الجزائر... استبدال الوطن ام تغيير الهوية

شبكة النبأ: تفقد السلطة الجزائرية تدريجيا سيطرتها على الأوضاع الأمنية في البلاد، لاسيما بعد ان ظهرت مصالح خاصة بين المسئولين في الحكومة أدى الى الإهمال بمصالح الشعب وخدماته خاصة بعد ان بدأ توزيع المناصب والوزارات وبحسب ما يراه المحللون على أساس المعارف والأصدقاء.

بالإضافة الى ذلك فأن المحاكم الجزائرية ممتلئة بقضايا التزوير وانتحال الشخصيات الكبيرة في حكومة بوتفليقا، حيث شهدت البلاد عمليات كثيرة من النصب والاحتيال عن طريق استخدام أسماء تشبه أسماء وزراء لديهم تأثير كبير على الشارع الجزائري لما يشغلوه من مناصب رفيعة المستوى، وهذا يدل على ان هذه الشبكات التي تقوم بالنصب لا تخشى من العقوبة حتى وان وجدت استهزاءا بالقوات الأمنية.

ولعل هذا ما جعل العديد من المواطنين الجزائريين يطالبون بالحصول على الجنسية الفرنسية ليتخلصوا من المستوى المعيشي المتدني وبدأت حياتهم بعيدا عن أرضهم التي عانوا فيها من غياب الأمن وانتهاك الحقوق، وما زال الأمر سوءا هو وجود الجماعات الإرهابية التي أتعبت القوات الأمنية وعجزت الأخيرة عن السيطرة عليها والتصدي لها حتى وصل الأمر الى ان القوات الأمنية تدرس فكرة تسليح المواطنين المدنيين لمحاربة الإرهاب كوسيلة لمساعدة قوات الأمن وزيادة الضغط على الإرهاب.

الحرب الأهلية

فقد نشر في صحيفة الاندبندنت تقرير للصحفي البريطاني المخضرم روبرت فيسك عن الاحتفال الذي أقيم في الجزائر بمناسبة مرور 60 عاما على صدور بيان الأمم المتحدة حول منح الاستقلال للدول والشعوب المستعمرة.

وتحت عنوان مأساة "المختفين في الجزائر" يقول فيسك "إن الحكومة الجزائرية تنفخ أبواق الثورة التي وضعت نهاية للحكم الاستعماري الفرنسي قبل نصف قرن، غير أن ما تلاها قد خلف جراحا عميقة".

"فلا حديث في المؤتمر المعادي للاستعمار عن الستة آلاف رجل وامرأة الذين قضوا بالتعذيب في التسعينيات على يدي أفراد الشرطة والجيش ورجال الأمن الجزائريين بالأكياس فوق رؤوسهم.

ويضيف "على بعد مسافة بسيطة وفي الناحية الأخرى من مكان الاحتفال في سيدي فريج حيث نزل الفرنسيون عام 1830 كان النظام يستعرض حفنة من الرؤساء القدامى القادمين من أراضي أساطير الصراع ضد الاستعمار، وذلك للتذكير بالدور الرائد للجزائر في الحرب ضد الامبريالية العالمية. "كان هناك بن بيلا: هيكلا أشيب الشعر أكثر منه الرئيس الأول للجزائر، والذي أزيح في انقلاب عام 1965 (رغم أنهم لم يذكروا ذلك).

كان هناك الدكتور كينيث كاوندا المسكين الذي حاول ـ دون رحمة ـ أن يغني فيما عيون ثابو مبيكي (الرئيس السابق لجنوب إفريقيا) ترقبه. ثم كان هناك الفيتناميون الذين كان انتصارهم في "دين بيين فو" هو الذي علم جبهة التحرير الوطني أن بإمكانها هزيمة "الفرنسيين هنا وهو ما أنجزته عام 1962 بكلفة نحو مليون ونصف مليون "شهيد".

ويقول فيسك في مقاله "نظريا أقيم هذا الاحتفال للاحتفال بالذكرى الستين لصدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 والذي طالب بمنح حق الاستقلال للشعوب المستعمرة (وبتركيز على الجزائر وبالطبع والفلسطينيين ولاجئي الصحراء الغربية) لكن السبب الحقيقي الذي جمع (النظام) من أجله الرؤساء السابقين هؤلاء هو أن الجزائر تريد أن تبني مؤسسة جديدة ـ من خشب أو اسمنت لم أحسم قراري بعد ـ فوق القبور الجماعية للربع مليون "شهيد" والذين قتلوا في نزاع مختلف هو الحرب الأهلية البربرية 1990 ـ 1998 إذا كانت قد انتهت أصلا.

ويضيف فيسك أن "النظام" اخترع تعبيرا جديدا جميلا لحمّامه الدموي، فقد أطلق عليه اسم "كارثة الجزائر الوطنية"، وكأن تعليق الحكومة للانتخابات والحرب الوحشية ـ التي خاضتها ضد الجماعة الإسلامية، وما جرى فيها من ذبح عائلات وجزّ أعناق ـ كانت مجرد مسرحية لشكسبير.

ويتساءل فيسك: عطيل ربما، أو هاملت التي يبحلق فيها بن بيلا في جمجمته فرضا، ثم يستدرك فيسك قائلا لو خيرتني فإنها أقرب إلى "تيتوس أندرونيكوس".

أصوات معارضة

من جانبهم انتقد أعضاء كبار في الحزب الحاكم في الجزائر زعيم الحزب وهو حليف للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في مشهد نادر الحدوث لمعارضة قد تتحدى سلطة رئيس الدولة.

وظهرت التصدعات في حزب جبهة التحرير الوطني الذي يتميز عادة بانضباط صارم بعدما كشفت تقارير صحفية ان أعضاء من الشبان اشتبكوا مع مسئولي الحزب في بعض المناطق مستخدمين المدى أحيانا في حين أكد وزير أن زعيم الحزب فقد السيطرة ويجب أن يتنحى.

وقال عبد العزبز بلخادم الأمين العام لجبهة التحرير الوطني والذي يشغل كذلك منصب وزير دولة والممثل الشخصي للرئيس بوتفليقة انها أزمة لا وجود لها إلا في وسائل الاعلام. ولكن محللين قالوا انه نظرا لان بلخادم مقرب جدا من الرئيس فإن الانقسامات داخل الحزب الحاكم قد تدعم التصورات السائدة لدى البعض بأن بوتفليقة -وهو رئيس شرفي للحزب- يفقد نفوذه لصالح منافسين داخل النخبة الحاكمة.

وقال محمد لاجاب وهو محلل سياسي واستاذ للعلوم السياسية في جامعة الجزائر ان الازمة الراهنة ستضعف سلطة بوتفليقة. وبدأت الخلافات تدب في حزب جبهة التحرير الجزائرية عندما اشتبك أنصار الجبهة الشبان في عدة مناطق مع مسؤوليها المحليين في خلافات حول من سيمنح مناصب مؤثرة في الحزب ضمن عملية إعادة تنظيم للمناصب المحلية. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

ووقعت بعض الاصابات جراء أعمال العنف لكن لم ترد تقارير أو تحدث اعتقالات أو محاكمات. ودفعت الحوادث الهادي خالدي وزير التكوين المهني الى انتقاد بلخادم علنا.  ونقلت عنه صحيفة الخبر الجزائرية قوله "انه كان لزاما التحرك لتصحيح الوضع فلا يمكن البقاء كمتفرجين بعد تحول جمعيات تجديد مكاتب القسمات ( الاقسام) الى ساحات اقتتال بين أبناء الحزب بسبب قرارات الامين العام المناقضة لتعليماته المكتوبة فيما يخص تجديد مكاتب القسمات."

ودعا خالدي الامين العام للحزب "لان يحذو حذو من سبقوه في المنصب... وخرجوا من العواصف ... بشرف وسمعة تاركين وراءهم رصيدا من الاحترام والتقدير." كذلك انتقد وزراء حاليون وسابقون وأعضاء في جبهة التحرير الوطني بلخادم في وسائل الاعلام المحلية.

وتسيطر جبهة التحرير الوطني التي كانت في مركز السلطة أو قريبة منه منذ استقلال الجزائر عن فرنسا في عام 1962 على البرلمان وينتمي اليها غالبية الوزراء في الحكومة. وقال المحلل السياسي ناصر جابي "حقيقة أن العديد من الوزراء يقفون ضد زعيمهم (بلخادم) يسبب مشكلات. ما كانوا يستطيعون أن يفعلوا ما يفعلون بدون الحصول على ضوء أخضر من دوائر تتمتع بنفوذ."

وتابع قائلا "لست متأكدا من حصولهم على ضوء أخضر.. ولو حصلوا عليه يجب أن نتأكد من أنهم فهموه." ويقول محللون ان موقف بوتفليقة (73 عاما) ضعف في العام الماضي بخروج حلفائه المقربين من الحكومة.

ففي تعديل وزاري أقيل وزير الطاقة الجزائري شكيب خليل وانتقل وزير الداخلية السابق نور الدين زرهوني الى منصب نائب رئيس الوزراء حيث يتمتع بسلطة فعلية أقل من سلطته كوزير للداخلية. ويقول محللون ان التعديلات قد تكون اشارة تحذير من البعض في الجهاز الحكومي الذين يعتقدون أن بوتفليقة وحلفاءه جمعوا في أيديهم قدرا كبيرا من السلطة.

إقالة ثلاثة أرباع المسئولين

بينما افادت صحيفة الوطن الجزائرية ان المدير العام للأمن الوطني الجزائري اللواء عبد الغني هامل قام بتغييرات كبيرة في أجهزته بعد اقل من اربعة اشهر على تعيينه.

واكدت الصحيفة ان اللواء هامل الذي يعتبر من المقربين من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتولى منصبه في السابع من تموز/يوليو بدلا من علي تونسي الذي اغتيل في 25 شباط/فبراير، اقال ثلاثة ارباع المسؤولين المحليين في الامن.

وأفادت الصحيفة المستقلة استنادا الى مصادر امنية ان التغييرات طالت اربعين من رؤساء امن الولايات من اصل 48. وحل محلهم ضباط شبان. واعتبرت الوطن ان اللواء هامل "أبدى صرامة بقراره القيام بتغييرات كبيرة" وان هدفه يتمثل في "تحسين ظروف العمل والانضباط في الصفوف" والقيام بعملية تطهير واسعة.

واكدت الصحيفة ان العملية لم تنته حيث ان المدير العام للأمن الوطني سيقوم ايضا بتغييرات بين مسؤولي الامن في "الدوائر" (الدائرة هيئة ادارية تشمل عدة بلديات، وعدة دوائر تشكل الولاية).

وقد قام اللواء هامل ايضا بتغييرات في الشرطة القضائية بالولايات سعيا الى وضع حد لصراعات داخلية حسب المصدر نفسه. وكان اللواء هامل (58 سنة) المتحدر من ولاية تلمسان (غرب) التي يتحدر منها الرئيس بوتفليقة ايضا، يقود منذ 2008 الحرس الجمهوري، وهي وحدة النخبة في الدرك الوطني. وارتقى الى مرتبة لواء في الخامس من تموز/يوليو قبل يومين من تعيينه مديرا عاما للأمن الوطني.

واغتال مساعد المدير العام للامن الوطني العقيد شعيب ولطاش علي تونسي المدير السابق للامن الوطني في 25 شباط/فبراير في مكتبه بالعاصمة الجزائرية حسب مصادر رسمية. وما زالت المحاكمة جارية في هذه القضية. وتولى المنصب بالوكالة عبد العزيز العفاني مدير الشرطة العلمية.

وكانت المديرية العامة للامن الوطني تعد 160 الف عنصر نهاية 2009 وهي متكونة من عدة مديريات متخصصة منها الشرطة القضائية والاستخبارات العامة والامن العام ووحدات الامن الجمهوري وشرطة الحدود والهجرة.

تسليح المواطنين

كما أثارت تصريحات وزير الداخلية الجزائري دحو ولد بشأن تسليح الحكومة سكان بعض المناطق التي لا تزال تعاني من الإرهاب، تساؤلات حول نية السلطات بهذا الشأن وحول الأشخاص الذين قد يستفيدون من الإجراء في حال تطبيقه.

