملابس الزبون من الاوساخ.  وقد تميزت حلاقة الرأس بعدة انواع:

*جلد: وهو حلاقة جميع شعر الراس بالموسى ومنهم من يسمى الراس المحلوق بالموسى (صلبوخة) وهذا اسلوب حلاقة معظم الكسبة، أما الصغار والصبيان الذين يكثر في رؤوسهم (القمل والصواب) والذي لا يفيد معه كل اساليب النظافة، فيرسل الى الحلاق لجلد شعر راسه بالموسى (ذكرا كان ام انثى) تخلصا من القمل.

*نمرة صفر: حلاقة جميع شعر الراس بالماكنة الناعمة وهذا من اساليب حلاقة الرجال كبار السن الذين يعتمرون اليشماغ.. وهو ما يذكرنا هذه الايام بالمصريين وثورتهم حيث طالبوا بحلاقة نمرة صفر لرئيسهم وليس نمرة اربعة كما اراد.

*قلم: وهو (خاص بالصبيان والصغار) حيث يحلق الشعر حلاقة اعتيادية كحلاقة التواليت بالماكنة ثم يخفف بالمشط والمقص الا ان الكذلة الامامية فوق الكصة (الجبين) تقص قصا مستقيما بواسطة المقص، واذا كانت حلاقة الرأس بالماكنة فيقص القلم بالموسى.

*كذلة: هذا الاسلوب من الحلاقة خاص بالصبيان والصغار ايضا، يحلق جميع الراس بماكنة على ان تبقى خصلة من الشعر في مقدمة الراس تسمى كذلة ومنهم من يسميها جعجولة أي (كعكولة).

*مجيدي أو (ابو الطرة): يحلق في منتصف الراس وعلى (الكوكة) طرة بحجم المجيدي (أي دائرة اكبر من حجم العملة العراقية القديمة ذات مئة فلس) بالموسى وتكون محاطة بشعر دائري ويحلق باقي شعر الراس بالموسى.

*زيان عسكر: زيان شعر الرأس كافة بواسطة ماكنة خشنة (نمرة أربعة) ومنهم من يترك في وسط الرأس دائرة لا يتعدى حجمها حجم المجيدي محلوقة بالموس. والحلاقة بماكنة نمرة أربعة كانت من حلاقة طلاب المدارس ومراتب القوات المسلحة.

*بروص: حلاقة صفاح الرأس (جانبي الرأس وفوق الاذان) بماكنة ناعمة ويتدرج باقي الشعر بالمقص، وهذا اسلوب لاخفاء الشيب، يحلق به من يريد اخفاء شيب شعر رأسه بدون صبغ ويسمى بروص أو امريكي.

*العرقجين: خاص بالصبيان والصغار حيث يبقى الشعر فوق الراس حتى حدود العرقجين ويحلق الباقي بالموسى.

*درجة وزلف: زيان خاص (تقليعة) بالاولاد الصغار حتى سن السابعة، لا سيما المدللين منهم، تقص الكذلة قصا مستقيما فوق الحاجبين بقليل كقصة القلم التي ذكرتها قبل قليل، ثم يقص الشعر بموازاة الحاجب على شكل ضلعي مربع وتسمى درجة نسبة الى درجات السلم على ان يكون الزلف طويلا نسبيا وقد انقرض هذا الاسلوب من الحلاقة منذ مدة طويلة.

*التواليت: وقد لهج به البغداديون في الجيل الماضي كثيرا ولم تزل اغنيتهم يتذكرها الكثيرون، واكف على الكنتور بيده جريدة... ايمشط بالتواليت حسباله اريده.

كان يسمى (برجم) وهي الحلاقة الانيقة الخاصة بالشباب والافندية، يخفف شعر الرقبة من الخلف والزلفين وقص الشعر الزائد بالمقص ثم تمشيطه.. ومنهم من كان يرغب بفرك الشعر من النص (الوسط) أو من أحد الجانبين، ومنهم من يرغب بتمشيط الشعر الى الخلف.. ثم ظهرت مودة اطالة الزلفين وقصهما قصا مائلا، وأخيرا هناك البكلة والطوبة والخنافس.

