العراق... حكومة المالكي ومسيرة الالف ميل

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: اسدل العراقيون الستار على اطول ازمة سياسية شهدتها البلاد منذ الاطاحة بالنظام الديكتاتوري السابق عام 2003. حيث انزلقت البلاد في فراغ دستوري وماراثون سياسي استمر لمدة تسعة اشهر، بعد انتخابات شابتها طعون واتهامات ملتهبة، خلفت بدورها تجاذبات وصراعات فاقت المدى المحلي والاقليمي، قبل ان يتوصل الفرقاء الى صيغة توافقية، افضت اخيرا الى ولادة حكومة شراكة ترضي معظم الكتل والاحزاب المشاركة في العملية السياسية.

الا ان ذلك بحسب بعض المتابعين والمهتمين بالشأن العراقي لا يعتبر نهاية النفق، خصوصا ان ما يعول عليه العراقيون ابعد افقا من تشكيل الحكومة في المنطقة الخضراء، بل يتعدى الامر الى تحسين المرافق الحيوية والخدمية في تلك الدولة التي تعاني من اضرار جسيمة تؤثر بشكل كبير على معظم قطاعات الشعب العراقي، فيما لا تترقب الابصار تحسن ملموس للمستوى المعيشي للفرد، عبر طفرة اقتصادية طال انتظارها في بلد تعددت مصادر ثروته.

فتشكيل حكومة المالكي ما هي الا خطوة الالف ميل، التي يأمل مواطنو ذلك البلد الفتي ان تتسارع خطاه، وان يترك الساسة نزاعاتهم جانب الى حين.

فيما لم يخفي البعض تشكيكهم المسبق بالحكومة الجديدة، وما سوف تقوم به من انجازات خلال الحقبة البرلمانية القادمة، ذاهبين في آرائهم تلك الى كونها حكومة خلت من التكنوقراط، وغلب عليها الطابع السياسي بامتياز، وهو أمر تناوله المالكي اثناء عرض افراد الكابينة الوزارية ايضا، معلنا في الوقت ذاته عن ثغرة مضافة تحسب على وزارته تمثلت في غياب المشاركة النسوية.

مشاعر عدم الرضى

فقد سادت مشاعر عدم الرضى جلسة مجلس النواب الخاصة بالتصويت على الحكومة الجديدة، بعد أن أعرب العديد من المتكلمين عن اعتراضهم على التشكيلة الحكومية أو المطالبة بتدقيق أكثر، في حين فسر عدم حضور رئيسي الجمهورية وإقليم كردستان الجلسة على أنه إشارة ذات مغزى فسرتها مطالبة قيادي كردستاني بالضمانات.

فقد انتقدت النائبة عن التحالف آلا طالباني، في كلمتها خلال الجلسة، “خلو التشكيلة الحكومية الجديدة من النساء”، عادة ذلك “خرقا صريحا للمواد 14 و16 و20 من الدستور”.

وقالت النائبة إن الكتلة النسوية في المجلس “تعرب عن خيبة أملها من جراء غياب النساء عن الحكومة”، مستدركة “لكن النائبات سيصوّتن للحكومة لئلا يقفن ضد مصلحة الشعب العراقي”.

وأفادت أن الديمقراطية في العراق “ذبحت بميزان العنصرية كما ذبحت سابقا بميزان الطائفية”، مطالبة بـ”إسناد منصب وزير شؤون المرأة إلى رجل لعدم ثقة قادة الكتل السياسية بكفاءة المرأة في أداء واجباتها من خلال موقع المسؤولية”.

وطالبت النائبة آلا طالباني رئيس الجمهورية بضرورة “الدعوة إلى عقد اجتماع عاجل لممثلي الكتل السياسية لإنهاء هذا الخرق الدستوري بصفته الحامي للدستور”، كما طالبت بتخصيص “25% من الحقائب الوزارية ومنصب نائب رئيس الوزراء ونائب رئيس  الجمهورية”.

وتعقيبا على ذلك، قال رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، إن التشكيلة الحكومية “لم تكتمل بعد”ن متعهدا بـ”معالجة هذا الخلل من خلال إسناد بعض الوزارات إلى النساء”.

