السودان... انفصال محتوم وقتال مع وقف التنفيذ

 

شبكة النبأ: بات السودان على مرمى المصير المحتوم، الانفصال القسري او البقاء موحدا بشكل طوعي، بعد ان قررت الحكومة السودانية اخيرا حسب المعطيات المتوافرة  القبول بما سوف تسفر عنه نتائج الاستفتاء القادم، وبغض عن تباعاته السياسية والوطنية.

فبعد حرب امتدت على مدى عقود من الزمن، وجدت الخرطوم نفسها وحيدة امام تحديات المجتمع الدولي والحروب الداخلية التي استنزفتها بشكل دائم، فيما لم تنجح مساعيها في لملمة البيت الداخلي بعد سنوات السلم مع الجنوب.

الى جانب ذلك تسعى الحكومة السودانية جاهدة في السيطرة على بعض المناطق الشاسعة من الراضي التي باتت تحت سيطرت الجماعات المسلحة المناوئة لها، فيما تثير حالة التشرذم التي الآخذة بالاتساع قلقا اقليميا ودوليا، وخشية من تحول السودان الى صومال جديد في الشرق الاوسط.

تهميش الشباب

فقد يسرع السودان الخطى صوب انفصال قاس لكن الشبان يمثلون بارقة أمل لانهاء الدائرة المميتة للحرب الاهلية والقبلية التي عانت منها لعقود أكبر دولة افريقية من حيث المساحة. ولم يعش السودان في ظل الديمقراطية سوى سنوات قليلة منذ استقلاله عن بريطانيا عام 1956 وعانى المجتمع المدني من وطأة الحكومات الشمولية المتعاقبة.

وأتاح اتفاق السلام بين الشمال والجنوب عام 2005 مساحة محدودة من الديمقراطية ونص على اجراء استفتاء حول استقلال الجنوب الذي تعتقد الاغلبية أنه سينفصل ولن يمتثل لجهود الشمال الحثيثة لاعاقة التصويت سعيا للاحتفاظ بالموارد النفطية للجنوب.

لكن رغم استمرار حكومتي الشمال والجنوب في دق طبول الحرب بالخطابة العدوانية توحدت جهود الشبان في السودان في أول تحرك من نوعه عبر الحدود لتوجيه رسالة مفادها أنهم لن يصبحوا جنود مشاة في أي صراع جديد.

وقال اديسون جوزيف وهو من مواطني الجنوب ويعيش في الخرطوم الشبان هم أول من يتم استدعاؤهم خلال الحرب وسيكونون أول من يدفع الثمن رسالتنا بسيطة وهي أننا لن نقاتل.

واجتمعت في الخرطوم أكثر من 22 منظمة شبابية من جميع أنحاء السودان من الشمال والجنوب والشرق واقليم دارفور في الغرب واتفقت على برنامج مشترك للعمل من أجل السلام والتعايش بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء المقرر. وأكدت المنظمات التزامها أيضا بالعودة الى المناطق الخاصة بها لنشر الرسالة بحسب رويترز.

وتتباين اراء أعضاء المنظمات بشأن ما يريدونه من الاستفتاء. فهناك مجموعة شباب من أجل الانفصال كما توجد مجموعات أخرى تنادي بالوحدة. لكن الشبان في هذه المجموعات يضربون مثلا يحتذى به أمام القادة المتنافسين الاكبر منهم سنا في الحزبين الحاكمين في الشمال والجنوب فهم يتجاهلون الاختلافات بينهم ويعملون معا لتحقيق هدف واحد هو تجنب الحرب.

وقالت وداد درويش من مركز ثقافي للشبان في شمال السودان ان هناك من يؤيد الانفصال وهناك من يؤيد الوحدة لكن الجميع متفق على الرغبة في أن يكون الاستفتاء حرا ونزيها وسلميا وأضافت سنحترم خيار شعب جنوب السودان أيا كان. ويريد النشطاء الشبان أيضا استئصال مشكلة وصفوها بأنها واحدة من كبرى المشكلات في السودان وهي العنصرية.

