
شبكة النبأ: بعد الاحداث الاخيرة التي
حصلت في تونس والتي ادت الى فراغ سياسي بشكل عام حفزت الاوضاع الى ظهور
مطالبات بتغيير جذري للسياسة التي كانت تتبعها الحكومة السابقة مع
الشعب التونسي والتي اسموها بالبوليسية بسبب الطرق التي كانت تتبعها من
ضرب وحبس ونفي خارج البلد كل من يعارض النظام.
في الوقت ذاته ولأن تونس دولة علمانية ولا تريد ان يكون هناك سياسية
اسلامية بحتة تتطبق عليهم وعلى الشكل العام للبلد لاسيما بعد ان تعودوا
على العلمانية التي كانت متبعة منذ سنين طوال في نظامهم اكد الشعب
التونسي انه مازال يريد ذلك ولكن بصورة اقل عنف ودكتاتورية وليست كتلك
التي كان يتبعها بن علي حتى وصل به الامر الى محاربة الحجاب
والاسلاميين الذين بدورهم عادوا اليوم ليخططوا لنظام جديد افضل من
السابق ليس ديني ولكن يبقى علماني مع المحافظة على الرموز الاسلامية،
ولكن يخشى بعض المحللين ان تونس تكون مصب عدد كبير من التأثيرات
الغربية التي قد تدخل في سبيل تغيير عقلية الشعب وهذا يشكل تهديدا على
كبيرا على الهوية التونسية، على امل ان تحل هذه المشاكل حين اجراء
الانتخابات المنتظرة.
حكومة الوحدة الوطنية
فقد اعلن الزعيم الاسلامي التونسي راشد الغنوشي انه لن يترشح
للانتخابات الرئاسية المقبلة، وذلك بعد ساعات من عودته الى تونس بعد
اكثر من عشرين عاما امضاها في المنفى.
وقال زعيم حركة النهضة الاسلامية في منزل شقيقه في شمال تونس
العاصمة "لن اترشح للانتخابات الرئاسية، ولن يكون هناك اي (مرشح) من
حزب النهضة". واضاف "بعد غياب عشرين عاما، فان حزبي ليس مستعدا لإداء
دور على الساحة السياسية، الاولوية هي لإعادة بناء (حزب) النهضة". بحسب
وكالة انباء فرانس برس.
في المقابل، لم يستبعد الغنوشي امكان مشاركته في الحكومة الانتقالية
التي تم تشكيلها بعد الاطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في 14 كانون
الثاني/يناير، وقال "اذا شعرنا بان هذه الحكومة تلبي تطلعات من شاركوا
في هذه الثورة، فلم لا؟". ويتوقع ان تجري انتخابات رئاسية في تونس في
غضون ستة اشهر.
وقال الشيخ راشد الغنوشي سابقا قبل عودته من المنفى للمساعدة في
ارساء "نظام حقيقي متعدد الاحزاب"، ان حزب النهضة سيعمل لصالح الثورة
الشعبية التي اجبرت الرئيس زين العابدين بن علي على الهروب من تونس في
وقت سابق. وقال ان حزب النهضة سيخوض على الارجح انتخابات تشريعية تتوفر
لها مقومات النزاهة لكنه ذكر ان قرارا في هذا الصدد لم يتخذ بعد.
واضاف ان الحزب سيشارك اذا توفرت ظروف تتيح اجراء انتخابات نزيهة
مضيفا في الوقت نفسه ان المشاركة ربما تكون محدودة. ونفى الرئيس
المخلوع بن علي الشيخ راشد الغنوشي واتخذ اجراءات صارمة ضد حزب النهضة
عام 1989 بعد الاداء القوي للحزب في الانتخابات. ويعيش الغنوشي في لندن
منذ ذلك الحين. واستخرج جواز سفر تونسيا جديدا من سفارة بلاده في لندن
مؤخرا، وقال ان نائب السفير استقبله استقبالا حارا.
ورفعت الحكومة الانتقالية التي تولت السلطة بعد فرار بن علي يوم 14
يناير كانون الثاني حظرا على الاحزاب واطلقت سراح السجناء السياسيين
بمن فيهم اتباع حزب النهضة. وقال الغنوشي بالهاتف ان دور الحزب سيكون
المشاركة في تحقيق اهداف هذه الثورة السلمية وهي ارساء نظام ديمقراطي
وتحقيق العدالة الاجتماعية ووضع حد للتمييز ضد الجماعات المحظورة.
