حاجة المسلمين الى بناء الحكومة المعاصرة

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: في ظل التطورات المتسارعة، في ميادين الحياة كافة، يحتاج المسلمون، كما هو شأن غيرهمم من الامم والشعوب، الى بناء حكومة ذات مواصفات عصرية، قادرة على تحقيق مقتضيات العصر، وفقا لرؤية الاسلام، في تحقيق هذا الهدف، بما يضمن الحريات، ويدعم المواهب، ويحترم كرامة الانسان، لكي يكون ذا مقدرة على التواصل، والانتاج الجيد، والنجاح في دوره كإنسان محترم، يسهم ببناء الحياة الفردية، والعائلية، والمجتمعية بصورة عامة.

ولكن في حالة غياب التخطيط، تبقى الاهداف بعيدة المنال، مهما كانت سهلة التحقيق، لأن الفوضى مهما قلّ خطرها او حجمها، لا يمكن أن تقود الشعب، او الامة، او حتى الفرد، الى الهدف المنشود، والمسلمون كما يبدو، يعيشون نوعا من الفوضى المضادة لتحقيق الاهداف، التي يسعى لها الجميع، في هذا العصر المتصف بالسرعة، والتجدد والتطور المتصاعد.

يقول الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الحسين –ع- مصباح الهدى) بهذا الصدد:

(إن الفوضى التي تشاهد في بلاد الإسلام دليل على اليأس، بل حالها حال التثاؤب الذي يتّصف به الناعس بعد نوم طويل، حيث ان التثاؤب في هذا الحال، دليل الشروع في اليقظة، لا الأخذ في النوم، وقد نام المسلمون طويلاً طويلاً حتى قُسِّمَتْ بلادهم، ونُهِبَتْ أموالهم، وهُتِكَتْ أعراضهم، واُريقَتْ دمائهم، وسادَتْ فيهم القوانين الكافرة، وعمّت فيه الفوضى والجهل والمرض والفقر والعداء والفرقة، والآن أخذوا يتثائبون للنهوض. فإذا تمكّنوا من جعل برامج صحيحة للنهوض، لوصلوا إلى هدفهم السامي بإذن اللّه تعالى).

إذن تبدو حاجة المسلمين الى التنظيم، ومغادرة الفوضى، أمرا مهما لتحقيق حكومتهم المعاصرة، التي يمكنها أن تؤمن لهم العيش الكريم، وتدفع بهم الى مصاف الامم المتقدمة، التي استطاعت ان تبني نفسها، بالتنظيم والتخطيط في الميادين كافة، واهمها، الميدان السياسي الذي يقود الميادين الاخرى، فإذا نجح السياسيون بقيادة الامة بالاتجاه الصحيح، فإن هذا النجاح، سيقود الى نجاحات اخرى، في الميادين الحياتية الاخرى، وهنا لابد أن يعرف القادة المسلمون، كيفية التعامل مع السلطة وادارتها، لأن السلطة كما هو معروف لها سحرها الذي غالبا ما يعمي البصائر والابصار، إلا اذا كان الحاكم مؤمنا بالله تعالى، وبرسالة رسوله الاكرم (ص)، وبخط آل البيت (ع) أجمعين، قولا وفعلا، وبذلك يكون محصنا من الانزلاق في سحر السلطة، وغرورها القاتل، وهنا يحذر الامام الشيرازي القادة المسلمين، من الضعف ازاء السلطة، واللجوء الى وسائل القهر والاستبداد، فيقول في كتابه نفسه في هذا المجال: (لا يتوهّم أحد ان الإسلام إذا أخذ بالزمام يعمل استبداداً، أو ينتقم، أو يعمل عملاً ممّا تعمله حكومات الشرق والغرب).

ويضرب الامام الشيرازي مثلا لقادة المسلمين، فيقول لهم بكتابه نفسه، بوضوح لايقبل الشك:

(اللازم أن يعرف الجميع من الرؤساء، والأثرياء، والعلماء، وسائر الناس من أصحاب الحرف والمؤسّسات: بأنّ الإسلام إذا أخذ بالزمام يعمل بالنسبة إلى الرؤساء والاُمراء بما عمله رسول اللّه - صلى الله عليه وآله وسلم- حيث قال لهم: إذهَبوا فأنتم الطلقاء).

وهذا يدل على إن الحكومة الناجحة، ينبغي أن تأتي من الشعب نفسه، ومن اوساط الامة نفسها بوسائل الشورى، التي اكدها الامام الشيرازي في مؤلفاته العديدة، فالشورى كمصطلح يقابل مصطلح الديمقراطية المعاصر، وهو نقيض الاستبداد والتفرد بالسلطة، كما ينبغي أن يعامل الحاكم او القادة شعوبهم بالحسنى، وأن يحموا حقوقهم، وأن يفعلوا ذلك بالتخطيط المنضبط، وتسيّد النظام والالتزام في جميع الميادين التي يتحرك فيها الحاكم والمحكوم، وأن تبتعد السلطة عن استخدام اجهزتها في الاساءة للاخرين، وفقا لمنطق القوة الذي تتمتع به، وهنا يذكّر الامام الشيرازي قادة اليوم بالتجربة القيادية العظيمة لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) حين قاد دولة الاسلام بأروع طرق القيادية، وسبلها القائمة على الشورى والعدل والمساواة بين الجميع، فيقول الامام الشيرازي في هذا الصدد بالكتاب نفسه:

(كانت حكومة أمير المؤمنين -عليه السلام- أكبر دولة في عالم ذلك اليوم، تمتد من أواسط افريقيا إلى أواسط آسيا، ممّا عَـدَّ بعض العلماء انّ دولته -عليه السلام- كانت تشمل خمسين دولة في خريطة عالم اليوم. ومع ذلك كان يعفو عن المسيء، ولا يأخذ المال من أحد ظُلماً، ويقسم الفيء بين المسلمين).

اذن فالحكومة المعاصرة هي التي تلتزم بمبدأ التشاور وتنبذ الاستبداد، وتحافظ على الحريات، وتحميها، وتعتمد النظام والتخطيط سبيلا للنهوض بالمجتمع، وتعتمد الحوار، وتنبذ العنف مع المواطنين، وصولا الى الاهداف التي تحفظ حقوق الجميع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/كانون الثاني/2011 - 27/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م