ويقع السودان بين دول عربية في شمال افريقيا ودول جنوب الصحراء ذات الاغلبية السوداء. واعتبرت الحرب الاهلية بين شمال السودان وجنوبه بدرجة كبيرة نموذجا مصغرا لهذا الانقسام في القارة الافريقية. كما تعد القبلية من كبرى المشكلات في السودان وتسببت في احداث انقسام في البلاد لقرون تعود لعصر تجارة العبيد.

وقد تسمع كلمة عبد حتى الان في مجتمع الخرطوم للاشارة في أغلب الاحيان الى قبائل افريقية في الجنوب ودارفور وهو ما شجع الكثير من مواطني الجنوب على الانفصال. وقالت وداد درويش ان اجتماع المنظمات الشبابية هو بداية. وأضافت مجرد جلوسنا حول هذه الطاولة هو بداية. وذكر الشبان والشابات الذين يمثلون جماعات مختلفة من كل أنحاء السودان انهم لا يثقون بالكامل في زعمائهم عندما يقولون ان البلاد لن تنجرف مجددا الى الحرب لذا فانهم قرروا التحرك بأنفسهم في اطار احياء دور المجتمع المدني الذي يعود الى اتفاق سلام عام 2005 .

وقالت وفاء أحمد من منطقة كردفان بغرب السودان ان الحكومة والاحزاب السياسية كلها من الجيل نفسه وهو الجيل الاكبر سنا أما الشبان فليس لهم دور وأضافت أنهم مهمشون وأن هذا المنتدى منحهم صوتا. وتلقى المنتدى مساعدات وأموال من السودانيين في الشتات ومن مجموعات أخرى في المجتمع المدني.

وقال فاروق محمد ابراهيم وهو نشط مدني مخضرم ان جيله الاكبر سنا في السودان هو الذي فشل في الابقاء على وحدة البلاد أما جيل الشبان فهم غالبية السكان وهم المستقبل. لكن الجيل الاصغر سنا يواجه مشاكل بالفعل. ولم تمنحه السلطات تراخيص لتنظيم منتديات وتجمعات كما تلاحق السلطات المجتمع المدني منذ وقت طويل لانها ترى فيه تهديدا لحكمها.

واعتقل أربعة على الاقل من النشطاء الشبان في دارفور مما دفع اخرين في غرب البلاد الى ممارسة نشاطهم سرا. وقد يكون حذر الحكومة السودانية مبررا بسبب التاريخ القوي للمجتمع المدني في البلاد بعد ان نظمت نقابتا المحامين والاطباء وجهات أخرى في المجتمع المدني انتفاضة حظيت بتأييد شعبي وأطاحت بالرئيس السابق جعفر النميري عام 1985 بعد حكم استمر 16 عاما.

لكن النشطاء الشبان في السودان عازمون على نشر رسالتهم بين أبناء جيلهم في البلاد. وقال جوزيف نتوقع أن تزداد صعوبة الامور بعد الاستفتاء. ستعود هذه الحكومة الى نفس السياسات الصارمة التي اتبعتها في الماضي لكن علينا ان نواصل العمل.

عودة الحرب

فيما نجا باياك تشول بوتش من واحدة من أسوأ حروب القرن الماضي لذا من المعقول أن يتردد في المخاطرة بأن يجد نفسه وسط أتون حرب جديدة. فر بوتش قبل نحو ثماني سنوات من الحرب الاهلية في السودان التي استمرت عقودا الى مصر التي يعيش فيها حاليا أكثر من 20 ألف لاجئ مسجل كما يعتقد انها تستضيف مئات الالاف من المهاجرين غير المسجلين. وبالنسبة لبوتش وكثيرين غيره من السودانيين الجنوبيين يأتي الاستفتاء على انفصال جنوب السودان عن الشمال تحقيقا لحلم دام نصف قرن بالاستقلال لكنه في الوقت نفسه يثير احتمالات الانزلاق الى الحرب.

