عراقي من دون رصيد

محمد علي جواد تقي

إنها لمفارقة محزنة حقاً أن تبحث حكومتنا المنتخبة عن (مباركة) لها من دول يبحث فيها عراقيون مضطهدون عن كرامتهم وحقوقهم المشروعة، والأنكى من ذلك، أن تساعد هذه الحكومة دولة اقليمية على الافراج عن شباب دخلوا العراق بصورة غير شرعية ونفذوا عمليات اجرامية دموية، فيما يقبع شباب عراقيون في سجون هذه الدولة منذ فترات  طويلة وفي ظروف يرثى لها، ولا من مغيث.

هذا ما يحصل في علاقات العراق مع الجارة السعودية، فهي تتميز عن بقية الدول التي لها معتقلين عراقيين بتهم متعددة، أنها تعرض المعتقلين للموت بقطع الرأس باحكام ترتضيها هي وحسب، ولا شأن لها بالعالم الاسلامي ولا العالم بأسره.

 لا علينا بالسعودية والنهج العقائدي الذي تتبعه او حتى طريقة تعاملها، اذ لكل بلد منظومة من الثقافة الاجتماعية والسياسية لها علاقة بالتاريخ والتراث وغير ذلك. لكن لنا نتسائل؛ كيف يروق لحكومتنا أن تبحث عن ردود الفعل الايجابية من السعودية إزاء ولادة الحكومة بعد المخاض العسير، ولا تبحث عن الاوضاع السلبية للمعتقلين العراقيين في السجون السعودية بقطع النظر عن التهم التي ساقتهم خلف القضبان؟

أحد نواب التحالف الوطني القريب من قمة هرم السلطة، يقول: ان مواقف السعودية إزاء تشكيل الحكومة يدلل على مواقفها السابقة... كما لو ان هذا النائب الذي لا ينقل رسالة خاصة منه الى السعوديين، يشير الى ان إعادة الارهابيين السعوديين سالمين الى عوائلهم، لم يكن (عربوناً) كافياً لإزالة المخاوف من تأثير نظام حكم ما بعد صدام على النظام الحاكم في السعودية.

ولنفترض ان السعودية أصدرت بياناً باركت فيه – نفاقاً- تشكيل الحكومة الجديدة، هل كان الماء البارد ينزل على قلب هذه الحكومة لأنها أضافت نقطة ايجابية أخرى في سجلها الاقليمي؟

السؤال الآنف الذكر، يبدو غير مبرراً من الناحية السياسية، لأن الانسان العراقي مرغوباً ومطلوباً كالعملة الصعبة في الحملات الانتخابية، فأوراق الاقتراع التي يلقيها في الصندوق هي التي ترفع هذا وتضع ذاك – على الأغلب طبعاً- أما الآن وقد استلم كلٌ حصته من الحكم، فان الاستحقاق سياسيٌ والأهم حالياً هو استحصال رصيد مطمئن من العلاقات الاقليمية والدولية تخدم هذه الحصة وايضاً المستقبل السياسي للثلاث سنوات القادمة.

أما العراقي في بلاد المهجر، فعليه أن يبحث عن رصيده بنفسه من خلال اقامة العلاقات المهنية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية ليكون صاحب رصيد يمكنه من العيش بسلام وهناء، أما من يفتقد هذه المواصفات لسبب أو لآخر او قصرت يده عن الوصول الى هذا أو ذاك، فانه سيكون مثل العملة المطبوعة بكثرة بصورة جميلة لكنها (من دون رصيد)، فهي مشبوهة ومطاردة وايضاً مهددة بالتمزيق والابادة الكاملة.

لتعلم الحكومة المنتخبة إن رصيدها الحقيقي يكمن في قلوب وعقول العراقيين أينما وجدوا، فهم أصحاب قضية التغيير الكبير الذي حصل في التاسع من نيسان عام 2003، وليس في دول تنطوي علاقاتها معنا أبداً بالكراهية والعداء ليس لشيء سوى لأننا نريد ان نحكم أنفسنا بأنفسنا وليس كما عهدوه مع (صدام) ومن قبله، وان يستعيد قوته ومكانته الحضارية في المنطقة.

 ولتعلم الحكومة أمراً آخراً موازياً، أن افتقاد العراقي لرصيده المعنوي والوطني يجعلها في أعين الدول القريبة والبعيدة على شكل أشخاص يمثلون أنفسهم، تهمهم مصالحهم المالية والسياسية وحسب. وهذا ما يجب ان تخشاه الحكومة أكثر من خشيتها على رصيدها السياسي لدى هذا وذاك.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/كانون الثاني/2011 - 27/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م