نظرة في النقد التقويمي والنقد المعاصر

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: متابعة المنجز الادبي كما هو متفق عليه، تقع على عاتق جمهرة النقاد المختصين بفحص المتون الادبية، في الاجناس كافة، فهي لا تقتصر على الشعر، او القصة، أو الرواية، او المسرح، بل تشمل العملية الادبية والثقافية عموما، وبهذا فهي مسؤولية كبيرة، تحتاج الى جهد متواصل، وبحث لايكل في ما يُطرح على الساحة، من جديد في الآداب كافة.

ولكن لابد أن تتماشى نبرة النقد، وتوجهاته، مع التقدم الحاصل في هذا الحقل عالميا، بمعنى، لاينبغي أن يبقى النقد ساكنا في محله، في الوقت الذي اصبحت آفاق النقد متنوعة ومضاهية للابداع بصورة عامة، بما ينطوي علي من تجديد وتألق.

وفي هذا الصدد، يرى بعض النقاد، أن ثمة للنقد وظيفة محددة، يقوم بها تجاه النص، كي يُبعد عنه الطابع العبثي، الذي قد يُلصَق به، وربما تختلف وظائف النقد، تبعا للنظرية التي ينتمي إليها، وينطلق وفقا لتطبيقاتها، وتحديداتها أحيانا، فيما ذهب نقاد المعاصرة، الى أن المؤلَّف النقدي، بمختلف صنوفه، سواء كان بحثا، او دراسة، او كتابا، او مقالة، أصبح راهنا، يضاهي النص، إن لم يتفوق عليه، وبذلك فهو ينتمي الى الابداع، حاله حال القصيدة، والقصة، والرواية، وبقية الاجناس الاخرى.

هذه هي إذن مراتب جديدة، حققها الجهد النقدي، كي يصل الى مصاف النص الابداعي، في شروطه المعروفة، وضوابطه التي لا تعني سمة الانغلاق والتحديد، بقدر ما تعني توافر الشروط التي تدعم النص، لتمنحه هوية الانتماء الى الابداع، وما كان للنقد، أن ينتقل من مهمته التقويمية البحتة، الى كونه نصا ابداعيا، لو لا المواهب النقدية المرموقة، التي تمكنت من تحديث النقد، على مدار الحقب الماضية، لترتفع به الى مضاهاة الابداع قوةً وتفرداً وجمالاً.

فهل يجوز بعد هذه القفزات الكبيرة، التي حققها النقد وعبوره الفجوة او البون الشاسع بين الابداع والكتابة التقويمية، أن يتراجع خطوات واضحة الى الخلف على يد النقاد الانتقائيين الجدد؟!

وهنا أعني النقد العراقي تحديدا، ولا أدّعي الالمام بالمشهد النقدي العالمي، او العربي، وهو ما يستوجب جهدا يصعب تحقيقه، إلا من لدن ذوي المشاريع النقدية، التي تكدّ وتجدّ سنينا متواصلة، إن لم نقل عمرا كاملا، كي تعمل على التمهيد لاستخلاص نظرية نقدية عربية، لا تمت بصلة لنظريات النقد الغربية، كالبنوية أو الشكلانية الروسية او غيرها.

ولكن هذا لا يمنع من تأشير مكامن الخلل، التي قد تظهر هنا او هناك، في النشاط النقدي العراقي، المنثور على صفحات الصحف اليومية، والمجلات، والدوريات، وبعض المواقع الالكترونية ايضا، وكلنا نعرف أهمية وخطورة العملية النقدية.

وفي هذا الصدد ثمة ما يمكن أن أطلق عليه بالظاهرة النقدية، وأعني بها النقاد الانتقائيين، وهو ما سألخصه باختصار هنا، إذ قد يأخذ احد النقاد على عاتقه، قراءة هذا المنجز الادبي او ذاك، ممثلا بكتاب سردي، او شعري، أو خلافهما، والحال الذي بدأ يتكرر، فيما يُنشر هنا وهناك من نقود انتقائية، أن الناقد الانتقائي يدخل في عالم الكتاب السردي او الشعري او غيرهما من الاجناس، ليهمل كل ما ينطوي عليه من قصائد، او قصص أخرى، مستفردا بقصة او قصيدة واحدة، ثم يعطي من خلالها حكما نقديا على ما ورد في المتن الكلي للكتاب!

وبطبيعة الحال، ان الانتقاء بهذه الصورة، لا يمكن أن يحقق الهدف المبتغى من النقد، ومع أننا نقرّ بأن نجاح النص النقدي، لا يتحدد بأهداف نقدية، تقويمية محضة، كما تفترض حداثة النقد، إلا أن سمة الانتقاء والاختزال لعوالم الكتاب الشعري، او السردي، بقصيدة او قصة واحدة، لابد أن تفتقد لشروط النجاح، فلا يمكن أن نعطي حكما على الكل من خلال الجزء، لكن بالمقابل يمكن للكل أن يعطي انطباعا سليما عن الجزء.

وبهذا فإننا لا نريد لنقدنا العراقي، أن يتحول الى نقد انتقائي، لا يمكن أن يصل الى درجة مضاهاة النص الابداعي، فالنقد لم يعد معيارا تقويميا للنص كما ذكرنا، ولا ينبغي أن يكون كذلك، ولعلنا نتذكر ما جاء في مقدمة كتاب (التجربة الخلاقة/ لـ بورا/ ترجمة سلافة حجازي) الذي قرأ نقديا، تجارب أهم سبعة شعراء في القرن العشرين، على المستوى العالمي، حيث قيل عن هذا الكتاب النقدي بأنه مثّل تجربة ابداعية ثامنة تضاهي – إبداعيا- التجارب التي تناولها، ليس لكونه كتابا نقديا بالدرجة الاولى، بل لكونه تجربة ذات سمات ابداعية متكاملة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/كانون الأول/2010 - 14/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م