في حين قال رئيس الوزراء نوري المالكي، في معرض تقديمه البرنامج الحكومي، إن الكتل السياسية “لم تقدم له إلا اسم امرأة واحدة رفضت تولي المنصب”، متعهدا هو الآخر بالسعي “لمعالجة الموضوع وعدم قبول أي قائمة من الكتل السياسية تخلو من النساء”.

وجاء في كلمة المالكي خلال جلسة التصويت على تشكيلته الوزارية أن الجميع “غاضب” لأن حكومة الشراكة الوطنية يجب أن تقيد بضوابط من قبل مجلس النواب ليصل بنا الأمر إلى 42 وزارة، والحكومة “لا ترضي الطموح إلا أن فيها رجال وطاقات وشخصيات.

وتابع أن أصعب تشكيل الحكومات هي حكومة شراكة وطنية في بلد تتعدد فيه الطوائف والقوميات والمذاهب، ووصل الأمر إلى أن البعض لديهم مقعدان في مجلس النواب ويطالبون بوزارة انطلاقا من مبدأ الشراكة الوطنية والصعوبات يتحملها رئيس الوزراء.

إلى ذلك طالب النائب صباح الساعدي بضرورة “تدقيق التحصيل الدراسي للوزراء الجدد”، مشددا على أن “لا يقل تحصيل أي وزير عن شهادة البكالوريوس وأن لا يكون من حملة جنسية أخرى غير عراقية أو أن يتعهد بالتخلي عنها”. وعقب على ذلك رئيس المجلس، قائلا إن التدقيق “سيتم”.

وبرغم مباركة رئيس كتلة التحالف الكردستاني في مجلس النواب د.فؤاد معصوم التوصل إلى حكومة شراكة وطنية إلا أنه شدد على ضرورة “تحقيق الشراكة الفعلية والحقيقية من خلال الالتزام بالضمانات من قبل الشركاء”.

وفسرت كلمة معصوم، على أنها مطالبة بإقرار الورقة الكردية التي تتضمن 19 بندا، بينها تطبيق مثل المادة 140 وإقرار قانون النفط والغاز وعد الحكومة مستقيلة إذا ما انسحب الكرد منها.

على صعيد ذي صلة، لوحظ غياب رئيس الجمهورية جلال طالباني، عن الجلسة وهو المعروف بدعمه العملية السياسية وتأليف حكومة شركة وطنية، مثلما لوحظ غياب رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني عن الجلسة، وهو صاحب المبادرة التي مهدت الطريق لحل الأزمة السياسية المستعصية وتشكيل الحكومة.  بحسب اصوات العراق.

ودعا المالكي مجلس النواب لـ”بحث موضوع تشكيل الحكومة ضمن جدول عمله بهدف التوصل إلى صيغة أفضل بهذا الشأن”.

صراع داخل الائتلافات على المناصب

وعكفت الكتل طوال اسبوعين على اختيار مرشحيها للمناصب في الحكومة بما فيها مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزارات المختلفة، وسط منافسة مستمرة بينها على الفوز ببعض الوزارات والمناصب ومنافسة داخل الكتل بين شخصياتها على الفوز بالحقائب الأهم التي ستكون من حصتها.

حيث ظهرت منافسة بين صالح المطلك وطارق الهاشمي من العراقية على منصب نائب رئيس الجمهورية ومنافسة داخل التحالف الوطني على المنصب ذاته بين ابراهيم الجعفري ومرشحين آخرين، كما حصلت منافسة داخل التحالف على منصب نائب رئيس الوزراء الذي طالب به الصدريون بشدة.

وجرت منافسة على الحقائب المهمة كالعدل والوزارات الخدمية كالبلديات والاسكان. واعترضت كيانات داخل العراقية على حصتها من الوزارات متهمة أطراف بالحصول على أكثر من استحقاقها، كما ظهرت مطالبات لبعض المكونات الصغيرة بمناصب سيادية كمطالبة التركمان بمنصب نائب رئيس الجمهورية وسط اعتراضات متبادلة.

