هل التعليم غارق في التشدد والكراهية وما هو أعظم؟

علي ال غراش

لقد تم تغيير مسمى وزارة المعارف السعودية للاسم الجديد وزارة التربية والتعليم، رغبة في التغيير نحو الأفضل على مستوى التربوي والتعليمي، بعد فشل الوزارة تحت المسمى السابق في إيصال المعارف والعلوم إلى عقول الطلبة وترسيخها، وبناء جيل متعلم ومتسامح ومنفتح ومبدع.

 بل الذي حدث هو العكس تماما بسبب سيطرة أصحاب التوجهات الدينية المتشددة على الوزارة وفرض رؤية أحادية الاتجاه على جميع الطلبة، واعتماد طريقة التلقين والحفظ على حساب التفكير والمناقشة والحوار والبحث والتجربة والإبداع العلمي، بل التدخل في المناهج العلمية التخصصية وصياغتها حسب توجهاتهم لتصبح مجرد قشور علمية.

 ووصل الأمر بمنع الطالبات من ممارسة الرياضة في المدارس المغلقة، مما ساهم في ضياع "رسالة التعليم"، لا علم ولا معرفة ولا صحة بدنية ولا تدين كما ينبغي - أي لا فكر ولا تدين ولا صحة -، بل تكريس للفكر الأحادي المتشدد وللكراهية والطائفية البغيضة، ومعلومات لا تغني ولا تسمن من جوع. وأدى ذلك إلى تخريج طلاب أصنافهم أربعة: طلاب مستواهم التعليمي وبالخصوص في المجال العلمي متدني جدا؛ طلاب أصحاب أفكار وتوجهات دينية متشددة متطرفة؛ طلاب محبطين متشائمين يعانون من التمييز وإثارة النعرات البغيضة والازدواجية بسبب تدريسهم بالإجبار مناهج - لا تراعي التنوع الفكري والمذهبي- ولا تتوافق مع مبدأ التعددية والوطنية بل تطعن في معتقداتهم وأفكارهم، وممارسة العكس في الخارج؛ طلاب بلا علم ولا دين ولا (...) رغم جميع سنوات الدراسة المليئة بمواد الدين!.

وبلا شك ان بعض المناهج كانت لها نتائج سلبية على الوطن والمواطنين، وسببت حرجا للجهات الرسمية نتيجة ما تحمله هذه المناهج من فكر يصنف بالمتشدد والمتطرف (..)، ولقد تم تطوير بعضها بما يناسب المرحلة كما يقول المسؤولون في الوزارة.

ولكن هل تغيير المسمى إلى وزارة التربية والتعليم وتطوير بعض المناهج ساهم في تحسين الوضع التعليمي؟

في الحقيقة الوضع ما زال سيئا، وجعل الطلبة يفقدون التربية والأخلاق بعدما فقدوا في السابق المعارف وليس على مستوى الطلبة بل على مستوى المعلمين، ففي كل عام دراسي تحدث خلف جدران المدارس فضائح متنوعة: تعاطي للممنوعات واعتداءات جنسية وضرب وشتم، ونشر للفكر المتشدد والتكفيري وممارسات طائفية بغيضة يخجل المرء من ذكرها، تحدث في مدارس البنين والبنات أبطالها بعض المعلمين والمعلمات!

اغلب تلك الحالات مصيرها الإخفاء والتستر، والقليل جدا يخرج للعلن، كما حدث مؤخرا في إحدى مدارس المنطقة الشرقية من اعتداء معلم مادة التربية الإسلامية على عدد من الطلبة جنسيا، ولولا شكاوى الأهالي وعدم قبولهم بالسكوت والصمت خوفا من الفضيحة كما يحدث في المجتمع كالعادة، لكان مصير القضية كالعديد من الحالات السابقة. والأكثر ألما ان معالجة اغلب حالات التحرش والاعتداء يتم عبر نقل المعلم إلى مدرسة أخرى، أو إلى مدرسة في بلدة أو منطقة أخرى أو ترقيته!

الوطن ملك للجميع، ومن أولويات المواطنة حصول كل مواطن على كامل حقوقه ومنها حق التعليم مجانا بدون تفريق وتمييز أو طعن في عقيدة وفكر بعض المواطنين، وان يحظى المواطن بالاحترام والكرامة في وطنه، ولأجل بناء جيل واعي ومتماسك ومتعاون ومنسجم فيما بينه، في وطن حقيقي متقدم يجمع كافة المواطنين تحت مظلة العدالة والمساواة والتعددية والكرامة رغم الاختلاف الفكري والمذهبي والمناطقي، لابد من توافر مؤسسة تعليمية تحترم العلم والمعرفة والعقول والتنوع عبر المناهج التي تكرس مفهوم الوحدة الوطنية، وتتجنب فرض الفكر الأحادي والتشدد والكراهية للآخر وبالخصوص لأبناء الوطن، وعبر الاستفادة من تجارب الناجحين في العالم في المجال التعليمي، وبذلك يتم صناعة جيل يتسلح بالعلم والمعرفة الشاملة ومحبة الوطن.

هل حقا وزارة التربية والتعليم تحولت إلى وزارة لا تعليم ولا تربية، غارقة في التخبط والتشدد والكراهية والفساد، وان ما خفي في دهاليزها أعظم، بسبب المناهج وعقلية بعض المسؤولين والمعلمين؟

حفظ الله الوطن وكافة المواطنين والمسؤولين المخلصين،... وتحية شكر وعرفان لكل المخلصين في وزارة التربية والتعليم.

وللحديث تتمة...

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/كانون الثاني/2011 - 3/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م