اطفال في مواجهة العنف

شبكة النبأ: بات العنف ضد الاطفال والاستغلال هما الصفتان الابرز في العديد من المجتمعات، على اختلاف مستوياتها متحضرة كانت ام متخلفة، بحسب ما تشير اليه آخر الاحصائيات والدراسات العلمية والاجتماعية في هذا الصدد، التي اجمعت على انتشار تلك الظاهرة السلبية في معظم الدول.

حيث يشير المراقبون الى أتساع حالة التعدي الجسدية والمعنوية والمادية، خصوصا الضرب والتحرش الجنسي، ويعلل المختصون الاسباب التي تقف في طليعة تلك الممارسات الهمجية الى غياب الوعي والثقافة الانسانية والدينية، بالرغم من حملات التوعية المستمرة والمناشدات المنددة بتلك الافعال.

معلم يتحرش

فقد قالت منظمة الشرطة الدولية إنتربول، إنه تم إلقاء القبض على مدرس بديل في مرحلة الروضة، يشتبه بأنه تحرش جنسا بنحو 50 طفلا في أمستردام بهولندا. وقال مسؤولون قضائيون هولنديون إن الرجل يبلغ من العمر 27 عاما، ويدعى روبرت أم، واعترف بالإساءة لعشرات الأطفال، كما كان منزله يعج بصور جنسية للأطفال، وفقا لبيان أصدرته الشرطة الدولية.

وقال الإنتربول إن التحقيق بدأ بعدما تم التعرف على صورة صبي من قبل عائلته، بعد بثها على شاشة التلفزيون الهولندي بناء على طلب من الشرطة الوطنية الهولندية.

وأضاف بيان الشرطة الدولية إن صورة الطفل كانت جزءا من سلسلة تصور الاعتداء الجنسي على الأطفال تحت سن الخمس سنوات، ضبطت خلال عملية في الولايات المتحدة من قبل مسؤولي الهجرة والجمارك بحسب السي ان ان.

وقال الانتربول تم بالفعل إضافة صور من نفس السلسلة من المواد الإباحية المضبوطة إلى قاعدة البيانات من قبل متخصصين لتحديد هوية الضحايا من المركز الوطني لشرطة الخيالة الملكية الكندية.

مشاهد إباحية  

في سياق متصل بعثت معلمة أمريكية تلاميذ صفها الابتدائي لبدء إجازة الصيف وهم يحملون قرصاً مدمجاً يحوي ذكريات العام الدراسي الذي ولى، دون أن تدرك أن الفيديو يضم لقطات ساخنة للمدرسة تم تحميله عن طريق الخطأ.

وتداركت إدارة مدرسة أيلك غروف يونيفايد ديستريك في بلدة سكرامينتو بكاليفورنيا، الالتباس عن اكتشاف مقطع للمدرسة وهي تمارس الجنس، ومدته ستة ثوان، جرى تحميله بالخطأ بين مشاهد للطلاب الصف الخامس وهم يتشاركون قراءة قصص داخل الفصل.

وأوضحت إدارة المدرسة أن القرص المدمج يحوي قائمة بكل أنشطة الفصل من رحلات ونشاطات العام الدراسي، وعند الضغط على إحدى تلك القوائم يظهر الأطفال وهم يقرؤون بصوت عال، ومن ثم يبدءون في التصفيق لتظهر فجأة مقاطع للمدرسة وهي تمارس الجنس، بحسب السي ان ان.

ونقلت الشبكة عن أولياء الأمور أن المعلمة لم تفطن للخطأ وحتى اليوم الثاني من توزيع القرص المدمج، وبعد أن اتصل بها والد أحد الطلاب. وبادرت المدرسة بتقديم اعتذارها الشديد عن الخطأ الشنيع، ورجته الاتصال ببقية أولياء الأمور لإعلامهم بالالتباس.

وقال الوالد: جل ما استطاعت البوح به أنه التباس فظيع، وطالبتنا بمنع أطفالنا من مشاهدة الفيديو. ويقول التقرير إن إدارة المدرسة بدأت تحقيقاً في الحادث، إلا أنه من غير المرجح أن تفقد المعلمة، وهي من المدرسات المحبوبات ويكن لها الجميع التقدير والاحترام، وظيفتها.

ووعدت إدارة المدرسة تعويض التلاميذ بقرص مدمج جديد يحمل ذكريات العام الدراسي الماضي، لكن دون مشاهد إباحية هذه المرة.

البنتاغون وجنس الأطفال

من جهة اخرى أظهرت وثائق حكومية أن عشرات الموظفين السابقين والحاليين والمتعاقدين مع وزارة الدفاع الأمريكية، بنتاغون، ربما عرضوا الأمن القومي للخطر عبر الدخول في مواقع إباحية للجنس مع أطفال أو شراء مواد منها.

وتشير سلسلة التقارير التي كشف عنها البنتاغون مؤخراً، إن من بين المدرجين في اللائحة أشخاص يحملون معلومات على درجة عالية من السرية، أو تصاريح أمنية رفيعة، عملوا ضمن دوائر  الوزارة منها وكالة الأمن القومي ومكتب  الاستطلاع القومي، اللذان يعدان من أبرز وكالات المخابرات في البلاد.

ويعتقد أن المشتبه بهم استخدموا أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالعمل لتصفح مواقع جنس الأطفال. وكانت صحيفة بوستن غلوب قد أشارت إلى التحقيقات الجارية، والتي امتدت على مدى سنوات بحسب السي ان ان.

