سوريا تتحول... التنمية الطموحة والسوق المفتوحة

 

شبكة النبأ: تعكف سوريا جاهدة الى وقف حالة التدهور الاقتصادي الذي الم بوضعها مؤخرا عبر التأسيس لجهد وطني قادر على الحد من الاضرار التي لحقت بالسكان.

وتسعى دمشق من خلال مشاريع التنمية التي رصدت لها ميزانيات ضخمة معالجة ملفات التضخم والفقر الاخذ بالاتساع في شرائح المجتمع السوري، متجهة في الوقت ذاته الى اعتماد اليه اقتصادية اكثر تحررا بعد عقود من هيمنة السلطة على حركة السوق، وتقنين المذهب الاشتراكي للدولة لاستقدام الاستثمارات والرساميل الاجنبية، للتخفيف من ازمة الاسعار المتصاعدة التي تعاني منها العوائل هناك.

مكافحة الفقر 

فقد اطلقت سوريا ورشة كبيرة لتحديث بناها التحتية القديمة ومكافحة الفقر الذي يشمل مواطنا سوريا واحدا من كل سبعة، من خلال تبنيها في الفترة الاخيرة خطة تنمية خمسية قيمتها 45 مليار دولار.

وفي اطار هذه الخطة 2011-2015، ستستثمر الحكومة 14 مليار دولار في التنمية البشرية، بما في ذلك مكافحة الفقر، و14 مليارا آخر للبنى التحتية.

ولتمويل هذه الخطة، تعتمد سوريا التي ستصدر اولى سندات الخزينة في 13 كانون الاول/ديسمبر، على مواردها الخاصة، وعلى قروض من مؤسسات دولية ايضا.

واكد نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبدالله الدردري لدى تقديم هذه الخطة للصحافة في اواخر تشرين الثاني/نوفمبر، "نواجه تحديات ضخمة" مرتبطة بالفقر الذي يشمل 14% من الشعب السوري البالغ 22 مليون نسمة (20% من اليد العاملة).

واضاف ان الهدف هو "خفض" النمو السكاني الذي يعتبر "عقبة كبيرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية" من 2,4% الى 2,1%.

وتريد الحكومة في المقابل بلوغ نمو سنوي بنسبة 5,7% في السنوات الخمس المقبل، في مقابل متوسط نمو بلغ 4% في السنوات الاخيرة.

الا ان الخبير الاقتصادي نبيل سكر قال ان من الضروري التوصل الى "نسبة نمو تبلغ 8 الى 9% لاستيعاب الطلب المتزايد باستمرار على فرص العمل واستئصال البطالة".

واضاف سكر ان سوريا التي اختارت قبل سنوات اقتصاد السوق بعد عقود من الاقتصاد الموجه، تعتبر ان "المهمة كبيرة، فثمة كثير من التحديات وكل الامور تبدو اولوية".

والورشة الكبرى الاخرى هي ورشة البنى التحتية، وخصوصا مشروع مترو الانفاق في دمشق والسكك الحديد التي تربط دمشق بالحدود الاردنية وتوسيع مرفأي طرطوس واللاذقية (شمال غرب) وتحديث مطار دمشق.

وقال رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي عامر لطفي انه لا بد من نمو اقتصادي "متوازن" يشمل جميع الطبقات الاجتماعية، دعيا الى "الاستثمار في القطاعات الاقتصادية الحقيقية كالزراعة والصناعة التي تولد الدخل وفرص العمل".

وقد واجهت الزراعة صعوبات كبيرة بسبب الجفاف الذي استمر اربع سنوات منذ 2006، وزاد من تفاقهما ضعف ادارة مصادر المياه الذي نجمت عنه عواقب اجتماعية واقتصادية كبيرة، كتراجع الاحتياطات المائية والانتاج الزراعي وتسارع الهجرة الريفية. وهاجر اكثر من مليون شخص من الشمال الشرقي الى المدن.

وتراجعت حصة الزراعة من 25% الى 21% في اجمالي الناتج الخام، كما اعلن نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية الذي يتوقع نموا بنسبة 2,2% فقط العام المقبل في هذا القطاع، في مقابل 13% للصناعات التحويلية.

وكان المقرر الخاص للامم المتحدة للحق في الحصول على الغذاء اوليفييه دو شوتر قال في دمشق في ايلول/سبتمبر، ان "صغار المزارعين هم الذين تأثروا اكثر من سواهم، وقد ازدادت اوضاعهم سوءا في 2010 بسبب وباء الصدأ الاصفر الذي يؤثر على انتاج القمح وصغار مربي الدواجن الذين غالبا ما يخسرون 80 الى 85% من انتاجهم منذ 2005 بسبب الجفاف".

