أفغانستان... مجتمع منكوب وسلطات فاسدة

شبكة النبأ: في إشارة الى ان العام الجديد قد لا يكون عاماً جيداً للأفغانيين، عاشت العاصمة كابول وعدد من المدن الاخرى أجواء من التوتر الامني، مضافاً اليها همومهم اليومية وحياة البؤس التي يعيشونها.

فمع حجم الدعم الذي تقدمه الدول المانحة الا ان افغانستان لاتزال تعتلي سلم الدول الفقيرة. ويؤكد المختصون ان الفساد يحول دون تحسن الظروف، حيث انها دولة في العالم من حيث الفساد. فيما تسود مشاعر القلق في المجتمع الافغاني مع قرب انسحاب القوات الدولية.   

من أجل حياة أفضل

فقد قامت إيران بترحيل عشرات الآلاف من المهاجرين الأفغان، الى ذلك أخبر شباب أن التكاليف المالية والمخاطر الكبيرة التي تواجه طالبي اللجوء الأفغان خلال قيامهم برحلة طويلة وشاقة إلى أوروبا ليست رادعاً حقيقياً عندما تكون البدائل هي الفقر والمستقبل السياسي المجهول في الوطن.

وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن 26,800 أفغاني تقدموا بطلبات لجوء في عام 2009، وهي زيادة بنسبة 45 بالمائة عن العام الذي سبقه الذي تم فيه تقديم 18,500 طلب.

وقال أدريان إدوردز، المتحدث باسم المفوضية أن الأفغان يمثلون حالياً 7 بالمائة من جميع طلبات اللجوء التي تم تقديمها في 44 دولة صناعية. وفي عام 2001 تصدر الأفغان القائمة عندما تقدم 54 ألف منهم بطلبات لجوء بحسب شبكة ايرين الانسانية.

وتغطي بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين طالبي اللجوء فقط ولا تشمل المهاجرين لأسباب اقتصادية الذين يستخدمون عموماً نفس الطرق والوسائل للوصول إلى وجهتهم ولكن بأعداد أكبر بكثير.

ويعبر الكثير من هؤلاء المهاجرين المخالفين الحدود دون وثائق سفر قانونية ويخاطرون بتلقي معاملة قاسية من السلطات إذا ما تم القبض عليهم. وتعامل بعض الدول مثل إيران المهاجرين المخالفين كمتسللين غير شرعيين إلى أراضيها وبالتالي يصبحون في وضع يؤهلهم للترحيل الفوري.

قال كريستوفر لوينشتاين لوم، المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة أن المهاجرين المخالفين لا يتمتعون بحماية قانونية بصفة عامة وفي الغالب هم لا يتحدثون لغة البلد الذي يقصدونه ولا يعرفون إلى أين يذهبون للحصول على المساعدة.

والرحلة محفوفة بالأخطار الجسدية كذلك، حيث قال أدريان إدوردز من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: نعرف أن عدداً من الأشخاص فقدوا حياتهم وهم يحاولون الوصول إلى أوروبا على متن قوارب متهالكة عن طريق البحر وبواسطة نهر إيفروس على الحدود بين اليونان وتركيا.

كما فقد آخرون حياتهم محاولين الدخول إلى البلدان الأوروبية على ظهر شاحنات أو بتهريبهم داخل حاويات. وحتى إذا نجحوا في الوصول فهناك فرصة كبيرة أن يتم رفض طلب هجرتهم. وطبقاً لإحصائيات الاتحاد الأوروبي، تم رفض أكثر من نصف المهاجرين الأفغان الذين تقدموا بطلبات لجوء في الدول الأوروبية في الفترة من 2007 إلى 2009.

وتصنف أفغانستان بأنها من بين الدول الأقل نمواً في العالم، وهي تعاني من نزاع تزداد شدته ولديها القليل من الحوافز التي يمكن أن تقدمها لجيل الشباب الأفغاني. حيث بين خمسة شبان في كابول حول ما إذا كانوا يفضلون البقاء في أفغانستان أو تجريب حظهم في الخارج على الرغم من المخاطر.

