انهم يصفعون شعوبهم... اليس كذلك؟

الى ذكرى البوعزيزي التونسي وعرب اخرين

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: للصفعة والصفعات وانواع الضرب الاخرى وما يترتب عنها شواهد كثيرة في تاريخنا وحاضرنا وفي تواريخ وثقافات شعوب اخرى.

والصفع لون من الوان الضرب اضافة الى لونين اخرين هما الضرب بالات الضرب كالعصا والمقرعة والدرة والسوط وغيرها.. والثاني ما يشبه الضرب، مثل الركل والرجم ووجء العنق والوطء بالاقدام واللطم.

الضرب يعد من اقدم الوان العذاب التي اوقعها الانسان بأخيه الانسان، وهو يمارس عادة من اجل ايقاع الالم والاهانة بالانسان المضروب، اضافة الى وظائف اخرى هي القتل والتعذيب والعقاب، كما اقترن الضرب بالحبس وقطع الاطراف وما الى ذلك من الوان العذاب الاخرى.

والضرب ألوان وأشكال ولكل نوع اسم خاص به في اللغة العربية: فإذا كان الضرب باليد على مقدم الرأس يسمى: الصقع. وإذا كان على القفا فهو يسمى: الصفع.. اما الضرب باليد على الوجه فهو يسمى: الصك، قال الله تعالى: (فصكت وجهها) الذاريات: ‏29 ‏.. وإذا ضرب باليد على الخد فهو اللطم.. اما إذا كان على الصدر او الجنب باليد فهو الوكز، قال الله تعالى: (فوكزه موسى فقضى عليه). اما إذا كان على الجنب وبالأضلع فقط فهو الوخز.

والصفع يسميه اهل بغداد (كفخة) وهي فصيحة، وفي لبنان تسمى كفا.. واللطم ضرب الخد او الجسد بالكف او بباطن الكف.. ثم صرفت الكلمة الى ضرب الخد بالكف المبسوطة.. واهل بغداد يسمون الضربة بالكف: (عجل) بكسر العين والجيم كما انهم يسمون هذه الضربة راشدي وبعضهم يسميها محمودي.. ويقال ان راشدي نسبة الى راشد باشا وهو عسكري تركي كان معروفا بشدة الضربة بحيث انه ضرب شخصا بكفه على خده فاغمي عليه، اما محمودي فنسبة الى محمود بك وهو عسكري تركي اخر كان اذا ضرب بكفه شخصا على خده لوى عنقه.

والصفع والصك واللطم تحمل الكثير من مدلولات الاهانة والاذلال في الثقافة الذكورية.. في احد المسلسلات الامريكية (human target) والذي يعرض على قناة (mbc action) يطلب صديق بطل المسلسل منه، وهو يلاكم احد المتحدين له ان يلطمه على وجهه قائلا له: انه سوف يغضب ويرتبك لان تلك اللطمة ستكون مهينة له.

لا يعرف اول من استعمل الصفعة في نزاع مع اخر، الا ان المؤكد ان من استعملها كان يمتليء بالحقد والكراهية لهذا المقابل.. وقد يكون اول من استعملها وحسب المعطيات الانثروبولوجية احد الازواج الناقمين على زوجته في تواريخ قديمة جدا، قبل ان تتغير الصورة في زمننا الحالي ونسمع عن زوجات يصفعن ازواجهن في تبادل لادوار الذكورة والانوثة وادوار العنف المتبادل بينهما.

في تاريخنا العربي استقلت الصفعة بباب خاص من ابواب التعذيب وفنونه التي مارسها الجلادون اتجاه ضحاياهم وهي الان اول ما يواجهه المتهم في اقسام التحقيق للشرطة او اجهزة الامن السرية في بلداننا.

كثير منا تعرض للصفع والصك واللطم من قبل الاباء والامهات وعادة ما تكون ضربة الاب قاسية تترك اثر الاصابع على الوجه وضربة الام تكون رقيقة ولهذا فنحن عند شعورنا بالخوف نلوذ بامهاتنا وليس ابائنا.

وقد تكون سبب قسوة الضربة الابوية لها علاقة باعرافنا الاجتماعية، فنحن كنا نحترم اساتذتنا الذين يصفعوننا ونهابهم ايام كان هناك اساتذة حقيقيون يفيضون بالعلم وبالابوة وليس مثل حالهم هذه الايام حيث اصبح كثير من الاساتذة يخشون طلابهم.. وقد يكون مرد تلك الضربة القاسية الشعور المضخم بمسؤولية الابوة اتجاه الابناء.. كان والدي يقول لي دائما: ان من يعطي الخبز يجب ان يعطي التربية.

فلسفة الضرب والصفع وغيرها واعتبارها وسيلة من وسائل التربية تغيرت بتغير الازمان.. حيث أظهر بحث أن الأطفال الذين يتعرضون للصفع باستمرار قبل بلوغهم سن الثانية يواجهون خطرا أعلى للإصابة بمشكلات واضطرابات سلوكية بعد دخولهم المدرسة.

