
شبكة النبأ: "يُحدث هذا التقرير توازن
بين أولئك القلقين بشأن العراق وأولئك المتفائلين جداً. ففي لهجته تحد
يلائم بحثاً سياسياً يسعى للفت نظر إدارة أوباما إزاء مجموعة من
القضايا في غاية الأهمية. وكما ينص السطر الأول من الملخص التنفيذي
بشكل قاطع بأن: العراق ما يزال معلق في الميزان". بحسب معهد واشنطن
لسياسة الشرق الأدنى.
إننا لم نعد نسيطر على العراق - إذا كنا فعلاً قد سيطرنا في أي وقت
مضى - لكن نفوذنا هناك ما يزال كبيراً وإن لم يكن متساوياً مقارنة بعدد
القوات التي تم نشرها في تلك البلاد.
أود التركيز على عناصر التقرير التي تبني على استنتاجين - وتحديداً
على مفاهيمنا للشَرطية نظراً لهذا النفوذ المحدد بصورة أكثر والذي ما
يزال كبيراً، وكيف نقترح استخدامه لتحقيق الأهداف الأمريكية الرئيسية
في العراق.
لكن قبل القيام بذلك، يجب أن أقول كلمة أو اثنتين عن استنتاجنا
الحاسم حول محورية السياسات الداخلية العراقية في حماية المصالح
الحيوية الأمريكية في العراق.
مهما فكرنا في التأخيرات الطويلة في تشكيل الحكومة العراقية، من
الواضح أن العملية الانتخابية قد أسفرت عما أسمّيه سياسات حقيقية. صحيح
أنها فوضوية ومتحيزة، لكنها تعكس سياسات خشنة ومضطربة لنظام حكم منقسم
جداً لا يمكنه البقاء بأية طريقة أخرى. ولو أثبتت حكومة المالكي بأنها
تمثل الشعب بشكل واسع وإذا كانت هناك معارضة مخلصة في البرلمان، فتوجد
احتمالات لتحسين الاستقرار والتي من شأنها أن تخلق وقتاً لمعالجة
الإصلاحات الدستورية المطلوبة بشدة وغيرها من الإصلاحات الأخرى"....
"... ينبغي أن نواجه الحقيقة وهي أنه من غير المرجح أن يكون
العراقيون قادرين على معالجة القضايا الدستورية والسياسية الجوهرية
وغيرها وحدهم. يجب أن لا نستمر في الوقوع في نفس الخطأ الذي كنا نرتكبه
في السنوات الأخيرة، عندما تم وضع الأولويات الأمنية قبل كل الأولويات
الأخرى. وهذا في رأينا أعطى القادة العراقيين المبرر لترسيخ الوضع
الراهن.
ولذلك، فبالنسبة لنا يجب على الولايات المتحدة أن ترى بوضوح أنها لا
تستطيع أن تكون واثقة من منع اندلاع حرب أهلية أو قيام عدم الاستقرار
في العراق ما لم يستمر التقدم على مسار الديمقراطية والشفافية وسيادة
القانون في أخذ مكانه.
وإذا فشلت سياسات العراق الداخلية في الثبات بصورة أكثر - أي في
الواقع، إذا انهار الإطار السياسي الداخلي الحالي - فمن المرجح أن
تتبخر المكاسب الأمنية التي تحققت، وستكون لها عواقب مدمرة للاقتصاد.
ويمكن لهذه المجموعة من العوامل أن تسفر بسهولة عن عودة العنف
الطائفي أو الحرب الأهلية وتؤدي إلى سلسلة من الكثير والكثير من
السياسات التدخلية من إيران أو من جيران العراق الآخرين.
ولهذا السبب، نعتقد أن هذا هو المجال الذي ينبغي على الولايات
المتحدة أن تمارس فيه نفوذها المتبقي، وتحديداً في المجالات التي ستريد
فيها القيادة السياسية العراقية على الأكثر إبعاد الولايات المتحدة.
ومن الواضح أن هذه تشبه جوزة يصعب كسرها أو خطاً دقيقاً يجري السير
عليه، لكن استنتاجنا له دلالة مذهلة: ينبغي على الولايات المتحدة أن
تجعل عملياً بأن يكون كل جانب آخر من سياستها تجاه العراق أمراً أقل
أهمية وأن تكون على استعداد لتقديم تضحيات كبيرة في هذه المجالات لكسب
التقدم في المجال السياسي الداخلي. إن كل عنصر آخر تقريباً الذي له صلة
بالعلاقة الأمريكية العراقية يحتاج أن يُنظر إليه كوسيلة ضغط لدفع
العراقيين للقيام بما هو ضروري في مجال المزيد من التطور السياسي. وكما
عبّرنا عن ذلك بشكل أكثر إثارة في صلب التقرير، ينبغي على الولايات
المتحدة أن تكون مهتمة بالشراكة مع العراق وليس بميثاق انتحاري.