وجاء في تقرير صادر في أكتوبر/تشرين الأول عام 2008، عن خدمات التحقيقات الجنائية بوزارة الدفاع الأمريكية: التصوير الإباحي للأطفال غير مشروع، والاشتراك في مواد تجارية عن جنس الأطفال، وارتباطها بوزارة الدفاع يعرض الوزارة والجيش والأمن القومي للخطر من خلال تعريض أنظمة الحواسيب والمنشآت العسكرية والتصاريح الأمنية  للخطر.

وتابع التقرير: وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يضع وزارة الدفاع لخطر الابتزاز والرشوة والتهديد، لا سيما وأن هؤلاء الأفراد يتسن لهم الوصول إلى المنشآت العسكرية. ورفض غاري كوموفورد، من مكتب المفتش العام بوزارة الدفاع الأمريكي التعليق على هذه الحالات.

كاهن يغتصب الاطفال

على صعيد شبيه قامت كنيسة أمريكية بفصل أحد الكهنة الذين كانوا موكلين بالاعتناء بالمراهقين ومتابعة قضايا الشباب، وذلك بعدما بدأت الشرطة تحقيقات حول حيازته مواد إباحية متعلقة بالجنس مع الأطفال، نتج عنها اكتشاف أنه كان قد أدين بتهمة الاعتداء الجنسي على طفل قبل بداية عمله بالكنسية.

وقامت كنيسة بيت لحم الإنجيلية اللوثرية الموجودة بمدينة لوس ألاموس بولاية نيومكسيكو بمنح الكاهن ماثيو نيكلسون، 58 عاماً في أول الأمر إجازة مفتوحة، بعدما أطلقت الشرطة تحقيقات حول حيازته مواد جنسية.

ولكن الشرطة عادت في يونيو/حزيران وقدمت إلى الكنيسة نتيجة تحقيقاتها التي أظهرت أن نيكلسون لم يحز تلك المواد فحسب، بل هو مجرم مدان بتهمة الاعتداء الجنسي على طفل في ولاية بنسلفانيا، عام 1980.

ولدى اتضاح هذه الحقائق، قررت الكنسية فصل الكاهن نهائياً عن العمل. وسعت الكنيسة لتبرير سقوطها في هذا الخطأ من خلال القول إن شركة التوظيف التي طلبت منها التحقيق في تاريخ نيكلسون قبل منحه المنصب فشلت في اكتشاف إدانته السابقة.

وتضاف هذه القضية إلى سلسلة القضايا التي تكشفت في الكثير من الدول الغربية حول جرائم جنسية طالت أطفال كانوا بعهدة الكنائس والأديرة، وأدى ذلك لفصل رهبان والتحقيق مع آخرين، واضطر الفاتيكان للاعتذار لاحقاً من الضحايا.

العنف ضد الوالدين

من جهة اخرى يتنامى العنف الممارس من قبل الأبناء في أوروبا ضد والديهم يوما بعد يوم، من عنف لفظي كالإيذاء بالسب والتجريح، والعنف العملي كممارسة الضرب والركل للآباء والأمهات.

ففي بريطانيا وحدها تلقت سلطات البوليس البريطاني نحو 22,537 شكوى من والدين ضد أبنائهم خلال عام واحد، وهذه الحوادث منها ما تسبب في أذى جسيم بالنسبة للآباء، ومنها ما استدعى دخولهم المستشفى للعلاج، وبلغت أعدادهم نحو 7000حالة مسجلة بسجلات المستشفيات المختلفة في بريطانيا.

ونظرا للرباط القوي الذي يربط بين الطفل وأمه بجانب ضعفها الجسماني، فإن أغلب الأولاد يقدم على إيذائها أكثر من الحالات المسجلة للآباء، ومعظم هذه الاعتداءات تظهر في جميع مراحل أعمار الأولاد، ولكنها تزداد كثافة في الفترة ما بين عمر13-15عاما بحسب وكالة الانباء الفرنسية.

ونسبة للتزايد المستمر لهذه الحوادث, فقد تحركت العديد من الجمعيات الناشطة في هذا المجال, وبدأت تعمل في حملات لتنوير الأطفال في المدارس والأندية الرياضية، وإرشادهم بضرورة احترام وتبجيل آبائهم، والتركيز على أن هناك علاقة سامية وخاصة تربطهم بالوالدين.

بعض هذه الجمعيات لجأت للقنوات الفضائية لتكشف عن مدى فداحة الأمر، حينما يقبل الطفل على إيذاء والديه أو أحدهما بالضرب أو التعنيف، واستعانوا بأطباء متخصصين في علم النفس التربوي لترويض هؤلاء الأطفال على محبة واحترام والديهم.

ولقد هزّت بريطانيا حادثة الطفل البالغ من العمر 15 عاماً، والذي يعيش مع أسرته بمنطقة (نوماندي)، والذي أقرّ بالتهمة التي أدين بموجبها بإطلاق النار على والده ووالدته ومن ثم إخوانه واحداً تلو الآخر، وأصاب أخته بطلق ناري فجرها ولكنها تعافت بعد إسعافها.

وقد راعت المحكمة صغر سنه، ولذا فقد حكمت عليه بنحو 20 عاماً سجناً مع الأشغال الشاقة، والحادثة تتمثل في أنّ بيير كان طالباً ويكتب في مقالة مطلوبة منه في المدرسة، رجع والده من العمل وبعد تناول وجبة الغداء، خطرت لديه فكرة قتل والديه حيث يعامله بعنف ووالدته تمنعه من الخروج للعب كرة القدم مع زملائه، وكانت الأم تنوي الخروج للتسوق ومعها طفلتها ذات 11عاماً، بينما أخته الأخرى تجهز حالها للخروج لممارسة الرياضة.