جاء تصريح الوزير، وهو الأول من نوعه لمسؤول جزائري منذ اعتماد الجزائر قانون المصالحة الوطنية الذي أقره الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في سبتمبر/أيلول 1999، خلال رده على سؤال حول الوضع الأمني في منطقة القبائل.

وقد طلبت منه لجنة السكان المكونة من مجاهدين قدامى ينشطون في ولاية البويرة، التي تبعد عن العاصمة الجزائرية نحو 80 كلم، توفير السلاح للسكان لمحاربة الإرهاب - المتمركز في منطقة القبائل (تيزي وزو وبومرداس وبجاية والبويرة) -، وهذا إثر جلسة في البرلمان خصصت لعرض قانون المالية 2011.

ونقلت بعض وسائل الإعلام الجزائرية عن ولد قابلية قوله: "في بعض المناطق حيث لا يزال الإرهاب يشكل خطرا، طلب السكان السلاح لمكافحة الإرهابيين، ولهؤلاء الأشخاص سنقدم السلاح". كما أشار الوزير إلى أن "عملية توزيع السلاح ليست من صلاحيات وزارة الداخلية" ولكن من "صلاحيات وزارة الدفاع الوطني". بحسب وكالة انباء فرانس برس.

وجاءت مسائلة الوزير بعد الملفات العديدة التي تهاطلت على مكاتب العديد من الولاة (رؤساء المقاطعات) في الفترة الأخيرة خاصة في منطقة القبائل ومناطق وسط البلاد يطالب فيها المواطنون باسترجاع أسلحتهم التي سلموها لقوات الدرك الوطني بداية تسعينيات القرن الماضي للدفاع عن أنفسهم.

ويقول أحد أعضاء جماعات "الدفاع الذاتي"، الذي حمل السلاح مدة 14 عاما وحارب الإرهاب إلى جانب قوات الأمن الجزائرية، والذي رفض الإفصاح عن اسمه: "الكثير من المواطنين يطالبون السلطات باسترجاع أسلحتهم خاصة في المناطق التي عشش فيها الإرهاب في السنوات الأخيرة كمنطقة القبائل وبعض المناطق الوسطى والقرى النائية. قوات الأمن غير قادرة على ضمان أمن هؤلاء المواطنين لوقوع مساكنهم في مناطق جبلية، فوالي المدينة حيث أعمل، كغيره من ولاة المنطقة، تلقى عشرات الطلبات من المواطنين بتسليحهم".

فقدان الشرعية

والملفت بعد تصريحات وزير الداخلية هو أن السلطات الجزائرية لم تعقب بأي تصريح ولا تفسير، ويقول الصحفي الجزائري في يومية "الخبر" والمتخصص في القضايا الوطنية وقضايا الإرهاب عثمان يحياني: "ظهرت تأويلات كثيرة لتصريحات الوزير خاصة من قبل الصحافة الأجنبية لأن الموضوع حساس ويشغل الرأي العام الوطني والدولي، الوزير أشعل فتيل النار فلا أحد يعلم هل كان ذلك بقرار رسمي ولا أحد يعلم من سيستفيد من الإجـراء في حال تأكد".

من جهته، يرى عثمان تزغارت الصحفي المختص في قضايا الإرهاب أن "السلطة الجزائرية فقدت شرعيتها، لذلك فمن الصعب عليها إقناع المواطنين مجددا بحمل السلاح لمحاربة الإرهاب والدفاع عن مبادئ الجمهورية كما حدث بداية التسعينيات، فغداة المصالحة الوطنية قدمت الدولة الحماية للإسلاميين التائبين وتركت حرس الدفاع الذاتي لمصيرهم".

10 آلاف طفل يتعرضون للعنف

فيما يتعرض نحو 10 آلاف طفل كل سنة للعنف في الجزائر، من بينهم ألفا طفل يتعرضون للاغتصاب، على ما أفادت وسائل الإعلام نقلا عن مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث (فوريم)، وهي منظمة غير حكومية جزائرية.