إن هذا يعيدني مرة أخرى إلى مفهومنا للشَرطية. فما دام قادة العراق
يوجهونه في اتجاه يخدم المصالح الأمريكية على نطاق واسع، ينبغي على
الولايات المتحدة أن تبقى مستعدة لمساعدة العراقيين بسخاء. لكن إذا
أظهروا عدم الرغبة في التصرف بطريقة تتفق مع دستورهم، أو إذا انخرطوا
في سياسات ستسهم من وجهة نظرنا في عدم الاستقرار وربما في حرب أهلية،
فعندئذ يتعين على الولايات المتحدة إعادة تقييم التزاماتها على كافة
الأصعدة.
لقد ذهبَتْ دون رجعة تلك الأيام التي كانت تتمكن فيها الولايات
المتحدة من إملاء ما تريده على العراق - إذا كانت حقاً قد استطاعت
القيام بذلك في أي وقت مضى. كما ولّت أيضاً تلك الأيام التي سعت فيها
الولايات المتحدة إلى تلك السيطرة بسبب اعتبارات سياسية محلية. فبعد
توقيع "اتفاقية الإطار الاستراتيجي" وانتخاب الرئيس [أوباما] الذي تعهد
بالانسحاب الكامل من العراق، يقع الآن عبء الأداء الحكومي والاقتصادي
على القيادة العراقية. ويحتاج هؤلاء القادة اليوم إلى إحراز تقدم
للحفاظ على شرعيتهم الخاصة والإمساك بزمام السلطة، وهو ما يوفر نفوذاً
لواشنطن.
وبما أن المعيار الأكثر أهمية الذي سيتم بموجبه تقييم النظام
السياسي - بعد توفير الأمن - هو تقديم الخدمات الأساسية وخاصة الكهرباء
وزيادة فرص العمل، لذا فإن مساعداتنا للعراق في مجال الاقتصاد والحوكمة
ينبغي أن تكون مشروطة بقيام الحكومة بوضع آليات رقابة ومساءلة لضمان
استخدام عوائد النفط العراقي لهذه الأغراض.
وسيكون لذلك دلالات في غاية الأهمية لما أعتقد أنه يجب أن يكون جوهر
تفاصيل "اتفاقية الإطار الاستراتيجي". لقد كانت تلك "الاتفاقية" مهمة
سياسياً لأنه كان يُنظر إليها بشكل صحيح كإشارة من العراقيين بأنهم لم
يريدون بناء علاقتهم مع الولايات المتحدة حصراً على الجوانب الأمنية.
لقد أرادوا توسيع نطاقها. يجب علينا أن نفعل الشئ نفسه أيضاً.
ومع ذلك، فإن أحد العناصر الحساسة في الاتفاقية يتعلق بالفعل
بالأمن، ويبدو واضحاً أن الولايات المتحدة ستحتاج أن تتفاوض أو تعمل
على تمديد اتفاقية جديدة لوضع القوات ("سوفا"). وهنا ثانية مجال نحتاج
فيه أن نُبقي أهدافنا الجوهرية ومصالحنا الحيوية في العراق تحتل مركز
الصدارة في أذهاننا.
وكما نؤكد في التقرير- ما يزال لدى الولايات المتحدة قدر هائل من
النفوذ مع العراق لكنه نفوذ وليس سيطرة. ولا تستطيع الولايات المتحدة
أن تأمر العراقيين بالموافقة على اتفاقية جديدة لوضع القوات ("سوفا")،
ناهيك عن اتفاقية مبنية كليةً على شروط أمريكية. ومع ذلك، فمن وجهة
نظرنا يجب أن يكون شكل "اتفاقية وضع القوات" «ملائم» [لنوع العلاقات]،
وينبغي على واشنطن أن تتمسك بثلاثة معايير حساسة ومتداخلة عند دخولها
هذه المفاوضات، وهي كما يلي:
• بالنسبة للولايات المتحدة، يجب أن تحافظ "اتفاقية وضع القوات" على
قدرة القوات الأمريكية على العمل كقوات لحفظ السلام وتكون، بصراحة،
الضمانة الأخيرة لسيادة القانون في العراق. وكما أوضحنا في التقرير:
"لا يمكن للوجود الأمريكي أن يصبح خيالاً أو واجهة لتغطية نظام فاسد
وعنيف بشكل متزايد."