ذهب بيير للغرفة التي توجد بها بندقية والده، ولسوء حظ أسرته، وجدها معبأة بالذخيرة، خرج من الغرفة وعيناه تتطايران شررا ووجد والده ووالدته يتحدثان، فصوَّب السلاح نحو والده فأرداه قتيلاً،  ثم قتل والدته ولم يرحم توسلها له، وصوّب نحو إخوته واحداً تلو الآخر.

يدين المتخصصون في بريطانيا المنهج الذي ينتهجه الآباء، حيث إنهم قصروا في تعليم الطفل منذ نعومة أظفاره على ضرورة احترامهم، وإظهار رفضهم لكل أشكال العنف في المعاملة، كالضرب والركل لإخوته وزملائه فما بالك بوالديه؟

وقد تحدثت في هذا الصدد البروفسير كاثي أوغست المدير التنفيذي لأكاديمية مانشستر ببريطانيا قائلة: إن ما يمارسه الطفل من عنف ضد والديه، ناتج عن سوء الأدب وطبع رديء، وهذا السلوك المشين لا يعفي والديه مما يحدث لهما، حيث إنهما لم يحسنا تربيته؛ مما انعكس عليهما سلبا, إنهما بالفعل بالغوا في تدليله الزائد وقلة الحزم معه منذ الصغر؛ مما جعله يتمادي في ممارسة هذا السلوك الشائن.

وأضافت بروفسير كاثي: إننا وضعنا عدة خطط لتعليم الآباء الطرق المثلى لمعاملة أطفالهم، فلا يفرط في تدليلهم ولا يكثر من تعنيفهم، وأن يعاقبهم إذا ارتكبوا أخطاء ويكافئهم إذا أحسنوا فعلا، وإننا نحاول إدراج عدة روايات وقصص في البرامج التربوية حتى تتضح صورة التعامل بين كلا الجانبين.

وأضافت بروفسير كاثي: وقد راعينا في تلك الروايات والقصص كيفية تدرج المعاملة الخاصة بالآباء بالنسبة لأطفالهم بحيث تتدرج بحسب السن الخاصة بالطفل، بحيث تتدرج ليصبح الطفل بعد سن المراهقة كصديق لوالديه،

وتضيف بروفسير كاثي: إننا نطالب وزارة التربية و التعليم في البلدان الأوروبية بضرورة استخدام كل الوسائل التعليمية والمعدات في المدارس وفي كل وسائل الإعلام من صحف ومجلات ومواقع إلكترونية وقنوات فضائية؛ حتى تتضح الصورة بالنسبة للآباء وكذلك أطفالهم؛ مما يقلل من مثل هذه الحوادث التي تقلب الموازين وتجعل حياة الآباء جحيما لا يطاق.

تقتل طفلها

الى ذلك اوقفت امرأة في كوريا الجنوبية بتهمة قتل طفلها البالغ ثلاث سنوات بعدما ازعجها بكاؤه وهي تلعب على الانترنت على ما ذكرت الشرطة. وتعتبر كوريا الجنوبية من اكثر دول العالم وصولا الى الانترنت وتذكر الشرطة ووسائل الاعلام بانتظام اخبارا مرتبطة بادمان استخدام الانترنت.

واوضحت شرطة شيونان وسط ان المرأة البالغة 27 عاما كانت تمضي عشر ساعات يوميا وهي تمارس العابا الكترونية عبر الانترنت. وقد قتلت ابنها البالغ ثلاث سنوات بخنقه بعدما تبول على الارض وكان بكاؤه يزعجها.

وقال الناطق باسم الشرطة قالت نها كانت غاضبة منه لانها ارادت ان تستريح بعدما لعبت اربع ساعات على الانترنت. وصفت الشرطة المرأة بانها مدمنة العاب على الانترنت. ومن بين الالعاب التي تستهويها لعبة تقضي بتربية حيوان افتراضي على ما اوضح الناطق بحسب وكالة فرانس برس.

وتقدر الحكومة عدد مدمني الانترنت والالعاب الالكترونية بنحو المليونين من اصل 50 مليونا عدد سكان البلاد. واعلنت اطلاق حملة لمكافحة هذا الادمان قريبا. وستقدم الحكومة في هذا الاطار اعتبارا من العام المقبل برامج معلوماتية تسمح لهؤلاء الاشخاص بالحد من الوقت الذي يمضونه امام الكمبيوتر.

في ايار/مايو 2010 حكم على رجل بالسجن سنتين لانه ترك مع زوجته طفلهما البالغ ثلاثة اشهر يموت جوعا اذ كان منشغلين كثيرا في الاهتمام بطفل افتراضي عبر الانترنت.

يعانون الحرمان

من جهة أخرى حذرت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة يونيسيف من خطورة الأوضاع التي يعيشها أطفال العراق، وقالت إن 15 مليون طفل عراقي تأثروا بشكل مباشر بأعمال العنف أو يعانون الحرمان من أبسط الحقوق التي يتمتع بها أقرانهم في الدول الأخرى.

وذكرت المنظمة في تقرير لها أن أكثر من 360 ألف طفل يعانون من أمراض نفسية، وأن 50% من طلبة المدارس الابتدائية لا يرتادون مدارسهم ، و40% منهم فقط يحصلون على مياه شرب نظيفة.

وقال إنه يتم استخدام الأطفال في العمل من أجل الحصول على مورد رزق لإعالة أسرهم، كما يتم بيعهم في دول الجوار ودول أخرى.

 وأقر مستشار الصحة النفسية في وزارة الصحة العراقية، محمد القريشي بأن هناك جوانب عديدة لحرمان أطفال العراق، فهناك حرمان من الجانب الاقتصادي وقصور في الجانب التربوي وكذلك في الجانب الإجتماعي، وحرمان من الجانب التعليمي بسبب انعدام الدراسة لكثير من الأطفال. وعن كيفية التغلب على هذه المعضلة قال القريشي إن ذلك مسؤولية المجتمع ككل وليس الدولة وحدها وصولاً إلى منظمات المجتمع المدني والعائلة. وذكر أن المشكلة التي يعاني منها أطفال العراق متعددة الأطراف والأبعاد، فمن توفير الأمن والوضع المعيشي الجيد والبيئة الصحية وغيرها، كل ذلك مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع بحسب شبكة ايرين الانسانية.

 وعن دقة الأرقام التي أوردتها يونيسيف قال القريشي ليس لدينا إحصائيات رسمية بهذا الخصوص، ويعتقد أن الرقم مبالغ فيه بعض الشيء.

أما الخبيرة التربوية سهام النقيب فقالت إنه منذ الغزو الأميركي عام 2003، وقبله الحصار الظالم منذ عام 1990، تشكلت لدى أطفال العراق صور مرعبة ومعتقدات مشوهة وغير سوية تنعكس بمجملها على صحتهم النفسية.

وأضافت أن واقع الحال يشير إلى أن أطفال العراق مهملون، ولا يجدون الرعاية والاهتمام من المسؤولين في الحكومة، وكذلك من المجتمع والأحزاب والمنظمات وميسوري الحال ورجال الدين، فجميعهم مسؤولون عن ما يعانيه الطفل العراقي.

وذكًرت النقيب بأن الدستور العراقي نص على أن تكفل الدولة حماية الطفولة وتؤمن لهم مقومات العيش بحياة كريمة.

وتتهم النقيب الدولة بأنها لم تعمل حتى على تشريع قوانين تحرّم استغلال الأطفال في التسول أو بيعهم أو انتهاك أعراضهم، بل هي لم تعمل حتى الآن على تفعيل قانون التعليم الإلزامي.

وعن تأثيرات الحرمان على سلوكيات الأطفال ومستقبلهم قال الدكتور ريكان إبراهيم الخبير في التربية الاجتماعية والنفسية إن الحرمان في جوانبه الكثيرة وأنواعه المختلفة سواء كان حرمانا من الأبوة أو الأمومة، أو من الغذاء أو من التعليم ومن الحنان، يؤدي إلى نقص واضح في سلوك الإنسان لاحقاً.

 أما الناشطة في حقوق المرأة والطفل أسماء الحيدري فقالت، إن جميع أطفال العراق الآن لديهم حالات من الخوف والرعب والانهيارات النفسية، نتيجة الوضع الأمني المتدهور والانفجارات والقتل، كذلك حرمانهم من الدراسة ومن أبسط وسائل العيش اليومية ونقص الخدمات من الكهرباء والماء الصالح للشرب.

وطالبت الحيدري المنظمات الدولية المهتمة بشؤون الطفل بممارسة ضغوطها على الحكومة والبرلمان العراقي لإيجاد حلول لأوضاع الأطفال التي وصفتها بالمزرية.

في سياق متصل كشفت صحيفة ذي غارديان البريطانية أن مسؤولين في الحكومة العراقية تلقوا رشى من شركة بريطانية لكي تتمكن من الاستمرار في بيع مشتقات نفطية سامة تتسبب بضرر بالغ بصحة الأطفال.

وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس التنفيذي السابق لشركة مواد كيماوية بريطانية يواجه الآن احتمال تسليمه إلى الولايات المتحدة بعد أن اعترفت شركته بأنها دفعت رشى بملايين الدولارات لمسؤولين للسماح لها بمواصلة بيع مشتقات وقود سامة في العراق.

وقد قام كل من بول جينينغز الذي كان حتى العام الماضي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة أوكتيل للأعمال الكيماوية، وسلفه دنيس كريسون، بتصدير أطنان من مادة رابع إيثيل الرصاص إلى العراق.

وأوضحت الصحيفة أن هذه المادة محظور استخدامها في السيارات في الدول الغربية لما تسببه من تلف في أدمغة الأطفال، مشيرة إلى أن العراق يعتبر الدولة الوحيدة التي لا تزال تضيف مادة الرصاص إلى البترول.

وأقرت الشركة مؤخرا أن مديري أوكتيل التي غيَّرت اسمها منذ ذلك الحين إلى إنوسبيك دفعوا ملايين الدولارات في شكل رشى إلى مسؤولين في العراق وإندونيسيا حتى يستمر استخدام مادة رابع إيثيل الرصاص في بلديهما رغم خطرها على صحة البشر.

وقد سُلِّم وكيل الشركة اللبناني أسامة نعمان إلى الولايات المتحدة حيث وافق على الإقرار بالذنب والتعاون مع المحققين الأميركيين. ورغم أن وزارة العدل الأميركية تتولى النظر في معظم جوانب القضية، فإن مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة البريطاني يدَّعي أنها من اختصاصه.

ومضت صحيفة ذي غارديان في الخبر الذي انفردت به، إلى القول إن كبار المسؤولين بوزارة النفط العراقية متهمون بأنهم ظلوا يتلقون رشى من سلطات الاحتلال الأميركي البريطاني حتى العام 2008.