وقال خياطي، وهو طبيب أطفال، في اليوم العالمي لحقوق الطفل ان الأرقام هي في الحقيقة أعلى بكثير وتصل الى "50 ألف حالة" لأنه لا يتم الإبلاغ عن معظم الحالات. واشار خياطي الى تعرض 2725 طفلا لسوء المعاملة ووفاة 16 منهم خلال النصف الأول من العام 2010. وأضاف ان هناك 1533 حالة من العنف الجسدي، و249 حالة من سوء المعاملة، و105 حالة تغرير بقاصرين و823 اعتداء جنسيا. بحسب وكالة انباء فرانس برس.

وأحصى البروفسور خياطي وجود ما بين 15 الف و20 الف طفل شوارع وتكلم عن توقيف "4800 قاصر جانح، من بينهم 167 فتاة، وهم متورطون في 3393 قضية سرقة واغتصاب وعنف تجاه الأهل وضرب وجرح متعمد أدى الى الوفاة. وهذه الظاهرة تطال العاصمة بالدرجة الاولى (589 حالة) تليها سطيف (227 حالة، 300 كلم جنوب شرق الجزائر) وعنابة (221 حالة، 600 كلم جنوب العاصمة).

نصابون ينتحلون صفة وزراء وجنرالات

الى ذلك، ذكر تقرير قصصاً مثيرة لـ "محتالين" استغلوا أسماء مسؤولين جزائريين وصفاتهم لترويع وتعميق مأساة مواطنين منتحلين صفات جنرالات ووزراء و"أمراء" مزيفون للنصب على العامة من الناس أو حتى على مسؤولين.

ووفقاً لموقع صحيفة "الشروق" الجزائرية، انتحلت فتاة شخصية حفيدة الفريق العماري قائد الأركان الجزائري السابق وتوسطت عند البلديات والوزارات لخدمة غيرها، وآخر أدعى أنه شقيق وزير الداخلية والجماعات المحلية السابق نور الدين يزيد زرهوني.

 وسلب الناس أموالهم مقابل وعود مزيفة بالحصول على سكنات وقطع أراض، فيما انتحل آخر صفة جنرال مقابل تسوية وضعية الضحايا اتجاه واجب الخدمة الوطنية (العسكرية)، فيما فضل آخرون انتحال صفة أتباع "درودكال" أو أحد أمراء الجماعات "الإرهابية" المسلحة للحصول على الغنيمة.

وعالجت مصالح أمن العاصمة الجزائرية قضية "الجنرال المزيف" الذي احتال على عشرات الشباب، وجمع أكثر من مليار دينار مقابل التوسط من أجل الحصول على بطاقات الإعفاء من الخدمة الوطنية نظير مبالغ مالية تتراوح بين 10 و20 مليون سنتيم.

 حيث تم توقيفه في أحد المطاعم، عندما كان يبرم صفقاته مع ضحاياه وخلال التحقيق معه والتأكد من هويته تبين أنه صدر في حقه 15 أمراً قضائياً بالقبض، بعد أن ارتكب عدة جرائم أهمها انتحاله صفة ضابط سام في الجيش الوطني الشعبي، وإصدار شيكات دون رصيد، راح ضحيتها مسؤولون وتجار ومواطنون.

ويبقى من أهم القضايا تلك التي تعود وقائعها إلى الاعتداء على المدرسة العليا للدرك الوطني بيسّر في قضية تتعلق بتفجيرات على مدرسة "يسر" عندما تقدّم شخص إلى أولياء الضحايا في كل من بشار وتلمسان يدعي أنه ضابط برتبة عقيد مكلف بالمصلحة الاجتماعية بسلاح الدرك الوطني، يعلمهم بأن الدولة خصصت مبلغ 350 مليون سنتيم وشقة لضحايا هذا الحادث، يطلب منهم دفع مستحقات تكوين الملف المقدرة بنحو 120 ألف دينار، إلا أن أحد الضحايا تفطن لخطة هذا الأخير، وأودع شكوى لدى مصالح الدرك التي نصبت له فخ، وأوقفته وهو في حالة تلبس.