• يجب على العراقيين أن يفهموا أن "اتفاقية الإطار الاستراتيجي"
بكاملها مقيدة بالتوقيع على اتفاقية جديدة لوضع القوات ("سوفا")، بحيث
تفي "سوفا" الجديدة بالاحتياجات الأمريكية، وهو أعظم مصدر لنفوذ
الولايات المتحدة.
• ثالثاً، وربما الأكثر إثارة للجدل يجب أن تكون الولايات المتحدة
مستعدة للابتعاد إذا كانت حكومة العراق غير راغبة في الموافقة على
اتفاقية "سوفا" من هذا القبيل.
وبإدراكنا أن أي تفاوض يتطلب الأخذ والعطاء، فمع ذلك نعتقد أن أي
حكومة عراقية تكون غير مهتمة بنوع من الوجود العسكري الأمريكي الكافي
بعد عام 2011 يعمل كضامن للاستقرار العراقي ولاستمرار تطور البلاد
كدولة ديمقراطية، هي بالفعل حكومة تسير في اتجاه سيعرّض الجنود
الأمريكيين وكذلك الاستقرار العراقي للخطر. وهذا النوع من الحكومات هو
ما لا ينبغي للولايات المتحدة أن تدعمه.
وبتعبير أبسط يجب على الولايات المتحدة أن تَحْذر من أن ترغب [في
توقيع] اتفاقية جديدة لوضع القوات ("سوفا") أكثر مما يرغبها العراقيون.
وأما عن النفوذ الذي نتمتع به على الجانب الاقتصادي من المعادلة،
فإنه يختلف عن فترة بوش عندما كانت الولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى
إحراز تقدم في كل قطاع، من أجل كسب القلوب والعقول في العراق، وتأمين
دعم شعبي في الداخل تجاه زيادة [عدد القوات الأمريكية العاملة في
العراق] وتأييد لسياساتنا. فلم تعد لدينا مصالح حيوية في هذا المجال
باستثناء التحذيرين: النفط والمياه.
ورغم ذلك، وحيث يوضح تقريرنا التحذير الأول فإنه من مصلحة العراق أن
ينتج النفط. وبالطبع، باستطاعتنا أن نساعدهم على القيام بذلك، لكن
ينبغي أن يتركز انتباهنا على العملية التي تحوّل برميل نفط مُباع إلى
سلع وخدمات يتوقها الشعب العراقي مثل زيادة انتاج الكهرباء، ومد شبكات
المياه والصرف الصحي، والطرق، وإنشاء المدارس، والعيادات الصحية،
وتوفير فرص العمل.
وهذا يعني أن مجالات المساعدة الرئيسية ضمن "اتفاقية الإطار
الاستراتيجي" ينبغي أن تركز بشكل أساسي على بناء القدرات من خلال تقديم
المشورة الفنية والخدمات الاستشارية ونقل التكنولوجيا والمعرفة إلى
المجالات الرئيسية للاقتصاد العراقي.
ومرة أخرى، فإن الموافقة على تقديم مساعدة من هذا النوع ينبغي أن
يتم جعلها تتوقف على اتخاذ السلطات العراقية خطوات محددة على الصعيدين
الوطني والإقليمي لتفعيل آليات الشفافية والمراقبة والمساءلة التي تهدف
إلى تقليل الفساد ومنع الآثار السلبية التي تسببها "لعنة النفط" كما
يُنظر إليها في العديد من الدول الأخرى المنتجة للنفط.
وعلى نحو يثير الامتنان، فإن كل ما دعَوْنا إليه تقريباً يتوافق مع
ما نشرته الحكومة العراقية حول ما تريده في مجالات الحكم والأمن
والتنمية. فعلى سبيل المثال، تؤكد "خطة التنمية الوطنية العراقية"
الجديدة على تلك الجوانب، كما تضع "اتفاقية الإطار الاستراتيجي" هي
الأخرى أهدافاً طموحة ومحددة أيضاً للعلاقات الأمريكية العراقية في
المستقبل. ومع ذلك، هناك حاجة إلى اليقظة والوضوح، فقد ضحى الأمريكيون
بالكثير جداً في الأرواح والمال من أجل العراق الجديد.
وبالتالي، نحتاج إلى حماية هذا الاستثمار لا تبديده.
ولذلك، أود ببساطة أن أعيد التأكيد على النقطة الأساسية: ينبغي لنا
أن نضمن أن كل ما يريده العراقيون - من أدوات مساعدة قتالية مثل
الاستخبارات، إلى المساعدة مع الكويتيين أو المياه - يُستخدم لزيادة
النفوذ على سياسات العراق الداخلية، مركز الجاذبية في العراق، والذي
سيتم فيه في نهاية المطاف تقرير مصير العراق ومصير المصالح الحيوية
الأمريكية في تلك البلاد".
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |