
شبكة النبأ: بعد ان بدأت بتونس
واستمرت امواجها تسير نحو الدول العربية الاخرى تاركة بصمة خاصة في كل
بلد، حسب مدى سوء السياسة التي كان عليها الحاكم، باتت الثورة العربية
تحقق مفاجئات مدوية وكبيرة، بل تصل الى مرحلة الخطورة لاسيما وانها لحد
الان اطاحت برئيس لازم كرسي الحكم لمدة تزيد عن عشرين عام، والاخر
مازال يعيش بأيامه الاخيرة في الحكم حسب المحللين السياسيين بعد قلبت
هذه الامواج الحال في مصر لتحفر اثر على ارضها بواسطة توحيد الشعب
المصري والرأي العام على قرار انهاء حكم مبارك على البلاد.
ولكن يتساءل البعض الى اين ستؤدي هذه الثورات في نهاية المطاف، علما
ان مثيلاتها التي حدثت منذ وقت قريب لم تؤدي الى تغيير كبير في الانظمة
العربية ولم تحقق الاهداف المرجوة.
احتجاجات مصر
فقد كانت مصر دوما مركز الجاذبية في العالم العربي أو مركزا للجمود
تحت رئاسة حسني مبارك لكن تفجر الاحتجاجات في الشوارع تحدى كل هذا
وعواقبه غير معروفة على المنطقة والسياسة الغربية.
وانتشى كثير من العرب بالانتفاضة الشعبية في تونس والتي دفعت
بمساعدة الجيش الرئيس السابق زين العابدين بن علي الى الفرار يوم 14
يناير كانون الثاني بعد 23 عاما قضاها في السلطة.
لكن التأثير المحتمل للاضطرابات في مصر يفوق كثيرا تأثير جارتها
تونس الدولة العلمانية التي أغفلت طويلا على اعتبار انها بعيدة عن مركز
التيار العربي الرئيسي. وقال جهاد الخازن الكاتب بصحيفة الحياة التي
تتخذ من لندن مقرا لها "مصر كانت دوما زعيمة العالم العربي. لم يكن لدى
مبارك طموحات على المستوى العربي لكن ما حدث في مصر سيؤثر بالقطع على
العالم العربي."
وحاولت أنظمة الحكم المطلق في الجزائر والاردن وليبيا والكويت
والمغرب وسوريا واليمن تفادي العدوى واستخدمت سياسات ترغيب اقتصادية من
الوظائف الى الاسكان الى الاسعار. أما الولايات المتحدة التي وجدت
نفسها ممزقة بين ولائها لحليف رئيسي لها في الشرق الاوسط وخوفها من
اكتساب الاسلاميين المزيد من القوة ورغبتها في ان تقف في الجانب الصحيح
من التاريخ فقد نأت بنفسها تدريجيا عن مبارك وتدعو الان الى "انتقال
منظم".
وقال الخازن ان نتيجة الصراع بين مبارك وشعبه غير محسومة لكن اذا
أطيح به ستكون اي حكومة جديدة أكثر عداء للولايات المتحدة واسرائيل.
وأضاف "مادام (مبارك) مدعوما من الجيش فهو في أمان البديل الوحيد
لمبارك اذا جرت انتخابات ديمقراطية هم الاخوان المسلمون وهم سيسحبون
مصر بالقطع من معاهدة السلام مع اسرائيل."
وكانت مصر اول دولة عربية توقع معاهدة سلام مع اسرائيل عام 1979
وتلاها الاردن وحده عام 2004 بعد عام من توقيع الفلسطينيين اتفاقات
أوسلو مع الاسرائيليين. وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو
انه يتابع الاحداث في مصر "بيقظة وقلق" ويخشى ان ينتهي الامر بقيام
نظام اسلامي متطرف في القاهرة مثلما هو الحال في ايران. وعبر عن امله
في ان تدوم علاقات السلام والاستقرار مع مصر.
لكن يخشى بعض المعلقين الاسرائيليين من ان ادارة الرئيس الامريكي
باراك أوباما تنتهج سياسة تزعزع مبارك. وكتب باري روبين مدير مركز
الابحاث العالمية في الشؤون الدولية بهرتزليا يقول "الموقف لا يمكن ان
يكون أخطر من هذا ويمكن ان يكون أكبر كارثة للمنطقة وللمصالح الغربية
منذ الثورة الايرانية قبل ثلاثة عقود." وحث واشنطن على ان تركز على
انقاذ النظام الحاكم المؤيد للغرب في مصر سواء بوجود مبارك او بدونه.