وقد تبين أن الأطفال تحت السنتين من العمر الذين تعرضوا للصفع خمس مرات أسبوعيا أصيبوا بمشكلات سلوكية بنسبة أكثر بحوالي 4.2 مرات بعد أربع سنوات أي عند دخولهم المدرسة مقارنة مع الأطفال الذين لم يتعرضوا للصفع أبدا.واصبحت في بعض البلدان تستدعي ايقاع العقوبة المالية على الصافع والصاك واللاطم.

نقل لي احد الاصدقاء المغتربين في السويد، حوارا عن العراق دار بينه وبين مواطن سويدي، اخبره ان السويد احتاجت لما يقرب من مائتي عام كي تتخلص من بربريتها الموصومة بها.. وضرب له مثلا على ذلك قال: بعد ان كان يجتمع اكثر من عشرة رجال لاغتصاب امراة ثم قتلها وتعليقها على شجرة اصبح الان من يصفع شخصا اخر يغرم بالف وخمسمائة دولار.

لكنها استمرت كوسيلة انتهاك واذلال للكرامة الشخصية وخاصة في بلداننا العربية والبلدان التي تتوفر على انظمة حكم شمولية واستبدادية.

في كتب النحو العربية وكمثل عن الفعل والفاعل والمفعول به توجد تلك الجملة المتعارف عليها (ضرب زيد عمرا) تلك الجملة تستبطن الكثير من العنف شئنا ام ابينا.. ولا ادري لماذا ضرب وليس حاور او سامح او عانق او رافق او غيرها من الافعال.. وانتقل هذا الاحتفاء بالضرب الى علاقاتنا الاجتماعية وخاصة علاقة الرجل بالمرأة، تلك العلاقة التي تسودها قيم الفحولة المتضخمة بالنسبة للرجل والضعف المنكسر بالنسبة للمرأة، والترحيب العالي الذي تبديه النساء بالضرب من خلال المثل الشهير (ضرب الحبيب مثل الزبيب) اي ان فيه حلاوة.. ولا اعرف اين هي تلك الحلاوة في مثل هذه الاهانة والقسوة.

ويقع الكثير من المتحدثين في خطأ لغوي حين يستعملون كلمة صفعة بدلا من كلمة صك او لطم.. هذا الخطأ يبقى في دائرة التنظير اللغوي لكنه على الجانب النفسي والاجتماعي يختزن مدلولات عديدة ليس اقلها الاذلال الذي يشعر به الانسان المصفوع على قفاه او الملطوم على خده.. وفي الامثال الاماراتية نجد هذا المثل البليغ الدلالة وهو: ينسى الصافع والمصفوع ما ينسى.

والصفعة اسم لكتاب استرالي صدر العام 2008 وتصدر قائمة اكثر الكتب مبيعا في قائمة جائزة (مان بوكر) المرموقة.. وفاز بجائزة كتاب الكومنولث عام 2009.

 ويربط الكتاب بين قصص ترويها عدة شخصيات بعدما صفع ضيف في حفل شواء بإحدى الضواحي طفلا ليس ابنه عمره ثلاث سنوات.

وكل الشخصيات ضيوف في الحفل الذي أقيم في إحدى ضواحي مدينة ملبورن. وتتناول الرواية موضوعات مثل الخيانة والوفاء وكراهية النساء والعنف الأسري والعنصرية والحسد. وهي ايضا عنوان مسلسل مصري عن قصة حقيقية من واقع ملفات المخابرات المصرية.

في التاريخ تعد الصفعة التي وجهها احد المعلمين الى احد تلاميذه الذي اصبح فيما بعد اعظم عالم رياضيات هي اشهر صفعة، لكن بعد ما جرى في تونس سوف تكون الصفعة الخائبة للشرطية التي وجهتها الى البوعزيزي، هي الاشهر في اسباب الثورات.

لم يحتمل البوعزيزي التونسي وخلفه الملايين من ابناء بلده تلك الصفعة او اللطمة من تلك الشرطية. ومعروف عن الشرطة في بلداننا العربية ان وظيفتهم ان يكونوا صافعين ولاطمين لمواطنيهم في استعارة رمزية ليد السلطة العليا التي تصفع البلد واهله في كل مناسبة وحتى بدون مناسبة..

تقول شقيقة البوعزيزي ان صفعه من قبل امرأة تعد إهانة عظمى في المجتمعات الشرقية، وكان هذا كفيلا بان يخرجه عن صوابه.

وبحسب التراث القبلي فان الصفعة من قبل امرأة هي بمثابة الحكم عليه بارتداء (فستان). لم يتحمل البوعزيزي تلك الصفعة وردها الى الشرطية وسلطتها العليا بطريقته الخاصة وسمع لرده ذلك الصوت المدوي والهادر في الجزائر وموريتانيا واليمن والاردن ومصر.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/شباط/2011 - 1/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م