العراق... حكومة تراضي ورهان صعب

 

شبكة النبأ: مع انطلاق الكابينة الوزارية لأداء مهامها المنتظرة، ابدى معظم العراقيين تفاؤلهم بمستقبل الاوضاع التي سوف تشهدها البلاد، خصوصا بعد التوافق الكبير الذي شهدته اروقة البرلمان العراقي مؤخرا، وانهاء النزاع السياسي الذي كاد ان يفتك بالبلاد والعباد قبيل تشكيل الحكومة الجديدة.

ويعول العراقيون على حكومة المالكي التي تعهدت بتحسين الاوضاع الاقتصادية، بعد سنوات من الاقتتال والعنف المستشري، الى جانب الارتفاع المستمر لمعدلات البطالة والتضخم، على الرغم من استشكال البعض على الطاقم الوزاري الذي خلى اغلبه من المختصون والتكنوقراط.

حيث تواجه الحكومة القادمة مصير ضبابي بحسب المتابعين، نظرا لحراجة الفترة المقبلة وحجم التوقعات التي يراهن عليها البعض.

العراقيون سعداء

فقد أبدى مواطنون عراقيون ارتياحهم لتشكيل حكومة جديدة بعد تسعة أشهر من المحاولات المتعثرة لكن الامال في الاستقرار شابتها مخاوف مما اعتبروه انقسامات طائفية في تركيبة الحكومة.

وبعد سنوات من الحرب كان العراقيون ينتظرون بفارغ الصبر تشكيل حكومة جديدة منذ الانتخابات غير الحاسمة التي أجريت في مارس اذار مما أدى الى شهور من المفاوضات بين الشيعة والسنة والاكراد والفصائل الاخرى التي تتنافس على السلطة.

وقالت سبأ سمير الصيدلانية التي تبلغ من العمر 22 عاما "أتمنى أن تستقر الاوضاع الان. ان شاء الله الامور تصبح أفضل."

لكن بعد أن تشكلت الحكومة العراقية فما من أحد راض فيما يبدو عن تركيبتها. حتى ان رئيس الوزراء نوري المالكي قال أمام البرلمان انه يعلم أن حكومته لا ترقى لتطلعات الشعب أومختلف الكتل السياسية.

وقال المالكي "انا استطيع القول ان هذه التشكيلة دون مستوى الطموح ... انا لا اقول ان هذه التشكيلة الحكومية ستلبي طموح العراقيين او تطلعاتهم ولا حتى الكتل السياسية ولا حتى تطلعات اي احد... لكن هذا هو الموجود."

وأبدى رشيد الجميلي وهو محاضر جامعي بينما كان يهم بشراء صحيفة من كشك في حي الكرادة الذي تسكنه أغلبية شيعية أسفه من أن تشكيلة الحكومة طائفية وضمت بعض المسؤولين الذين ليس لديهم خلفية ملائمة.

وقال محمد جاسم (62 عاما) وهو يملك متجرا للادوات الكهربائية في حي الاعظمية المضطرب الذي تسكنه أغلبية سنية "معظم الاسماء في الحكومة الجديدة هم من خلفيات لها تاريخ طائفي ونحن نعرف أن ولاءهم لطائفتهم وللاجندات الطائفية الخارجية اكبر من ولائهم للعراق."

وبينما كان المالكي يقرأ أسماء الوزراء الذين وقع عليهم الاختيار الواحد تلو الاخر في البرلمان كان رئيس البرلمان أسامة النجيفي يلقي نظرة عامة على المجلس كل مرة ويقول "مرر بالاغلبية". ولم يطلب رئيس المجلس أن يرفع المعارضون أو الممتنعون أيديهم.

وقال الجميلي "عندما كان رئيس البرلمان يردد عبارة مررت... مررت بالاغلبية ... مررت بالاغلبية المطلقة.. وبسرعه كانت العملية اشبه بطلقات نارية وجهت نحو الشعب العراقي."

