المجتمع العراقي... ظواهر ومشاكل اجتماعية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في حديث مع احدى النساء والتي لديها اربع فتيات باعمار مختلفة اشتكت من صعوبة التعامل مع هؤلاء الفتيات وعن الجهود الشاقة التي تبذلها في خدمتهن والتعامل معهن.. فلا واحدة منهن تكلف نفسها عناء تنظيف غرفتها او ترتيبها او مساعدتها في بقية اعمال المنزل. وذلك رغم مرضها والجهود المترتبة على الاعمال التي تقوم بها وحدها... قالت لي: بالإضافة الى عدم الاحساس بالمسؤولية والى العناد فهو جيل عديم الرحمة.

وكنت قبل ايام استمع الى احدى المحاضرات من احدى القنوات الفضائية لاحد الخطباء تطرق في حديثه الى الرجال والنساء الكبار في السن والذين اخذت الشيخوخة منهم ماخذا وهو ينتقد سلوك ابناءهم اتجاههم بوضعهم في دور المسنين والعجزة والتنكر لسنوات تربيتهم ورعايتهم، وهو يريد القول بانه جيل عديم الرحمة، وغيرها الكثير من الاحاديث العامة والدراسات والابحاث التي تؤشر لظواهر جديدة في المجتمع العراقي اخذت تطل براسها بين الحين والاخر.

هل هناك من مبالغة في مثل هذا الكلام؟ وهل تشكل مثل هذه الانطباعات ظواهر اجتماعية يجب التنبه لها والتحذير منها؟ وما هو دور اساليبنا التربوية في انتاج مثل هذا الجيل؟ وهل ان هذه الاساليب تعمل بمعزل عن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية في مجتمعاتنا؟

كل مشكلة اجتماعية لاتبرز الى الوجود فجاة ومن العدم بل تحتاج الى فترات زمنية قد تطول او تقصر وتسبقها عدة ارهاصات تنبأ وتمهد لتسود تلك المشكلة.

فعلى سبيل المثال مشكلة كثرة الارامل والايتام التي يشهدها العراق لم تات من فراغ بل نشات بسبب عدة عوامل هي (العمليات العسكرية – العمليات المسلحة – التلوث البيئي شديد السمية في بعض المناطق – تراجع مستويات الرعاية الصحية) وقد يدخل فيها ايضا العامل الاقتصادي من الفقر المدقع وانحدار مستويات المعيشة الى مستويات قياسية.

ولكن ماهو الفرق بين المشكلة والظاهرة الاجتماعية؟

المشكلة كما عرفها الفيروزبادي بأنها التباس الأمر.

والتعريف الاصطلاحي هو: وضع جديد غير مرغوب فيه، نتيجة تغير يقرأ على طريقة العمل أو بسبب ظرف معين.

والمشكلة الاجتماعية: (Social Problem): ظاهرة اجتماعية سلبية غير مرغوبة أو تمثل صعوبات ومعوقات تعرقل سير الأمور في المجتمع، وهي نتاج ظروف مؤثرة على عدد كبير من الأفراد تجعلهم يعدون الناتج عنها غير مرغوب فيه ويصعب علاجه بشكل فردي، إنما يتيسر علاجه من خلال الفعل الاجتماعي الجمعي.

وهناك من ينظر إلى المشكلات الاجتماعية والظواهر الاجتماعية Social Phenomen والقضايا الاجتماعية Social issuesعلى أنها جميعاً مترادفات لمعنى واحد، وهناك من يقول أنها تبدأ بظاهرة تحدث في المجتمع وتنتشر ثم تصبح مشاهدة ولها عناصر إيجابية وعناصر سلبية، ثم تتحول إلى قضية إذا أصبحت سلبياتها أكثر من إيجابياتها ولكن السلبيات غير ملموسة وتصبح مشكلة إذا كانت السلبيات ملموسة وواضحة.

ويجب ملاحظة انه لا يمكن ان نطلق على الظاهرة الاجتماعية مصطلح مشكلة اجتماعية او نسميها مشكلة الا إذا احتوت على 4 عناصر و أفكار أساسية:

العنصر الأول: يشترط ان تؤثر على عدد كبير و قطاع عريض من الناس.

العنصر الثانى: ان تكون الظاهرة سلبية و غير مرغوب فيها و مرفوضة (ذات تأثير سلبى).

العنصر الثالث: ان يكون لدى الأفراد شعور عام بضرورة فعل شئ ما او القيام بعمل ما حيال الظاهرة.

العنصر الرابع: ان يكون هذا العمل جماعيا من خلال الفعل الجماعي الاجتماعي.