وقال بوتش الذي يحمل شهادة في التمريض بينما يقف على مدخل المركز الاجتماعي المكون من ثلاث غرف الذي يديره في احدى ضواحي القاهرة اذا كان هناك سلام في السودان فسوف أعود عندما أعود سوف أساعد أهلي لان أهلي يعانون لا يوجد أطباء ولا ممرضون. الحالة صعبة لكنني لا يمكن أن اذهب الان لانني خائف بحسب رويترز.

ونصت اتفاقية السلام الشامل عام 2005 التي أنهت الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب على اجراء الاستفتاء. ويقول مسؤولو هجرة وعمال اغاثة ان الكثير من السودانيين الجنوبيين الذين يعيشون في مصر والذين يعتقدون ان الشمال لن يسمح للجنوب بالانفصال دون حرب ما زالوا يحجمون عن العودة قبل الاستفتاء.

وكانت الحرب واحدة من أسوأ الصراعات التي شهدتها القارة الافريقية حيث راح ضحيتها ما يقرب من مليوني شخص وتسببت في فرار اربعة ملايين اخرين. وساعدت مفوضية الامم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين 1645 سودانيا على العودة في عام 2007 وساعدت 1104 في العودة عام 2008. لكن هذا العدد انخفض العام الماضي الى 631 شخصا فقط ولم يعد من مصر في 11 شهرا الاولى من عام 2010 سوى 376 سودانيا فقط.

وقال السفير محمد الدايري الممثل الاقليمي للمفوضية ان عدد اللاجئين الذين يعودون طوعا الى ديارهم في جنوب السودان انخفض بشدة خلال عامي 2009 و2010 مقارنة بالاعوام السابقة وقال انه يعتقد ان الناس يترقبون ما ستسفر عنه الاحداث. وذكر مسؤول طلب عدم الكشف عن هويته لانه ليس مصرحا له بالحديث الى وسائل الاعلام ان المنظمة الدولية للهجرة تشهد نمطا مشابها منذ العام الماضي. وقال ما شهدناه في الحقيقة هو نهج أقرب الى فكرة لننتظر حتى نرى حيث ينتظر السودانيون ليروا نتائج الاستفتاء قبل ان يتخذوا قرارا. لذلك لم يكن معدل العودة كما توقعناه لقد كان في الحقيقة منخفضا حتى الان.

ويتناقض ذلك مع العدد الكبير من العائدين الى الجنوب من شمال السودان حيث يخشى الجنوبيون التعرض للترويع او الانتقام أو تزوير الاصوات اذا أدلوا باصواتهم في الشمال. وتصاعدت حدة التوتر قبل الاستفتاء. واتهم جيش الجنوب قوات الشمال بقصف أراضيه وقال ان الخرطوم تحاول عرقلة الاستفتاء.

ونفى جيش الشمال قيامه بهذه الهجمات. وقضى الشمال والجنوب شهورا في التفاوض بشأن موضوعات مثل كيفية تقاسم عائدات النفط بعد الانفصال لكن لم تظهر مؤشرات عامة على حدوث تقدم. وقال سايمون بيتر الناشط الاجتماعي في القاهرة الذي فر من ولاية شرق الاستوائية السودانية في 2004 ان الخوف من اندلاع نزاعات حدودية بين الشمال والجنوب او نزاعات مسلحة بين القبائل الجنوبية دفع بعض اللاجئين الى البقاء في مصر في الوقت الحالي.

وأضاف انه يتوقع أن يعود المزيد من السودانيين الى ديارهم بعد الاستفتاء وقال ان اللاجئين يقولون انهم قضوا حياتهم كلها في الحرب وانهم يفضلون البقاء في مكان امن كمصر.

والعثور على عمل وادخال الاطفال الى المدارس أمر صعب للاجئين في مصر حيث لا تفي فرص العمل الجديدة بالمتطلبات التي تفرضها الزيادة السكانية بينما تعاني البنية التحتية للنقل من الضغط والمدارس من الازدحام. وقال بوتش ان العديد من السودانيين في المركز الاجتماعي الذي يديره يعملون خدما في المنازل وان حتى هذا العمل يكون الحصول عليه صعبا.