وذكر زياد جعفر وهو صاحب متجر يبلغ من العمر 45 عاما "البارحة عندما كان التصويت يجري على الحكومة... رئيس البرلمان لم يكلف نفسه عناء عد الاصوات ولو لمرة واحدة ولوزير واحد."

وبينما كان يزيل الاتربة من أعلى أرفف متجره في الاعظمية في الوقت الذي كان يوجد في الخلفية موسيقى دينية قال ان كتلة العراقية المدعومة من السنة تعرضت للخديعة حتى على الرغم من أنها حصلت على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التي أجريت في مارس اذار.

وتسائل جعفر قائلا "هل هذه هي الديمقراطية... ياالله اي ديمقراطية هذه التي يتحدثون عنها؟"

وبينما كان عدد من المواطنين العراقيين يفتحون متاجرهم أو يبدأون أعمالهم يوم الاربعاء قالوا لرويترز انهم يتمنون فقط أن تباشر الحكومة الجديدة مهامها وتحسن الوضع الامني وتحقق رخاء أكبر للبلاد بعد سنوات من العقوبات والحرب والاحتلال.

وقال أحمد مظفر (25 عاما) الذي يمسح الاحذية بينما كان يلمع حذاء أحد الزبائن "نتمنى بتشكل الحكومة ان تنظر بحال المواطنين.. اتمنى ان يجد العراقيون الحل (لمشاكلهم) ويجد الشباب عملا وتزيد الرواتب."

وفي الوقت الذي كان يقف فيه جاسم خارج متجره قرب نقطة تفتيش تابعة للشرطة وكان يضع يده في جيبه قال انه يشعر بتفاؤل حذر رغم مخاوفه.

ومضى يقول "على الاقل هناك نوع من الشراكة في هذه الحكومة على عكس الحكومة التي سبقتها... خلينا نتمسك بهذا البصيص من الامل لانه لا خيار لنا الان الا أن نتمسك بهذا البصيص من الامل."

الامن والنفط والكهرباء 

من جهته وصف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مهمة الحكومة الجديدة بانها "كبيرة" وحدد الاولويات بخمسة ملفات هي الامن والمالية والنفط والكهرباء والعلاقات الخارجية.

وقال المالكي في الجلسة الاولى التي تلت نيل الحكومة الثقة "نحتاج الى ان يكون لنا وضوح في سياستنا الامنية والمالية والنفط والكهرباء وتحسين علاقاتنا الخارجية".

واضاف في كلمة نقلها مباشرة تلفزيون العراقية الرسمي ان "المهام التي تنتظرنا كبيرة وكثيرة، ولكن نريد ورقة عمل من كل وزير" حول هذه المواضيع. لكنه لم يعين وزراء لاثنين من الملفات الخمسة.

واضاف المالكي الذي يتولى بالوكالة وزارات الدفاع والداخلية والامن الوطني، ان على القوات العراقية ان تكون قادرة على تولي الامن عندما سيغادر الخمسون الف جندي اميركي البلاد.

ويستطيع رئيس الوزراء الذي لا يرغب في تمديد الوجود الاميركي ان يفخر بأنه قسم على سبعة عدد القتلى منذ وصوله الى الحكم في 2006 حتى لو ان 3500 شخص قتلوا هذه السنة في اعمال عنف.

وقال "لقد تخطينا العنف وضربنا الخارجين على القانون لكن ذلك لا يعني ان العنف انتهى ولم تعد المعارضة موجودة".

ولا يزال تنظيم القاعدة الذي تلقى ضربات موجعة، يشن عمليات مؤذية كالمجزرة التي ارتكبها في احدى كنائس بغداد في 31 تشرين الاول/اكتوبر وحملت مسيحيين على الهجرة.

ويعول العراق بشكل اساسي على انتاجه النفطي لانعاش اقتصاده، خصوصا بعد ابرام عقود استثمار هذه السنة مع شركات دولية. وبلغ الانتاج 2,5 مليون برميل يوميا.