وقالت الصحيفة، إنه في السياق نفسه عالجت نفس المصالح، قضية فريدة من نوعها تتعلق بضابط مزيف حاول الاحتيال على وزير الداخلية السابق يزيد نور الدين زرهوني حيث تلقت أمانة وزارة الداخلية مكالمة هاتفية من شخص يدعي أنه ضابط رفيع في قوات الجيش الوطني الشعبي، طالباً التحدث إلى الوزير، وبالتحقيق معه تبين أنه ضابط مزيف، فتم استدراجه إلى مقر الوزارة للقبض عليه وتقديمه إلى المحاكمة.

 وأثناء استجواب المتهم، صرح أنه انتحل شخصية ضابط ليساعد شخصين على أداء مناسك الحج، مقحماً هذين الأخيرين في القضية، ومثل المتهمون مؤخراً أمام مجلس قضاء الجزائر، واعترف المتهم الرئيسي بالوقائع المنسوبة إليه مؤكداً أنه كان ينوي مساعدة الشخصين الآخرين لأداء مناسك الحج.

كما ادعت فتاة أنها حفيدة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي السابق الجنرال محمد العماري، قامت بالنصب والاحتيال على أكثر من 10 وكالات كراء السيارات، وسرقت منهم 22 مركبة فاخرة، واستفادت من 6 أخرى بقيمة تفوق مليار سنتيم بوثائق مزورة من بنك الإيجار المالي بدالي إبراهيم، وأبرمت صفقة حليب بأكثر من 200 مليون سنتيم مع شركة "مايستريم" لصناعة الحليب.

وقائع هذا السيناريو تعود إلى العام الماضي عندما وردت معلومات لفرقة البحث والتحري للدرك الوطني بالشراڤة، مفادها وجود فتاة تدعى "م. ل" تبلغ من العمر 30 سنة، تقوم بالنصب والاحتيال على بعض وكالات كراء السيارات باستعمال اسم الفريق محمد العماري.

وبعد فتح التحقيق، توصل المحققون إلى أن المتهمة كانت تملك وكالة معروفة لكراء السيارة بوسط زرالدة، حيث تقوم باستئجار السيارات بطرق قانونية على مستوى ولاية الجزائر ثم تقوم بعد ذلك ببيعها لضحايا آخرين موهمة إياهم بأن مالكيها الأصليين بحاجة ماسة إلى المال، على أن تتم عملية الكتابة بعد مدة تحددها هي.

أما بالنسبة لأصحاب وكالات السيارات، فقد كانت تمنح لهم مقابل كل عملية كراء للسيارات شيكات بنكية موقعة بإمضائها دون رصيد ثم تقوم بقطع الاتصال معهم مع تغيير رقم خط هاتفها النقال دون أن ترجع لهم السيارات التي قامت باستئجارها.

كما تبين من خلال التحقيق أن المتورطة في القضية لم تكن تنشط بمفردها بل بالتنسيق مع شبكة خاصة في النصب والاحتيال وعلى رأسهم المدعو"س. ب" البالغ من العمر 35 سنة، والذي صدر في حقه أربعة أوامر قضائية وكلها قضايا متعلقة بالنصب والاحتيال.

وخلال مراحل التحقيق، تلقت مصالح البحث والتحري شكاوي من 10 وكالات كراء السيارات، حيث سجلت من خلالها سرقة 22 سيارة غالية "ڤولفو سلسلة 6، مرسيديس، نيسان 2009 ،9 سيارات من نوع بيجو207، وبارتنار 2009، وسيارتين من نوع كليو 2008 وداسيا لوڤان 2006".

في حين قالت الصحيفة إنها علمت من مصادر قضائية أن أحد الوزراء من الحكومة الحالية تعرض لعملية نصب واحتيال من طرف أحد الأشخاص الذي ادعى أنه ابن وزير لتشابه لقب هذا الأخير بأحد ألقاب أحد الوزراء الذي قال إنه هو من أرسله إليه ليمضي له على وثيقة إخراج البضاعة من الميناء.