بينما قال بيتر ان العديد من اللاجئين الذين يعرفهم يعملون في وظائف أقل من مؤهلاتهم. وأضاف ان هذه التحديات تجعل العودة الى بلد حديث الاستقلال أكثر جاذبية. وقال أعرف محاميا يعمل في تنظيف البيوت. ولدينا طبيب يعمل عاملا في احد المكاتب. عندما تعود سيكون الامر مختلفا. عندما تكون في بيتك تكون حرا.

وقالت وزارة الخارجية المصرية انها لا تعتزم اعادة السودانيين الجنوبيين بعد الاستفتاء. لكن حكومة جنوب السودان التي تريد عودة الجنوبيين الى ديارهم للمساهمة في بناء البلد الجديد متفائلة بعودة مواطنيها بعد الاستفتاء.

ووضع المسؤولون في جنوب السودان خطة للمساعدة في عودة 12 ألف جنوبي من مصر وعرضوا الاموال من أجل نقلهم وتغطية نفقات أخرى.

ويقول بعض الجنوبيين ان اغراء الحياة في الجنوب بعد الاستقلال يفوق خطر الحرب. وقال فرانسيس واني 39 عاما وهو مدرس من جوبا عاصمة الجنوب انه سيعود على اي حال سواء تجدد القتال أم لا. وقال اريد ان أكون هناك مستعدا لاستقبال المولود الجديد الذي يسمى جنوب السودان.

تسليح الميليشيا

في سياق متصل يظهر فتى من جماعة "آرو بويز" يظهر "اختراعه" لبندقية. وتسلح هذه الجماعة نفسها إلى حد كبير بالأسلحة البدائية مثل الفؤوس والسكاكين والرماح والأقواس والسهام وأحياناً تحمل البنادق المصنعة محلياً، أفاد بعض القادة المحليين أن على جنوب تسليح الميليشيا المحلية "آرو بويز" لحماية المدنيين في ولاية غرب الاستوائية ضد هجمات محتملة من جانب مقاتلي جيش الرب للمقاومة خلال الاستفتاء الذي سيجرى حول الانفصال.

وقال جوزيف باكوسورو، حاكم ولاية غرب الاستوائية طلبنا من الحكومة أن تسمح لنا بتدريب هذه المليشيا آرو بويز وتسليحها لتتمكن من هزيمة جيش الرب للمقاومة. وعندما يتم القضاء على جيش الرب للمقاومة، ستقوم مليشيا آرو بويز بإعادة الأسلحة وأضاف قائلاً: سوف نعيد الأسلحة. لا تعرف الحكومة ثقافتنا، ولكن قبيلة الزاندي تتبع القواعد وتخلص للزعماء، ولن تكون هناك أية مشكلة بحسب شبكة ايرين الانسانية.

وتعمل حكومة جنوب السودان على نزع سلاح المدنيين عبر أراضيها، ولكن المحللين يقولون أن هذه السياسة تمارس بطريقة مرتجلة وغير منهجية على أرض الواقع.  وقد نشأ جيش الرب للمقاومة عام 1987 في شمال أوغندا، بقيادة جوزيف كوني، المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية، ثم انقسم إلى مجموعات صغيرة بعد عملية مشتركة قامت بها جيوش أوغندا وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 2008.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه الجماعات نشطة في المناطق الحدودية في جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى. وقد لقي 2,000 شخص على الأقل حتفهم، وتم اختطاف 2,600 غيرهم وتشريد 400,000 آخرين على أيدي المتمردين في تلك المناطق.  ووفقاً لمسح الأسلحة الصغيرة، هناك مخاوف من أن تستغل الحكومة السودانية المتمردين لتخريب الاستفتاء. ويتفق مع هذا الرأي بعض القادة المحليين في ولاية غرب الاستوائية.