قال أحمد نصير وهو طالب جامعي: سأتنفس في أوروبا وأمريكا على الأقل هواءً نقياً، مضيفاً أنه سيحاول أن يغادر بعد التخرج. سأكون قادراً على كسب ما يكفي من المال ومساعدة أسرتي في أفغانستان. ما الذي سأفعله في أفغانستان؟ لن أجد وظيفة لائقة بسبب تفشي الفساد فلا أحد يستطيع العثور على وظيفة دون أن يكون له علاقات مع مسؤولين.

قال أحمد مسعود البالغ من العمر 25 عاماً: يبدو المستقبل كئيباً جداً ومظلماً في أفغانستان ولذلك يحاول كلا لجميع السفر إلى الخارج من أجل حياة أفضل. الجميع فقير هنا باستثناء أمراء الحرب والمجرمين والوزراء ولذلك من المستحيل تحقيق حياة كريمة هنا.

وحتى لو كان مقدراً لأفغانستان أن تحقق السلام والتقدم فإنه بعد خمسين عاماً من الآن سنصل فقط إلى المستوى الذي عليها الآن دولة كبنجلاديش والدول الفقيرة الأخرى. فلم علي البقاء في البلاد حيث لا يوجد سوى الفقر والمشاكل؟

قال ساردار محمد البالغ من العمر 27 عاماً: لا نريد أن نموت في الحرب أو نعاني تحت نظام طالبان الوحشي مرة أخرى. سيغادر الأمريكيون وجميع القوات الأجنبية وستنهار حكومة حامد كرزاي الضعيفة في الأسبوع التالي.

من الذي سيهتم بالأعمال الوحشية التي ستفعلها طالبان ضدنا؟ لقد كانت طالبان تقتل وتعذب الجميع عندما كانت في السلطة 1995-2001 ولكن العالم كان يقول إنها مسألة أفغانية ولذلك لن نتدخل. نفس الشيء مرة أخرى عندما تغادر القوات الأجنبية.

قال أحمد زامير البالغ من العمر 22 عاماً: أعرف أن الحياة ليست سهلة في أوروبا ولكن على الأقل هناك أمل في التحسن وهذا الأمر غير موجود في أفغانستان. لو عملت بجد في أوروبا لن تجد قادة عسكريين أو مجرمين يسلبون ما لديك ويقتلونك بينما هنا في أفغانستان لا توجد قواعد ولا قوانين ولا نظام.

قال فرايدون عاطف البالغ من العمر 27 عاماً: أريد الهجرة إلى أوروبا لأنني أريد العيش في سلام وأن يكون لدي دخل جيد وأن أحصل على جواز سفر أجنبي ولكنني سأعود إلى أفغانستان. فجواز السفر الأجنبي هو نوع من الضمانة في حالات الطوارئ لأتمكن من مغادرة البلاد. جميع كبار مسؤولي الحكومة لديهم جوازات سفر أجنبية.

العنف والتقاليد

 الى ذلك قال مسؤول بالحكومة الافغانية ان الوضع الامني المتدهور والعادات الاسلامية المحافظة حرما حوالي خمسة ملايين طفل من الانتظام في مراحل التعليم في عام 2010. وأطاحت قوات أفغانية تدعمها الولايات المتحدة قبل عشر سنوات تقريبا بحركة طالبان الاسلامية المتشددة من السلطة ولكن لا يزال كثير من النساء غير قادرات على العمل خارج البيت وتحرم الفتيات من الالتحاق بالمدارس في المناطق النائية من البلاد.

وفي عهد طالبان منعت النساء من الحصول على الرعاية الصحية والتعليم وأجبرن على ارتداء البرقع. ولم يسمح الا للاولاد بالانتظام في التعليم. ولا يزال كثير من هذه العادات يسود على نطاق واسع.

