المدارس العراقية ومكامن الخلل في النظم التعليمية

تحقيق: عصام حاكم

 

شبكة النبأ: انكفأت كوثر على مقاومة ريبتها وتوجسها من ذلك اليوم العصيب الا وهو يوم الخميس القادم لاسيما وهي مطالبه بأعداد دراسة او تقرير نموذجي لصالح المدرسة المشرفة، على اعتبارها احدى الطالبات المتميزات والمتفوقات. شريطة أن تكون الدراسة عباره عن مسحا ميدانيا لمجمل الاسباب والمسببات التي تشكل حجر عثر أمام تقدم العملية التعليمية، مع ضرورة تبيان الافتراضات والحلول المتاحة.

وبحسب ما تقتضي الآراء والحوارات اليومية الدائرة ما بين بنات صفها والصفوف الاخرى، تشير علنا الى حتمية اخراج العملية التعليمية من بوتقة الاسلوب القديم، المتمثل بالتلقين وحشو المعلومات بصورة قسريه، والتنازل عن مسئولية تضخيم المواد الدراسية وزيادة عدد صفحاتها. حيث تصل في بعض الاحيان وخلال العام الدراسي الواحد الى الف وخمسمائة صفحة لطلبة الدراسة الاعدادية، وهذا الرقم يمثل مجموع المواد الدراسية مجتمعة.

وهذا بطبيعة الحال مما يضطر الطلبة وبمساعدة مدرسيهم الى مغادرة المنهاج الدراسي والتحول نحو ما تم تسميته اليوم بالملازم الدراسية، وهي أشبه ما تكون بالحلول السحرية التي يعتمد عليه الطلبة من اجل تشذيب المادة الدراسية أولا، ومن ثمة الحصول على وسائل الايضاح الكافية التي تجعل من الطالب في حالة غنى عن اقتناء الكتاب المدرسي وهذا ليس بالسر بل هو في عداد الامور الطبيعية والمألوفة، وربما تكون مسالة اقتناء الملازم وشراءها من المكتبات العامة أكثر اقبالا من اقتناء الكتب المدرسية نفسها.

وهناك ثمة اسباب اخرى لا مناص من التعرف اليها من قبيل منح الطالب فرصة أكبر لاستيعاب المعلومات بيسر وسلاسة وخلاف ذلك قد تكون المادة الدراسية عامل سلبي ومضر ولا يخدم مجريات الجهد التعليمي وعندها كان لابد ان تتصاعد انفعالات كوثر وجديتها في تناولها للموضوع مع تنامي وتيرة العوامل والعناصر المسببة لهشاشة المستوى التعليمي الا أن أم كوثر قالت كلمتها الفصل ودعت ابنتها الى التوقف عن الصياح والنهوض من السرير كي لا تتأخر على الدوام الصباحي وهذا هو موعد الذهاب الى المدرسة!!؟

سيف باسم طالب في الصف الثالث المتوسط، يعتقد بأن المؤسسة التعليمية اليوم تحتاج الى المزيد من المراجعة والدراسة المستفيضة، وان تكون هناك دراسات وبحوث علمية الغاية منها كسر طابع الجمود والرتابة، ومحاولة الاجهاز على النظم الباليه التي تحد من تقدم المستوى العلمي وتغير القناعات وبما يتلاءم مع الجانب المعرفي لكونه ضرورة حياتيه مهمة، فيقول، "اساس تقدم الامم ليس كما يعرف سابقا بانه مجرد اسقاط فرض، الغاية منه الحصول على شهادة ومن ثمة التعيين في دوائر الدولة".

ويضيف لــ(شبكة النبأ المعلوماتية)، "هذه الرؤى على بساطتها تسقط فرضية العلم والتعلم كما انها تحول الطالب الى ببغاء يحفظ الكلمات او المعلومات ومن ثمة نهاية العام يغادرها".

اما هيفاء جميل معلمة تبدو غير مقتنعة تماما بمسار العملية التعليمة في الوقت الحاضر وهي ذات سياقات من وجهة نظرها مملة وقسريه خصوصا وهي تناقش المرحلة الابتدائية على اعتبارها هي القاعدة الام التي تستند عليها الفرضيات الخاطئة، فتقول، "ما ان يصل الطفل الى المدرسة حتى تبدأ نوبة الحصص الدراسية المكثفة، وتتراوح الحصص اليومية ما بين الاربعة او الخمسة او ستة حصص يوميا، علما بأن مدة الحصه الواحدة تصل الى 45 دقيقة".