ولا توجد إحصائيات دقيقة حول عدد الهجمات التي يشنها جيش الرب للمقاومة في ولاية غرب الاستوائية، ولكن السكان المحليين والسلطات أفادوا أنه كان يشن هجوماً كل أسبوع تقريباً في الفترة من مايو إلى أكتوبر 2010. كما أفادت مجموعة آرو بويز في يامبيو، عاصمة الولاية، أن جيش الرب كثف هجماته، وفي معظم هذه الهجمات، سرق المهاجمون الطعام والممتلكات ولكنهم لم يؤذوا المدنيين، وفقاً لمجموعة آرو بويز.

كما قالت مجموعة آرو بويز في بلدة نزارا وقائد المجموعة على مستوى الولاية ألفريد كارابا، أن أخر هجمة ، عندما اختطف المقاتلون فتاتين من نزارا. .

قيما كان باكوسورو قد وصل إلى جوبا لحث الحكومة على صرف مبلغ 5 ملايين جنيه سوداني 2 مليون دولار كانت قد تعهدت بتخصيصها لدعم ميليشيا آرو بويز، وأضاف قائلاً: نحن بحاجة لمعرفة ما إذا كانت تلك الأموال متاحة أم لا. لقد اقترب موعد الاستفتاء ونحن بحاجة إلى وضع استراتيجية لتمكين الناس من المشاركة في استفتاء سلمي. ووفقاً لكارابا، يوجد 6,175 عضواً في ميليشيا آرو بويز في ولاية غرب الاستوائية.

بدوره، قال لوكا سميث، قائد مجموعة آرو بويز في يامبيو، أن جماعته أسرت بعض مقاتلي جيش الرب للمقاومة. وأضاف نعتقد أنهم لا يخططون للهجوم أثناء عملية التسجيل، ولكن خلال أيام التصويت. إذا لم نتواجد في مراكز التسجيل خلال تلك الأيام، فسوف يأتون لاختطاف شعبنا وقتله.

مع ذلك تفتقر ميليشيا آرو بويز إلى الموارد الكافية، إذ يتسلحون بأسلحة بدائية مثل الفؤوس وسكاكين المطبخ والرماح والأقواس والسهام. كما يحملون أحياناً البنادق المصنعة محلياً والتي يمكن شراؤها من التجار بجمهورية الكونغو الديمقراطية مقابل 200 جنيه سوداني 80 دولاراً.

في نفس السياق قد نشبت الخلافات حول كيفية إنفاق الأموال التي تعهدت الحكومة بدفعها، حيث قال باكوسورو أنه ينبغي توجيه الأموال من خلال الجيش الشعبي لتحرير السودان، ولكن السلطات الرسمية في ولاية غرب الاستوائية تقول أنها تفضل تدريب الآرو بويز بنفسها.

وقال المتحدث باسم الجيش الشعبي لتحرير السودان، العقيد فيليب أغوير: لا يشجع الجيش بالتأكيد على تسليح المدنيين، ولا أعتقد أننا سندربهم. ربما تستطيع الشرطة أن تفعل ذلك لأنه ينبغي أن يكون هناك بعض السيطرة.

ولكن الشرطة تقول أنها تفتقر إلى المعدات، حيث قال جون كاربا، وهو ضابط شرطة في مقاطعة نزارا: لا يوجد لدينا ما يكفي من الموارد، ونحن بحاجة أيضاً إلى البنادق والرصاص والمزيد من القوى العاملة. تحاول ميليشيا آرو بويز قصارى جهدها ويساعدها المجتمع ولكن إذا قدر لهم أن يتلقوا أي تدريب، فينبغي أن يكون رسمياً عن طريق الحكومة لأنهم لا يتبعون الشرطة أو الشرطة الجيش شبكة ايرين الانسانية.