من جهة اخرى، لا تزال المرافق العامة في حالة يرثى لها خصوصا انتاج الكهرباء. فنائب رئيس الوزراء الجديد حسين شهرستاني وزير النفط والكهرباء بالوكالة في الحكومة السابقة، هو المسؤول موقتا عن هذا الملف في انتظار تعيين وزير اصيل.

ويقدر الطلب على الكهرباء ب 15 الف ميغاوات، فيما تنتج البلاد ستة الاف ميغاوات وتستورد الف ميغاوات. وادى الانقطاع في التيار الى تظاهرات عنيفة.

وعلى عاتق وزير الخارجية، الكردي هوشيار زيباري، الذي يتسلم هذا المنصب منذ 2003، تقع مهمة تحسين العلاقات مع الجيران وخصوصا مع سوريا والسعودية التي لم تقبل ابدا بابعاد السنة عن الحكم لمصلحة الشيعة.

ومنح مجلس النواب العراقي ثقته للحكومة الجديدة التي طال انتظارها والتي سيتولى فيها المالكي بالوكالة الحقائب الوزارية الامنية الثلاث، الداخلية والدفاع والامن الوطني.

وقد طغى التشاؤم على الصحف العراقية بشأن التشكيلة الحكومية حيث شككت بقدرتها على قيادة البلاد مبرزة الضغوط السياسية الكبيرة التي صاحبت تشكيلها.

وكتبت صحيفة الدستور المستقلة "باستعراض اسماء الوزراء الجدد يكون قد تأكد لنا اننا حصلنا على حكومة شراكة مثلما ارادتها القوى السياسية لكننا خسرنا بالمقابل انتاج حكومة تخصصات او خبرات الا ما ندر". بحسب فرانس برس.

واضافت في افتتاحيتها ان "الحكومة الجديدة جاءت تحت ضغوط سياسية عالية تركت بصماتها واضحة على مجملها".

بدروه، قال المحلل السياسي نجم القصاب ان "الحكومة الجديدة هي حكومة ارضائية للكتل السياسية وتمثل كل الكيانات والمكونات والطوائف داخل المجتمع العراقي".

من جهة اخرى، هنأ رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون في رسالة نظيره العراقي نوري المالكي متمنيا له "النجاح" بعد الثقة التي منحها البرلمان العراقي الثلاثاء للحكومة الجديدة.

اكد فيون في الرسالة التي نقلها القائم بالاعمال الفرنسي في بغداد عيسى مارو "اعبر عن سعادتي بهذه المرحلة الجديدة في تعزيز الوحدة والاستقرار والديموقراطية في بلدكم، واحيي حس المسؤولية والمصلحة الوطنية الذي اظهرتموه انتم وسائر القادة".

ثورة نسائية

وشهد ان ثارت البرلمانيات العراقيات، اسلاميات وعلمانيات على حد سواء، ضد التمثيل الضئيل للمرأة في المؤسسات الحكومية ولا سيما في التشكيلة الوزارية الجديدة، ما اجبر زملاءهن الرجال على النظر في الظلم اللاحق بهن.

وتحت الضغوط وافق البرلمان العراقي السبت بالغالبية على تبني مشروع ينص على ايلاء الاولوية لقضية المرأة، وقرر تشكيل لجنة متابعة لهذه القضية تطبيقا لنصوص الدستور، كما اعلن رئيسه اسامة النجيفي.

وقالت النائبة صفية السهيل من ائتلاف دولة القانون "من الظلم ان لا تكون امرأة نائبة لرئيس الجمهورية".

وطالبت بان "يسند هذا المنصب لامرأة ضمانا للمشاركة في القرار السياسي العام في البلاد، وتحقيق شراكة حقيقة".

