التعاون الشعبي طريقنا لبناء العراق

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لاشك أن الشعوب والامم، تطمح - وفقا لفطرة الانسان- للوصول الى أعلى درجات الرقيّ والتقدم، لكن الاهداف بمختلف أحجامها، وأنواعها، لا تتجسد على ارض الواقع، ما لم تسعَ الشعوب الى ذلك، وفق برامج، وخطط مسبقة، تضعها الجهات المعنية، بشقيها الرسمي كالوزارات المعنية، والأهلي كالمنظمات الخاصة بالتنمية البشرية، وتشرف على تنفيذها، فالتخطيط السليم، بحاجة الى تنفيذ سليم، يحوله من حالته الفكرية المجردة، الى نتائج مادية شاخصة.

على أن تشارك جميع الفئات العمرية، في عملية البناء، فلا يُستثنى أحد من ذلك، مهما كانت المبررات، فحتى العاجز عن الحركة، يستطيع أن يسهم ببناء بلده، بعقله الفاعل وأفكاره المتحركة، وكل الامم والشعوب التي بنت نفسها بأوقات قياسية، بلغت افضل حالات البناء، من خلال توجيه الجهد الشعبي، بصورة صحيحة، ولدينا في تجربتيّ الهند والصين الشعبية، دروس بالغة الوضوح، في هذا المجال.

العراق لا يختلف عن غيره من الشعوب، بل يمكن أن نرى فيه، شعبا ينطوي في نزعاته، على روح التعاون، والنشاط والتفاعل مع الآخر، وهي سمات توافرت عليها شعوب الهند، والصين، التي انتهجت على سبيل المثال، اسلوب (الانتاج الشعبي) حيث المصانع الصغيرة، تُقام في الاحياء، والقرى الصغيرة، وذهب بهم الأمر، الى تحويل العائلة الصغيرة، الى معمل صغير، منتج لسلع لا يستطيع الانسان أن يستغني عنها، في عموم العالم، فصنّعت هذه العوائل، على سبيل المثال، (القمصان والسراويل للغرب، والجلاليب واليشاميغ للعرب، والعباءة للمسلمات، ناهيك عن انواع السلع الكثيرة كألعاب الاطفال التي غزت اسواق العالم، وغيرها من المنتجات والسلع الضخمة، والصغيرة).

لقد حققت مثل هذه الشعوب الفاعلة، قفزات مادية كبيرة، ومتواصلة، دعمت قدراتها الفكرية وبالعكس، بحيث كان للتخطيط والتنفيذ السليمين، قصب السبق في تحقيق عملية الارتقاء الأمثل، بهذه الشعوب، والسبب الاول حضور الاستعداد الشعبي، للتعاون، والتكافل، والانتاج، المتواصل.

وهي سمات موجودة لدى الشعب العراقي، والدليل الذي يحضر قويا بين أيدينا، وامام أبصارنا، ما يحدث من تعاون، وتكافل، وتفاعل، في زيارة أربعينية الامام الحسين (ع)، وهي ظاهرة قلما تجد مثلها في الشعوب الأخرى، حيث ملايين الناس، تتوجه الى مدينة صغيرة، هي كربلاء المقدسة، التي تحتضن في ازقتها الضيقة، وشوارعها، وساحاتها الصغيرة نسبيا، ملايين الاجساد، التي تحضر لإحياء ذكرى زيارة أبي الاحرار (ع)، لترى ذلك التعاون المذهل، بين الجميع، حيث يتواصل تقديم افضل الخدمات لهؤلاء الزائرين، بمسعى طوعي واندفاع ذاتي، قلما نجد له نظيرا في العالم، وهو ما يؤكد حضور النزعة التعاونية، التكافلية، لدى العراقيين، وهذا ما يدفعنا كي ندعو المعنيين، لتطوير واستخدام هذه النزعة الايجابية وتحويلها لصالح عملية البناء.

ولا يقتصر الامر على هذه المدينة فحسب، لأن الجماهير تنطلق من عموم المدن، والقصبات العراقية، حيث نجد نزعة التكافل، والتعاون، قائمة وحاضرة، عبر الطرق الطويلة الرابطة بين هذه المناطق، وترى ايضا مئات المخيمات، والسرادقات، التي تقدم للزائرين كل ما يحتاجونه، من مأكل، ومشرب، ومنام، اثناء مسيرهم الذي يصل الى مئات الكيلومترات، ويستغرق أحيانا، عشرات الليالي، كما هو الحال مع الوافدين من جنوب العراق –البصرة- مثلا.

وما يُستحسَن تأكيده في هذا الصدد، أن الجماهير المليونية، بمشاركتها الطوعية في احياء أربعينية ابي الاحرار (ع)، انما تعلن للجميع وأولهم المسؤولين الحكوميين، بأنها على استعداد للعطاء، والتعاون، والمشاركة في البناء، وكل ما تحتاجه هذه الجماهير، هو القيادة الحكومية الجيدة، التي تستطيع أن تحول نزعة الجماهير التكافلية، واستعداهم الدائم، للعمل والتعاون، الى منتَج قائم على الارض، وذلك من خلال التخطيط السليم، لامتصاص هذه القدرات الكبيرة لعموم الناس وتوجيهها في المسار الصحيح.

وهذا ما يتطلب عملية اصلاح واسعة للأجهزة الحكومية بمختلف مهامها واختصاصاتها، على مستوى الافراد، او الكوادر الجماعية، ولعل البند الاهم والهدف الاعلى، في هذا المجال، هو الشروع بعملية كبرى وواضحة وملموسة المعالم، للقضاء على الفساد الاداري والمالي، والاقتصاص الفوري من المتجاوزين على المال العام سابقا وراهنا، وسن القوانين الرادعة للعصابات والمافيات، التي لا تتردد لحظة عن سرقة المال العام، في الوقت الذي تُترك الجماهير بين فكي الفقر والعوز والحرمان، مع أن هذه الجماهير تتحين الفرص والمناسبات الدينية والوطنية وغيرها لكي تعلن استعدادها لبناء العراق الجديد.

إن تنظيم الطاقات المليونية، وتوجهها، بطريقة علمية سليمة، هي المفتاح الاول الذي يفتح بوابات الرقي، والتطور، على مصاريعها، للشعب العراقي، والمسلمين عموما، ولتكن زيارة الاربعين، وما يُقدَم فيها من جهود مخلصة، وصور رائعة، للتعاون، والتكافل، والتّحاب، دافعا ومحركا، للمسؤولين، كي يقوموا بدورهم في تنظيف أنفسهم، وصقل وتوجيه هذه الطاقات والمسيرات الجماهيرية الكبرى، بالاتجاه الصحيح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/كانون الثاني/2011 - 22/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م