ثقافة عاشوراء وأهمية التكافل الاجتماعي

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: من القضايا الحياتية الهامة التي تحث عليها ثقافة عاشوراء، هي قضية التكافل الاجتماعي، وتقليل نسب المجاعات، والعوز، والحاجة، الى ادنى مستوياتها، من خلال حث الناس، على انتهاج سلوك التكافل، الذي يحمي الجميع من بعض آفات العصر القاتلة، كالفقر، والمرض، والتخلف، والظلم، والقهر، والحرمان، وهي حالات شائعة في العديد من المجتمعات المغلوبة على أمرها.

ويدعو الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، الى ضرورة انتهاج ثقافة التكافل، ونشرها بين عموم المسلمين، وذلك من اجل القضاء التام على حالات الفقر، والعوز التي يعاني منها المسلمون، في دول وحكومات تدّعي الاسلام شكلا، ولا تطبقه جوهرا.

وقد جاء في كتاب الامام الشيرازي الموسوم بـ (الاستفادة من عاشوراء) حول هذا الموضوع: (إن الأهواء النفسانية من جهة، والسياسة الاستعمارية غربية وشرقية من جهة أخرى، جعلت كثيراً من المسلمين يعرضون عن قوانين الله، ويتكالبون على الدنيا وملذاتها، لذلك بقيت الملايين من الحاجات معطّلة، فقلّت نسبة الزواج، وتفشت العزوبية بما تحمله من سلبيات، وأصبح كثير من الناس دون مسكن ومأوى، وفُقد الدواء أو قُل ارتفعت قيمته، ولم يتوفر العدد الكافي من المدارس والمعاهد العلمية، وتقلصت موارد الاكتساب وتعقدت شرائطه وكثرت قيوده، مما زاد في نسبة العاطلين عن العمل، كما بقيت كثير من الخدمات العامة متوقفة أمثال: تعبيد الطرق، وتوفير شبكات الري والكهرباء والماء، وغيرها).

وهكذا تطغي النوازع المادية على الروحية، فتنتشر حالات الفساد، في عموم مرافق الدول، التي ابتعدت في حكمها عن تعاليم الاسلام، التي تحث الجميع، لاسيما القادة، على أهمية تفضيل الآخر على النفس، أو على الاقل، أن تحب له ما تحب لنفسك ولذويك، لا أن تستأثر بالخيرات وتحصرها في ذاتك، ومعيتك، من ذويك وبطانتك.

ويؤكد الامام الشيرازي، على اهمية دور الخطيب والنخب التي تتصدر حراك المجتمع، في توظيف الثقافة العاشورائية وفوائدها، لتوجيه الناس وتحشيدهم وحثهم على أهمية التعاون، وبذل ما يمكن بذله من أموال ومساعدات، تصب في خلق حالة من التوازن بين الفقراء والاغنياء، ومنها على سبيل المثال تحصيل الخمس والزكاة في عاشوراء، اذ يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه بهذا الصدد:

(من الضروري ـ استثمار هذا الموسم لجمع الحقوق الشرعية من أخماس وزكوات لصرفها في مواردها من تقوية الحوزات العلمية والمؤسسات الإسلاميةـ ويؤكد على الخطباء والمبلغين بقوله ـ وعلى الخطباء والمبلغين تحريض الناس بالوصية بـ(الثلث) للأمور الخيرية والمؤسسات الإسلامية، ثقافية كانت أو صحية أو مهنية أو غيرها ـ كما ـ يجب ملاحظة صرف التبرعات ـ وفق ـ قانون «الأهم والمهم» و«الحسن والأحسن» فمثلاً جمع التبرعات للفقراء والمحتاجين قد يعطى بصورة آنية، وقد يعطى نماؤه بعد أن يوضع رأس المال في المضاربة، أو يشترى برأس المال الأملاك للانتفاع من إيجارها أو يستأجر للفقراء منازل يسكنون فيها أو تشترى لهم دور توقف لسكناهم ما داموا فقراء). 

ويؤكد الامام الشيرازي، على دور المؤسسات الانمائية في هذا المجال، فيطالب في كتابه نفسه بضرورة: (الاهتمام بالمؤسسات الإسلامية، كماً وكيفاً وأن يهتم الخطباء وأصحاب المجالس بإنشاء المؤسسات، وذلك بتحريض الناس وتشجيعهم على الإسهام في تهيئة الوسائل والمقدمات).

ولا ينبغي أن يقتصر الامر على المؤسسات، بل ثمة دور هام للافراد وأنشطتهم التي تصب في صالح الاقتصاد وتطويره، وهو أمر يساعد على مضاعفة الايرادات، وضمان العيش الذي يليق بالانسان، حيث يدعو الامام الشيرازي الى الكسب والعمل المتواصل فيقول في الكتاب نفسه: (الاقتصاد الناجح إنما يكون بالاكتساب والاستثمار والزراعة والتجارة والصناعة وحيازة المباحات، فمن الضروري أن يحرض الناس على الاكتساب، ويشجعوا على النشاط والهمّة والتوسع في الأعمال، وهذا مما يوجب تقليل نسبة البطالة بين صفوف المسلمين وغيرهم).

وهكذا يمكن أن تُستثمَر الثقافة العاشورائية، في مجال التكافل والقضاء على الفقر، من خلال جملة من الخطوات الصحيحة، التي يتبناها المعنيون من نخب الامة، بالاضافة للدور الداعم من قبل الافراد، ولابد أن يؤدي مثل هذا التعاون المبرمج، الى تحقيق نتائج تصب في صالح الجميع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/كانون الثاني/2011 - 4/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م