وأخبر نائب وزير النفط في العراق أحمد شمة الصحيفة بأنه سيحقق في تلك التهم، نافيا في الوقت نفسه المزاعم بأنه هو نفسه كان قد قضى عطلة مجانية في تايلند.

وقال في هذا الصدد إنه لم يسافر قط إلى تايلند، لكنه أشار إلى أن وسيطا رهن الاعتقال حاليا في الولايات المتحدة ربما هو الذي تقاضى مبلغ الرحلة واستفاد منه لنفسه.

وكان أطفال العراق أبرز ضحايا استخدام القوات الأميركية أسلحة محرمة خلال حرب عامي 1991 و2003 وما تلاها من معارك في العراق لا سيما معركة الفلوجة في نوفمبر/تشرين الثاني 2004.

الخدم معرضون للعنف

فيما سلطت القصص التي أوردتها وسائل الإعلام الباكستانية في الأشهر الأخيرة الضوء على الانتهاكات الرهيبة التي يعاني منها بعض الأطفال العاملين كخدم في المنازل وركزت الاهتمام على محنتهم.

قامت الشرطة في كراتشي، عاصمة إقليم السند الجنوبي، بإنقاذ محمد ظفار، البالغ من العمر 14 عاماً بعدما أبلغ الجيران أن الصبي كان مكبلاً في منزل مستخدميه وأنه لم يحصل على أجرته منذ 19 شهراً تقريباً.

وقالت بارفين بيبي، والدة محمد: أخبرنا مستخدموه أنه قام بسرقة قطع من الذهب وأننا لن نتمكن من رؤيته أو أخذه ما لم يتم سداد ثمن تلك الأشياء. وأضافت بارفين أنه قد تم إرسال الفتى إلى العمل لأن الأسرة تعاني من الفقر الشديد بحسب شبكة ايرين الانسانية.

وفي منفذ للوجبات السريعة في كراتشي، كانت العديد من الفتيات الصغيرات يرعين الأطفال مقابل مبلغ من المال. وفي الكثير من الحالات كانت الفتيات أكبر بسنوات قليلة فقط من الأطفال اللائي يقمن براعيتهم. كما من الشائع رؤية الأطفال يكنسون الأرضيات ويغسلون الأطباق أو يؤدون أنواع أخرى من العمل في المنازل في جميع أنحاء المدن.

ويعد هؤلاء الأطفال جزءاً من عمالة الأطفال التي تضم، طبقاً للأرقام الرسمية، ثلاثة ملايين طفل تحت سن الثامنة عشر. ووفقاً لدراسة أجرتها لجنة رعاية وتنمية الطفولة الحكومية عام 2003 في ست مدن رئيسية في البلاد، فإن 8 بالمائة من هؤلاء الأطفال منخرطون في العمل كخدم في المنازل.

كما أفاد تقرير صدر عام 2004 عن منظمة العمل الدولية أن عدد الأطفال العاملين في قطاع خدمة المنازل يبلغ 264,000 طفل.

ومن جهته قال سلام داريجو المدير الوطني لمنظمة حماية حقوق الطفل SPARC غير حكومية أنه لا يتم الإبلاغ عن سوء معاملة الأطفال العاملين كخدم في المنازل بالقدر الكاف. وغالباً ما يتم الاتجار بهؤلاء الأطفال من المناطق الريفية في السند والبنجاب وإحضارهم إلى المدن للعمل، لذا لا يكون لديهم من يرعاهم ويصبحون عرضة للعنف.

وأضاف أن المنظمة قامت في 2010 بتوثيق ست حالات وفاة بين خدم المنازل من الأطفال نتيجة العنف الذي يمارس ضدهم. ويعتقد أن التضخم المتصاعد يجبر الأسر على إرسال أطفالها إلى العمل، حيث قال المحلل الاقتصادي اسكندر لودي أن الصعوبات تزداد أمام جميع الأسر تقريباً لأن الغذاء أصبح أكثر تكلفة.

وقد بلغ التضخم السنوي 15.37 بالمائة في نوفمبر 2010، طبقاً لمؤشر أسعار المستهلكين الصادر عن مكتب الإحصاء الفيدرالي. ويعد التضخم في أسعار الغذاء عاملاً رئيسياً في انتشار هذه الظاهرة.

وقال داريجو أن الفقر يلعب دوراً كبيراً في إرسال الأسر لأطفالها إلى العمل أو بيعهم إلى الذين يستخدمونهم كعمال. كما زادت الفيضانات الأخيرة من عمالة الأطفال حيث وجد الأشخاص الذين نزحوا من المناطق التي تعاني من الفقر في السند وجنوب البنجاب فرصاً لتوظيف أطفالهم في المنازل الحضرية.

وقالت سعدية بيبي، البالغة من العمر 40 عاماً: تعمل ابنتي البالغة من العمر عشرة أعوام الآن في منزل كبير حيث تعتني بطفل يبلغ سنتين من العمر وتقوم ببعض أعمال التنظيف. أنا في قلق دائم عليها.

وقلق سعدية مبرر، فتم تعذيب طفلة في نفس عمر ابنتها بطريقة وحشية لأن مستخدميها اعتقدوا أن أرواحاً شريرة كانت تسكنها.

كما وردت ادعاءات أخرى بالتعذيب تشمل طفلات يعملن كخادمات على الرغم من أنه في القضية المعروفة للطفلة شاهزيا مسيح التي اتهم مستخدمها بقتلها في يناير 2010 قامت محكمة بتبرئته من التهم.