وأفاد أنجيلو إدوارد، منسق آرو بويز، أن أفضل طريقة لهزيمتهم هي أن نجلس جميعاً معاً مجموعة آرو بويز والجيش الشعبي لتحرير السودان وقوات الدفاع الشعبية الأوغندية بغرض الاتفاق على استراتيجية موحدة، ثم نذهب نحن الثلاثة إلى الأحراش معاً لملاحقتهم، وخلال شهر واحد أو اثنين سيختفي جيش الرب للمقاومة من هنا.

منظمة الإغاثة في مأزق

من جانب اخر بناء المخيمات وما يترتب على ذلك من خطر الاعتماد عليها لفترات طويلة أو عدم بناء أي منها والاكتفاء بالنظر إلى الاحتياجات الأساسية وهي تتزايد.إنها الدوامة التي تواجه موظفي الإغاثة في جنوب السودان وسط مغادرة أفواج كبيرة وغير متوقعة من العائدين شمال البلاد في الفترة التي تسبق الاستفتاء على الانفصال في الجنوب.

وقد أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أوتشا أن ما يقرب من 92,000 شخص من أصل جنوبي كان العديد منهم قد نزحوا خلال عقود الحرب الأهلية قد عبروا من الشمال إلى الجنوب موضحاً أن معدل العودة في تزايد.  وغير أن المشكلة هي أن الكثيرين يعودون عن طريق استقلال الحافلات، وينزلون عنها في المدن الجنوبية الكبرى دون وسيلة لإكمال رحلتهم إلى مناطقهم الأصلية.

وفي أويل، عاصمة ولاية شمال بحر الغزال، كان حوالي 5,000 من العائدين في طي النسيان هناك بعد قضاء أسبوع على الطريق.  كان العائدون في انتظار مساعدات أساسية للبقاء على قيد الحياة مثل المياه وخدمات الطوارئ الصحية ودورات المياه كما كانوا بانتظار رسالة من حكومة الولاية حول ما ينتظرهم في المرحلة التالية بحسب شبكة ايرين الانسانية.

ويقول مسؤول بالأمم المتحدة في المنطقة أن العائدين ما زالوا يخيمون في الهواء الطلق في مستوطنة مؤقتة يتضاعف حجمها مع وصول المزيد من الوافدين. وقال جيوفاني بوسكو، مدير مكتب أوتشا بجنوب السودان أن إنشاء مخيم رسمي يعني أن الناس سيصبحون معتادين على المساعدة التي تقدم في المخيم وهو ما يخلق مقاومة لإغلاق هذه المخيمات أو إزالتها.

ومع تطلع جنوب السودان إلى الاستقلال، يسود قلق كبير من إقامة العديد من المخيمات الجديدة خارج المدن في الولايات الحدودية المضطربة مثل ولاية شمال بحر الغزال وأعالي النيل نظراً للمستويات المنخفضة للبنية التحتية في الجنوب والحاجة الملحة لبداية أعمال التنمية الطويلة الأمد بعد الاستقلال.  وأضاف بوسكو أن الأمر قد يستغرق سنوات لإغلاق المخيم والقيام بعملية إعادة توطين سليمة وبحلول مستدامة.

ولكن الوضع المزري في مخيمات الوصول المؤقتة يستلزم استجابة يقر مجتمع الإغاثة أنها قد تؤدي إلى عواقب على المدى الطويل.  وفي هذا السياق، قالت ليز جراندي، منسقة علميات الأمم المتحدة الإنسانية في الجنوب: في بيئة طوارئ، إذا كان السكان بحاجة إلى المساعدة بغض النظر عن مكانهم، فإننا نتدخل ونحاول تقديم المساعدة إليهم.

وأضافت قائلة: لكننا واضحون جداً بشأن أن حزمة إعادة الاندماج التي تكون عادة ما يعادل تقريباً ثلاثة أشهر من الدعم والغذاء لأسرهم التي يتم تسليمها في مناطق المقصد النهائي. وتتمثل السياسة العامة في الحيلولة دون تحول مواقع العبور إلى مخيمات للعائدين. ولكن إذا كان الناس في محنة في مناطق العبور فسنقوم بالاستجابة بكل تأكيد.