وتعايشت جماعة الاخوان المسلمين -المحظورة رسميا لكن السلطات تغض
الطرف عنها- مع حكم مبارك المستمر منذ 30 عاما ولم تتحد الجماعة قط
الدولة مثلما فعل الزعيم الايراني الراحل اية الله الخميني قبل ثورة
عام 1979 التي أوصلته الى السلطة في ايران.
وعلى الرغم من خوف واضعي الاستراتيجيات الغربية والاسرائيلية من
مجيء الاسلاميين الى السلطة في مصر لم تنضم جماعة الاخوان المسلمين الا
في الايام الاخيرة الى احتجاجات الشوارع التي تسير عكس استراتيجيتها
المعلنة بنبذ العنف واحداث تغيير على المدى الطويل. ولعب أيضا
الاسلاميون في تونس الذين تعرضوا لقمع طويل دورا محدودا في الانتفاضة
التونسية التي قادها شبان غاضبون من القمع السياسي والفساد والبطالة.
وقال مروان المعشر وهو وزير خارجية أردني سابق "تضرر المنطق القائل
بجعل الانظمة السياسية مغلقة خوفا من الاسلاميين." وأضاف "مرة أخرى
الامر متعلق بالحكم ومحاربة الفساد لا بالإسلاميين" وهو يرى ان التعامل
مع الشكاوى الاقتصادية وحدها لن يسكت الغضب الشعبي في العالم العربي.
بحسب وكالة الانباء البريطانية.
واستطرد "رد الفعل يجب الا يقتصر على خفض الاسعار وزيادة الرواتب.
دون التعامل مع مسألة الحكم والشروع في عملية مستدامة طويلة المدى لفتح
الانظمة السياسية لن يقتصر ما حدث في تونس على تونس وحدها." لكن مبارك
الذي صم أذنيه عن هذه الافكار شكل حكومة جديدة وعين نائبا له لأول مرة
وتعهد بإصلاحات اقتصادية متجاهلا المطلب الرئيسي للمحتجين وهو رحيله.
وقال فالح عبد الجبار العراقي المتخصص في علم الاجتماع ان محنة
واشنطن مفهومة في هذه الازمة التي تحيق برجل حافظ على معاهدة السلام مع
اسرائيل وعلى الروابط العسكرية مع الولايات المتحدة وساند السياسات
الامريكية ضد القاعدة وايران. وقال "لكن ذلك ليس متقبلا في المنطقة. "المصريون
يريدون من أوباما ان يقول لمبارك شخصيا ارحل." وذكر ان قمع الانتفاضات
الشعبية أصبح أكثر صعوبة في مجتمعات الحضر المضطربة حيث تشكل الهواتف
المحمولة والانترنت والفيسبوك وتويتر أدوات قوية للتعبئة.
وفي شرحه للغضب الشعبي الواضح في العديد من الدول قال عبد الجبار ان
الزعماء العرب لجأوا الى تمثيلية "هزلية" لتحرير اقتصادات اشتراكية
الطابع. وقال "الصفوة الحاكمة اشترت هذه الاصول (القطاع العام) وخلقت
تحالفا غريبا من الحكم العسكري او الدكتاتورية بالإضافة الى طبقة من
رجال الاعمال خلقتها نفس هذه الصفوة مما ادى الى تركز الثورة في أيدي
المجموعة القديمة."
وقال الاكاديمي الذي يتخذ من بيروت مقرا له ان الاحتجاجات في تونس
ومصر بها أصداء من تلك التي هزت ايران بعد الانتخابات الرئاسية
المتنازع عليها عام 2009 وتوقع ان يرتد رجع التغيير في العالم العربي
الى طهران. وأضاف "هذا سيدفع مجددا المقاومة الايرانية للحكم الشمولي
الى الصدارة. اذا التقى هذان النهران سيكون لدينا شرق أوسط جديدا خلال
عشر سنوات أو أقل."
