تسعة أسهم ضد المقاومة

وقبلة واحدة على جبين إسرائيل

د. أحمد راسم النفيس

لا زال البعض مصرا على تكرار تجارب أسلافه اللاأخلاقية الفاشلة والتي كلفت المسلمين السقوط إلى قاع الحضارة والإنسانية.

من بين هذه الجرائم التي ارتكبها آباؤهم الأولون الذين هم على آثارهم مقتدون وإلى حتفهم بخطى واثقة سائرون ما فعله ذلك الكائن المدعو أبي بكر ابن النابلسي والذي ذكره المؤرخون في صحيفة سوابق الجرائم الإنسانية.

يروي المقريزي في (اتعاظ الحنفا): عندما توجه الفاطميون إلى الشام لمقاتلة الغزو الصليبي البيزنطي كان أحد شيوخ الرملة ويقال له أبو بكر محمد بن أحمد النابلسي, يحرض على قتال المغاربة (الشيعة) وبغضهم ويرى ذلك واجبا ويقول‏:‏ لو أن معي عشرة أسهم لرميت تسعةً في المغاربة وواحداً في الروم‏.‏

فلما انهزم الحسن بن أحمد القرمطي عن مصر فر النابلسي إلى دمشق فأخذه ظالم بن موهوب وحبسه ثم أخرج وعمل له قفص من خشب وحمل إلى القاهرة فطيف به على جمل وهو مقيد والناس يسبونه ويشتمونه ويجرون برجله من فوق الجمل‏‏ فلما فرغوا من التطواف به سيق  إلى المنظر فقتل.‏

ولمن لا يعرف فإن بلاد الشام عند قدوم الفاطميين كانت تتعرض لهجمة صليبية ضارية يقودها الإمبراطور تزيمكس الذي تحالف مع منافسه أوتو الثاني إمبراطور الغرب المسيحي لضرب العالم الإسلامي كما تحالف مع الأرمن نظرا لأصله الأرمني فأرسلوا له عشرة آلاف مقاتل بأسلحتهم وأزوادهم ولكن السريان رفضوا هذا التحالف.

بدأ تزيمكس تحركه في بلاد الجزيرة عام 363هـ فاستباح وقتل وخرب بحيث هرب معظم أهل الجزيرة إلى العراق. وكان سيفه يقتلع المسلمين اقتلاع الحشائش ودمر كنائس السريان وأديرتهم ووصل إلى نصيبين قرب بغداد لكن الخلافة العباسية لم تفعل شيئا إذ كانت في نزاع شديد مع البويهيين الذين عزلوا المطيع وولوا الطائع كما كان حمدانيو الجزيرة يتنازعون أيضا فيما بينهم.

ولقد نعى مسلمو الجزيرة على الخليفة العباسي تخاذله ورموه بالعجز ولدينا خطب ابن نباتة الملتهبة التي تدعو مسلمي العراق للجهاد ضد الروم والدفاع عن بلاد الإسلام.

أغار تزيمكس على الشام سنة 363هـ وكان هدفه الوصول إلى بيت المقدس وقد سهل له السير سعد الدولة وهو الذي استعاد حلب من قرغوية وبكجور وقبل الحلف الذي عقد سابقا بين قرغوية ونقفور. ثم استولى على حمص وحلب وبعلبك وتقدم نحو دمشق فأسرع أفتكين بتقديم خضوعه وتذلله وسلمه دمشق ولعب أمامه بالسيف بينما قاومت مدن أخرى بمساعدة الفاطميين مثل طرابلس التي خربها تماما وجبيل وبيروت وصيدا وأخيرا وصل إلى القدس حيث كان الجيش الفاطمي متأهبا للدفاع عنها.

ثم عاد تزيمكس إلى القسطنيطينية واعتزل الحكم وذهب إلى الدير وترهب (وفي رواية أنه مات إما سما أو مرضا).

دفعت هذه الغزوة البيزنطية المفاجئة العزيز بالله للقضاء على الخونة في الشام حتى يمنع الصليبيين من معاودة الكرة فأرسل إلى أفتكين يطلب منه الدخول في طاعته فرد قائلا: أنه أخذ الشام بحد السيف ولا يدين لأحد بطاعة ولا يقبل منه أمرا.

فأرسل العزيز جوهرا لمحاربة أفتكين الذي استعان بالحسن الأعصم زعيم القرامطة ونجح في هزيمة جوهر سنة 364هـ فكان أن اضطر لمصالحة أفتكين الذي لم يقبل الصلح إلا بعد أن علق سيفه ورمح الحسن الأعصم على باب عسقلان وخرج جوهر وأصحابه من تحتهما.