وتطبق تونس نظاما علمانيا منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1956. واعتبر
الحبيب بورقيبة زعيم الاستقلال والرئيس الذي حكم لفترة طويلة الاسلام
تهديدا للدولة. وخفف بن علي القيود على الاسلاميين عندما استولى على
السلطة عام 1987 قبل ان يشن حملة عليهم بعد ذلك بعامين.
وقال الغنوشي ان الدكتاتورية اضعفت كل ما في المجتمع التونسي من
السياسة الى المجتمع المدني مشيرا الى ان المجتمع المدني يحاول الان
اعادة بناء نفسه. بحسب وكالة الانباء البريطانية.
واضاف الغنوشي ان الحزب سيشارك كي يتسنى لتونس الانتقال من نظام
الحزب الواحد الى نظام متعدد الاحزاب دون فساد او قمع. ولم تحدد
الحكومة الانتقالية حتى الان موعدا للانتخابات. وقال الغنوشي ان حزبه
الذي اسس عام 1981 لن يخوض الانتخابات الرئاسية. وقال ان اعضاء الحزب
داخل تونس قالوا انهم لا يريدون ان يترشحوا لهذا المنصب مرددا ما جاء
في بيانات عامة لشخصيات اخرى من حزب النهضة.
ويقول الخبراء في الحركات الاسلامية ان ايدلوجية النهضة اكثر
اعتدالا من جماعات اخرى مثل الاخوان المسلمين الحركة التي تأسست في مصر
في عشرينيات القرن الماضي.
وشبه الغنوشي النهضة بحزب العدالة والتنمية في تركيا ذي الجذور
الاسلامية والذي يحكم منذ 2002. وقال الغنوشي ان كتبه ترجمت الى
التركية وكان لها كبير الاثر على الحركة الاسلامية التركية.
وتابع ان حزب النهضة هو حركة استقلال وطنية تؤمن بالديمقراطية وبان
تونس ينبغي ان تحكم وفق ديمقراطية كاملة حقيقية دون استثناءات او قمع
ولا قيود على حرية التعبير مع استقلال حقيقي للقضاء.
المقارنة بالخميني
كما قال راشد الغنوشي ان حركته ديمقراطية ولا يجب الخوف منها رافضا
أي مقارنة بينه وبين الزعيم الايراني الراحل اية الله روح الله الخميني.
ووصف راشد الغنوشي في تصريحات لتلفزيون الجزيرة حركته بانها اسلامية
معتدلة وديمقراطية تستند الى مثل ديمقراطية في الثقافة الاسلامية.
وأضاف ان بعض الاشخاص يحاولون ان يضعوا عليه عباءة الخميني مشيرا الى
انه ليس الخميني وليس شيعيا. بحسب وكالة الانباء البريطانية.
وسئل عن المتشددين الذين يرفضون اي ديمقراطية على النمط الغربي
ويطالبون بإقامة دولة اسلامية تقليدية فقال ان حركته بعيدة جدا عن هذا
الموقف معربا عن اعتقاده بانه ليس لمثل هذه الفكرة اي مكان داخل
الاتجاه الاسلامي المعتدل. وقال انها فكرة متطرفة ولا تستند الى فهم
صحيح للإسلام. وكان الزعيم الشيعي الايراني الخميني قاد الثورة
الاسلامية عام 1979 والتي اطاحت بحكومة الشاه الموالية للغرب في ايران.
أي دور للإسلاميين ؟
بينما ظل الاسلاميون في تونس لسنوات إما في السجون أو المنفى اذ
كانوا مُستبعدين من الانتخابات وممنوعين من الانخراط في العمل السياسي
ولم يلعبوا دورا ملحوظا في ثورة الياسمين. لكن الاسلاميين في تونس قد
يجتذبون أتباعا في عالم التعددية الحزبية السياسي الجديد أكثر مما يحب
منافسوهم العلمانيون الاعتراف به.
وقد يترك سقوط دولة زين العابدين بن علي البوليسية تونس مفتوحة أمام
تسلل متطرفين من الجزائر المجاورة حيث أسفرت الحرب بين السلطات
والاسلاميين عن سقوط 200 ألف قتيل في العقدين الماضيين من الزمن.
قال صلاح الدين الجورشي وهو خبير تونسي في الحركات الاسلامية ان
الحركة الاسلامية في تونس كانت الحركة الأكثر تعرضا للقهر من بين حركات
المعارضة في ظل حكم بن علي. وأضاف أن اتباعها أكثر عددا بكثير من أتباع
حركات المعارضة العلمانية. وتابع قائلا ان تأثير الحركة الاسلامية قد
يكون كبيرا.