والقى اسلاميون متشددون يعارضون تعليم المرأة بمواد حارقة على وجوه الفتيات وهن في طريقهن للمدرسة. وتعرضت تليمذات في المدارس بعضهن في العاصمة كابول للتسمم بغاز مريب وألقي بالمسؤولية على الاسلاميين بحسب رويترز.

وقال اصف نانج المتحدث باسم وزير التعليم انه من بين 12 مليون طفل في سن التعليم لا ينتظم في الدراسة سوى سبعة ملايين. وأضاف هذا رقم يثير انزعاجنا والحكومة تبذل قصارى جهدها لتذليل العقبات من طريقهم.

وقال انه الى جانب العنف فان المشكلة تفاقمت نتيجة لغياب معلمات المدارس في المناطق النائية في البلاد حيث ترفض العائلات تعليم بناتهن على أيدي معلمين. وأضاف من بين 346 منطقة في أفغانستان لا توجد معلمات في أكثر من 200 منطقة.

وقال ان العائلات مازالت لا تريد تعليم بناتهن في مناطق كبيرة في جنوب أفغانستان وشرقها حيث توجد معاقل طالبان.

محفوفة بالمخاطر

وكان عبد الملك وزوجته الحامل يستقلان سيارة مستأجرة في طريقهما إلى مستشفى بوست في لاشكارغا عاصمة إقليم هلمند الجنوبي. قرر الزوجان مغادرة منزلهما في مقاطعة سانغين مبكراً قدر الإمكان لتجنب حواجز الطرق التي تضعها القوات الموالية للحكومة، أو لتفادي أن تلمحهما القوات المناهضة للحكومة.

وأشار عبد الملك إلى قيام قوات حلف شمال الأطلسي بإغلاق الطرق أحياناً لإزالة الألغام وإجراء التحقيقات العسكرية، حيث قال: عندما تغلق القوات الأجنبية الطريق، يتعين على الناس الانتظار لساعات وأحياناً ليوم كامل. وإذا رأتك قوات طالبان كثيراً على الطريق إلى لاشكارغا، فإنها ستشك في أمرك وستتهمك بالتجسس لصالح الأجانب أو العمل لحساب الحكومة.

وتنفذ حركة طالبان حكم الإعدام بحق المتهمين بالتجسس دون أن يخضعوا لمحاكمة عادلة ولا تسمح عادة بأي دفاع مجدٍ عن النفس. كما أنها تعاقب الأشخاص الذين يعملون لحساب الحكومة حتى ولو كانوا يشغلون وظائف مدنية، وفقاً لروايات السكان المحليين والمسؤولين الحكوميين بحسب رويترز.

وفي إقليم هلمند المضطرب، تشتهر الطرق وممرات المشاة بانتشار العبوات الناسفة المحلية الصنع، التي غالباً ما تودي بحياة المقاتلين والمدنيين أو تشوههم دون تمييز. ووفقاً لمنظمات حقوق الإنسان، قتلت العبوات الناسفة وجرحت المئات من المدنيين خلال العام الماضي.

وتضم أفغانستان بعض أسوأ مؤشرات الصحة النفاسية في العالم، حيث تموت 1,600 امرأة من كل 100,000 أثناء الولادة حوالي 48,000 حالة وفاة سنوياً، وفقاً لوكالات الاغاثة.

ويقول خبراء الصحة أنه يمكن الحيلولة دون حدوث معظم هذه الوفيات إذا وصلت النساء إلى مراكز الرعاية الصحية في الوقت المناسب.

من جهتها، قالت سارة واتشيكه، وهي قابلة في مستشفى بوست، حيث تعمل منظمة أطباء بلا حدود منذ نوفمبر 2009 إننا نستقبل نساءً في حالات حرجة بسبب المضاعفات بشكل يومي تقريباً.

وتصل الكثير من النساء إلى المستشفى بعد فوات الأوان، مما يجعل من إنقاذ حياتهن من الصعوبة بمكان. وكان أكثر من 24 بالمائة من النساء اللائي أحضرن إلى جناح التوليد في مستشفى بوست يعانين من مضاعفات الولادة، ووفقاً لإحصاءات منظمة أطباء بلا حدود.