حصد الثمار
وفي السياق ذاته، من "ثورة الأرز" في لبنان، إلى "ثورة الغضب" في
مصر، مروراً بـ"الثورة الخضراء" في إيران و"ثورة الكرامة" في تونس،
العالم يحبس أنفاسه منتظراً ما ستسفر عنه هذه الثورات الشعبية، التي
تطالب بالديمقراطية والحرية.
في مصر، تدفق الشعب بأعداد غير مسبوقة إلى الشوارع وسط دعوات لأيام
"غضب وحرية" مطالباً رئيسه، حسني مبارك، بالاستقالة ولكن، ما هي
القرائن التي تقدمها المظاهرات التي اندلعت في وقت سابق في المنطقة
بشأن ما سيحدث في القاهرة؟ إن النتائج على الأرجح تبدو متفاوتة!
لقد حفزت تونس، تلك الدولة الصغيرة نسبياً والمستقرة المطلة على
الساحل الجنوبي للبحر المتوسط، الموجة الحالية من الاحتجاجات المناهضة
للحكومات في منطقة الشرق الأوسط. الرئيس المخلوع، زين العابدين بن
عابدين، ظل يحكم تونس طوال 23 عاماً، وكان ينظر إليها بوصفها دولة
بوليسية راسخة.
وبعد ان أشعل بائع فاكهة يدعى محمد البوعزيزي (26 عاماً) النار في
نفسه احتجاجاً على قيام الشرطة بمصادرة عربة الفاكهة التي كان يبيع
بواسطتها في الشارع للحصول على لقمة عيشه، وأيقظ هذا التصرف الرمزي
غضباً مكبوتاً لدى سكان البلاد، فيما بات يعرف لاحقاً بين التونسيين
بـ"ثورة الكرامة."
وقام زين العابدين بن علي بزيارة البوعزيزي في المستشفى، وعاش خريج
الكلية لمدة ثلاثة أسابيع قبل أن يقضي متأثراً بالحروق التي أصيب بها،
وذلك في الرابع من يناير/كانون الثاني، غير أن هذه الزيارة لم تتمكن من
تهدئة الغضب في البلاد بعد عقود من الفساد وتدني مستويات المعيشة
والقمع.
وبعد أسابيع من الاحتجاجات، التي أسفرت عن مقتل ما يزيد على 100 شخص،
وفقاً للأمم المتحدة، فرّ زين العابدين بن علي من البلاد في الرابع عشر
من يناير/كانون الثاني. على الأثر، تولى رئيس الوزراء، محمد الغنوشي،
مقاليد السلطة وشكّل حكومة وحدة وطنية ضمت أعضاء من الحرس القديم
والمعارضة، غير أن هذه الإجراءات لم تهدئ الشعب، حيث واصل الشعب
المطالبة بالإصلاح الكامل، بينما واصل الغنوشي تشكيل حكومة وطنية في
محاولة لتهدئة الجماهير الغاضبة. بحسب وكالة انباء السي ان ان.
وأخيراً وعد بإجراء انتخابات رئاسية جديدة في غضون 60 يوماً من رحيل
زين العابدين بن علي.
وهذه النتيجة تختلف جذرياً عما حدث في إيران قبل عام ونصف العام،
عندما اندلعت احتجاجات ضخمة بعد الانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران
عام 2009، حيث توقع كثير من الإيرانيين هزيمة الرئيس الحالي، محمود
أحمدي نجاد، المتشدد، غير أن النتائج الرسمية أظهرت فوزه. على الأثر،
خرج الإيرانيون إلى الشوارع، التي تحولت إلى "بحر أخضر"، حيث اتشحت
الجماهير باللون الأخضر، (راية الإسلام) وتحدت سلطة أحمدي نجاد محاولة
الإطاحة به من السلطة.
ثورة الشعب الإيراني، أو "الثورة الخضراء" لفتت اهتمام العالم
وهيمنت على مخيلته، غير أنها لم تكلل بالنجاح، إذ تمكنت قوات الأمن
الإيرانية من إجهاضها، وذلك بالتعاون مع قوات الباسيج التي اجتاحت
المظاهرات بالدراجات النارية والعصي، واعتقلت أعداداً لا تحصى من
المتظاهرين وزجت بهم في السجون.