ويقدر انتاج القمح الذي يعتبر موردا استراتيجيا لسوريا، للعام 2010 ب 2,4 مليون طن في مقابل 4,1 ملايين في 2007.

وتأمل الحكومة السورية التي تريد تعزيز "مشاركة القطاع الخاص" في التنمية، ان يستثمر هذا القطاع، بالتوازي مع الخطة الخمسية، حوالى 40 مليار دولار في مجال الطاقة والبنى التحتية للطرق والمرافىء ومعالجة المياه.

الأسر تنفق 45.7% من دخلها على الغذاء

الى ذلك أظهرت دراسة حديثة أن متوسط إنفاق الأسرة السورية في عام 2009 بلغ نحو 30.9 ألف ليرة سورية شهرياً بزيادة تصل لنحو 20% مقارنة بمتوسط إنفاق الأسرة السورية عام 2007، وذلك وفقاً لموقع "سيريا نيوز".

وأشارت الدراسة إلى أن الأسر السورية تنفق 45.7% من دخلها على الغذاء كما أكدت أن ارتفاع الإنفاق يعود إلى ارتفاع الأسعار، وان الدخل الحقيقي للمواطن لم يرتفع بشكل يساير زيادة الإنفاق.

وورد في مسح المكتب المركزي للإحصاء أن دمشق تصدرت قائمة المحافظات السورية لجهة متوسط إنفاق الأسرة، وبلغ 40.5 ألف ليرة شهرياً. وقد شمل مسح نفقات ودخل الأسر السورية الذي أجراه المكتب المركزي للإحصاء جميع المحافظات والمناطق السورية.

وفد علق أحد المحللين على النتائج مؤكداً أن ارتفاع نسبة الإنفاق على الغذاء في المناطق الشرقية دليل واضح على عدم وجود زيادة في الدخل الحقيقي للفرد، فمستوى الدخل والمستوى المعيشي على الأخص في تلك المناطق منخفض، والزيادة في نسبة الإنفاق الغذائي لا تعني زيادة حقيقية في الغذاء بل ارتفاع الأسعار.

فعندما يأخذ الإنفاق على السلع الغذائية والضرورية المرتبة الأولى والأكبر من الإنفاق، هذا يعني انخفاض مستوى الإنفاق على الأنواع الأخرى من السلع، لذلك فإن زيادة الإنفاق الغذائي لا تعني بالضرورة ارتفاع الدخل الحقيقي بل تتم على حساب السلع الأخرى بسبب ضرورتها من جهة وعدم ارتفاع الدخل الحقيقي من جهة ثانية.

وتم تقسيم الأسر السورية في المسح إلى 10 شرائح وفق مستوى الإنفاق وتحديد المستويات من الأقل إنفاقاً إلى الأعلى إنفاقاً، كما أنجز المسح من قبل فريق عمل وطني يتكون من 1400 شخص إلى جانب الاستعانة بخبراء دوليين وأن كل إجراءات المسح تمت وفق المعايير المعتمدة عالمياً.

يذكر أن المكتب المركزي للإحصاء يعمل على إصدار مجموعة إحصائية سنوية ترصد كافة المؤشرات والمعطيات الإحصائية في سورية، ويعتبر الجهة الوطنية الوحيدة المخولة حكومياً بإنتاج وصناعة الرقم الإحصائي.

مواجهة الجفاف

في سياق متصل يستهدف التمويل البالغ الصغر المزارعين والرعاة في محاولة لتخفيف حدة الفقر المرتبطة بالجفاف في سوريا. وفي الوقت الذي يتم فيه استخدام التمويل البالغ الصغر بشكل واسع في جميع أنحاء العالم النامي منذ السبعينيات، إلا أنه لا يوجد في سوريا سوى عدد قليل من المانحين في هذا المجال.

وفي هذا السياق، أفاد محمد خالد، ممثل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء التي تتخذ من واشنطن العاصمة مقراً لها أن "التمويل البالغ الصغر يمكن أن يشكل أداة مهمة لتخفيف الفقر وتحسين سبل المعيشة سواء من خلال رفع الدخل بشكل مباشر أو عبر تعزيز حس التمكن والقدرة على الحصول على التعليم".

ووفقاً للأمم المتحدة، تأثر أكثر من 1.3 مليون شخص بالجفاف في سوريا الذي بدأ في عام 2006. وفي الشهر الماضي، أفاد مقرر الأمم المتحدة الخاص أوليفر دي شاتر أن ذلك دفع بما يتراوح بين مليوني وثلاثة ملايين شخص إلى خانة الفقر المدقع في البلاد، مع قيام عدة آلاف من الأشخاص بمغادرة المنطقة الشمالية الشرقية باتجاه المدن دون أن يتوفر لهم أي مصدر للدخل.