وقبل يوم من وصول قافلة يتوقع أن تضم أكثر من 600 أسرة، قال دانيل جار، المسؤول في ولاية شمال بحر الغزال المنوط إليه تسهيل وصول تلك الأسر من خلال لجنة إعادة التأهيل والإغاثة الحكومية أن الحكومة كانت تتوقع أكثر من 87,000 عائد قبل الاستفتاء.

وبسؤاله عن كيفية تخطيط الحكومة للتعامل مع تدفق الوافدين الجدد قال جار أن حكومته لا تملك الكثير لتقدمه غير قطع من الأراضي. وأضاف قائلاً: نحن نطلب دعم وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة. وعندما أعلنت حكومة جنوب السودان عن خطتها لجلب 1.5 مليون جنوبي إلى ديارهم قبل الاستفتاء على الاستقلال، قررت وكالات الأمم المتحدة بما في ذلك المنظمة الدولية للهجرة أنه لا يمكن للمجتمع الدولي قيادة برنامج العودة المنظمة المقترح من الحكومة نظراً لضيق الوقت ولإمكانية أن يتم تفسير هذا الجهد الخاص بالعائدين على أنه عملية سياسية، لاسيما من قبل حكومة الخرطوم.  

وفي غياب الدعم الدولي الكبير للعملية، فقد ثبت أن التمويل الأولي الذي خصصته حكومة الجنوب وحكومات الولايات غير كاف لدعم الأعداد الكبيرة للعائدين وخصوصاً الخطوة الأخيرة لتحرك الناس من المراكز الحضرية التي وصلوا إليها بالحافلات إلى مناطق المقصد النهائي في القرى والمناطق الريفية.

وطبقاً لما ذكره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أوتشا في العاصمة الجنوبية جوبا ووفقاً لمنظمات الإغاثة العاملة في مدن مثل أويل، فإن مشكلات تمويل المواصلات وتأخر الحكومة في تخصيص قطع الأراضي للوافدين الجدد يساهم بصورة مباشرة في خطر إنشاء المخيمات.

زعماء القبائل

فيما ينظر إلى رؤساء القبائل كلاعبين رئيسيين في النظام القضائي المختلط في جنوب السودان

كانت قائمة الضيوف مثيرة للإعجاب على الرغم من أن المناسبة كانت مجرد حفل لافتتاح قاعة مؤتمرات. ولكن وجود سفير الولايات المتحدة وحاكمة الولاية وغيرهما من كبار المسؤولين كان دليلاً على الاعتراف بالدور الرئيسي الذي يلعبه زعماء القبائل في حل الصراعات بولاية واراب وفي نظام العدالة المختلط في جنوب السودان.

ولا تعد واراب فقط واحدة من أفقر ولايات جنوب السودان العشر، بل هي أيضاً من بين أكثر الولايات تضرراً من العنف القبلي. ففي حادث واحد وقع في يناير 2010 على سبيل المثال، قتل 140 شخصاً في غارة لسرقة الماشية، وسرقت عدة آلاف منها.

وتخلق مثل هذه الغارات، والنزاعات الأقل فتكاً بين مختلف القبائل والأفراد، طلباً كبيراً على آليات للتعويض والعدالة العقابية ومنتديات للتفاوض حول إعادة الممتلكات المسروقة. وكانت القوى الاستعمارية في السودان قد كلفت زعماء القبائل بهذه الواجبات حيث عملوا في أسفل الهرم القضائي الذي كان يجمع بين عناصر القانونين العرفي والرسمي.

ولكن خلال عقود من الحرب الأهلية التي تلت استقلال السودان عام 1956، والتي استمرت حتى عام 2005، باستثناء فترة انقطاع واحدة فقط، انهار النظام القانوني الرسمي بالكامل تقريباً في الجنوب، وتعرضت قدرة زعماء القبائل على إقامة العدل وتسوية النزاعات لخطر شديد وسط ضباب الحرب.