ويتم إجراء ما يصل إلى 20 ولادة يومياً، من بينها ثلاث عمليات قيصرية على الأقل، في جناح التوليد حيث تعمل واتشيكه مع سبعة من زملائها الأفغان لأكثر من 60 ساعة في الأسبوع.

وعن المرضى الذين يزورون المستشفى قالت: معظم مرضانا من الفقراء الذين لا يستطيعون تحمل نفقات العيادات الخاصة، ومن بينهم أمهات وأطفال يعانون من سوء التغذية.

ويخدم مستشفى بوست أيضاً الجرحى المصابين في النزاع المسلح، ويزوره المرضى من جميع أنحاء الإقليم، وخاصة من المناطق الريفية التي تفتقر إلى العيادات والعاملين الصحيين بسبب إنعدام الأمن.

وبالإضافة إلى ذلك، تحد التقاليد من قدرة النساء على الحصول على خدمات الرعاية الصحية، إذ لا تذهب النساء عادة وحدهن إلى الطبيب بل أن يجب أن يرافقهن أحد أقاربهن الذكور.

ونظراً لانعدام الأمن بشكل عام، قد لا يكون الناس على استعداد للسماح للنساء بالسفر إلى منطقة أخرى، حتى لو لم تكن العيادة نفسها معرضة لهجوم مباشر، وفقاً لانتشال خورانا، المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية.

كما تحد هذه القيود من وصول النساء إلى خدمات ما قبل وما بعد الولادة وتنظيم الأسرة، التي تعتبر ضرورية من أجل سلامتهن.

وأضافت واتشيكه العاملة بمنظمة أطباء بلا حدود: لا بد أن تأخذ الحصول جرعتين من لقاح الكزاز أثناء الحمل، ولكن يتعذر على معظمهن الحصول حتى على واحدة. وبعد الولادة، نريد إبقاء المرأة لمدة لا تقل عن 24 ساعة لمراقبة أية مضاعفات بعد الولادة، ولكن من الصعب جداً إبقائهن حتى لساعتين فقط.

كما يمثل النقص في عدد العاملات الصحيات مشكلة رئيسية أخرى في جنوب البلاد الذي يعاني من انعدام الأمن، حيث تشير التقارير إلى حرمان أكثر من نصف الفتيات من التعليم. وأضاف خورانا المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية أن انعدام التعليم يؤدي إلى نقص في عاملات الصحة المدربات.

ووفقاً لأرقام مأخوذة من ورقة أعدتها الأمم المتحدة، كتبت 29 وكالة معونة أفغانية وأجنبية إلى رؤساء الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي تقريراً  يشير إلى أن معدل الوفيات النفاسية في إقليم هلمند يصل إلى ثلاثة أضعاف المعدل الوطني، وأن 53 بالمائة من العيادات الصحية في جنوب البلاد قد أغلقت.

مع ذلك، أفادت منظمة الصحة العالمية أن الوفيات النفاسية تعتبر مشكلة على الصعيد الوطني، ولكنها أكثر حدة في إقليم بداخشان الشمالي. ويقول الخبراء أن هناك حاجة ماسة إلى المزيد من سيارات الإسعاف والمرافق الصحية والعاملين بالمجال الصحي.

وأوضح خورانا أن المجتمعات المحلية بحاجة أيضاً إلى الاستثمار في صحة نسائها، مضيفاً أنه لا بد من تأسيس عدد أكبر من المؤسسات التدريبية المتخصصة بالقرب من المناطق الريفية لزيادة الطلب وتسهيل الحضور.

في نفس الصدد المنظمات الإنسانية تحذر من تفاقم الوضع الإنساني في أفغانستان

في الوقت الذي لا تظهر فيه بوادر لتراجع الحرب، تحذر المنظمات الإنسانية والمحللون من احتمال تزايد البؤس المرتبط بالصراع كالنزوح الداخلي والحرمان من الخدمات الصحية الأساسية وسقوط ضحايا من المدنيين.