وتشير، "أضف الى ذلك غياب التغذية وانعدام الوسائل الترويحية والترفيهية، وليس هناك متسع للمرح أو اللعب ولا تتوفر حصص لاذكاء المهارات الجسمانية وقد يمتد مشوار تلك التعبئة المضنية للطفل من خلال الواجبات والفروض المطولة".

وتؤكد، "هذه عوامل ضغط لا تساعد الا على تسرب الطلبة من الصفوف الابتدائية".

ويرى علي شاكر الذي يعمل باحث وتربوي، ان هناك تجني كبير على العملية التعليمية والامر برمته يحتمل الشيئ الكثير من التقديرات والتنبؤات والرهانات التي هي محط انظار الجميع، فيقول، "الاعب الاول هو الطالب حيث تقع على عاتقه المسئولية الاكبر في تحديد الاوليات، فهناك من يأتي الى المدرسة وفي ذهنه الاهتمام والتواصل والمتابعة، وتلميذ اخر غير معني في أدامة تلك السلسلة من المرتكزات التي تدخل في عمق العملية التعليمية".

ويستثني شاكر في حديثه مع (شبكة النبأ المعلوماتية)، "الا ان هذا المعنى لن يسقط شبح الاطراف الاخرى الداعمة والساندة للعملية التعليمية، او التي تتدخل تدخلا مباشرا في تنميتها وتقويمها، خصوصا ان الجوانب الحياتية والتربوية والاسرية والاقتصادية والعلمية، وهذه كلها لها تماس مباشر".

ويسترسل شاكر، "فمن غير الممكن الانطلاق صوب العملية التعليمية على اعتبارها كيان منفرد من دون العودة الى مضمون الخيارات الواردة في ذلك المجال وربما يكون في مقدمة تلك الحلول هو البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وحتى الحكومي، فكل هذه الحلقات لها تأثيرات حيوية على بناء المؤسسة التعليمية، التي هي جزء من الواقع المجتمعي ونحن نكاد ان نتفق جميعا على ان المؤسسة التعليمية كانت ضحية سياسات فوضوية ممتدة الى عشرات السنيين، ومن الانصاف ان نكون واقعيين في تشخيص الاعراض كي نصل الى المعالجات الصحية التي تعتقد بضرورة رفض الشعارات والمزايدات والانطلاق بتجاه البحث والتقصي والدراسة المعمقة، كي نحقق ساعتها حالة التوازن بين ما تتطلبه العملية التعليمية، وبين ما موجود على الارض وعندها قطعا نلتمس المعيار من منظار واقعي وذو رؤى حديثة ومتطورة".

الا أن القاص عدنان عباس سلطان يتهم القاعدة السايكلوجية للإنسان في وقتنا الحاضر بانها تستشعر الكثير من الانغلاق والمحدودية في تقبل المعلومات، فيقول، "لو دققنا صفحات ماضينا البعيد لتبين بأن الانسان على بساطته كان يحفظ قصيدة قوامها مئات الابيات من اول قراءة أو من ثاني قراءة وربما حفظ القران والاحاديث النبوية الشريفة بذات الطريقة التي اشرنا اليها سابقا وهي طريقة الحفظ والتكرار على اعتبارها هي الطريقة السائدة آنذاك، والمصدر الاول للتوثيق". ويرى سلطان في حديثه لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، "السبب قد لا يتعدى منهجية نقاء الذاكرة الانسانية في ذلك الزمن الا اننا اليوم ومع شديد الاسف عاجزين عن تذكر بعض التفاصيل اليومية البسيطة ولساعات معدودات هذا مما يحيطنا علما بأن الذاكرة ممتلئة ببعض التفاصيل الحياتية المعقدة التي جاءت لتفشل مشروع التقبل والاستيعاب، وتنهي الجدل القائم ما بين المؤسسة التعليمية ووسائل التعليم ذاتها، علها تكون قادرة على ايجاد طرق جديدة تتناسب مع قدراتنا الذاتية، كي ننعم بالمعلومة من دون الحاجة الى توديعها في اقرب فرصه ممكنة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 28/كانون الأول/2010 - 21/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م