وفي عام 1987 عندما نحى بن علي بورقيبة عن السلطة أفرج عن
الاسلاميين من السجون لفترة قصيرة وسمح لهم بالمشاركة في انتخابات
1989. ولكن النتائج فاجأت بن علي وأثارت قلقه.
وأشارت النتائج الرسمية لتلك الانتخابات الى حصول حركة النهضة وهي
أكبر حركة سياسية في تونس على 17 في المئة من أصوات الناخبين وجاءت في
الترتيب التالي للحزب الحاكم. وقال الجورشي ان تلك الانتخابات شهدت
تزويرا على نطاق كبير وربما كانت الأرقام الحقيقية أقرب الى نسبة
تتراوح بين 30 و35 في المئة من الاصوات. وفي المقابل حصلت جميع الاحزاب
العلمانية التي خاضت الانتخابات ذاتها على ثلاثة في المئة فقط.
وتراجع بن علي عن سياسته وحظر حركة النهضة وأودع اتباعها في السجون
وقمع بشدة أي شخص يبدي ميلا ناحية التوجه الاسلامي. وخرج الشيخ راشد
الغنوشي زعيم حركة النهضة الى المنفى في لندن في العام ذاته.
وتعد حركة النهضة حركة معتدلة ومن الممكن أن تحصل على تأييد واسع
على الرغم من الاجراءات الصارمة التي تفرضها الدولة. ويرى الغنوشي وهو
مفكر اسلامي يتمتع باحترام ان الاسلام لا يتعارض مع الديمقراطية. ونظرا
لأنه عاش في لندن لأكثر من 20 عاما فانه يدعو أيضا لحوار مع الغرب.
وكرر مصلون في مسجد القدس في تونس ذلك الرأي. ويعرف كثير من المصلين
أنفسهم بأنهم اسلاميون رغم أنهم يرتدون ملابس غربية ويتحدثون الفرنسية
وغير ملتحين. وقال رضا الحارثي قبل صلاة الجمعة "تونس بلد صغير ولكن
فيه متسع للجميع ولأفكار الجميع. ظنوا أنه ستكون هناك فوضى في تونس
ولكننا متكاتفون لا يوجد لدينا شيعة أو مسيحيون أو يهود. جمعينا مسلمون
سنة وهذا يوحدنا."
ومضى يقول "وبالطبع ستلعب حركة النهضة دورا كبيرا في الانتخابات.
انها من الشعب ولم تأت من الخارج من كوكب آخر. انها جزء منا وهؤلاء
الناس قدموا تضحيات كبيرة وهكذا فعل أعضاء شرفاء من الشيوعيين
والنقابات." وقد يشهد إنهاء حكم بن علي نموا ملحوظا في التعبير الصريح
عن العقيدة. بحسب وكالة الانباء البريطانية.
واشتهر بورقيبة الذي رأى نفسه زعيما تحديثيا شبيها بالزعيم التركي
كمال اتاتورك بوصفه للحجاب بأنه خرقة بغيضة. وصادر ممتلكات الجمعيات
الاسلامية وأغلق محاكمهم وسن قانونا علمانيا للأسرة. وفي عهد بن علي
جرى حرمان النساء اللاتي يرتدين الحجاب من الحصول على التعليم والوظائف.
ويقول كثيرون ان الشرطة اعتادت على منعهن في الشوارع ونزع حجابهن
وإجبارهن على توقيع أوراق تندد بالحجاب. ولقي الملتحون معاملة مماثلة.
قالت لطفية وهي عاملة في فندق والتي رفضت الكشف عن اسمها بالكامل اذ
أنه ليس مسموحا لها بأن تتحدث "اذا غيروا القانون فسأرتدي الحجاب. أعرف
امرأة كانت تعمل هنا وكانت ترتدي الحجاب وخفضوا أجرها."
ومضت تقول "ارتداء الحجاب لا يعني إثارة الفوضى والارهاب. اذا
ارتديت الحجاب فسأظل أحافظ على بلدي." لكن كثيرين يخشون من أن إنهاء
الحكم البوليسي سيجعل السياسة منفتحة لدخول الافكار المتطرفة التي سيتم
تداولها بدرجة من الانفتاح والانتشار مثل انتشار الافكار الديمقراطية
والعلمانية.