وتستهدف مبادرات التمويل البالغ الصغر أولئك الذين انتقلوا إلى المدن وغيرهم ممن بقوا في المنطقة على حد سواء. وفي المناطق المعرضة للجفاف، تعمل مؤسسة آغا خان مع مؤسسة التمويل الصغير الأولى FMFI التي توفر 25 بالمائة من قروضها، التي تتراوح بين 3,000 و150,000 ليرة سورية (65 – 3,247 دولار) للقطاع الزراعي. ويستهدف جزء كبير من تمويل المشاريع الصغيرة تدابير مكافحة الجفاف.

من جهته، قال محمد سيفو، رئيس شبكة الآغا خان للتنمية في سوريا: "نحن نبذل جهوداً مركزة على تحسين الإنتاجية وكفاءة استخدام المياه للأغراض الزراعية...وقد قدمت مؤسسة التمويل الصغير الأولى قروضاً للمزارعين لاعتماد نظم حديثة للري بالتنقيط". وتعتبر هذه النظم أكثر كفاءة من الري السطحي الذي لا يوفر سوى 60 بالمائة من المياه المستخدمة للنباتات في حين يوفر الري بالتنقيط 90 بالمائة.

وتمكن النظم الجديدة من توفير المياه وزيادة الإنتاجية كما أن لها آثاراً غير مباشرة مثل زيادة الدخل وخفض العمالة وتقليص تكاليف الوقود والقضاء على الحاجة لبناء خزانات المياه المكلفة.

وقد تم إعطاء الرعاة قروضاً لشراء الماشية بعد أن قضى الجفاف على ما يتراوح بين 80 و85 بالمائة من ماشيتهم، وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، أو لشراء الأعلاف.

كما يتم أيضاً توفير قروض عامة لمساعدة ضحايا الجفاف على بدء أعمال تجارية. وقد قدمت مؤسسة التمويل الصغير الأولى قروضاً لأكثر من 75,000 أسرة في أكثر من 180 قرية. كما تم في الشهر الماضي إطلاق بنك جديد تحت اسم مصرف الإبداع للتمويل الصغير والمتناهي الصغر. ولكن الخبراء يحذرون من أنه بالرغم من الفوائد التي يقدمها التمويل البالغ الصغر إلا أنه محدود من حيث الاستجابة لاحتياجات ضحايا الجفاف.

وقد علق خالد من المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء على ذلك بقوله: "لا يوفر التمويل البالغ الصغر حلاً للجميع كما لا يمكن لكل شخص فقير أن يصبح رجل أعمال...فنحن نرى أن ما بين 25 و30 بالمائة من الشركات فقط تقوم بإعادة الاستثمار بنجاح وتشهد نمواً ملحوظاً".

وأضاف خالد أنه قد يكون من الأفضل تقديم منح بدل القروض، معلقاً على ذلك بقوله: "يمكن للقروض أن تكلف أكثر من حيث التنظيم دون أن يكون هناك ضمان بسدادها مما قد يؤثر على ثقافة الإقراض بأسرها". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

كما أخبر بعض الخبراء أنه لا ينبغي تشجيع المزارعين عبر التمويل البالغ الصغر على العودة إلى سبل عيشهم غير المستدامة.

ولم يشهد التمويل البالغ الصغر نمواً كبيراً في سوريا، حيث لم يتم الوصول سوى إلى 41,500 شخص من أصل مليون مستفيد محتمل تقريباً في 2008، وفقاً لدراسة أجرتها المجموعة الاستشارية. مع ذلك، وعلى الرغم من الدعوة المستمرة لتوسيع نطاق هذه القروض، إلا أن بعض الأكاديميين، مثل ميلفورد باتيمان، يقولون أنه لا يوجد دليل واضح على فعالية التمويل البالغ الصغر. وهو ما علق عليه خالد بقوله: "سوريا بحاجة إلى المزيد من المؤسسات ولدينا آمال أن هذه المؤسسات ستنمو. يمكن للبعض أن يجادل بشأن فعالية القروض الصغيرة ولكن للناس الحق في الحصول على الائتمان".

الامن الغذائي

فيما اقرت سوريا 53 مشروعا يشملها البرنامج الوطني للامن الغذائي بقيمة 200 مليار ليرة سورية (4 مليار دولار) تطال المناطق الاشد عوزا ويستفيد منها مليونا فقير.

