محاولات تتجاهل القصة والرواية العراقية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: نشرت ثقافية الصباح قبل أيام موضوعا للقاص علي حداد، تناول فيه القصة والرواية العراقية وكتابها، وبدا في واقع الحال محزونا ومهمونا وموجعا مما آلت إليه السردية العراقية على أيدي القصاصين والروائيين العراقيين الذين استغفلوا القارئ (كما يرى القاص الحداد) وقدموا له مجاميع قصصية وروايات لا تعدو كونها ضحكا على الذقون لا أكثر.

وكلنا نتفق على ان الاخ حداد وغيره لهم الحق بطرح آرائهم حيال السرد العراقي عبر رحلته الطويلة التي تجاوزت القرن، منذ بدايات عبد الملك نوري وعبد الحق فاضل ومحمود احمد السيد ومن تلوهم كفؤاد التكرلي  وغيره، صعودا الى الجيل الستيني المثير للجدل اذا اتفقنا على الحضور الفعلي لمصطلح التجييل، وما تلاه من قصاصيين وروائيين سبعينيين وثمانيين وتسعينيين حتى الوقت الراهن، ولكن ما لا يحق للأخ حداد وغيره هو نسف السرد بالجملة، والاغرب في هذا المقال أنه لم يحدد نفسه بمساحة السردية العراقية، بل عبر الى الرواية العالمية والعربية معتبرا أن بعضها مما اشتهر عالميا يمكن أن لا نطلق عليه رواية، متسائلا في مقاله الذي حمل عنوان قصاصون وروائيون بالمنشطات:

(هل من غير المعقول ان اقول ان رواية الصخب والعنف لوليم فوكنر من الصعوبة بمكان ان ادرجها ضمن خانة الروايات وان كتاب مائة عام من العزلة لماركيز ايضا لا يمكنني ان ادرجه ضمن قائمة الروايات وكثير من الروايات العالمية والعربية)!

ثم ينطلق حداد في رؤيته هذه من شعور شخصي بحت حين يتساءل قائلا: (الا يحق لنا ان ندافع عن سعادتنا في القراءة اعتقد انه من حقنا ان ندافع عن متعتنا في قراءة القصص والروايات بعد ان اتعبنا عيوننا وصرفنا الكثير من وقتنا في قراءة هذا الكم من القصص والروايات).

وهنا ألا يحق لي أن أتساءل، لماذا صبر حداد كل هذه العقود على سرد عراقي لا يستحق المتابعة والقراءة، ثم ما الذي أجبره على قراءة قصص وروايات أتعبت عينيه وأخذت من وقته الكثير والثمين؟ وثمة تساؤل آخر، هل يجوز له الانتقاء والفرز من هذه التجربة او تلك ولهذا الكاتب او ذاك، بحيث يتحدث عن قصة واحدة او رواية واحدة لأهم الكتاب والروائيين العراقيين كمحمد خضير الذي لا اختصر تجربته كلها بمجموعته المملكة السوداء، متجاهلا كل ما أنجزه خضير من فرائد السرد العربي والعراقي، ولا اريد أن أذكّر الحداد بجائزة العويس التي حصل عليها محمد خضير عن جهده السردي الخلاق، ثم يتحدث الحداد عن الراحل مهدي عيسى الصقر ويختصر منجزه (كما يوحي بذلك في مقاله الغريب) بقصة واحدة هي (حيرة سيدة عجوز) التي حملت المجموعة عنوانها، ولا يستثني الحداد كبار الساردين العراقيين كفؤاد التكرلي وعبد الخالق الركابي وعبد الستار ناصر ومحمود عبد الوهاب، من مقصلته التي (أعدمته هو قبل غيره) حين أقدم على إعدام الجميع بإصرار ينم عن حالة من اليأس أودت به الى مجاهيل ومخاطر الآراء التي تتبنى الاستفزاز سمة لها، علما أنني شخصيا أشعر بأن الاخ الحداد أراد أن يقول لجميع الاسماء التي اوردها في مقالي بأنني موجود، وهو يحتج بصورة خفية على الآخرين لأنهم حاضرون أكثر منه كما يتوهم، لأنه كما أظن وأعرف بأن (علي الحداد) اسم موجود في ساحة السرد العراقي منذ سنوات طويلة وأنه فرض نفسه من خلال نشاطه الملحوظ حتى في حقبة ما قبل 2003 والدليل أنه أختير من الاعداد الكبير لكتاب السرد العراقيين في لجنة التحكيم لإحدى مسابقات الرواية التي شارك بها عدد مهم وكبير من الكتاب العراقيين، وهذا يدل على أن علي حداد اسم فرض وجوده في ساحة السرد، فلماذا يظن أنه غير حاضر وأن الاسماء التي اوردها في مقاله والتي تتصدر الندوات والمؤتمرات الآن ما هي إلا اسماء مزيفة لمعتها المؤسسة الثقافية ولا تزال تعمل على ذلك كما قال في مقاله: (وثمة ملاحظة عاشت معي عبر سنوات طويلة اوحت لي ان هناك فسادا اداريا فيما ينشر من قبل مؤسسات الدولة اذ كيف يمنح لبعض الاعمال جواز مرور ليعبر الحدود ويعرض هذا على الملا وبلا خجل من قارئ او دارس او مهتم دون ان ينتبه اليه احد).