وقال الجورشي انه يتوقع أن يضيع الصوت السلفي في غمرة صخب حرية
التعبير في الاشهر القادمة وأن يجتذب خطاب النهضة المعتدل مزيدا من
الاتباع. لكنه استطرد قائلا ان القاعدة وأمثالها لا يعتمدون على
الاعداد الكبيرة أو الشعبوية وانما على جماعات صغيرة تنفذ أعمالا عنيفة.
وقال مصلون أمام مسجد القدس ان الغرب بالغ في الخطر الذي تمثله القاعدة
ان هذه المبالغة استخدمت لحجب الحريات ولدعم الطغاة العرب. وقال شوقي
وهو طبيب عمره 34 عاما "نحن شعب منفتح. نحن شعب منفتح على الثقافات منذ
فجر التاريخ."
من اجل الحرية والمساواة
فيما خرجت مئات النساء في تونس تعبيرا عن تصميمهن على الدفاع عن
الحقوق التي اكتسبتها المرأة التونسية منذ أكثر من نصف قرن، وذلك
تزامنا مع عودة راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة ذات التوجهات الاسلامية
الى البلاد.
وقالت صحافية تونسية تدعى ليلى "انها لحظات تاريخية، وهي مناسبة
للتعبير عن الفرح بنهاية عهد الاستبداد الذي مارسه النظام المافيوي،
انها نهاية الخوف بعد سنوات من العيش في ظل الرعب".
بدعوة من الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات وجمعية النساء
التونسيات للبحث حول التنمية شاركت مئات من النساء الجامعيات والممثلات
والمحاميات والناشطات الحقوقيات في هذه التظاهرة من اجل "المواطنة
والمساواة" في جادة الحبيب بورقيبة.
وقالت المحامية امل بالطيب "نحن هنا لنؤكد على الحقوق المكتسبة
للمرأة ولتجنب أي عودة الى الوراء، لنقول اننا لسنا على استعداد
للمساومة على حريتنا مع الاسلاميين". ففي العام 1956 وضع في تونس، في
عهد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، نظام للاحوال الشخصية متقدم عما
سواه من انظمة الاحوال الشخصية في الدول العربية، ينطوي على حظر لتعدد
الزوجات هو الاول من نوعه في العالم الاسلامي.
وقالت الجامعية صباح محمودي "نريد ان نوجه رسالة الى الاسلاميين، لا
سيما حركة النهضة: لسنا على استعداد للعودة الى الوراء او لفقدان
مكتسباتنا". تزامن هذا التحرك مع وصول المعارض الاسلامي التونسي راشد
الغنوشي.
وغادر راشد الغنوشي لندن برفقة احدى بناته واعلن قبل رحيله انه
"سعيد جدا". وقال الغنوشي الذي يعود الى بلاده بعد سقوط الرئيس بن علي
"اعود اليوم الى بلادي وكذلك الى العالم العربي". وحملت النساء
المتظاهرات يافطات كتب عليها "نريد تونس متنورة لا ظلامية، نعم
للحداثة"، و"نحو جمهورية ديموقراطية علمانية".
وقالت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات سناء بن عاشور
"نحن لا نخشى الاسلاميين لأننا نملك قدرة استثنائية تمكنت من اسقاط
الاستبداد، ولن نقبل الخروج من استبداد لنقع في استبداد آخر". ولم تخل
التظاهرة هذه من الدفاع عن الاسلاميين انفسهم، الذين دفعوا ثمنا باهظا
جدا لمعارضتهم نظام بن علي مطلع التســــعينات. بحـــــــسب وكالة
انبــــــاء فرانـــس برس.
وقالت احدى المتظاهرات "انهم (الاسلاميين) مواطنون لهم ما لغيرهم من
حقوق، وهم لا يشكلون اي تهديد". واضافت "المشكلة هي النظام البوليسي،
وانا لا ارى أي خطر من الاسلاميين". وللمرأة التونسية حضور لافت في
الحياة العامة، اذ تبلغ نسبة النساء 26% من القوى العاملة، و50% من
الطلاب، و29% من القضاة، و24% من الدبلوماسيين. ويتمتع البرلمان
التونسي بحضور نسائي هو الاكبر بين برلمانات الدول المجاورة.
ويصوب بعض الاسلاميين المتشددين من خلال بعض الفضائيات العربية على
عمالة المرأة في تونس، على خلفية البطالة في البلاد. وقالت متظاهرة
اخرى "ان ثورة الشباب ينبغي ان ترسي نظاما ديموقراطيا، لا ان تفرض
علينا الدين والشريعة". |