واقرت الحكومة السورية البرنامج الذي يشمل 53 مشروعا وتبلغ كلفته 200 مليار ليرة سورية (4 مليار دولار) سيطال المناطق الاشد عوزا وسيستفيد منه مليونا فقير، بحسب صحيفة الثورة الحكومية.

واوضح مكتب منظمة الاغذية والزراعة للأمم المتحدة في دمشق لوكالة فرانس برس "ان مدة تنفيذ البرنامج الذي اعدته وزارة الزراعة بالتعاون مع منظمة الاغذية والزراعة (الفاو) تتراوح بين 2 و10 اعوام ويندرج (البرنامج) ضمن الخطة الخمسية 2011-2015".

وتقوم بعض الجهات الدولية المانحة بتمويل 10 بالمئة من القيمة الاجمالية للبرنامج الذي سيتم طرحه الاربعاء امام ممثلين عن حكومات الدول وصناديق التمويل، بحسب مكتب الفاو.

ويتضمن البرنامج الذي اعد في عام 2009 عدة محاور تتعلق بالبيئة والانتاج الزراعي والحيواني والتبادلات التجارية والري والتغذية.

وبحسب تقرير صادر عن البرنامج الانمائي التابع للامم المتحدة يعاني 14 بالمئة من اجمالي عدد السكان في سوريا من الفقر المدقع اي ان نحو 3 ملايين من اصل 22 مليون نسمة لا يستطيعون تامين احتياجاتهم الاساسية. بحسب فرانس برس.

وكان برنامج الاغذية العالمي بدأ مطلع حزيران/يونيو بتوزيع حصص غذائية على 200 الف شخص في منطقة شمال شرق سوريا التي تواجه جفافا منذ ثلاث سنوات.

وتسبب الجفاف في تراجع مخزون المياه والانتاج الزراعي وتسريع وتيرة حركة النزوح من الارياف.

عمالة الأطفال

من جانب آخر تكثف الحكومة السورية والمنظمات الدولية جهودها من أجل مكافحة عمالة الأطفال في سوريا، وسط مخاوف من ارتفاع معدلات هذه الظاهرة في البلاد.

وفي هذا الإطار، قالت شهرزاد بوعليا، ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في سوريا أن "عمالة الأطفال تعد مشكلة خطيرة في سوريا ولذلك تنظر كل من الحكومة واليونيسف ومنظمة العمل الدولية إليها كمسألة مثيرة للقلق".

وكان أوليفيه دي شوتر، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء قد حذر في سبتمبر الماضي من أن الجفاف يدفع الناس نحو خانة "الفقر المدقع" – الذي يعد السبب الرئيسي وراء عمالة الأطفال. وأضاف شوتر أن 1.3 مليون سوري قد تضرروا [جراء الجفاف] خاصة صغار المزارعين.

وأوضحت بوعليا أن "العامل الرئيسي [وراء عمالة الأطفال] هو حاجة الطفل للمساهمة في دخل الأسرة... وتشمل العوامل الأخرى التقاليد ونظام التعليم".

وقد وقعت سوريا على اتفاقيات منظمة العمل الدولية بشأن عمالة الأطفال في الوقت الذي تفرض فيه البلاد التعليم الإلزامي حتى سن 15 عاماً. غير أن بوعليا أوضحت أنه حتى الآن، لم يتم تطبيق سوى القليل من التدابير العملية كمنع التسرب من المدارس.

ووفقاً لمنظمة العمل الدولية، ينخرط 215 مليون طفل في عمالة الأطفال على الصعيد العالمي، وقد انخفض هذا العدد منذ عام 2006. ولكن تبقى الإحصاءات حول عمالة الأطفال في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط ككل غير مكتملة.

وأشارت دراسة أجرتها اليونيسف عام 2006 أن 4 بالمائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و14 عاماً منخرطون بالعمل في سوريا، ولكن الخبراء يرون أنه هذا العدد ربما قد ارتفع منذ ذلك العام. كما رفع تواجد اللاجئين العراقيين الفقراء عدد الأطفال العاملين في البلاد.

وفي مقابل المكاسب المادية القصيرة الأجل التي قد تجنيها هذه الأسر من عمل أطفالها- على الرغم من صغرها، هناك أيضاً آثار سلبية طويلة الأجل على الطفل والبلاد.