وقد تناولت عدد من الاعمال الفنية مهنة الحلاقة او تسمية الحلاق وخلدتها، فمن منا لا يتذكر حلاق اشبيلية تلك الاوبرا الرائعة والتي اقترنت باذهان العراقيين ببرنامج الرياضة في اسبوع الذي كان يقدمه مؤيد البدري لمدة ثلاثين عاما؟

وحلاق إشبيلية (بالإنجليزية: The Barber of Seville‏) هي أوبرا كوميدية كتبها جواكينو روسيني عام 1816.

وتدور الأوبرا حول قصة حب بين الشاب الكونت ألمافيفا والشابة روزينا. ويرغبان بالزواج، إلا أن بارتولو الوصي على روزينا طامع بأموالها ويريد الزواج منها. وهنا يظهر الحلاق فيجارو، وهو رجل سليط اللسان يتمكن من إفشال مخطط بورتولو. وينتهي العمل نهاية سعيدة بانتصار الحب وزواج الحبيبين..

وحلاّق أشبيلية كانت في الأصل مسرحية كتبهـا الفرنسي (بيير أوغستين كارون دي بيمارشيه) عام 1775... ولكن حولـها (جـيـوفـانـي بايسـيـلـيـو) إلى أوبـرا بنفس العنوان عام 1782.

واشتهر ايضا فلم حلاق بغداد الذي عرض 1954وكان من إخراج: حسين فوزى و قصة و سيناريو بديع خيرى ومن بطولة النجم الكوميدي اسماعيل ياسين.

وفي المسرح كتب ألفريد فرج مسرحيته الشهيرة (حلاق بغداد) والتي عرضها المسرح المصرى في العام 1964 وقد اقتبسها من كتاب الجاحظ (المحاسن والأضداد) حيث اختار قصة من قصصه، جاءت فى هذا الكتاب تحت عنوان (محاسن مكر النساء)، وجعل من هذه القصة خامة من خامات مسرحيته الفذة (حلاق بغداد).

وحلاق بغداد مسرحية من حكايتين، الحكاية الأولى هى (يوسف وياسمينة) وهى مستمدة من ألف ليلة وليلة فى قصة بعنوان (مزين بغداد وما جرى له مع ابن التاجر من العجائب والغرائب والأهوال)، أما الحكاية الثانية فهي التى استمدها من كتاب الجاحظ وجعل عنوانها (زينة النساء).

وبعد ان طارت شهرة الحلاق عبر العديد من الافلام والمسرحيات والموسيقى دخل الحلاق منعطفا اخر بعد العام 2003 واشتداد شوكة القاعدة في العراق ذبحا وتقتيلا حيث ورد في بيان رسمي صادر عن قيادة (قوات التحالف) في العراق أعلنت فيه أنها (تحتجز رجلاً يشتبه في أنه كان يعمل حلاقاً لأبرز المتشددين من أعضاء تنظيم القاعدة).

وقد دخلت الى العراق مع دخول الامريكان قصة الشعر التي عرفت ب (المارينز) نسبة الى قوات المارينز الامريكية.

ويتباهى الكثير من العراقيين بصالونات الحلاقة التي يقصدونها فهذا الصالون صاحبه حلاق الملوك، وهذا الصالون دخله كاظم الساهر، وذاك يحلق لديه حاتم العراقي وغيره من الصالونات التي يرتادها بعض المطربين والفنانين والرياضيين.

وحسب علمنا لم يحقق اي صالون يرتاده المثقفون العراقيون شهرة معينة كأن يقال ان هذا الصالون يحلق فيه القاص الفلاني او الاديب او الشاعر او صاحب الكتاب الفلاني او الموسوعة الفلانية.. ربما ان المثقفين ليس لديهم الوقت للحلاقة، او انهم غير معروفين للحلاقين وزبائنهم، او ربما ان اكثرهم لا يملك شعرا على راسه.. او ربما لأسباب اخرى يجهلها الكاتب.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/شباط/2011 - 8/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م