نتائج الثورة غير واضحة
في لبنان، عام 2005، أدت حادثة عنيفة إلى ثورة سلمية. فقد لقي رئيس
الوزراء السابق، رفيق الحريري، الذي يحظى بشعبية واسعة، مصرعه في عملية
تفجير ضخمة بينما كان يمر بسيارته في بيروت، أسفرت كذلك عن مقتل 22
شخصاً آخرين الى جانب الحريري.
وعلى الفور، اعتقد كثير من اللبنانيين، وكذلك محققون من الولايات
المتحدة والأمم المتحدة، أن سوريا هي المسؤولة عن عملية التفجير. في
ذلك الوقت كان لسوريا تأثير سياسي هائل، كما كان لها وجود عسكري كبير،
وذلك منذ عقد الثمانينيات من القرن العشرين.
أثار مقتل الحريري احتجاجات واسعة النطاق، وعرفت تلك الاحتجاجات
باسم "ثورة الأرز"، وأدت في نهاية المطاف إلى انسحاب القوات السورية من
لبنان، وانتخاب الائتلاف المناهض لسوريا في البرلمان، وأصبح سعد
الحريري، نجل رفيق، رئيساً للوزراء.
ولكن حتى في لبنان، التي لديها خبرة كبيرة بالديمقراطية تفوق معظم
البلدان الأخرى في المنطقة، تظل نتائج الثورة غير واضحة. وأجبر سعد
الحريري على التنحي عن السلطة هذا العام، بعد أن انسحب وزراء الحكومة
من التكتل المتحالف مع حزب الله المدعوم من سوريا وإيران، من الحكومة.
وتم تكليف نجيب ميقاتي، الذي نال ثقة حزب الله، بتشكيل الحكومة
اللبنانية الجديدة في الاسبوع الماضي، وفي اليوم نفسه، توجه أنصار
الحـــريري إلى الشـــوارع وأعــلنوا "يوم غضب."
وصادف يوم الغضب اللبناني، تسريع الشعب المصري لاحتجاجاته المستمرة
ضد مبارك، فيما تتوالى التظاهرات بصورة أخرى في اليمن، وكما تتوالى
مظاهرات من نوع آخر في الأردن مطالبة بسقوط حكومة رئيس الوزراء الأردني
سمير الرفاعي. وفي الأثناء، تتجه أعين العالم إلى منطقة الشرق الأوسط
لمتابعة التطورات، التي كانت غائبة طوال نحو 30 عاماً، لمعرفة ماذا
سيحدث؟
الشرق الاوسط مريض
من جانبه اعتبر الرئيس السوري بشار الاسد ان الشرق الاوسط "مريض"
بسبب عقود من الركود ويتوجب على قادته ان يطوروا انفسهم ومجتمعاتهم وان
يستجيبوا لتطلعات شعوبهم. وقال الاسد في مقابلة نادرة مع صحيفة وول
ستريت جورنال الاميركية "علينا ان نجاري هذا التغيير على مستوى الدولة
والمؤسسات".
واشار الاسد في التصريحات التي تأتي في الوقت الذي تتطور فيه
المظاهرات في مصر "عليكم ان تطوروا انفسكم مع تطور المجتمعات. ذلك هو
العنوان الاهم". واوضح الاسد رؤيته في سوريا وقال "ستشهد سوريا اصلاحات
سياسية في عام 2011 عبر الانتخابات المحلية واصدار قانون جديد للاعلام
وتخفيف الشروط على منح التراخيص للمنظمات غير الحكومية".
ويرى عدد من المحليين في سوريا التي قال الاسد انها تقع في قلب
الشرق الاوسط، مؤشرا محتملا يسمح لهم بتقييم الطريقة التي سيتجاوب من
خلالها القادة العرب مع مطالب التغيير. واضاف الاسد الذي تسلم السلطة
في عام 2000 بعد وفاة والده حافظ الاسد بعد حكم للبلاد استمر ثلاثة
عقود، "ان الاصلاح الحقيقي يتعلق بكيفية اجراء انفتاح في المجتمع
وكيفية اجراء حوار".