وفي هذا الإطار، قال ريتو ستوكر، رئيس مكتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أفغانستان،: إننا نشعر بقلق متزايد إزاء الصراع الذي دخل سنته التاسعة، ومازال ينتشر ويزداد حدة، ومن المحتمل أن نرى عاماً آخر من الصراع يتسبب في عواقب وخيمة على المدنيين.

وقالت المنظمة أن مقتل المدنيين والإصابات الناجمة عن النزاع استمرت في الارتفاع خلال العامين الماضيين، وأجبرت المجتمعات المدنية على الانحياز لأحد طرفي الحرب.

ووفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر، استقبل مستشفى ميرويس في إقليم قندهار، الذي يخدم حوالي أربعة ملايين شخص، أكثر من 2,650 مصاباً بإصابات ذات صلة بالأسلحة.

الى ذلك ذكرت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان يوناما أن عدد الضحايا من المدنيين بلغ 3,268 1,271 قتيلاً و1,997 جريحاً، أي بزيادة قدرها 31 بالمائة عن نفس الفترة من العام الماضي.

وفي ظل وجود أكثر من 1,750 موظفاً في 15 مكتباً محلياً، تعتبر أفغانستان أكبر عملية تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العالم، بميزانية قدرها 89 مليون دولار لمساعدة السكان المتضررين من الصراع.

وفي المناشدة الإنسانية التي أطلقت، طلبت 51 منظمة دولية ومحلية 678 مليون دولار لمساعدة الأشخاص الأكثر تعرضاً للخطر في أفغانستان في عام 2011 من خلال 134 مشروعاً. وتتوقع المناشدة أن يزيد عدد النازحين داخلياً من 320,000 شخص في 2010 إلى 440,000 شخص في 2011.

وصرحت كاثرين براغ، نائب منسق الإغاثة الطارئة ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية للصحفيين عند إطلاق هذه المناشدة أن آثار الصراع المستمر والكوارث الطبيعية المستوطنة على الناس في أفغانستان لا تزال هائلة، الأمر الذي يتطلب استمرار تقديم المساعدة لانقاذ الأرواح.

ولكن المال وحده لا يكفي لكي تنقذ المنظمات الإنسانية الأرواح في أفغانستان، فالوصول إلى الناس في المناطق غير الآمنة والحصانة من التعرض للهجمات والترهيب تعتبر متطلبات رئيسية أيضاً. ولا تستطيع وكالات الأمم المتحدة وغيرها من منظمات الإغاثة الدولية الوصول إلى أكثر من نصف البلاد، بما في ذلك بعض أسوأ المناطق المتضررة من النزاع.

وعلى الرغم من التقلص المطرد للهجمات المسلحة المتعمدة على العاملين في المجال الإنساني الذين لا ينظر إليهم على أنهم منحازون إلى الأطراف الفاعلة العسكرية والسياسية خلال العام الماضي، وفقاً لمكتب سلامة المنظمات غير الحكومية في أفغانستان،

إلا أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تشعر بقلق متزايد إزاء انتشار العناصر المسلحة، التي كثيراً ما تحول دون أداء العمل الإنساني وتشكل خطراً كبيراً على المدنيين.

وقال أحمد رشيد، وهو صحافي باكستاني ومؤلف كتاب طالبان أعتقد أن الاختبار الحاسم سيكون في 2011. وإذا رأينا عودة عنف طالبان في عام 2011 الذي شاهدناه في 2010، فإنني أعتقد أن الوضع كله سيصبح خطيراً جداً.

