إطلاق النار على المتظاهرين... عودة الى القمع

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في ظاهرة تكررت أكثر من مرة، تم اطلاق النار من قبل أفراد ينتسبون الى أحد الاجهزة الامنية، على متظاهرين عزّل، وآخرها ما حدث في محافظة الديوانية بقضاء (الحمزة الشرقي)، وقبلها بعام تقريبا، حدث الامر نفسه في البصرة وذي قار، وهو ما يشكل سابقة لاتتسق قط، مع التوجّه السياسي الجديد في العراق، والذي يركّز على بناء الدولة الديمقراطية المتحررة، التي تعلن على لسان أعلى المسؤولين الحكوميين فيها، بأن من اولى مهامها، حماية الحريات السياسية، وحرية التعبير، وعدم التجاوز على المواطنين قط، إلا في حالة الخروج عن القانون، حيث يتكفل القضاء بذلك وفقا للاجراءات القضائية التي لا تتعارض مع القوانين السارية.

وفي محاولتنا لمعرفة أسباب تكرار هذه الظاهرة القمعية، فإن ثمة أسبابا عديدة تقف وراءها، منها أنها تشكل إمتدادا للسلوك القمعي، الذي اعتادت الاجهزة القمعية السابقة، أن تتعامل من خلاله مع الشعب، في حالة التظاهر او الاعتراض او الانتفاض على الحكومة، لاسباب موجبة حتما للتظاهر، ومن الاسباب الاخرى المهمة، عجز القيادات عن تغيير السلوك القمعي لهذه الاجهزة، وعدم اهتمامها بتفعيل ثقافة احترام الحقوق المدنية ونشرها بين الافراد المنتسبين لها، علما أننا نسمع بين مدة وأخرى عن قيام دورات لأفراد الاجهزة الامنية عن كيفية حسن التعامل مع المواطنين أثناء اداء هذه الاجهزة لواجباتها، بالاضافة الى معالجة حالات التظاهر، حيث ينبغي أن تشكل هذه الاجهزة عناصر حماية للمتظاهرين وليس العكس.

لكن ما حدث في تظاهرة الحمزة الشرقي السلمية، يشير الى سلوك لايمكن أن ينتمي بأي حال من الاحوال، الى النهج الديمقراطي العراقي الجديد، وهنا لابد من البحث عن السبل الكفيلة بردع هذه الظاهرة، ونؤكد على أنها ظاهرة، لأنها تكررت لأكثر من مرة، وطالما أن الجميع يتفق على أن حق التظاهر السلمي مكفول لجميع العراقيين، وأن المظاهرة التي حدثت في (الحمزة الشرقي) كانت سلمية تماما، وتعبر عن طلبات مشروعة ذات طابع خدمي لأهالي تلك المنطقة، فإن التعامل العنيف معها من خلال اطلاق النار عليها، شكل خرقا كبيرا وخطيرا للنظام الديمقراطي القائم في العراق.

ولهذا فإننا نلقي بمسؤولية ما حدث، على عاتق الجهات الحكومية وقياداتها أولا، ثم البرلمان واعضائه الذين انتخبهم الشعب، أين دورهم التشريعي والرقابي في هذا الصدد، كما أننا نحمل جميع المعنيين بحفظ التجربة الديمقراطية في العراق بنفس المستوى من المسؤولية، ولا يُستثنى من ذلك أحد، بما في ذلك النخب السياسية والدينية والاصلاحية والثقافية وغيرها، لأن السماح بتكرار حالة اطلاق النار على المتظاهرين العزل، تعني العودة بنا الى أنظمة القمع والتكميم والتجاوز على الحقوق المدنية التي كفلها الدستور للجميع في عهدنا الجديد.

وقد يقول قائل بأن الجهات الحكومية المعنية، فتحت تحقيقا بما جرى من اعتداء سافر على المتظاهرين، وأن من قاموا باطلاق النار على المتظاهرين رهن التحقيق، لكن هذا الفعل ليس كافيا، لأنه أمر إجرائي روتيني لابد من القيام به، أما المطلوب فعلا فهو دراسة الظاهرة بجدية أكبر، ووضع المعالجات الفورية لها، وخاصة ما يتعلق بالاجراءات القانونية الفورية بحق المقصرين، ومن ثم العمل على غرس قيم التحرر في قلوب وارواح وضمائر أفراد ومنتسبي الاجهزة الامنية المعنية، وهذه مسؤولية كبرى تقع على عاتق قادة الاجهزة نفسها.

كما أننا ندعو منظمات المجتمع المدني المعنية بنشر ثقافة التمدن والتعامل الحضري مع المواطنين، أن تقوم بواجباتها في هذا الصدد، مضافا الى ذلك حملات التوعية من لدن الجهات الدينية، مراجع ورجال دين، والثقافية، اتحادات ومنظمات وغيرها، للعمل على ترسيخ ثقافة احترام الانسان وحقوقه المدنية والسياسية، ولا تُستثنى من ذلك وسائل الاعلام كافة، فضائيات، واذاعات، وصحف، ودوريات وسواها، للقيام بدورها المطلوب في هذا المجال.

أما المعالجة الاهم حيال ما جرى، فهو التأكيد على تطبيق القوانين الرادعة والفورية، بحق العناصر التي تنتهج هذا الاسلوب بحق المتظاهرين، خاصة اذا كانت التظاهرات ذات طابع سلمي، لايتجاوز النظام ولا القوانين السارية، وهذا ما سيعطي انطباعا واضحا، بتفوق النهج الديمقراطي المتمدن على سواه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/شباط/2011 - 2/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م