وتم توزيع الوزارات بين الكتل بموجب عدد المقاعد النيابية وعلى وفق نظام النقاط. وتغيرت عدة مرات حصص الكتل من الحقائب ومرشحيها. لكن تأكد تغيير معظم الوزراء وكبار المسؤولين في الحكومة الجديدة، باستثناءات بسيطة تمثلت باحتفاظ القيادي الكردي روز نوري شاويس بمنصبه كنائب رئيس الوزراء واحتفاظ هوشيار زيباري بمنصبه كوزير للخارجية واحتفاظ طارق الهاشمي بمنصبه كنائب لرئيس الجمهورية، واحتفاظ جاسم محمد جعفر وزير الشباب والرياضة بمنصبه، وكان يتوقع ان يحتفظ وزير النفط حسين الشهرستاني، وهو من المقربين للمالكي، بمنصبه الى انه كلف في الساعات الاخيرة باستلام منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة، وهو المنصب الذي سيؤهله للاشراف على وزارة النفط وضمان نجاح خطط اعادة بناء القطاع النفطي التي بدأها العام الماضي ويراهن عليها العراقيون لتحقيق تحول في وضع البلاد بجعلها قوة نفطية واقتصادية مهمة في المنطقة، وسيعطي موقع الشهرستاني الجديد، رسالة اطمئنان للشركات الاستثمارية العالمية باستمرار سياسات النفط السابقة بما فيها خطط زيادة الانتاج لتبلغ 12 مليون برميل يوميا على مدى السنوات الست أو السبع المقبلة.

حركة التغيير تعلن مقاطعتها تقاطع

من جهتا أعلنت «حركة التغيير» الكردية المعارضة مقاطعتها الحكومة العراقية الجديدة بسبب «عدم تقيّد الأطراف السياسيين بمبدأ الشراكة الوطنية وتحجيم الاستحقاق الانتخابي للحركة»، معتبرة أن «الحقائب الوزارية المخصصة للأكراد غير ملائمة مع حجم إقليم كردستان». ورأى قيادي فيها أن أسلوب تشكيل الحكومة «يعزز الفساد في الإقليم».

واستنكرت الحركة التي يتزعمها نيوشروان مصطفى في بيان إن «عدم تقيد الأطراف السياسية العراقية المعنية بتشكيل الحكومة بمبدأ الشراكة الوطنية الذي كان يجب أن يُعتمد لتشكيل الحكومة»، معتبرة أن «هذا ما منع تحقيق مشاركة عادلة لجميع المكونات العراقية».

ولفتت إلى «محاولات علنية لتحجيم الدور القومي والاستحقاق الانتخابي لحركة التغيير، إذ تم عرض وزارة واحدة أمامنا فقط في حين كان يجب أن نحصل على اثنتين بموجب استحقاقنا الانتخابي الذي لم نضعه نحن لأنفسنا، بل وضعه شعب إقليم كردستان الذي صوّت أكثر من نصف مليون منه لحركتنا».

وشددت الحركة على أنها «لن تقبل بأي احتكار لإرداة شعب كردستان، لكن ما رأيناه كان تنسيقاً بين بعض الأطراف السياسيين في العراق وبين الحزبين الكرديين الحاكمين، في سبيل احتكار إرادة شعب كردستان، إضافة إلى أن الحقائب الوزارية التي كانت مخصصة للمكون الكردستاني لا تتلاءم والحجم السياسي للإقليم».  بحسب صحيفة الحياة اللندنية.

وأوضحت أنه «بخلاف منصب رئيس الجمهورية ونواب الرئاسة ووزارة الخارجية، التي احتكرها الحزبان الحاكمان، لا تظهر أي مشاركة كردستانية فعالة في هذه الحكومة، وهذا لا يخدم مصالح شعب كردستان والشعب العراقي، خصوصاً في ظل وجود نقاط خلافية في الوسط لم نعلم حتى الآن مصيرها، وبقيت معلقة من دون برنامج سياسي يضع آلية لحلها».