ذهب العزيز بالله لقتال أفتكين بنفسه بعد موت الأعصم سنة 368هـ فدارت الدائرة على القرامطة قبل أن يظهر مغامر دمشقي جديد هو قسام التراب =الزبال، (كانت وظيفته رفع القمامة) ولكن العزيز تمكن من هزيمته.

ويمكن لمن أراد المزيد من التفاصيل أن يرجع إما إلى كتابنا (الفاطميون والقدس) أو إلى المرجع المذكور.

نعود إلى واقعنا المعاصر حيث تجمع أحفاد قسام الزبال والأفتكين والنابلسي ورثة العمالة والخيانة المتعاونون سابقا مع الصليبيين المتعاونون الآن مع الغزو الأمريكي الصليبي في إطار قوى الرابع عشر من آذار التي هي فرع من فروع عرب الاعتدال التابع لفرسان مالطة!!.

وها هو الشيخ (الشيوخ النابلسي) قد أطل من مغرزه مطالبا بالاقتصاص من قتلة رفيق الحريري الذين هم وللصدفة البحتة (؟!) وكدليل قاطع على (حسن نواياه وطهر سريرته) قتلة العدو الصهيوني ومحرري لبنان من الدنس ولو كان مع هؤلاء الشيوخ عشرة أسهم لألقوا بها في وجه حزب الله وألقوا بقبلة لا بقنبلة على وجنة صديقهم نتن ياهو وباراك بنوعيه: أوباما ويهود!!.

الطريف في الأمر أن المفتي النابلسي أراد أن يستفيد من الأزمة ليجمع بين الحسنيين: عداؤه للمقاومة أو صداقته الحميمة لإسرائيل، وحبه لسيده معاوية وولده يزيد فخرج على الناس شاهرا سيفه الذي لا ينطق إلا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول قائلا: أمير المؤمنين هذا أي سعد بن الحرير فإن أقيل فهذا أي سعد بن رفيق ومن أبى فهذا وأشار إلى سيف سيده بيلمار المصلت على رقاب الأحرار!!.

ورثة صناعة شهود الوزر

لم تأت قدرة الشيخ النابلسي على الجهر بمنطقه الأعوج (أمير المؤمنين سعد الحريري وإن أقيل فسعد ومن أبى فسيف دانيال بنوعيه فرانسين وبيلمار!!)، من فراغ حيث ورث هؤلاء قول الزور عن آبائهم الأولين كابرا عن كابر.

هل كان الإمام علي بن أبي طالب هو من قتل الخليفة الثالث بسيارة مفخخة عند السان جورج حتى تشن عليه الحروب وتجري مطالبته بتسليم (القتلة) والسلطة والشرعية والثروة أو القبول بتسوية على طريقة (اللو كيربي)؟!.

الجواب معلوم ولكن هؤلاء القوم تميزوا ومنذ فجر التاريخ بقدرة فائقة على ارتكاب المظالم ثم التنصل منها ثم معاقبة كل رافض أو منتفض على الظلم خاصة إن تجاوز رفضه حاجز الكلام والصوت.

تميز القوم بقدرة هائلة على بث الدعاية الزائفة وصناعة شهود الزور والاتكاء عليهم وتحميل ضحاياهم مسئولية ما نزل بهم من دمار وقتل جماعي وفردي ولسان حالهم يقول: سنواصل قتلكم إن لم تسلمونا ما تبقى من رقابكم، متذرعين بحق إلهي مزعوم ما كان له أن يكون دون الدور الذي اضطلع به شهود الزور ورواة الزور ومفتي الزور ممن ذكرناهم سابقا.

ما هو الفارق بين شهود الزور الذين جاء بهم (أمير المؤمنين) سعد بن الحرير وشهود الزور الذين جاء بهم معاوية بن أبي سفيان ممن شهدوا بأن الإمام علي بن أبي طالب هو من (قتل الخليفة الثالث) مطالبين إياه بتسليم الثوار والمنتفضين على الظلم وإلا فليتحمل المسئولية الكاملة عما ارتكبوه هم وما ينوون ارتكابه من جرائم طلبا بثأر الخليفة المظلوم حسب زعمهم.

اقرأوا ما رواه نصر بن مزاحم في كتاب صفين:

عندما قتل عثمان بن عفان وأرسل الإمام علي بن أبي طالب رسالة لمعاوية بن أبي سفيان تطلب منه الدخول في البيعة فاستشار معاوية المحيطين به فأشاروا عليه بشراء عمرو بن العاص فجاء عمرو وأبرم معه تلك الصفقة الشهيرة.

