بين الشيعة والسلفيين

د. أحمد راسم النفيس

زَرَعُوا الفُجُورَ، وَسَقَوْهُ الغُرُورَ، وَحَصَدُوا الثُّبُورَ، لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّد (عليهم السلام) مِنْ هذِهِ الاُمَّةِ أَحَدٌ، وَلا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أبَداً. هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ، وَعِمَادُ اليَقِينِ، إِلَيْهمْ يَفِيءُ الغَالي، وَبِهِمْ يَلْحَقُ التَّالي، وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الوِلايَةِ، وَفِيهِمُ الوَصِيَّةُ وَالوِرَاثَةُ، الاْنَ إِذْ رَجَعَ الحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ، وَنُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ. أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

بعد أن وقعت مذبحة الإسكندرية ليلة رأس السنة الميلادية 2011 توجهت سهام الاتهام للتيار السلفي واسمه الصحيح من وجهة نظري التيار الوهابي التيموي لا أكثر ولا أقل.

لم ينطلق توجيه الاتهام نحو هذا التيار من (حقد على الإسلام) كما يردد البعض، فهم مجرد فصيل من فصائل الأمة ومن ناحية أخرى فهم أصحاب سبق وسابقة وسوابق في ارتكاب هذا النوع من الجرائم على أن تأتي التوبة متأخرة بعد عشرين عاما يزيدون أو يقلون قبل أن تعود ريما لعادتها القديمة.

من ناحية أخرى فالتيار الوهابي ليس فصيلا واحدا ولا فريقا متكاملا حتى يعد توجيه الاتهام لأحد هذه الفصائل اتهاما للجميع لا يقوم على بينة أو دليل بل هم فرق وفصائل ينطبق عليهم قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) الأنعام 195.

هناك مشكلة كبيرة إذن بين الوهابيين وبقية المسلمين ومن ضمنهم الشيعة بكل تأكيد خاصة بعد هذه اللائحة الطويلة من الجرائم التي ارتكبت باسم الإسلام ليس في حق فريق واحد بل في حق الجميع.

لا نعتقد بصوابية حصر الأزمة بين الوهابيين والشيعة كما أننا نؤكد على وجود أزمة بل مجموعة من الأزمات داخل هذا التيار الذي لا يمتلك زعامة محددة ولا مذهبا فقهيا ولا شك أن الآلاف قد لحق بهم أبلغ الضرر من قبل هذا التيار الفضفاض ومن بينهم أولئك الذي زج بهم في السجون لفترات طويلة أو الذين حكموا بالإعدام ناهيك عن ضحايا عملياتهم الانتحارية التي لم تستثن حجرا ولا بشرا ولا دينا ولا طائفة من طوائف البشر.

لم تكن علاقة كاتب هذه السطور بالسلفيين يوما ما من النوع النظري بل هي علاقة مباشرة فبعض قادة هذا التيار كانوا زملاء دراسة والبعض الآخر كان من رفاق الزنازين وتحديدا الزنزانة 14/2 في سجن استقبال طرة حيث عرفنا منهم بصورة مباشرة بعض الحقائق بالغة الأهمية ومن ضمنها الدور السعودي في تشكيل هذا التيار ودور الفريقين (السعودي والسلفي) في اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.

من الناحية الواقعية لسنا أعداء لجموع المنتسبين لهذا التيار فقد جمعنا معهم كما يقال (خبز وملح) إلا أن الخبز والملح لا يصلحان كعامل للوحدة مع أناس ما إن تقترب منهم حتى يصرخون في وجهك: العقيدة العقيدة!! أنت منحرف عقائديا!! قل لا إله إلآ الله قل لا إله إلآ الله.

بالتأكيد نحن لم نعلن عليهم حربا للتكفير وما يستتبعه ذلك من إهدار للحقوق والكرامة الإنسانية.

أن يأتي بعد ذلك أحدهم لينقل عن مصادر سلفية: الشيعة يقفون وراء مجزرة الإسكندرية وأن يجري نقل هذا الكلام بصورة مجهلة عبر بعض الصحفيين فهذه كذبة تنتمي إلى عالم الخيال الفسيح على طريقة: ملكت فاسجح.