ولا أعرف حقيقة، لماذا يصب حداد جام غضبه على كل العهود والحقب، بل على كل السرديات (عالمية وعربية وعراقي).

وقد حدث مثل هذا الحوار المستفز عن السرد العراقي قبل شهور في احد البرامج الثقافية، حيث قوبل المنجز السردي العراق بالتجاهل والاهمال لاسيما منجز ما بعد 2003 الامر الذي احدث سجالا بيني وبين قائلي ذلك الرأي، ونشر ذلك السجال في حينها، بعدد من الصحف والمواقع الالكترونية.

ويبدو أن الاخ حداد لم يمر به ذلك السجال او لم يطلع عليه ولو حدث ذلك لما زج نفسه بالموضوع نفسه، فيكرر اليوم ما قيل في ذلك الحوار من آراء مجحفة بحق السرد العراقي، ولكن بصيغة أكثر حدية وتزمت تصل الى حد إعدام السرد العراقي، ظانا بأنه، بإعدامه للجميع سيجلب الانظار له (مع أنه –وإن جهل- موجود تحت الضوء فعلا) وما يؤكد ذلك، على سبيل المثال وليس الحصر، أنه كان احد أهم المشاركين في آخر ندوة سردية أقامها نادي القصة في اتحاد الادباء والكتاب العراقيين جرت كما أظن مطلع 2008.

لذلك مع أنني أقر بأحقية حداد فيما يقول وما يرى تجاه السرد العراقي او غيره، لكنني ليس من باب الدفاع عن نفسي كوني أحد الاسماء التي (أعدمها الحداد سرديا) ولا من باب الدفاع عن غيري من الكتاب العراقيين لأنهم أقدر مني على التصريح بآرائهم، أقول إن التطرّف في الرأي أو في وجهة النظر والطرح، لا يمكن أن يسند قائله او صاحبه، وأن الحرية في القول مهما بلغ مداها، ينبغي أن تتوخى الأناة والصدق والموضوعية.

ولا يمكن أن يقبل علي حداد لنفسه، (وإن قبل بذلك فعلا كما يدل، مقاله المذكور سابقا) أن يكون ضحية مجانية ليأسه الذي بدا جليا في آرائه المبثوثة في مقاله، كما نعتقد أن إلقاء تبعات الفشل على الغير، أصبح اسلوبا لا يناسب الحداد او غيره، خصوصا أن السرد والنقد العراقي حقق جانبا من الحضور المهم في المشهد السردي العربي، كما تأكد ذلك في المشاركة الفاعلة لكتاب عراقيين في مؤتمر الرواية العربي الذي أقيم مؤخرا في القاهرة وشارك فيه عدد من الكتاب والنقاد العراقيين بفعالية واضحة ومنهم الناقد العراقي المعروف ياسين النصير والكاتب علي بدر والكاتب لؤي حمزة عباس وغيرهم، وهذا يدحض ما جاء من إعدامات بالجملة للسرد العراقي بمقصلة الحداد الذي ينهي مقاله قائلا: (وقبل ان انتهي احب ان اضيف انني ربما لا اكتب بشكل جيد لكن هذه حقيقة فطنت اليها مؤخراً مع مواجع قديمة تراكمت وازدحمت في وجداني) ولابد أن هذه الفطنة المتأخرة وغير الواقعية، وهذا الشعور اليائس وغير المبرر هو الذي دفع بالحداد الى اعلان قتله لنفسه ولغيره من تجارب الكتاب العراقيين الذين أثبتوا حضورهم الانساني الفاعل في العراق وخارجه، وذلك بشهادة غير العراقيين، وليس آخرها البحث النقدي المهم  لشهيرة أحمد والذي تحدثت فيه بإسهاب، عن الرواية العربية ومنها العراقية، ونشرته في جريدة الاتحاد الاماراتية، يوم الخميس التاسع من ديسمبر/ كانون الاول 2010 تحت عنوان الحرب... تسكن بين حرفين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/كانون الثاني/2011 - 12/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م