وتعد محاكم زعماء القبائل الجزء الوحيد الفعال من النظام القضائي في أجزاء كثيرة من جنوب السودان. وقد أفاد تقرير أصدره معهد الوادي المتصدع ومعهد الولايات المتحدة للسلام مؤخراً، أنه يسهل الوصول إلى هذه المحاكم، كما أنها معروفة وفعالة ورخيصة نسبياً، مما يضمن تحقيق العدالة بشكل جيد وبصورة مدهشة في السياق العام.

كما ذكر التقرير أنه كثيراً ما يعبر الناس عن تفضيلهم لمثل هذه التسويات المرنة التي تقدمها محاكم زعماء القبائل عن طريق التفاوض، والتي تأخذ في الاعتبار السياقات الاجتماعية الخاصة بالمنازعات، بدلاً من أي تطبيق صارم للقوانين المكتوبة.

ومنذ وصولها إلى السلطة بعد اتفاق السلام الشامل عام 2005، تعمل حكومة جنوب السودان التي تتمتع حالياً بحكم شبه ذاتي ومن المرجح أن تصبح مستقلة تماماً بعد إجراء استفتاء من خلال قانون الحكم المحلي لعام 2009 من أجل إحياء وتعزيز نظام قانوني يلعب فيه زعماء القبائل ومحاكمهم دوراً حاسماً.

ومع افتتاح قاعة المؤتمرات في كواجوك عاصمة واراب، أصبح لدى زعماء القبائل أخيراً المكان، الذي دفعوا جزءاً من تكلفته من رواتبهم الخاصة، والذي يستطيع مجلس السلطة التقليدية أن يجتمع فيه لمناقشة القضايا الملحة وتبادل الأفكار حول تطبيق العدالة المحلية.

وقال باري ووكلي، القنصل الأمريكي العام في جنوب السودان، أثناء الافتتاح: في عام 2010، تأثرت واراب أكثر من غيرها من الولايات من العنف القبلي، وينبغي على زعماء القبائل لعب دور كبير في جهود المصالحة. ويشاركه الرأي جوك مادوت جوك، أستاذ التاريخ في إحدى الجامعات الأميركية، الذي ينحدر أصلاً من ولاية واراب وهو محلل متمرس على ديناميكيات الصراع في بلاده. وأضاف جوك، الذي يعمل الآن كوكيل وزارة لشؤون الثقافة في حكومة الجنوب، أن دور زعماء القبائل هام بوصفهم حراس التقاليد، ولديهم فهم للقيادة يستند إلى قربهم من الناس. كما أن الحكومة تعتبرهم جسراً بين سكان الريف والحكومة المركزية بحسب شبكة ايرين الانسانية.

وقال الزعيم القبلي غون مادول غون من مقاطعة قوقريال الغربية: كزعيم قبيلة، يجب أن تفهم الأمور التي تؤدي إلى الاختلاف، والتي يحتمل أن ينتج عنها جرائم، مقدماً الخلافات الأسرية حول المهر والزنى كأمثلة على الحالات الكثيرة التي يتم الفصل فيها في المحكمة العرفية في منطقته.

وقالت حاكمة ولاية واراب نياندينق مليك، المرأة الوحيدة التي تشغل هذا المنصب: بوصفي رئيسة لحكومة ولاية واراب، أنا على علم بأن السلطات التقليدية على قدر من الأهمية علينا أن نعيد إليهم حقوقهم من أجل مناصرة حقوق الإنسان.

كما تعهدت مليك بالعمل بشكل وثيق مع أكثر من 800 زعيم قبلي في مختلف أنحاء واراب لتعزيز السلام والاستقرار قبل الاستفتاء وبعده.

من جهته، قال ديل رمدينغ، عضو المجلس المحلي بحكومة الجنوب، أن على الزعماء القبليين منع الصراعات القبلية وتسويتها من خلال تطبيق القانون العرفي السلمي وتفعيل الآليات التقليدية لتسوية النزاعات والوساطة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/كانون الثاني/2011 - 4/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م