الدكتور ابراهيم المصري دكتوراه في فلسفة العلوم الاجتماعية يقول: حتى ندرك معنى أن تتحول الظاهرة إلى مرض اجتماعي يجب أن يكون لدينا تصور عن معنى الظاهرة ومعنى المرض, فالظاهرة هي كل ضرب من السلوك ثابت أو غير ثابت يعم المجتمع بأسره ويكون ذا وجود مستقل عن الصور التي يتشكل بها في الحالات الفردية حسب تعريف دوركهايم.‏

لكن الظاهرة ليست وليدة ذاتها وإنما تخضع لمجموعة من المتحددات الفكرية والنفسية والثقافية بمعنى أنها نتيجة و ليست سبباً وبالتالي يمكن التعامل معها بشكل عمومي وبالطريقة ذاتها عبر الثقافات على عكس المرض الذي يكون العلاج فيه عاماً, لا نميز في علاج المرض بين الشرق والغرب, بين إنسان وآخر.‏

ومن هنا نقول: مشكلة اجتماعية في مجتمع ما, لا تكون مشكلة في مجتمع آخر ,وعلاجا ناجعا في مجتمع ما لا يكون مقبولاً في مجتمع آخر.‏

أما متى نقول عن مشكلة أنها أصبحت تشكل خطراً على البناء الاجتماعي، فإننا نقول: إن ظاهرة اجتماعية تتحول إلى مشكلة اجتماعية عندما تبدأ بانتاج آثار سلبية على الاقتصاد مثلاً(مثل ظاهرة التدخين, النمط الاستهلاكي, الرشوة, البطالة... الخ).

وآثار سلبية على الصحة مثل (أنماط الغذاء السريع, الإدمان, الايدز...) أو ما تعطي آثاراً سلبية على الكيان الاجتماعي مثل ظاهرة التشرد, الطلاق, العنوسة, التفكك الأسري...).‏

وهذه لا تتفق المجتمعات في النسبة ذاتها من الخطر وأيضاً تكون الظواهر خطرة إذا أثرت على النظام القانوني والأخلاقي والتي أيضاً تختلف حولها المجتمعات, فمثلاً مخالفة قواعد المرور في مجتمع ما تعتبر ظاهرة خطيرة وفي مجتمعات أخرى لا يؤبه لها إلا حين تؤدي إلى كوارث.‏

وأيضاً مخالفات الأداب العامة في مشكلة اجتماعية خطيرة في بعض المجتمعات وتحتاج لعلاج وهناك مجتمعات تتكيف معها لتصبح نمطاً اجتماعياً.‏

وهناك اختلاف على مستوى الحلول… فظاهرة العنوسة تعالج في بعض المجتمعات عن طريق الاباحية الجنسية في حين الحل ذاته في المجتمعات الشرقية هو مشكلة وبصورة عامة نرى أن الظاهرة التي تفرز آثاراً سلبية اقتصادية وصحية تكون أسهل على التمييز كمشكلة من الظاهرة التي تفرز آثاراً قانونية وأخلاقية.‏

اما الظاهرة الاجتماعية فيمكن تعريف بانها: (فكرة معقدة تنسب الى الظاهرة الاجتماعية خصائص كونها خارجية والزامية وجبرية، ويمكن فهم هذه الفكرة في سياق الاطار التصوري لاميل دوركايم عن الوعي الجمعي والتصورات الجمعية، والظاهرة الاجتماعية طرق للفعل او السلوك تنبثق عن القواعد والمبادىء الاساسية والممارسات سواء الدينية او الدنيوية التي تشكلت بطريقة جمعية فاكتسبت بالتالي قوة الزامية، وتعد المعايير والنظم امثلة لتلك الظواهر الاجتماعية التي تتخذ اشكالا تتفاوت من حيث مدى الهشاشة او الصلابة وهي جميعا تشكل ممارسات للجماعة ذات طابع جمعي وبالتالي تفرض نفسها على الافراد فيستبطنوها، ولان هذه الظواهر ذات طبيعة جمعية فهي تتخذ طابعا اخلاقيا ملزما لسلوكيات الافراد، والمشكلة التي تهم علماء الاجتماع في هذا الاطار هي تلك الفجوة بين التصورات المثالية وبين النظم الاجتماعية المادية ومكوناتها الفعلية كما هو الحال بين المعايير المقبولة اجتماعيا وبين الممارسات الفعلية للافراد)، موسوعة علم الاجتماع / جوردون مارشال.