ومهما كانت درجة الغضب من هذا النوع من الأكاذيب والافتراءات السمجة فقد حاولنا أن ننقل رسالة مضادة لهذا السخف عبر أحد المواقع الالكترونية التي تدعي الليبرالية زورا وبهتانا إلا أنهم في النهاية أصبحوا ضمن الفريق الأساس لصناعة الفتنة ومن ثم فقد امتنعوا عن نشر هذا النداء لأنه لا يصب في مصلحة إشعال الفتنة.

قلنا لهؤلاء: أننا لا نتهم الفريق السلفي كله بالمسئولية عن حادثة الإسكندرية...

وقلنا لهم أن على قادة التيار السلفي أن لا يواصلوا القبول بكل ما يعرض عليهم من أدوار ظاهرها لوجه الله وباطنها وحقيقتها لوجه السلطة وتحالفاتها الإقليمية والدولية.

قلنا لهم أن أي سلطة لا يعنيها إلا مصالحها الآنية وأنها مستعدة للتضحية بهم كما فعلت مرارا وتكرارا وكما حدث في أعقاب حادثة رأس السنة وما تعرض له المنتسبون لهذا التيار من اعتقال وتنكيل أسفر عن مصرع أحد الأبرياء من دون ذنب جناه.

لا نفرح ولا نرضى بظلم من أي نوع يقع على أي إنسان اتفقنا معه في الرأي أم لم نتفق عملا بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة (8).

طبعا نحن لا نعرض صفقة ولا ندعو لإبرام تحالف لأن العلاقة بين أبناء الأمة الواحدة ثابتة بنص القرآن (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) الأنبياء (92).

فقط نحن ندعو إخواننا في الدين من المنتمين لهذا التيار أن يتأملوا في نتائج أعمالهم منذ قرن مضى وحتى الآن خاصة بعد إقدامهم على اغتيال السادات أو مساهمتهم الكبرى في هذه الجريمة عبر نقل الفتاوى وربما غير ذلك وماذا استفادوا أو استفاد جمهورهم من هذا الاندفاع المشئوم في عقد تحالفات مع كل من يدغدغ مشاعرهم عبر التلويح بالعدو المشترك!!.

ماذا جنى هذا التيار وقاعدته العريضة من المشاركة النشطة في المشروع الأمريكي العربي في أفغانستان؟!.

هل قام قادة هذا التيار بمراجعة لحصاد هذه المشاركة في ضوء ما سمعته بأذني من بعض قادة هذا التيار (أمريكا دمرت الاتحاد السوفييتي بمليار دولار ومليون شهيد أفغاني وعربي)؟!.

هل أحصى قادة هذا التيار عدد قتلاهم في هذه المشاريع الفاشلة التي يساق فيها الأفراد للذبح كالخراف وما هي المكانة السياسية التي نالها هؤلاء مقابل هذه الخدمات الجليلة للمشروع الأمريكي الصهيوني؟!.

كان عليهم أن يقوموا بهذه المراجعة قبل أن يندفعوا بكل أريحية في مشروع أمريكي جديد هو معاداة إيران خاصة والشيعة عامة وأن يحصلوا على مقابل (بئس المتجر!!) قبل أن يسخروا قواهم وحناجرهم لمن يطلب.

ندعوهم لوضع سقف لخصوماتهم مع من يسمونهم بالمنحرفين عقائديا خاصة وأنهم لا يملكون دليلا قاطعا على أنهم وحدهم هم أصحاب العقيدة الصحيحة, والتوجه بدلا من ذلك نحو مقارعة الظلم أيا كان مصدره وأيا كان ضحيته عملا بنصيحة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام للإمامين الحسن والحسين (كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا) وليس العكس.

الأمر ليس صفقة ولا دعوة للتحالف بل هي نصيحة من مسلم إلى مسلمين وكفانا وكفاكم خسائر ومصائب وويلات لأنكم لم تحصدوا إلآ الفشل والثبور.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/كانون الثاني/2011 - 6/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م