من جهتها، أخبرت تشاريتا كاسترو، وهي خبيرة في مجال عمالة الأطفال في جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة أنه "عندما يصبح عمل الطفل بديلاً لتعليمه، فإن ذلك يحد من قدرته على الأداء الجيد في العمل... فهناك دراسات صغيرة تربط بين عمالة الأطفال وانخفاض الدخل المتوقع والناتج المحلي الإجمالي. ولذلك إذا لم تقم الدول بتعليم مواطنيها، فإنها قد تخسر في مجال القوى العاملة المنتجة". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

وتتمثل استجابة الحكومة السورية ووكالات الأمم المتحدة في عقد ورش العمل وإجراء الدراسات لجمع البيانات وتصميم البرامج لإبقاء الأطفال في المدارس. وستقوم منظمة العمل الدولية في الشهرين المقبلين بنشر دراسة حول أسوأ أشكال عمالة الأطفال في الوقت الذي تعمل فيه اليونسيف على تحسين التعليم والمباني المدرسية وتنمية الطفولة المبكرة.

وأضافت كاسترو أنه لا بد أن تأكد هذه الحلول على أن الأطفال غير العاملين سيتمتعون بفوائد تكون معروفة لدى أسرهم أو أن يتم تنفيذ تدابير مثل المكاسب النقدية المشروطة [لتشجيع الأطفال على البقاء في المدارس]".

ولكن دون شك هناك حاجة ملحة لمكافحة الفقر، حيث قالت فرح دخل الله، المتحدثة باسم المكتب الإقليمي لمنظمة العمل الدولية للدول العربية أن "البلدان التي خفضت عمالة الأطفال بشكل كبير، تمكنت أيضاً من معالجة الفقر بطريقة حاسمة. إذ يمكن للحكومات مكافحة عمالة الأطفال بشكل فعال من خلال معالجة فقر الأسر وضمان الوظائف الكريمة للبالغين وتوفير التعليم الجيد للأطفال."

صناعة الصابون الحلبي

من جهة أخرى تعبق رائحة زيت الزيتون والغار النفاذة اجواء مدينة حلب القديمة مهد صناعة الصابون العريقة التي أبدت قدرة على الصمود والبقاء منذ رفعت الحكومة حظرا تجاريا في السنوات الخمس الماضية.

بين المنازل ذات الافنية والفنادق القديمة التي تعرف باسم الخان بالشوارع التي تشبه المتاهة توجد بضع ورش لتصنيع "الصابون الحلبي" يدويا منذ مئات السنين.

لكن القائمين على هذه الصناعة التقليدية العريقة يقولون ان المقلدين الجشعين الذين بدأوا تسويق صابون ارخص يحمل نفس الاسم يهددون بتقويض العلامة التجارية في اسواق التصدير الاوروبية المربحة.

وقال صفوح الديري رجل الاعمال السوري الذي يصدر الصابون الحلبي الى فرنسا منذ الثمانينات "المستهلكون الاوروبيون لديهم قدرة كبيرة على التمييز. فهم ربما يدفعون العديد من اليورو مقابل قطعة صابون مكتوب عليها حلب لكنهم لن يشتروا الصابون السوري مرة اخرى اذا لم يحسن بشرتهم."

وقال الديري الذي يعيش في ليون بفرنسا ان الصابون الحلبي اثر على تطور صناعة الصابون في مرسيليا خلال الاحتلال الفرنسي لسوريا ولبنان بين عامي 1920 و 1946.

ولا يستخدم في صناعة الصابون الحقيقي الملقب بذهب حلب الاخضر سوى زيتي الزيتون والغار والماء وبالميتات الصوديوم وهي مادة طبيعية تعمل على اكساب ذلك الخليط الصلابة المطلوبة.

وتقطع الكتلة الناتجة باليد وتترك لتجف لفترة تترواح بين ستة اشهر وثلاث سنوات لجعلها تعيش اكثر. واهم ما يميز الصابون الحلبي مظهره الخشن وقطعه المكعبة الكبيرة التي يزن كل منها ربع كيلوجرام تقريبا. بحسب رويترز.

ويتناقض نقاء الصابون وبساطته - زيت الزيتون مرطب طبيعي وزيت الغار منظف - مع الصابون الحديث الذي يستخدم في صنعه كل شيء بدءا من دهن الخنزير الى عظام الخيل المطحونة بالاضافة الى زيوت "اقل نقاء" مثل زيت النخيل او زيوت البذور الاخرى.

وجعل الطلب على المنتجات العضوية والطبيعية للصابون الحلبي سوقا خاصا في اوروبا حيث يفضله كثير من الاشخاص على الصابون الغربي "الفاخر" الذي يتكون مما يزيد على 20 مكونا بينها بعض الكيماويات.

وتراجعت التجارة في حلب التي كانت مركزا تجاريا عالميا على طريق الحرير القديم منذ تولي حزب البعث الحكم في سوريا قبل 50 عاما وفرض سياسات الاقتصادية على النسق السوفيتي وهو ما دفع بالعائلات الكبيرة في مجالي التجارة والاعمال الى الهجرة الى الخارج.