يميز د. عبد الله المجيدل- جامعة دمشق بين الظاهرة الاجتماعية والمشكلة الاجتماعية, إذ غالباً ما يكون هناك بعض الخلط في المفهومين وكأنهما مترادفان, ويرى أن كل مشكلة اجتماعية هي ظاهرة اجتماعية لأن علاجها لن يكون بمعزل عن محددات وظروف هذا المجتمع ومعاييره الاجتماعية منها ما هو موجب ومحمود ومنها ما هو سالب منبوذ, وبناء على ذلك فكل مشكلة اجتماعية يمكن تصنيفها على أنها ظاهرة عندما يبرزها تكرارها عن الإطار الطبيعي لوقوعها في المجتمع, هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى فهي مرتبطة بالمعايير والقيم الاجتماعية والأخلاقية والثقافية السائدة.‏

بمعنى أن ما يمكن تصنيفه كظاهرة اجتماعية مقبولة في مجتمع ما قد يكون نقيض ذلك في مجتمع آخر فمثلاً أن تغادر الفتاة منزل أهلها بعد بلوغ سن 18 في المجتمع الأميركي ظاهرة طبيعية في ذلك المجتمع لكنها ظاهرة لا يمكن قبولها إطلاقاً في المجتمعات الشرقية.‏

ويعرف المحامي نزار ترجمان الظاهرة الاجتماعية بأنها التصرف الذي ينتشر بين الناس بحيث يصبح جزءاً من حياتهم اليومية دون شعور بالحرج حين تطبيقه أو اتباعه ولو كان هذا التصرف سيئاً.

فيما يتعلق بموضوعنا الحديث عن انعدام الرحمة او غياب الضمير لدى هذا الجيل واختلافه عن الجيل الذي سبقه نستطيع تلمسها في اكثر من مكان وهي ليست محصورة داخل الاسرة الواحدة بل تمتد الى اكثر من موقع في المجتمع العراقي وتنسحب على سلوكيات الافراد فيما بينهم، في الشارع وفي مكان العمل وفي اي موقع اخر يخضع لعملية التدافع او التنازع الاجتماعي.

ولا تنفصل هذه الظاهرة عن الظواهر الاجتماعية الاخرى من الفساد المالي او ارتفاع معدلات الطلاق او التفكك الاسري بل قد تكون عاملا مساعدا او محفزا لها.

وهناك جملة من الظواهر التي بدأت بالظهور في المجتمع العراقي منها:

ظاهرة الطلاق التي اصبحت تعصف بالاسرة العراقية والتي ستكون لها اثارها المدمرة على المجتمع اذا استمرت بالمعدلات الحالية واذا ازدادت تلك المعدلات وهي الان تتراوح بين 50 الى 60 بالمائة من حالات الزواج.

ظاهرة انتشارالتزوير في الشهادات العلمية والتي تعد من الأخطار الكبيرة التي تواجه المجتمع العراقي وقد أنتشرت لتشمل كل مناحي الحياة وتعددت صورها وأشكالها ووصلت ألى درجة أن تمارس الغش والتزوير كتل سياسية وأحزاب لتحقيق أنتصار ما في حملة أنتخابية أو أيصال مرشح ما لعضوية مجاس محلي أو برلمان.

ظاهرة عمالة الاطفال التي وصفها متخصصون في علم الاجتماع بـ(الخطيرة)كونها تهدد جيلا بأكمله، ويرون ان غياب الحلول الجدية وعدم تفعيل القوانين من قبل السلطتين (التنفيذية والتشريعية) التي من شأنها حماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي، او حتى حمايته من ذويه ستسهم في خلق المجرمين والمنحرفين والارهابيين وغير الاسوياء من الذين اضطرتهم الظروف الى الوجود في الاماكن الملوثة فكرياً التي يصعب التخلص من اثارها السيئة العالقة في ذاكرتهم، مضيفين: (بل انهم يعملون على المشاركة باعداد قنابل موقوتة مستعدة للانفجار في أية لحظة).

الظاهرة العشائرية التي يصفها الباحث العراقي سيار الجميل بانها (مسألة من أخطر المسائل الاجتماعية التي لابد أن تقرأ بتجرد وبروح علمية، وبمعزل عن أية عاطفة، أو اية إنحيازات.

وان تقرأ ضمن اطر مناهج علم الاجتماع المعاصرة، بلا أي مداخلات سياسية أو إيديولوجية أو سلطوية، إنها ليست مسألة جديدة طفت على السطح حتى يندهش الغلاة ممن يناصرها ويعلي من شأنها، إن  العشائرية" لها جملة كبيرة من الغلاة الذين يعتبرونها حالة أشبه بالمقدسة، وليس لهم الا التسبيح بحمدها ليل نهار، وليس هناك من يجرؤ اليوم لنقد مثالبها وسلبياتها على وحدة المجتمع وتقدمه، لقد سمعت احد شيوخ العشائر العراقيين، وهو يعدد ايجابياتها، بحيث جعلها قدوة مجتمعية في عالم ينتمي إلى القرن الواحد والعشرين.. إنها اليوم واحدة من اخطر مظاهر التفكك الاجتماعي في العراق، وإذا ما أضيفت إليها الطائفية، فإنها كانت واحدة من اخطر مظاهر التجزؤ والانقسام).

انتشار ظاهرة التسول في المجتمع العراقي لجميع الفئات العمرية وفي شتى المناطق، وظواهر ومشاكل كثيرة اخرى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/كانون الثاني/2011 - 11/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م