وراى "ان عقودا من الركود السياسي والاقتصادي، ووجود زعماء من ذوي
ايدولوجيات ضعيفة، والتدخل الاجنبي والحروب ادت الى استياء الشارع في
تونس ومصر". وقال "ان المياه الراكدة تسبب التلوث وتولد الجراثيم، ولان
هذا الركود استمر لعقود.. فقد اصابتنا الجراثيم". واضاف "ان ما ترونه
الان في هذه المنطقة هو نوع من المرض. هكذا نراه نحن".
واعتبر عدد من المحللين ان ثورة تونس التي اوحت بالاحتجاجات التي
تشهدها مصر، اثارت التكهنات بان العالم العربي يقف على اعتاب حقبة
ستشهد مزيدا من الديموقراطية. وقال الاسد "هذه حقبة جديدة.. ولكنها لم
تبدا الان بل بدأت مع الثورة في ايران. ولكن الجديد في الامر انها تحدث
داخل دول مستقلة في العالم العربي".
وامتنع الرئيس السوري عن التعليق بشكل مباشر على الاحداث في تونس
ومصر معتبرا انه "من المبكر جدا الحكم على تأثيرها في المنطقة"، الا
انه اكد ان الوضع في بلاده مستقر. وقال الاسد "ان الوضع في سوريا مستقر
رغم ان ظروفها اصعب من ظروف مصر التي تحصل على مساعدات مالية من
الولايات المتحدة، في حين تخضع سوريا الى عقوبات تفرضها عليها عدة
بلدان في العالم". بحسب وكالة انباء فرانس برس.
واكد الاسد "لا يمكننا ان نرسي ديمقراطية مبنية على المصالح الشخصية
للأفراد ولذلك فان البداية ستكون الحوار والمؤسسات". واضاف الرئيس
السوري "ان المجتمعات العربية اضحت اقل انفتاحا منذ ثمانينات القرن
الماضي مما ادى الى التطرف والى مستوى اقل من التطور والانفتاح"، مؤكدا
"ان التحدي الذي يواجهه الزعماء يكمن في كيفية انفتاح المجتمعات وبناء
المؤسسات".
وحذر الاسد من مغبة التسرع من اجراء الاصلاحات ردا على الاحداث في
مصر وتونس وقال "ان لم تكن قد رأيت ضرورة الاصلاح قبل احداث تونس ومصر
فان الوقت قد تأخر لإجراء اي اصلاح الان". وعندما تسلم السلطة في عام
2000، المح الاسد في خطاب القسم الى عصر جديد من الانفتاح والاصلاح في
سوريا، الا ان ما سمي "ربيع دمشق" لم يدم طويلا.
وبحسب منظمة هيومن رايت ووتش فان السلطات السورية "تعتقل النشطاء
السياسيين والمدافعين عن حقوق الانسان"، كما "قلصت من حرية التعبير
وتقمع الاقلية الكردية وتعزل المعتقلين عن العالم الخارجي لوقت طويل
كما تقوم غالبا بتعذيبهم".
ووضع الاسد الاصلاح الاقتصادي في اولوية برنامجه الاصلاحي الا انه
يعتبر ان العقوبات لا تزال مفروضة على سوريا، التي ما زالت في حالة حرب
مع اسرائيل، في حين انها تحتاج الى التكنولوجيا لتطوير مؤسساتها وانعاش
اقتصادها. وقال الاسد "ان الوضع اليوم افضل مما كان عليه منذ ستة اعوام،
الا انه ليس الوضع الامثل" مشيرا الى "انهم يدعونك الى المضي بسرعة وفي
نفس الوقت يفرضون عليك العقوبات".
قد تصل إلى سوريا
الى ذلك باتت حركات المعارضة في سوريا تدعو عبر الموقع الاجتماعي "فيسبوك"
لمسيرات حاشدة في العاصمة دمشق وحلب وعدد من المدن الكبرى للاحتجاج على
حكم الرئيس بشار الأسد.
وينادي المحتجون بتحسين مستويات المعيشة وحقوق الإنسان ومنح صوت
أكبر للشباب، وفقا لمعهد الأبحاث الإعلامية للشرق الأوسط، ومقره واشنطن.
ومن غير الواضح عدد من سينضمون للاحتجاجات سورية رغم دعم الآلاف، ويبدو
أن الكثيرين منهم خارج البلاد، أبدى دعمهم للتحرك على صفحات "فيسبوك"،
بحسب المعهد.