ونظراً للثقة "العمياء" قام الوزير بالإمضاء على الوثيقة، وبعدها مباشرة اتصل بالوزير الآخر، ليؤكد له أنه قام بتسوية وضع ابنه ليتفاجأ أنه وقع ضحية النصب والاحتيال كون أن أولاد الوزير الأخر كلهم يتواجدون في الخارج.

بينما فضل بعض المحتالين انتحال شخصيات أتباع أمراء الجماعات "الإرهابية" على شاكلة "دروكدال" للاستيلاء على ممتلكات الضحايا، وهي الظاهرة التي حطمت الرقم القياسي في ولاية تيزي وزو وبجاية، وفي هذا السياق عالجت محكمة البليدة مؤخراً قضية تتعلق بعملية اختطاف نفذتها جماعة تحت غطاء أتباع "دروكدال" ابن أحد أثرياء منطقة البليدة مقابل مبلغ مالي ضخم يفوق 2 مليار سنتيم، وبعد عملية البحث والتحري في ملابسات القضية تبين أن الأمر يتعلق بمجموعة من اللصوص ولا علاقة لهم بأي تنظيم إرهابي.

من جانبها أكدت المحامية فاطمة بن براهم أن قضايا انتحال الألقاب والأسماء والوظائف سجلت حضوراً في المحاكم سواء عن طريق تشابه الألقاب مع شخصيات ثقيلة في الدولة أو عن طريق تزوير وثائق الهوية.

وعن العقوبة المسلطة في هذا المجال قالت بن براهم إن المشرع الجزائري يعاقب كل من يقوم بانتحال الوظائف والألقاب، بعقوبة أقصاها 5 سنوات، حيث تنص المادة 242 من قانون العقوبات على أن هذه العقوبة تسلط على كل من ''تدخل بغير صفة في الوظائف العمومية أو المدنية أو العسكرية، أو قام بعمل من أعمال هذه الوظائف يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات ما لم يكن فعل الجريمة أشد''.

فيما تعاقب المادة 243 كل من استعمل لقب بغير حق أو أي مهنة نظمتها السلطة العمومية، كما جاء في المادتين 244 و246 أنه يعاقب كل من استعمل أو ارتدى بزة نظامية أو لباس مميز لوظيفة أو إشارة أو وسام من غير حق.

ناقوس الخطر

كما تكشف الإحصاءات الرسمية، بأن حالات انتحال صفة نظامية في ارتفاع مستمر، حيث عالجت مصالح أمن ولاية الجزائر حسب الأرقام 158 قضية نصب واحتيال خلال 8 أشهر في نفس السنة على مستوى العاصمة فقط تم معالجة 70 بالمائة منها، حيث تم إيداع 49 شخصاً رهن الحبس الاحتياطي واستدعاء مباشر لـ37 شخصاً، فيما تم وضع 69 تحت الرقابة القضائية.

وكانت آخر قضية تناولتها ذات المصالح حسب مسؤول بالشرطة هي تلك التي عالجتها مصالح أمن دائرة الشراڤة تم من خلالها توقيف مجموعة من 4 أشخاص كانوا ينتحلون صفة شخصيات أمنية هامة ومسؤولين كبار في جهاز الدولة، ويحتالون على الشركات العمومية والخاصة مقابل الحصول على مشاريع كانوا قد تلقوا من أصحابها مبالغ مالية معتبرة، حيث تم إيداعه رهن الحبس المؤقت في انتظار استكمال التحقيق وتقديمهم للمحاكمة.

في حين عالجت مصالح الدرك الوطني خلال 2009 أكثر من 215 قضية نصب، تم من خلالها توقيف 217 شخص من بينهم 17 امرأة، حيث سجلت أعلى نسبة في العاصمة بـ32 قضية، تليها سطيف ووهران بـ12 قضية، وبالمقابل فقد سجلت ذات المصالح خلال العشر الأشهر من السنة الجارية 157 قضية أسفرت عن توقيف 168 شخص من بينهم 156 رجل و12 امرأة تتراوح أعمارهم ما بين 18 و50 سنة، كما أن 60 بالمائة منهم من فئة البطالين يليهم الناشطون في مجال الأعمال الحرة، ثم الموظفون والجامعيون، واحتلت ولاية سطيف المرتبة الأولى بـ10 قضايا تليها ولاية وهران بـ12 قضية ثم ولاية قسنطينة بـ 11 قضية، وأخيراً ولايتا عين تيموشنت والبليدة بـ 8 قضايا.