بدوره، قال مات والدمان، وهو محلل مستقل متخصص في شؤون أفغانستان، أن عدداً أكبر من المدنيين الأفغان سيصبحون ضحايا الصراع المتصاعد في العام المقبل. وحذر من أن كل الدلائل تشير إلى أن التصعيد العسكري من جانب حلف الناتو سيقابل بتصعيد مماثل من قبل طالبان،

مضيفاً أن الظروف يمكن أن تتحسن فقط إذا حدث إصلاح سياسي وعملية سلام متعددة الطبقات مع طالبان بدعم من الولايات المتحدة، ولا يمكن أن يحدث أيهما في وقت قريب.

بعد رحيل

 فيما يشعر الأفغان بالقلق من أن تترك البلاد في وضع متأرجح يقول الخبراء أن الانسحاب المقرر للقوات الأجنبية من أفغانستان على مدى السنوات الأربع المقبلة سيقلل أيضاً من مساعدات التنمية التي تحظى بها البلاد، لاسيما المشاريع التي يطلق عليها اسم قلوب وعقول التي تهدف إلى النهوض الاجتماعي.

وفي هذا الإطار، أخبرت أشلي جاكسون، رئيسة وحدة المناصرة والاتصال في منظمة أوكسفام الدولية في العاصمة الأفغانية كابول أنه في ضوء ارتباط المساعدة الإنمائية بأهداف تحقيق الاستقرار، فإن هناك مخاوف من أن ينسى العالم أفغانستان مرة أخرى بعد انسحاب القوات الدولية.

فخلال السنوات الأربع المقبلة ستنسحب قوات 48 دولة بقيادة منظمة حلف شمال الأطلسي الناتو تدريجياً من أفغانستان وتنقل المسؤولية القتالية لقوات الأمن الأفغانية الوليدة، وفقاً لعملية الانتقال التي وافق عليها الناتو والحكومة الأفغانية بحسب شبكة ايرين الانسانية.

كما من المتوقع أن يقوم مانحون آخرون بتخفيض مساعداتهم بعد أن صرفوا مئات الملايين من الدولارات كمساعدات لأفغانستان خلال السنوات القليلة الماضية لتحقيق انتصارات عسكرية واستراتيجية ضد مقاتلي طالبان في المقام الأول.

وقد أشار بيان صادر عن السفارة الأمريكية في كابول، أنه لا بد أن تلتزم جميع العقود الصادرة عن حكومة الولايات المتحدة بالأهداف العامة لمكافحة التمرد في أفغانستان، وأن معرفة وجهة الدولارات الأمريكية يعد بنفس أهمية أو ربما أكثر أهمية من العمل أو الخدمة المقدمة. ولكن منظمات الإغاثة انتقدت هذا النهج ووصفته بأنه عسكرة للمعونة.

وعلى الرغم من الانسحاب العسكري الوشيك، تعهدت العديد من الجهات المانحة، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا، بتقديم مساعدات طويلة المدى لأفغانستان.

وأفاد بيان وقعه الرئيس حامد كرزاي وأمين عام حلف الناتو أن حلف الناتو يؤكد على التزامه الطويل المدى بأفغانستان ذات سيادة مستقلة وديمقراطية وآمنة ومستقرة وأن لا تكون البلاد مرة أخرى ملاذاً آمناً للإرهابيين والإرهاب وبمستقبل أفضل للشعب الأفغاني.

ولكن الشك يساور الكثير من الأفغان، حيث قالت النائبة شكرية باركزاي: نحن نعرف من تجربتنا أن المجتمع الدولي سيولي القليل من الاهتمام لمكافحة الفقر وتعزيز حقوق الإنسان والتنمية بعد انسحاب قواته العسكرية.

فقبل عام 2001، عندما كان الاقتصاد العالمي مزدهراً، بالكاد حصلت أفغانستان التي كانت تعاني من أكثر من ثلاثة عقود من الحرب وتحتل مرتبة أقل البلدان نمواً في آسياعلى أي دعم مجد في مجال التنمية من الخارج.

ففي السنوات التسع الماضية، تصدرت أفغانستان قوائم المساعدات التي تقدمها البلدان المانحة ولكن تمكنت من رفع مرتبتها بين دول العالم الأقل نمواً بصعوبة بالغة.

