رياح التغيير وخطر الالتفاف على الثورة

احمد جويد/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

بعد أن سئمت الشعوب العربية أنظمتها الدكتاتورية وأصبح لديها الرغبة العارمة بالتضحية من أجل التغيير جاءت الإرادة الدولية متماشية مع رغبة الشعوب لغايات تراها تنصب في مصالحها الخاصة، ويبدو أن الغرب الذي أصبح هو الآخر يعاني من تبعات تلك الأنظمة التي أحرجته كثيرا أمام الرأي العام العالمي صار يفكر في استبدال تلك الأنظمة البالية المرتبطة بسياساته بأخرى مقبولة لدى شعوبها ويسهل عليه التعامل معها، فكانت بداية الرياح الساخنة مع حرق (بو عزيزي) لنفسه، والذي استطاع أن يحرق نظاماً دكتاتورياً حكم تونس طيلة (27) عاماً.

ومع بداية هذه الصحوة النارية وجدت الشعوب العربية نفسها أمام أنظمة هشة يمكن استبدالها بأقل الخسائر والتضحيات، ووجدت أيضاً إن التغيير ليس بالأمر المستحيل أو الصعب في حال وجود إرادة شعبية وضغط دولي على الأنظمة، الأمر الذي أدى إلى اتساع رقعة الرياح لتشمل مصر وتهدد اليمن الجزائر وقد تمتد إلى أنظمة عربية أخرى لم تتوقع لنفسها الزوال.

دول الغرب تراقب هذه الرياح وتضع لها مقاييس السرعة في الحركة والاتجاه إلا أنها لا تستطيع التحكم بها، فالذي حدث في تونس لم يكن بالشيء المتوقع، والسرعة التي حصل فيها التغيير كانت مذهلة وقليلة الخسائر والتكلفة، فتغيير نظام دكتاتوري قمعي يكلف الغرب الكثير من الجهد والمال والأرواح، وخير مثال على ذلك تجربة إسقاط نظام صدام في العراق والتي كلفت دول التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية الكثير من الخسائر وفي مقدمتها الشعور العام بالكراهية لأمريكا من قبل الشعوب العربية والمسلمة، وبالتالي نظرت بعض الشعوب العربية التي لا تعرف حقيقة صدام على أنه (بطلا) اسقطته أمركا لأنه يقف بوجهها ووجه اسرائيل، وليس دكتاتوراً أجرم بحق شعبه.

أما في الحالة التونسية فقد كان هناك بعض الارتياح من قبل الشعوب العربية تجاه المواقف التي اتخذتها دول الغرب لإسقاط نظام بن علي، ربما نفس المواقف تتخذها الحكومات الغربية تجاه النظام المصري رغم ارتباط الأخير باتفاقيات أمنية واقتصادية مع الجانب الإسرائيلي الذي هو الآخر يراقب رياح التغيير بأهمية بالغة، وبخاصة على الساحة اللبنانية والمصرية.

البعض يحاول أن يصور مستقبلاً اسود للدول التي تغيير دكتاتورياتها ويطرح التجربة العراقية مثالاً لذلك، ويحاول بث حالة الخوف والرعب داخل الأوساط الشعبية متناسياً إن الذي حدث في العراق مختلف عما يحصل في غيره من الدول رغم إن النظام العراقي السابق لا يختلف كثيراً عن الأنظمة العربية في الاستبداد والدكتاتورية وقمع الحريات واضطهاد الأقليات الدينية والعرقية، فمن الضروري حصول تغيير لجميع الأنظمة الفاسدة كي يستعيد الإنسان حريته وكرامته وبخاصة في الدول ذات الأغلبية المسلمة، لكن يجب أن يصاحب هذا التغيير وجود بعض الضوابط الأساسية، منها:

1- وجود معارضة مدنية واعية.

2- التنسيق العالي بين قوى المعارضة والقواعد الشعبية.

3- عدم إعطاء الفرصة للانتهازيين بالتسلق إلى سدة الحكم على حساب القيادات المخلصة.

4- وضع برنامج للحكم واضح ومعلن يرضي تطلعات عامة أفراد الشعب.

5- الحرص على استقلال سلطات الدولة الثلاث وعدم تكريسها بيد الفئة الحاكمة.

فإذا تم اخذ هذه النقاط بعين الاعتبار يمكن للتغيير أن يأخذ دوره الإصلاحي للنهوض بالدول التي تنشد التغيير، فلو قدم العراقيون- سبيل المثال- نصف الذين تم إعدامهم وتصفيتهم من قبل نظام صدام لاستطاعوا تغيير النظام منذ عقدين أو أكثر، ولكان الوضع العراقي مختلف جداً عما هو عليه اليوم بعد التغيير الذي جاءت به دول الغرب عبر دباباتها وطائراتها، وما كانت هناك أي حجة للإرهاب أن يدخل الأرض العراقية بدعوى الجهاد وطرد المحتل.

فالشعب المصري وشعوب أخرى كثيرة في المنطقة تستطيع نيل كرامتها وحريتها من دون الحاجة لمساعدة الأجنبي إذا توافرت لديها الرغبة والإرادة وشيء من الصبر والإصرار في استبدال النظام الفاسد بنظام آخر ينبع من داخل الشعب ويعي همومه.

ومن خلال التجربة التونسية لاحظنا إن البعض ممن أرادوا استغلال تضحية الشعب التونسي والعودة إلى سدة الحكم مرة أخرى متنصلين عن مسؤولياتهم كشركاء للرئيس المخلوع بن علي في عهد الفساد والدكتاتورية، إلا أن إصرار الشعب على طرد جميع الرموز السابقة من تشكيلة الحكومة الانتقالية أذهبت الفرصة على هؤلاء وأجبرتهم على الرضوخ لمطالبهم في الاستقالة وترك الحكم رغم محاولاتهم بالتنصل من النظام السابق، غير إن الثورة في تونس هي اليوم في معرض الخطر لتوجه المؤسسة العسكرية نحو تولي الحكم هناك، الأمر الذي قد يأتي بدكتاتور جديد بلباس مدني ومدعوم من المؤسسة العسكرية.

لذلك يجب على الشعب المصري والشعوب الأخرى التي تسير باتجاه التغيير وأن تعي هذه الحقيقة جيداً، فالحزب الوطني في مصر يحاول الالتفاف على مطاليب الشعب بتخلي مبارك وحزبه عن السلطة بصورة سلمية من دون تعريض البلد إلى هزات أمنية واقتصادية إذا كان ذلك الحزب يحرص على مصالح مصر بالدرجة الأولى، فمحاولات تغيير الوجوه ووضع بعض المسكنات هنا أو هناك لا يجدي نفعاً مع حركة الشعب وتطلعه لبناء دولة المؤسسات المدنية التي تكفل له العيش بحرية وكرامة.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/شباط/2011 - 28/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م