وخففت القيود على المشروعات الخاصة في السنوات الاخيرة مما اسهم في اعادة الشباب الى وجه المدينة المعماري وفي زيادة السياحة ودعم جهود تسويق الصابون الحلبي.

لكن رغم مساعي التسويق لا تزال خمس عائلات راسخة في صناعة الصابون وهي زنابيلي ونجار وفنصة وجبيلي وصابوني تعمل دون صخب حتى انها لا تعلق لافتات اعلانية على ورشها.

وتقوم الان بتصدير اغلب انتاجها الذي يقدر بستمائة طن في العام الى اوروبا وكوريا الجنوبية واليابان خاصة افخر انواع الصابون الذي تصل نسبة زيت الغار به الى 16 في المئة.

ودفع نجاح تلك العائلات الى قيام عشرات ان لم يكن مئات المقلدين باستخدام الاصباغ الكيماوية لاكساب الصابون اللون الاخضر لزيتي الغاز والزيتون الطبيعيين.

ويباع الصابون الصناعي لقاء دولارين للكيلو مقارنة مع 16 دولارا او اكثر للكيلو من الصابون التقليدي وذلك على حسب نوعية زيت الزيتون او نسبة زيت الغار.

وقال الديري ان غياب المعايير يجعل الصابون الحلبي يلقي نفس مصير المنسوجات التي كان الناس يتخاطفونها في اوروبا قبل ان تتراجع جودتها.

واضاف "يوجد بالفعل في فرنسا صابون صنع في الصين من زيتي الغاز والزيتون الطبيعيين. يمكن للحكومة السورية ان تحافظ على الجودة اذا وضعت مواصفات للصابون الذي يحمل اسم الصابون الحلبي."

وفي ورشة زنابيلي في الجهة المقابلة لمسجد العثمانية يستخدم نبيل زنابيلي نظارة مكبرة لفحص قطع الصابون الخاص بالتصدير للتأكد من جودتها.

وقال زنابيلي بعد ان اشتم قطعة صابون "انها من نوعية جيدة. زيت الزيتون جيد وبها نسبة لا بأس بها من الغار."

واضاف ان حلب كانت مركزا لصناعة الصابون حتى قبل الميلاد الى جانب انطاكيا فيما يعرف حاليا بتركيا ونابلس بفلسطين. كما تضم مدينة طرابلس الساحلية على البحر المتوسط والتي كانت لفترة طويلة تابعة لسوريا قبل ان تنضم الى لبنان عام 1920 مصنعا قديما للصابون.

لكن حتى عائلة زنابيلي طورت خطا يضيف زيت اللوز والنعناع والليمون الى الغار لارضاء بعض الاذواق الاوروبية والاسيوية رغم انها تصر على ان منتجها لا يزال عالي الجودة.

ويتعامل متجر سلطانة الذي يبيع الانواع الفاخرة من الصابون وافتتح في حي الجديدة قبل ثلاثة اعوام مع مصنع يضيف عطر الياسمين المستورد من فرنسا الى الصابون كما يتعامل مع مصنع صابون من زيت الغار.

وقال مرهف صابوني الذي تعمل عائلته في صناعة الصابون منذ 600 عام ان شراء احد الاسماء الراسخة رهان امن اذ ليس لها مثيل من حيث الجودة والسمعة.

لكن ربما يكون من الصعوبة بمكان العثور على الصابون الحلبي في السوق المحلية ويتعين على المستهلكين الذين يحرصون على شراء ذلك النوع من الصابون التوجه الى الورش في احياء حلب القديمة.

ويبيع ناجي فهد الذي لديه متجري تجزئة للصابون في العاصمة السورية دمشق صابون فنصة مقابل 17 دولارا للكيلو لكنه يبيع اي نوع اخر مقابل جزء بسيط من ذلك المبلغ لان الجميع لا يقدرون قيمة الصابون الحلبي.

وقال فهد "الصابون الرخيص يحرق بشرتك لكن لديه زبائنه. ممثلة سورية مشهورة من المشترين الدائمين مني. فهي تشتري اقبح الصابون شكلا وتقول انه افضل الانواع لبشرتها."

صناعة الحرير

في سياق متصل تشارف صناعة الحرير، التي ازدهرت في سوريا، على الزوال بعد ان لجمتها القيود الاقتصادية والتي قادت بشكل خاص الى استبدال شجرات التوت بالزيتون والكرز.

الا ان محمود سعود وعائلته مازالوا مستمرين بتربية دودة القز في فصل الربيع ونسج الحرير في فصل الخريف بالقرب من قلعة مصياف الجاثمة على سفح الجبال الخضراء لدير ماما (غرب).