وقالت جاكسون من منظمة أوكسفام أن الانخفاض الحاد في المساعدات الخارجية لا يعرض التقدم المتواضع في أفغانستان خلال تلك الفترة للخطر فقط، بل يمكنه أيضاً أن يتسبب في اضطرابات وانتكاسات في مجالات حيوية مختلفة، موضحة أن العواقب ستكون وخيمة.

وفي الوقت الذي ستبدأ فيه قوات الناتو بنقل المسؤولية للأفغان، سيفرض الوضع الاقتصادي العالمي تحدياً جديداً على أفغانستان في مرحلة ما بعد الناتو وهو جذب المساعدات والاستثمار.

وعلى الرغم من قيام منظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والجهات العسكرية الدولية الفاعلة والهيئات التابعة للحكومة الأفغانية بصرف أكثر من 40 مليار دولار على مشاريع التنمية منذ عام 2002، وفقاً للمنظمات الإنسانية، إلا أنه قد تم توجيه انتقادات واسعة لجهود الإغاثة باعتبارها غير مجدية وتعاني من سوء الإدارة في الوقت الذي يقول فيه الخبراء أن المحاسبة كانت وما تزال ضئيلة.

كما انتقد عمال الإغاثة أيضاً استخدام الشركات الخاصة المحلية والدولية من قبل بعض الجهات المانحة، بما في ذلك الولايات المتحدة، لتنفيذ مشاريع لمكافحة التمرد.

من جهته، قال بيير فالافيير، مدير وحدة افغانستان للأبحاث والتقييم، وهي هيئة مستقلة، أن شركات التطوير الخاصة ليست هنا للشعب الأفغاني، بل من أجل ملء جيوبها أو إنفاق المال الذي حصلت عليه من حكوماتها، حتى يقول الناس في بلدانهم أنهم أنفقوا أموالاً على التنمية.

وقالت النائبة، شكرية براكزاي أن العديد من الأعمال التجارية ازدهرت وصنع الأجانب وبعض الأفغان ثروة في أفغانستان، ولكن الغالبية العظمى من الأفغان ظلوا معدومين.

كما استفاد المتمردون من تدفق أموال المساعدات غير المسبوق ومن الكثير من مشاريع مكافحة التمرد ومشاريع الحل السريع، مثل الضرائب على القوافل البرية، وبالتالي المساهمة في النزاع، وفقاً لمسؤولين أمريكيين.

وقال ياما ترابي، المدير المشارك لمنظمة إنتيجريتي واتش أفغانستان وهي منظمة تعنى بمراقبة الفساد أن المعونة لم تؤدي إلى الاستقرار، بل غذت الصراع في أفغانستان.

وأضاف ترابي أنه عند الحصول على كميات كبيرة من المساعدات ولكن دون خضوعها للمراقبة فإنها تصبح أكثر عرضة لسوء الاستخدام والفساد ولكن الحصول على قدر أقل من المعونات من خلال قنوات تنموية مناسبة فإنها تكون أكثر فعالية وشفافية.

وأوضح أن هيئات التنمية المدنية في أفغانستان ستتولى بصورة متزايدة إنفاق المساعدات وهو ما من شأنه أن يعزز فعالية المعونة والمساءلة.

مع ذلك، تم تصنيف الحكومة الأفغانية على أنها واحدة من أكثر ثلاث دول فساداً في العالم، وتدهور الوضع الأمني يعني عدم وجود ضمانات قوية لفعالية المساعدات بعد انسحاب القوات الدولية.

كما يركز بعض الخبراء على أهمية جودة المعونة بدلاً من كميتها حيث علق فالافيير من وحدة أفغانستان للأبحاث والتقييم على ذلك بقوله: لا يمكن قياس مساعدات التنمية من خلال الأموال التي تدفقت بل من خلال بناء قدرة الأفغان على رعاية مصالحهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/كانون الثاني/2011 - 5/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م