ازدواجية المعايير الغربية... النظام المصري نموذجا!

 

شبكة النبأ: يرى الكثير من المعنيين بشؤون الديمقراطيات والدول النامية ان النظام المصري يحظى بدعم غير محدود من قبل الولايات المتحدة وبعض الغربية مادام قادرا على تأمين وحفظ المصالح العائدة لها في المنطقة.

وهو ما تجلى بوضح عقب الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي جرت في مصر وشابها بحسب المتابعين والمعارضين تزويرا غير مسبوق، سهل للنظام الديكتاتوري هناك من تجديد قبضته على السلطة، بالاضافة الى استكمال مشروع التوريث المتوقع في المستقبل القريب.

وينقل موقع قنطرة في مقال للباحث توماس ديملهوبر من معهد العلوم السياسية بجامعة إرلينغن-نورنبيرغ الدول الاوربية الى مراجعة سياساتها تجاه النظام المصري وترك الكيل بمعيارين وازدواجية ان كانت حريصة على مبادئها في آمال ديموقراطية.

فيقول توماس في المقال المنشور، "انتخبت مصر في الأسابيع الماضية برلمانا جديدا على مرحلتين، لكن بنظرة متفحصة إلى هذه الانتخابات لا يمكن الحديث عن انتخابات بالمعنى الحقيقي للكلمة. إن تركيبة البرلمان الجديد كانت محددة منذ البدء من خلال التدخلات الكثيرة في عملية الترشيح والحملات الانتخابية. وهذه التدخلات منعت مرشحي أحزاب المعارضة من القيام بحملاتهم الانتخابية أو حرموا بالمرة من الحصول على تصريح بحق الترشيح للانتخابات. كما أُسكتت وسائل الإعلام المستقلة، وتم بشكل خاص اعتقال أنصار جماعة الإخوان المسلمين المعارضة بشكل قمعي. وبأي ثمن كانت القيادة المصرية ترى أنه من الواجب منع أي تطور في هذه الانتخابات، كما حدث في الانتخابات السابقة قبل خمسة أعوام.

وآنذاك حصدت جماعة الإخوان المسلمين المعارضة في الجولة الأولى من الانتخابات عدداً أكبر من الأصوات التي حصل عليها الحزب الوطني الديمقراطي بزعامة حسني مبارك، لتصبح في النهاية بحصولها على 88 مقعداً أقوى كتلة برلمانية معارضة على الرغم من المخالفات الكثيرة في الجولة الثانية من الانتخابات. ومنذ عام 2005 تم لهذا السبب تغيير الدستور وتقليل هامش حرية وسائل الإعلام المنتقدة وممثلي المجتمع المدني تحت غطاء أمور كثير في مقدمتها 'الإصلاحات الديمقراطية' إن النظام المصري بقيادة الرئيس حسني مبارك، المتداعية صحته بعد بلوغه 82 من العمر، أوضح بجلاء أنه غير معني بانفتاح سياسي للنظام الاستبدادي.

نعم للإصلاحات، ولا للديمقراطية!

ويتابع توماس في مقاله، "إن سير الانتخابات لا يمثل ظاهرة جديدة في مصر: فحتى في الانتخابات الماضية كان حسني مبارك وحزبه الوطني الديمقراطي يعملان عن قصد دائماً على منع إجراء انتخابات يتوفر فيها الحد الأدنى من معايير الديمقراطية. لكن على الرغم من ذلك فإن نتيجة هذه الانتخابات البرلمانية وحجم سيطرة الحزب الحاكم بنسبة فعلية تزيد على 95 في المائة من المقاعد في البرلمان الجديد تمثل مفاجئة. وتذكر النتائج السيئة التي حصلت عليها المعارضة في الانتخابات التي جرت في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر ومقاطعتها من قبل أغلب مرشحي المعارضة فيما بعد، الذين تمكنوا من دخول الجولة الثاني في 5 كانون الأول/ ديسمبر، تذكر بأوقات الدورات التشريعية وسيطرة الحزب الواحد للجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر في خمسينات القرن الماضي وستيناته. ولا يجب بأي حال من الأحوال أن يُفهم هذا الشكل البارز من التلاعب في الانتخابات على أنه نقطة قوة للنظام المصري أو إشارة لحكم فعال وكفيء، بل أنه علامة على الضعف، لأن الأنظمة التسلطية المستقرة في الوقت الراهن يمكنها أن تتحمل وجود معارضة قوية عددياً".

ويضيف، "إن هذا النوع من 'التعددية المُسيطر عليها' تمثل وسيلة لتحقيق غاية أن يعطي النظام نفسه شرعية في الداخل والخارج. لكن من المرجح أن هذه النتائج المُعلن عنها تضع أمام النظام المصري حدوداً ضيقة في إضفاء الطابع الديمقراطي لهذه الانتخابات".