ويوضح سعود الذي بوسعه جني ربح اكبر فيما لو اكتفى ببيع الشرانق "اننا نقوم بكل شيء من الالف الى الياء بدءا من تربية دود القز الى صناعة الشالات".

انخفض الطلب على هذه السلعة الثمينة خلال القرن الماضي كما انخفض كذلك عدد مربي دودة القز، الا ان ذلك لم يثبط من عزيمة سعود "ان سعر البيع لا يغطي التكاليف ولا جهودنا ولكننا نريد لهذه المهنة القديمة والجميلة ان تستمر".

ويعتقد سعود بان غلاء المعيشة خلال العقدين الفائتين دفع المزارعين الى زراعة الزيتون والاشجار المثمرة لتنويع محاصيلهم".

ويعمل حاليا ثماني واربعون عائلة في ست عشرة قرية في زراعة دودة القز، كما انخفض انتاج الشرانق الى اطنان معدودة في السنوات الماضية بعد ان كان يبلغ ستين طنا في العام 1908.

يبلغ انتاج مسعود وعائلته نحو 35 كيلوغراما في كل موسم. ويجني من بيع الشالات حوالى ثمانية الاف ليرة سورية (120 يورو/166 دولار) اي اقل من متوسط الراتب الشهري في سوريا.

ويأسف مسعود لكون السياح وحدهم "يقدرون قيمة الحرير". الا ان ذلك لم يدفعه لليأس، فقد اطلقت وزارتا الزراعة والسياحة منذ عامين برنامجا يهدف الى احياء زراعة الحرير المحتضرة.

ويحصل سعود منذ ذلك الحين على مبلغ 250 ليرة سورية (4 يورو) مقابل كل كيلوغرام ينتجه من الشرانق. وساهم هذا البرنامج بارتفاع انتاج الشرانق من 2,6 طنا في عام 2009 الى 3,1 طنا في عام 2010. بحسب فرانس برس.

ويعتبر روبير مزنر صاحب مصنع البروكار الذي اسسه ابوه في دمشق العام 1890 "ان الحرير يبقى اجمل واثمن الخيوط" رغم جميع الاكتشافات.

وكانت الورشات في المنطقة ومن بينها ورشة مزنر تعمل ليل نهار خلال الحرب العالمية الثانية من اجل تزويد بريطانيا بالشرائط الحريرية العريضة الضرورية لصناعة المظلات. وشكلت سوريا المصدر الرئيسي في المنطقة في العام 1960 حين بلغت صناعة الحرير ذروتها.

وكان مصنع مزنر ينتج مئات الامتار من الحرير شهريا مقابل بضع عشرات ينتجها حاليا وتباع في متجر يقع في "سوق الحرير" في قلب مدينة دمشق. ويامل مزنر بتخفيض الضرائب وتسهيل الوصول الى الاسواق العالمية "ان انتاجنا اليوم ضئيل وحرفي. ان صناعة الحرير تحتضر".

وتحاول الكاتبة السورية مايا الكاتب اعادة احياء الاهتمام بهذه الصناعة في كتابها "الحرير السوري: لوحة عن التراث الثقافي الحي"، الذي سيصدر في كانون الاول/ديسمبر.

وتعتبر مايا الكاتب "ان التسويق والسياحة يمكنهما انقاذ الحرير الطبيعي عبر تعريف المزارعين المحليين بالمشترين الاجانب". وتتابع "ان جميع الصناعات الصغيرة مهمة في سوريا" التي لا تملك صناعات كبيرة. وتنادي بانقاذ صناعة الحرير "نظرا لقيمتها التاريخية والثقافية".

دلفين ليكاس

من جهتها تعمل الفرنسية دلفين ليكاس كمنشطة في حقل الثقافة السورية منذ اثنتي عشرة سنة، وهي أقامت أخيرا "مهرجان دمشق للفنون البصرية" في نسخة هي الأولى، ضم معارض لفن التصوير الضوئي وفنون الفيديو، ويطمح إلى دعم إنتاج الفن المعاصر في سوريا.

ليكاس، وهي فرنسية من أب يوناني وأم سويسرية، درست الفنون التشكيلية والتطبيقية في فرنسا، جاءت دمشق لتعلم اللغة العربية، لكنها سرعان ما غادرت المعهد الذي راح يعلمها الفصحى بينما هي تحتاج "لغة الشارع"، كما تقول في حديثها مع وكالة فرانس برس.

وتروي دلفين "بعد إنهاء دراستي في فرنسا، أحببت أن آخذ استراحة أفكر فيها ماذا سأفعل بالضبط في حياتي".