آلاف يطالبون بالجنسية 

فيما يواجه القضاء الفرنسي منذ نحو 15 سنة طلبات متزايدة من عدة جزائريين للاعتراف بحقهم في الجنسية الفرنسية حتى ان بعضهم لا يتردد في تزوير وثائق هويته ليثبت انه يتحدر من مواطنين حصلوا على الجنسية الفرنسية. وأوضح محام ترافع عن ملفات عدة امام المحكمة العليا في باريس ان "عدد الطلبات ارتفع كثيرا اعتبارا من منتصف التسعينات تحت تأثير الارهاب والازمة الاقتصادية" في الجزائر.

ولا يتعلق الامر بإجراءات التجنيس التي تسمح للجزائريين المقيمين في فرنسا بالحصول وفق شروط على الجنسية ولا بتلك المتعلقة بالمولودين قبل استقلال الجزائر والذين يحق لهم الحصول عليها وفق شروط ايضا. كما يعتبر كافة الاطفال المولودين في فرنسا اعتبارا من الاول من كانون الثاني/يناير 1963 من والدين جزائريين، فرنسيو المولد اذا ولد احد والديهما في الجزائر قبل استقلالها.

لكن بإمكان فئة اخرى من الجزائريين المطالبة بالجنسية، ففي حين كانت الأغلبية الساحقة من الجزائريين تخضع للقانون المدني المحلي وقانون السكان الأصليين خلال عهد الاستعمار (1830-1962) حصلت أقلية صغيرة (سبعون ألف شخص حسب بعض التقديرات) على الجنسية الفرنسية عبر قرار قضائي او مرسوم حكومي. بحسب وكالة انباء فرانس برس.

وأوضح المحامي طالبا عدم كشف هويته ان من حق المتحدرين من هذه الأقلية المطالبة بالجنسية الفرنسية بحكم النسب مؤكدا ان عشرات آلاف الجزائريين في الجزائر يجهلون أنهم فرنسيون وبإمكانهم المطالبة بالجنسية الفرنسية في اي وقت.

ويكفي لذلك إبراز الحكم القضائي او المرسوم الذي منح سلفهم الجنسية الفرنسية ثم إثبات النسب عبر شهادات الزواج والميلاد. وقال أستاذ في اللغة الانكليزية وصل الى فرنسا في العام 1998 "في عائلتي نحن ستون شخصا حصلنا على الإقرار بحقنا في الجنسية الفرنسية". وتعذر الحصول على رد من وزارة الداخلية لدى سؤالها حول حجم هذه الظاهرة.

أرشيف الحكومتين

غير ان الإجراءات ليست دائما سهلة اذ قد تحصل أخطاء عند كتابة الأسماء العربية او البربرية باللغة الفرنسية او قد يكون السلف اكتفى بزواج ديني او عرفي لم يسجل في القيد المدني او لان المحاكم الجزائرية لا تعطي سوى نسخة من الحكم.

ويدفع هذا التعقيد ببعض الجزائريين الى تزوير الوثائق لا سيما تلك التي تثبت نسبهم. واتهم الجزائري مولود العاج (54 سنة) ابن عمه رمضان بتزوير وثائق و"استعمال سجل مدني مزور" وقال "انه زور نسبه من اجل الحصول على الجنسية الفرنسية".

وفي الجزائر تناقلت الصحف خلال الفترة الاخيرة عدة قضايا مشابهة تدارستها المحاكم المحلية. وكشف قنصل فرنسي عام في الجزائر ان مئة شخص فقط حصلوا على الجنسية الفرنسية من اصل مئة ألف طلب سنة 2005. وتفاديا للتزوير اقترح المحامي فتح أرشيف الحكومتين وإقامة نظام للتحقق من الأحكام الصادرة خلال عهد الاستعمار.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/كانون الثاني/2011 - 25/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م