ونوه توماس، "أما هذا الدافع فيبدو أنه لم يشكل سوى أهمية جانبية فقط بالنسبة إلى القيادة السياسية لحسني مبارك في عام 2010، فالاهتمام الرئيس ينصب على الانتخابات الرئاسية في العام المقبل، والتي يمكن أن تعوقها أصوات المعارضة في البرلمان. وفي هذه العملية فيبدو أنه من غير المهم حتى الآن ما إذا ترشح حسني مبارك الهرم لولاية سادسة أو حاول تمهيد الطريق لنجله جمال ليخلفه في منصبه".

ويتابع، "من أجل إتمام منظم لهذه الانتخابات في العام المقبل يحتاج النظام إلى الدعم الكامل للبرلمان، فلا يوجد هان مجال ما للجدل الحامي مع المعارضة حول هذا الأمر. إضافة إلى ذلك فإن البرلمان سيعمل أيضاً بمثابة شبكة للرعاية، من أجل مكافأة أعضائه المستحقين تقديراً لولائهم. وهكذا احتاجت حكومة الحزب الوطني الديمقراطي بزعامة حسني مبارك على ما يبدو إلى جميع مقاعد البرلمان تقريباً من أجل نزع الخلافات الكثيرة داخل صفوف الحزب على التوزيع المقصود للمقاعد البرلمانية ومن أجل إيجاد حد أدنى من التماسك. وبذلك لا يجب ترك أي شيء للصدفة في انتخابات الرئاسة في العام المقبل. لكن ماذا يعني ذلك كله بالنسبة إلى أوروبا"؟

أمن واستقرار

ويرى توماس، "إن قيماً نمطية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان لعبت في تسعينات القرن الماضي دوراً مهماً في تشكيل معالم السياسة الخارجية للدول الأوروبية. ويبدو أن انفتاح الهياكل التسلطية المتجذرة في منطقة الشرق الأوسط بات يكون جزءا من موجة الديمقراطية العالمية بشكل يتناسب مع التغيرات في السياسة الدولية بعد نهاية الحرب الباردة بشكل خاص".

ويشير، "لكن التطور السياسي في تلك المنطقة بكل ما فيه من قدرة السيطرة الاستبدادية على التأقلم يفند هذا الافتراض الأساسي العالمي. وبناءً على ذلك أخذت السياسة الأوروبية هي الأخرى تعتمد في توجهها بشكل متزايد على الممكن سياسياً بشكل أقل من اعتمادها على المنشود سياسياً. وهكذا بات يلاحظ بوضوح أن استقرار دول جنوب حوض المتوسط وأمنها في مقدمة الأولويات".

ويضيف، "وبشكل خاص بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية عام 2001 وبعد فترة قصيرة من أجندة إدخال الديمقراطية والتحرير التي دعمتها حكومة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بات الآن الأمن والاستقرار مجدداً أهم عنصرين في اهتمامات السياسة الأوروبية الخارجية تجاه دول منطقة الشرق الأوسط، ومنها مصر. ودور مصر كوسيط موثوق في صراع الشرق الأوسط والسيطرة على قناة السويس المهمة بالنسبة إلى حركة الملاحة العالمية يبدوان مؤمنين من خلال الاستقرار الواضح لنظام مبارك الاستبدادي. لكن هذه الصورة للنظام المستقر، الذي بات ينشغل بشكل متزايد بقضية وجوده ومسألة التوريث، شابتها بعض الشوائب. على أوروبا أن تعي ذلك بشكل نقدي وتعتمد على ذلك في مراجعة سياستها تجاه مصر".

خطاب الديمقراطية

ويختتم توماس قائلا، "ولا يتعلق الأمر هنا بسياسة الدمقرطة الشاملة، وإنما بتقوية قنوات التأثير للمثلي المعارضة من أجل الوصول إلى مقدار أكبر من الشفافية ومن أجل بناء آليات دولة القانون ومؤسساتها. إن مثل هذه المبادرات السياسية رفضتها الحكومة المصرية في السابق بحجة السيادة المستقلة. وبشكل غير مباشر كان يلوح دائماً التهديد من أن النظام الحالي يعد الشريك الوحيد الموثوق وضمان استقرار في منطقة تفتقر إلى الاستقرار. لكن على الرغم من ذلك فإن على أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية أن تقدم بإصرار مطالباً بمزيد من الشفافية وبدعم وإشراك ممثلي المعارضة. إن تكييف المساعدات المالية الضخمة التي يحصل عليها النظام المصري سنوياً، قد تمنح هذه المطالبات الوزن السياسي المطلوب، لأن الانتخابات البرلمان أظهرت بشكل واضح: إن النكوص الدائم من الخلافات مع النظام المصري لا يمثل عائقاً أمام الانفتاح السياسي للنظام الاستبدادي في مصر فقط، وإنما لا يمكنه أن يضمن الاستقرار بهذا الشكل على الدوام".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/كانون الأول/2010 - 19/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م