قال نصر بن مزاحم: (لما بات عمرو عند معاوية وأصبح أعطاه مصر طعمة له وكتب له بها كتابا وقال: ما ترى في علي؟ قال: أرى فيه خيرا ودعواك أهل الشام إلى رد هذه البيعة خطر شديد ورأس أهل الشام شرحبيل بن السمط وهو عدو لجرير المرسل إليك فأرسل إليه ووطن له ثقاتك فليفشوا في الناس أن عليا قتل عثمان وليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب وإن تعلقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشيء أبدا فدعا معاوية رجاله فأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان ثم قال له: يا شرحبيل إن جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي وعلى خير الناس لولا أنه قتل عثمان بن عفان وقد حبست نفسي عليك وإنما أنا رجل من أهل الشام أرضى ما رضوا وأكره ما كرهوا فقال شرحبيل: أخرج فانظر فخرج فلقيه شهود الزور فكلهم يخبره بأن عليا قتل عثمان بن عفان فخرج مغضبا إلى معاوية فقال: يا معاوية أبى الناس إلا أن عليا قتل عثمان ووالله لئن بايعت له لنخرجنك من الشام أو لنقتلنك قال معاوية: ما كنت لأخالف عليكم وما أنا إلا رجل من أهل الشام)!!

ألا إن (حسن نصر الله) هو خير الناس لولا أنه قتل الحريري!!.

أبى الناس وشهود الزور إلا أنه هو من قتل الحريري وما أنا إلا رجل من الرابع عشر من الشهر، ما كنت لأخالفهم ولولا أنه فعل ذلك لوقفنا معه في مواجهة الصهاينة!!!.

الفارق الوحيد أن ابن آكلة الأكباد كان يرتكب الجرائم لحسابه الخاص أما هؤلاء فيعملون باليومية لحساب أسيادهم الصهاينة!!.

هكذا كان عمرو بن العاص هو أول من قام بصنع شهود الزور من أجل تحقيق الأهداف الأموية الخبيثة وهاهم الأولاد والأحفاد يهتدون بسيرة ابن النابغة مدعومين هذه المرة ببوش وشيراك وباراك بنوعيه: إيهود وأوباما!!.

أحفاد النابلسي يواصلون دورهم الخياني  

الآن ومنذ فجر التاريخ مذ بدأت المواجهة بين الحق والباطل وصولا إلى المواجهة بين المقاومة الإسلامية في لبنان والصهاينة وقف أحفاد النابلسي منها إما موقف المتربص المتأمل أن تحل الهزيمة بالمؤمنين ولكنه يخشى البوح بمكنون نفسه المريضة وهم كما وصفهم رب العزة في محكم كتابه (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) النساء (141).

ومنهم المجاهر بعدائه وكراهيته لأهل الحق مثل النابلسي من أصحاب فتاوى منع الدعاء والنصرة لحزب الله الذين لم يحجزهم حاجز من مروءة أو دين عن الوقوف جنبا إلى جنب مع العدو الصهيوني في حربه على المقاومة.

ومنهم الجبان الرعديد الخائف الحريص على حياة الذل والموات ممن وصفهم رب العزة سبحانه وتعالى بقوله: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا) الأحزاب 18-20.

عندما تستمع إلى الناطقين باسم ما يسمى الرابع عشر من آذار أو (أحفاد قسام الزبال والأفتكين والنابلسي ورثة العمالة والخيانة) لا تسمع منهم حرفا واحدا عن المواجهة مع الصهاينة ناهيك عن أنك لن تسمع عن دور سابق لهم في هذه المواجهة والأهم من هذا أن بعض هؤلاء كان متعاونا بصورة مباشرة مع العدو الصهيوني بل ولا زال البعض منهم يفخر بهذه الصداقة من أمثال طفل الكتائب اللبناني المدلل.

وبينما أكد قائد حزب الله ولا زال يؤكد على دور الصهاينة في أغلب الاغتيالات التي شهدتها الساحة اللبنانية ترى هؤلاء وحلفائهم العرب يجعلون أذنا من طين وأخرى من عجين وكأنهم لا يسمعون في حين يصرح بعض المسئولين المصريين عن دور الموساد الإسرائيلي في تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية.

هل حقا أنهم لا يسمعون أم أنهم عن السمع لمعزولون وصدق الله سبحانه حينما يصف أمثال هؤلاء (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) النمل 80-81.

لا تسمع لهم بنت شفة عن دور الموساد في لبنان المقاتل في حين يشكو المنبطحون من دوره في هز عروشهم وأوضاعهم!!.

الآن يبدو واضحا أن المواجهة الحاسمة بين قوى الحق الصاعد والمنتفض من ناحية وقوى الشر العالمي قد اقتربت من نهايتها الحاسمة.

(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ * قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ * وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) سبأ 48-54.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/كانون الثاني/2011 - 17/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م