بدورها، قالت حنان الفتلاوي التي تنتمي للكتلة نفسها ان رئيس الوزراء نوري المالكي "وعد بان تكون المرأة ممثلة في الحكومة، لكنني ليست متفائلة بان تحظى النساء بمواقع مهمة في الحكومة المقبلة".

وكانت النائبة آلا طالباني اعربت اثر الاعلان عن التشكيلة الحكومية عن "خيبة املها لغياب المرأة عن التشكيلة الوزارية".

واضافت النائبة عن التحالف الكردستاني ان غياب المرأة فيه مخالفة لعدة مواد دستورية، متهمة رئيس الوزراء "باسناد وزارة الدولة لشؤون المرأة الى احد زملائنا الرجال لعدم ثقتكم بكفاءة المرأة وادارتها للوزارات".

وينص الدستور العراقي على نسبة تمثيل للمرأة تبلغ 25 بالمئة في البرلمان، لكنه لم يحدد نسبة تمثيلها في الحكومة.

وعرضت النائبة عن قائمة العراقية عتاب الدوري في جلسة البرلمان السبت لمعاناة المرأة العراقية، مبدية استغرابها لتغييب المرأة عن التشكيلة الحكومية الجديدة ومؤكدة ان هذا التغييب مناف للدستور الذي انصف المرأة.

وعلى اثر ثورة النساء في البرلمان ادرك زملاءهن الرجال، وحتى اولئك الذين ينتمون الى تيارات اسلامية، الخطأ الذي وقعوا فيه.

وقال النائب ابراهيم الجعفري رئيس تيار الاصلاح ان "مشكلتنا هي ليست مشكلة فكر، انما مشكلة تقاليد (...) هناك في المجال العرفي ركام من التقاليد بدأت تتراجع امام الفكر الجديد".

واضاف الجعفري الذي كان يتزعم حزب الدعوة الاسلامية "اليوم صحيح ان المرأة ليست في القمة، لكنها في الواجهة"، مؤكدا ان "هناك الكثير من التقاليد قيدتها، يجب ان تكون لنا ثقافة وفكر جديد انساني لا يميز بين المرأة والرجل انما يميز بين الكفء وغير الكفء رجلا كان ام امرأة".

بدوره، قال النائب بهاء الاعرجي الذي ينتمي الى التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر ان "الكل يتفق ان المرأة ظلمت في النظام السابق ولكننا لم ننصفها في الوقت الحالي وقد ظلمت اكثر في النظام السابق لانه كان ديكتاتوريا". واضاف "لكن اذا كان النظام الحالي نظاما ديمقراطيا فمن العيب ان تظلم المرأة فيه".

واكد الاعرجي ان "الاحزاب الاسلامية لم تعط المرأة حقها، علينا ان نتكلم بصراحة" مشددا على ان "من كانت السبب في ظلم المرأة هي من مثلت المرأة في الفترة السابقة" في اشارة الى نائبات البرلمان السابق.

وشدد الاعرجي على "الاهتمام بالمرأة من خلال تشريعات تضمن حقوقها". واضاف "علينا ان ننصفها عندما يكون لدينا مليون مطلقة واربعة ملايين يتيم (...) علينا ان نهتم بالشؤون الاجتماعية".

من جهته اعتبر الشيخ صباح الساعدي من حزب الفضيلة ان "الدستور العراقي ضمن للمرأة ان تكون حاضرة في مؤسسات الدولة، لكن الكتل السياسية لم تحترم الدستور". واضاف ان "المصالح الشخصية للاحزاب يجب ان لا تكون عائقا امام حقوق المرأة".

وكان رئيس الوزراء نوري المالكي وجه اللوم للكتل السياسية لعدم تقديمها نساء مرشحات للوزارات، قائلا ان "الكتل السياسية لم تقدم سوى مرشحة واحدة لشغل منصب وزاري"، داعيا الكتل النيابية الى تقديم اسماء مرشحات لشغل عدد من الوزرات العشر المتبقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/كانون الأول/2010 - 23/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م