وطبقاً للبحوث المحدودة المتوفرة في هذا المجال، تنتشر سوء معاملة خدم المنازل من الأطفال في باكستان. ولا يعد الاستغلال الجنسي أمراً غير مألوف كذلك، حيث أفاد التحالف ضد التحرش الجنسي الذي يتكون من مجموعة من المنظمات المناهضة للتحرش بالنساء في مكان العمل أن 91 بالمائة من خادمات المنازل يعانين من الاستغلال الجنسي.

يحملون ندوب القتال

الى ذلك أجبر النزاع بين المتمردين الحوثيين والحكومة اليمنية ما يقدر بنحو ثلث سكان المنطقة الشمالية الغربية من محافظة صعدة التي تعد مركز القتال على الفرار من ديارهم.

لكن خلال هذه الفوضى، انفصل أطفال عن أسرهم، وتم تجنيد بعضهم واحتجاز بعضهم الآخر، كما تعرض البعض منهم للإصابة أو القتل خلال الاشتباكات، وما زال الناجون يحملون تلك الندوب، وفقاً لمنظمة إنقاذ الطفولة.

وقال أندرو مور، مدير عمليات إنقاذ الطفولة في اليمن أن أطفال صعدة يعانون من مجموعة متنوعة من الآثار النفسية والاجتماعية بسبب الصدمة الناجمة عن الصراع. وتتراوح هذه الصدمات بين مشاهدة العنف مباشرة واضطرارهم إلى الفرار من البيئة الآمنة في ديارهم وبدء حياة جديدة في أماكن مختلفة تماماً، تتسم أحياناً بالعدوانية بحسب شبكة ايرين الانسانية.

وأضاف أن نظم الدعم التي يعتمد عليها الأطفال في معظم الأحيان، مثل المدارس والأسر والمجتمعات، قد تتدهور وتفشل في توفير احتياجاتهم الأساسية كالبقاء على قيد الحياة والحماية بالإضافة إلى الاحتياجات النفسية والاجتماعية. وقد يكون لهذه الحالات المتغيرة تأثير هائل على نمو الأطفال الفوري والطويل الأجل والأداء المناسب لسن وجنس الطفل.

وقد وجدت دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف أن 28 بالمائة من الأطفال قد شاهدوا شخصاً يقتل أو يجرح خلال الصراع. كما أصيب طفل من كل 10 أطفال نازحين كنتيجة مباشرة للقتال بين الجانبين، ومر نتيجة لذلك بمستويات عالية من التوتر النفسي والاجتماعي. كما عانى نصف الأطفال الذين تمت مقابلتهم من أعراض الاكتئاب وقيل أن 30 بالمائة منهم يعانون من فقدان الأمل.

وأحد أعراض الضغط النفسي هو الميل المتزايد نحو أشكال عنيفة ومدمرة من السلوك، وفقاً لشارلوتا لاند، وهي خبيرة في مجال حماية الطفل في اليونيسف، التي أضافت: بالنسبة للعديد من الأطفال في صعدة، كان العنف وما يزال محور حياتهم، فقد شهدوا القتال في صعدة والعديد منهم يواجهون العنف في منازله.

وقال 68 بالمائة من الأطفال الذين جرت مقابلتهم أنهم تعرضوا إلى العنف المنزلي. وهناك أيضاً مخاوف من أن يؤدي الصراع الذي طال أمده إلى تطرف الأجيال القادمة من الشباب اليمني.

وأفاد غيرت كابيليري، ممثل اليونيسف في اليمن أن جزءاً كبيراً من الأطفال والشباب معرض لخطر أن يصبح أكثر تطرفاً بسبب الظروف التي اضطر للمرور بها فأنت تغذي جيلاً أكثر عنفاً، ولديه مشاعر سلبية وكراهية أقوى تجاه السلطة.

كما أصبح بعض الأطفال الآن جزءاً من النزاع نفسه. فأكثر من 15 بالمائة من المقاتلين الحوثيين والميليشيات القبلية هم من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، وفقاً لتقييم مشترك بين الوكالات حول حماية الأطفال صدر في 2010.

وأوضح كابيليري أنه من الواضح جداً أن جميع الأطراف الحوثيون والقبائل المتعاطفة مع الحكومة تستخدم الأطفال كجنود.

ويعود تاريخ الصراع إلى عام 2004، حيث يطالب المتمردون الشيعة بقيادة الحوثي بحكم ذاتي للشيعة الزيدية في الشمال، رداً على ما يعتبرونه تهميشاً لهم، واحتجاجاً على نفوذ الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على سياسات الحكومة.

وبدورها، قالت فاطمة العجل، مسؤول الإعلام والمناصرة في منظمة إنقاذ الطفولة، أن محدودية الدعم الإنساني الذي يصل إلى أكثر المناطق المتضررة من الحرب مثل مديرية حرف سفيان في عمران، ومديريات رازح وشدا وحيدان في محافظة صعدة حيث تم تدمير بيئات الأطفال أو تلويثها بالألغام الأرضية، أضعف قدرة الأطفال على الوصول إلى التعليم الجيد والرعاية الصحية.

وأوضحت لاند أن ثلث البنين فقط في المناطق المتأثرة بالحرب ذهبوا إلى المدرسة في العام الماضي، وهذه النسبة أقل بكثير بين الفتيات. فالوضع النفسي للأطفال في شمال اليمن مشابه لوضعهم في غزة، فيما يتعلق بالتعرض للأحداث الصادمة والوصول المحدود إلى الخدمات الأساسية والبيئات الصديقة للتنمية.