وتذوقت السودان طعم الاحتجاجات بمطالبة عدد غير محدد من الطلبة
الجامعيين وغيرهم الإطاحة بالحكومة في مسيرة نظمت عبر "فيسبوك" مستوحاة
من النموذج التونسي. وندد طلاب من "جامعة الخرطوم" بارتفاع أسعار
المعيشة والفساد، وقالت المجموعة في صفحتها بفيسبوك: "الشعب السوداني
لن يظل صامتاً بعد الآن.. حان الوقت للمطالبة بحقوقنا واسترداد ما هو
لنا بمسيرات سلمية لن يتخللها أين نوع من أنواع التخريب." بحسب وكالة
انباء السي ان ان.
وذكرت صحيفة "سودان تريبيون" نقلاً عن قوات الأمن إنها اعتقلت سبعين
شخصاً، بينهم 40 طالب، عقب المسيرة. وتأججت اضطرابات شعبية في المنطقة
مستوحاة من التجربة التونسية التي نجحت في الإطاحة بنظام بن علي، إثر
إضرام الطالب الجامعي، محمد البوعزيزي، 26 عاماً، النار في نفسه بعد
مصادرة الشرطة لعربة بيع فاكهة كان يقتات منها. وتوفي البوعزيزي في وقت
لاحق قبيل أن يشهد سقوط الدولة البوليسية في بلاده.
وإلى ذلك، تؤكد الاضطرابات حقيقة قاتمة عن الأنظمة الاستبدادية في
جميع أنحاء العالم: فقد انهار الحاجز الإلكتروني وانهارت معه قدرتهم
على السيطرة على تدفق المعلومات. ثمة خط مباشر بين هذه الثورات والثورة
في الإعلام العربي التي انطلقت منذ 15 عاماً، ويمكن للمرء أن يجادل بأن
ما يحدث هو النتيجة الحتمية، فمطالب التغيير أصبحت "فيروساً إلكترونياً"
ينتقل إلى الدول متسرباً عبر الحدود.
ولكن نفى الرئيس السوري بشار الاسد احتمال ان يمتد الاضطراب السياسي
الذي يهز تونس ومصر الى سوريا وقال ان الاولوية بالنسبة له تبقى
الاستقرار والانفتاح التدريجي للاقتصاد.
وفي مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال قال الاسد ان التسلسل الهرمي
الحاكم في سوريا يرتبط ارتباطا وثيقا بمعتقدات الشعب وانه لا يوجد سخط
جماهيري ضد الدولة التي يسيطر عليها حزب البعث على مدى العقود الخمسة
الماضية.
وقال الاسد "هذه هي القضية الاساسية. عندما يكون هناك اختلاف بين
سياستكم ومعتقدات الشعب ومصالحه سوف تكون هذه الفجوة التي تخلق
الاضطرابات" اضاف "وهكذا يصبح الامن اولا. وكيف يمكنك تحقيق استقرار
بلدك وكيف يمكنك حماية مجتمعك من المتطرفين...ثانيا الاقتصاد هذه
الاولوية الثانية الملحة."
والاسد الذي خلف والده قبل 11 عاما قال ان الحكومة بدأت باشراك
الشعب في صنع القرار من خلال السماح بالجامعات الخاصة وفتح القطاع
المصرفي والسماح لوسائل الاعلام الخاصة. وقال "انه افضل من ست سنوات
مضت ولكنه ليست الوضع الامثل. لايزال امامنا طريق طويل لنقطعه ...لكي
نكون واقعيين علينا ان ننتظر الجيل القادم لتحقيق هذا الاصلاح." بحسب
وكالة الانباء البريطانية.
وقال الاسد ان مشروع قانون للإعلام يمكن ان يخفف بشكل اكبر من
القيود في هذا القطاع لكنه لم يقل ما اذا كان سيتم الغاء حظر الانترنت
بما في ذلك الفيس بوك وعشرات المواقع الاخبارية والذي كثف في اعقاب
الثورة التونسية. ولم يتناول الاسد قضية الاف السجناء السياسيين في
سوريا والقيود الحكومية التي تشمل حظر سفر مئات من منتقديه وقانون
الطوارئ وحظر اي معارضة وهو امر سار منذ 50 عاما. |