وتضيف "سكنت في سوق ساروجة في دمشق، ووجدته مشابها للحي الذي تسكنه جدتي في أثينا. وجدت تشابها كبيرا بين دمشق وأثينا، ولم أشعر بغربة".

أثناء فترة دراستها القصيرة للغة العربية في دمشق العام 1998، اقترحت على المركز الثقافي الفرنسي إقامة ناد للتصوير الضوئي "وبالفعل أقمنا ناديا، بل ذهبنا بالفكرة إلى حد إطلاق مهرجان للتصوير الضوئي". بحسب فرانس برس.

وتضيف "لم يكن لدينا مكان للمعرض، فأقمناه في الشارع، وأخذنا حمام الجوزة في سوق ساروجة كمختبر واستوديو للتصوير الضوئي، وبنينا علاقة طيبة مع أهل الحي الذين كانوا يأتون إلى الاستديو ونعمل لهم بورتريهات". المهرجان الذي أسسته ليكاس ما زال مستمرا إلى اليوم تحت اسم "أيام التصوير الضوئي".

وتقول ليكاس "هكذا بقيت أعمل مع المركز لسبع سنوات لاحقة مسؤولة عن النشاطات الثقافية". وتضيف "لكن العمل لسبع سنوات مع المؤسسة نفسها خطير في مجال الثقافة، حتى لو كانت المؤسسة هي الأعظم"، وتقول موضحة "لا بد من التوقف في الوقت المناسب كي لا تتحول إلى موظف".

سرعان ما وجدت ليكاس طريقها إلى الأمانة العامة لاحتفالية "دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008" منسقة للمعارض.

وتقول "في عملي يهمني دائما التطور، وفي +الأمانة+ عملت مع كبار الفنانين السوريين، وكنت سعيدة بأنني دخلت إلى مستودع المتحف الوطني ورأيت أعمال الرواد".

وحول صعوبات العمل في مجال الثقافة تقول ليكاس "يمكن تلخيصها بأمرين، الميزانية وصعوبة العثور على مكان". وتضيف "بإمكانك أن تلاحظ كيف أقمنا معرضنا هذا في بيت عربي قديم، واجهنا فيه مشكلة الكهرباء مثلا".

أما عن ميزة العمل في دمشق فتقول "أحببت البلد، وجزء من حياتي وذكرياتي أصبح في دمشق". وتضيف "لكن الأهم أنني أشهد على حركة مستمرة خلال 12 عاما، الجو الفني يتغير ويتحرك، وأنت تتحرك وسط هذه الحركة".

وتضيف "حتى التسعينيات كان العمل يقتصر على النحت والتصوير، لكن هذا يتغير، والفنانون يجربون أشياء أخرى. هناك غاليريهات كثيرة، والفنانون السوريون يقدمون في الخارج أكثر من قبل، ربما ساهم الانترنت في ذلك".

ولدى سؤالها عن مفارقة أن الشباب السوريين عينهم على الخارج، فيما هي عينها على سوريا، تقول "في النهاية هي ليست بلدي، وربما لأني أحببتها لا أرى سوى الوجه الجميل منها. بالتأكيد أرى أشياء تزعجني، ولكن لا تزعجني كما لو كنت سورية".

وتضيف "الناس لطيفون مع الأجانب، مع أنني لا أحب أن يتم قبولي لأنني أجنبية، في الوقت الذي لا تجد الأمور بالسهولة نفسها بالنسبة للسوريين".

وعن أكثر ما تحبه الآن في دمشق تقول ليكاس "أحب في المدينة معاصرتها وتقليديتها في الوقت نفسه، وهذا لن يطول كثيراَ، ولذلك أنا هنا الآن. فثمة حالة طارئة، وأشياء كثيرة يجب فعلها الآن".

وتشرح "إنك ترى المدينة القديمة، سوق الحميدية والمولات الضخمة، ترى في الشارع نفسه سيارات من أحدث الطرز، وقد يليها حصان يركبه شاب لديه غرور سائق السيارة الحديثة نفسه. الآن يظهر الزمنان قرب بعضهما، وأتمنى أن يطول ذلك".

وعن مشاريع تفكر فيها للمستقبل تقول ليكاس "أفكر بشيء عن الأكل، فهناك علاقة بين الأكل والفن. أنا لاحظت أن الفنانين التشكيليين عموما يتقنون الطبخ، ففي كليهما كيمياء، مجموع مواد هي في النتيجة بعيدة عن المكون الأساسي".

وتختم ليكاس قائلة "البلد الذي تجد فيه ثقافة عميقة تجد فيه أكلا طيبا...وأنا أحب أكل هذا البلد".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 29/كانون الأول/2010 - 22/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م