من جهته، قال مور أن هناك فجوة في الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الذين يعانون من الصدمة الشديدة. فعلى سبيل المثال، لا يوجد أطباء ومختصون نفسيون واجتماعيون في صعدة، وهذا يعني أنه على الأطفال المصابين بصدمات نفسية شديدة الذهاب إلى صنعاء لتلقي العلاج. من المهم أن يتم إحضار الخدمات إلى الأطفال وليس الأطفال إلى الخدمات.

وبينما تغرب الشمس على مخيم النازحين في مدينة عمران، يلعب نحو 80 طفلاً في التراب، وتحيط بهم الخيام الرمادية. كان الفتيان بمظهرهم المهمل يركلون كرة قدم مفرغة من الهواء، بينما كانت الفتيات يجلسن على التراب منهمكات في لعب الليغو والرسم في كتب التلوين.

وقالت العجل وهي تشير إلى المنطقة المغلقة خلفها: هذا ما نسميه مساحات صديقة للطفل. إنها أماكن يمكن للاطفال الهروب فيها من كل شيء.

وتوفر مثل هذه المناطق بيئة محمية للأطفال تمكنهم من المشاركة في أنشطة منظمة كاللعب والاختلاط الاجتماعي والتعلم والتعبير عن أنفسهم أثناء إعادة بناء حياتهم.

كما تدير اليونيسف مشروعات لحماية الأطفال في حالات الطوارئ في محافظات صعدة وعمران وحجة المتضررة من الحرب. وأفاد سفين غودمارسون، ضابط الإعلام في اليونيسف، أن هناك خمسة من هذه المشروعات في محافظة عمران وعشرة في صعدة واثنان في حجة.

الاستغلال الجنسي

من جهة قال البابا بندكتس السادس عشر إن فضيحة الاستغلال الجنسي للأطفال من قبل الكهنة صدمت الجميع، الأمر الذي يناقض رسالة الكهنوت تماما وفق تعبيره.

وفي كلمته التي ألقاها أثناء لقائه المعهود ممثلي أبرشية روما بمناسبة تهنئة عيد الميلاد، أضاف الحبر الأعظم ذهلنا هذا العام بعد أن علمنا بشكل لا يمكن تصوره بالاعتداءات على الأطفال من قبل الكهنة، والتي تقلب سر الكهنوت إلى نقيضه تماما، فـ تحت عباءة الكهنوت المقدس يجرح بعمق الانسان في طفولته ويلحق به أذى يستمر مدى الحياة،

وشدد على ضرورة أن تبذل الكنيسة كل الجهود الممكنة لرفع الظلم الذي كان الكهنة مسؤولين عنه، وقال يتعين علينا أن نقبل هذه الاهانة كانتصار للحقيقة ودعوة الى التجديد، فـ النجاة في الحقيقة فقط حسب تأكيده

وأشار الأب الأقدس الى أن علينا أن نسأل أنفسنا عما يمكننا القيام به لإنصاف المظلوم قدر الإمكان، وعما هو الخطأ الكامن في تعليمنا، وفي أسلوب تنشئتنا المسيحية بأسرها، لكي يحدث أمر كهذا، وأردف علينا ايجاد حل جديد في الايمان ولأجل الخير.

وخلص الى القول يجب أن نكون قادرين على الندامة، وأن نسعى إلى تجربة كل شيء ممكن في التنشئة الكهنوتية، لتلافي حدوث شيء من هذا القبيل على حد تعبيره.

إساءة المعاملة

من جهة اخرى بالنظر إلى أن الصحة حالة من التكامل البدني، والعقلي، والاجتماعي، وليس فقط الخلو من الأمراض والإعاقات، فإن الشهور والسنوات الأولى من العمر تعتبر من أهم مراحل النمو والتطور التي تؤثر سلباً أو إيجاباً على الحالة الصحية العامة خلال المراحل المختلفة من رحلة الحياة.

وتتأتى هذه الأهمية من التأثر الشديد لمدى النمو والتطور البيولوجي والعصبي خلال السنوات الأولى من العمر بالبيئة المحيطة بالمولود الجديد، والطفل الرضيع، حيث تساهم الخبرات الأولى في تشكيل الجوانب الصحية المختلفة، وتحديد الإنجازات التعليمية والعلمية، ومدى المشاركة الاقتصادية في المجتمع الذي ينمو ويعيش فيه الطفل لاحقاً.

وبناء على هذه الحقائق ينظر الأطباء والعلماء إلى الفترة الممتدة من بداية الحمل وحتى بلوغ الطفل عامه الثامن على أنها أهم فترات الحياة على الإطلاق على صعيد النمو العقلي والجسمي للكائن البشري. فخلال تلك الفترة يمر الأطفال بمرحلة نمو سريع تتأثر سلباً أو إيجاباً بالعديد من العوامل المختلفة، مثل صحة الأم، ونوعية غذاء الطفل، وظروف البيئة المحيطة، وغيرها.

وهذا ما تؤكده حقيقة أن العديد من المشاكل الصحية، والطبية، والسلوكية، والاجتماعية، التي تنتشر بين البالغين، مثل الاضطرابات العقلية والنفسية، أو السمنة، أو أمراض القلب، أو حتى السلوك الإجرامي، أو القدرات اللغوية والحسابية، يمكن ردها في كثير من الأحيان إلى مشاكل تعرض لها الطفل في السنوات الأولى من حياته.