وأشار البيان إلى أن الحركة «كانت تأمل في أن يظهر رئيس الوزراء المكلّف نوري المالكي والتحالف الوطني التزاماً مستقلاً في التعامل مع مختلف الكتل والأطراف، لكن ما حدث كان عكس ذلك، إذ كانت كل المحاولات لإرضاء الحزبين الحاكمين فقط للاستمرار باحتكار الحياة السياسية في الإقليم. لذا، فنحن نعلن عدم مشاركتنا في الحكومة الجديدة».

لكنه أكد مساندة «العملية السياسية الديموقراطية في العراق وجميع المستمرين في عملية التغيير، وسنستمر بمحاربة الفساد واحتكار إرادة شعب كردستان والعراق».

واعتبر القيادي في «التغيير» محمد توفيق، أن عدم مشاركة حركته في الحكومة الجديدة «رسالة إلى جميع العراقيين بأن تشكيل الحكومة بهذه الطريقة يعزز الفساد في الإقليم». وقال إن «انسحابنا من ائتلاف الكتل الكردستانية كان بسبب عدم تنفيذ الإصلاحات التي طالبنا بها في الإقليم. لا يمكننا العمل بسياسة الكيل بمكيالين: أن نكون متفقين في بغداد ومختلفين في الإقليم». وذكّر بأن حركته دخلت مفاوضات تشكيل الحكومة مع الأطراف السياسيين الآخرين «كقائمة مستقلة عن ائتلاف الكتل الكردستانية».

وأضاف: «من خلال عدم مشاركتنا، نريد أن نوصل رسالة إلى جميع العراقيين مفادها أن تشكيل الحكومة بهذه الطريقة يعزز الفساد في إقليم كردستان».

ترحيب دولي

في سياق متصل رحبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وتركيا وبريطانيا بمصادقة البرلمان العراقي على تشكيلة الحكومة العراقية الجديدة برئاسة نوري المالكي.

وأشاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بمصادقة البرلمان العراقي على الحكومة الجديدة، واعتبر ذلك "خطوة إلى الأمام في التقدم الديمقراطي للعراق".

ودعا بان في بيان تلاه ناطق باسمه القادة السياسيين العراقيين إلى توجيه الانتباه للمصالحة الوطنية وإعادة الإعمار والاستقرار طويل الأمد في البلاد، وهنأهم على "جهودهم المتضافرة لضمان حكومة جديدة شاملة"، ووعد بمواصلة دعم بعثة الأمم المتحدة إلى العراق للشعب والحكومة هناك "في بناء عراق مزدهر".

من جهته اعتبر الرئيس الأميركي باراك أوباما أن قرار تشكيل حكومة شراكة وطنية "تعبير واضح عن رفض الجهود التي يبذلها المتطرفون لنشر الانقسام المذهبي".

وقال أوباما إن تصويت البرلمان للمصادقة على الحكومة "لحظة مهمة في تاريخ العراق وخطوة كبيرة إلى الأمام للتقدم بالوحدة الوطنية"، معربا عن تهانيه للبرلمان والشعب العراقي.

واعترف بأن العراق يواجه تحديات كبرى, مجددا التزام واشنطن بتعزيز شراكتها مع العراق على المدى البعيد لبناء أمة مسالمة مندمجة مع محيطها ومع المجتمع الدولي. بحسب البي بي سي.

وفي أنقرة, أعربت الحكومة التركية عن دعمها للحكومة العراقية الجديدة برئاسة نوري المالكي، وقالت الخارجية التركية إن "تشكيل الحكومة استنادا للإجماع الوطني سيساهم في الجهود المبذولة من أجل الاستقرار والديمقراطية".

فيما اعلنت كل من بريطانيا وفرنسا والمانيا، بالاضافة الى الاتحاد الاوربي عن غبطته بتشكيل الحكومة في بغداد.

كما هنئ امير الكويت رئيس الوزراء العراقي لكسبه الثقة، فيما اعلنت مصر على لسان وزير خارجيتها ارتياحها لتشكيل الحكومة، حيث اعلن احمد نظيف وزير الخارجية المصري عن نيته زيارة بغداد خلال الفترة القادمة للقاء بعض المسؤولين فيها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/كانون الأول/2010 - 16/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م