ولكن على رغم الإدراك التام لهذه الحقيقة إلا أن قطاع الخدمات الطبية والاجتماعية في العديد من دول العالم فشل حتى الآن في نشر الوعي بأهمية السنوات الأولى من الحياة، وفي توفير الدعم الكافي للأسر الصغيرة من خلال توفير المعلومات والمهارات التي يحتاجها الآباء.

وهو الواقع المؤسف الذي تظهر نتيجته سنويّاً في شكل فشل أكثر من 200 مليون طفل دون سن الخامسة في بلوغ كامل إمكانياتهم العقلية والاجتماعية.

وتعتبر إساءة معاملة الأطفال من أهم المحددات الاجتماعية للحالة الصحية البدنية والنفسية في المراحل اللاحقة حيث تظهر الإحصائيات والدراسات وخصوصاً في المجتمعات الغربية تعرض 20 في المئة من الإناث، وما بين 5 إلى 10في المئة من الذكور للاعتداء الجنسي، بينما تتميز المجتمعات الشرقية بمعدلات أعلى من الإساءة البدنية، تصل أحياناً إلى 20 في المئة أو 50 في المئة من الأطفال.

ومثل هذه الاعتداءات والإساءات، تنتج عنها إعاقات بدنية وتشوهات نفسية عميقة، تؤثر سلباً على الإنجازات الاجتماعية والمهنية للشخص البالغ إلى درجة قد تعيق المجتمع برمته عن تحقيق التنمية والتطوير في المجالات المختلفة بما في ذلك المجالات الاقتصادية والسياسية.

وهذه الإعاقات البدنية والتشوهات النفسية تنتج في الأساس من التوتر الشديد جراء الآلام والمعاناة التي قد يتعرض لها الأطفال بسبب سوء معاملتهم جنسيّاً وبدنيّاً، والتي تؤدي بدورها إلى اضطرابات واختلالات في المراحل المبكرة من تطور ونمو المخ والقدرات العصبية المصاحبة. ومن المعروف والثابت أيضاً أن التوتر والألم النفسي لا يعيق فقط النمو العصبي،

بل يؤثر أيضاً بدرجة سلبية هائلة على فعالية وكفاءة جهاز المناعة وغيره من أعضاء وأجهزة الجسم الأخرى.

وهذه التأثيرات مجتمعة تظهر في شكل حزمة متنوعة من الأمراض البدنية، والاضطرابات النفسية والعقلية، بين من أسيئت معاملتهم من الأطفال، تجعلهم عرضة للعديد من الاختلالات السلوكية الأخرى مثل الاكتئاب، وارتكاب أعمال عنف وجرائم ضد الآخرين، والتدخين، والممارسات الجنسية التي تعرضهم للأمراض المعدية وللحمل غير المرغوب فيه، وتعاطي المخدرات والكحوليات، وحتى زيادة الوزن والبدانة.

ومن خلال هذه الاختلالات السلوكية وما يرافقها من ممارسات غير صحية يصبح هؤلاء الأطفال عرضة للإصابة بأمراض القلب، والسرطان، والانتحار، والأمراض الجنسية المعدية، وغيرها من الأمراض المزمنة والخطيرة.

ومن السهل إدراك طبيعة العلاقة بين الاضطرابات السلوكية والأمراض القاتلة والخطيرة، فالتدخين مثلاً مسؤول عن الجزء الأكبر من حالات سرطان الرئة، وسبب رئيسي للوفيات من جراء أمراض القلب، وهي الأمراض التي تساهم فيها البدانة وزيادة الوزن بشكل كبير، بينما يؤدي شرب الكحوليات إلى تلف وسرطان الكبد.

أما تعاطي المخدرات فهو سبب رئيسي خلف الجريمة وأعمال العنف. وتظل أيضاً العلاقة بين الاكتئاب والانتحار علاقة موثقة ووطيدة. ومثل هذه الشبكة العنكبوتية من المشاكل الصحية تبدأ خيوطها في مرحلة الطفولة، لتمتد أحياناً حتى آخر أيام العمر، وهو ما يظهر فداحة الثمن الإنساني والاجتماعي والاقتصادي للاعتداءات الجنسية ولإساءة معاملة الأطفال.

فعلى الصعيد الإنساني نجد أن إساءة معاملة الأطفال، وبخلاف المعاناة النفسية، تؤدي بشكل غير مباشر إلى أمراض مزمنة، وإلى وفيات مبكرة.

أما على الصعيد الاجتماعي فتتسبب هذه الاضطرابات السلوكية في مشاكل مجتمعية مثل ارتفاع معدلات الجريمة، وتعريض أفراد الأسر والمجتمع لأعمال عنف بدنية، قد تكون عشوائية أحياناً، بالإضافة إلى إتلاف الممتلكات الخاصة والعامة بدون سبب أو هدف.

وعلى الصعيد الاقتصادي، وبخلاف فاقد الإنتاجية الناتج عن التخلف الدراسي لهؤلاء الأطفال، وضعف إنتاجيتهم المهنية، والحاجة لاستثمارات أكبر في البنية التحتية الأمنية، وفي نفقات السجون، نجد أيضاً أن المجتمع برمته يتحمل تكلفة تبلغ أحياناً عدة مليارات من جراء المشاكل الصحية التي تصيب هذه الفئة المغبونة والمظلومة، التي فقدت براءتها مبكراً، بسبب اعتداء جنسي متكرر، أو بسبب ضرب مبرح، مؤذٍ بدنيّاً وعقليّاً ونفسيّاً.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/كانون الثاني/2011 - 9/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م