الدكتور عمارة وبيت العنكبوت

د. أحمد راسم النفيس

صدر مع بداية ذي الحجة كتيب ملحق بمجلة الأزهر من تأليف الدكتور محمد عمارة تحت عنوان (صحاح البخاري ومسلم هل هي بيت العنكبوت)؟! ردا على كتابنا (بيت العنكبوت) وقبل ذلك قام شيخ الأزهر بالرد على الكتاب من خلال مقال منشور بجريدة الأهرام بتاريخ 5-6-2010.

الجامع بين الكتيب والمقال هو تجاهل اسم الكاتب ولا أدري هل الدافع لهذا هو حرمانه من (شرف عظيم) لا يراه الكاتب كذلك أم أنها حالة من الخوف العظيم؟!. طبعا لم يكن بوسع الدكتور عمارة أن يتجاهل بالكلية وجود كاتب أو مؤلف فكان أن منح العبد لله لقب (مفرز) وهو لفظ ناب ينم عن (ثقة عالية بالنفس وأدب جم وخلق رفيع) ناهيك عن استعانته بقاموس الشتائم السوقية (ابن الرفضي)!!.

العظمة والكبرياء لله وحده (وَإِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللهِ أَنْ يَتَعَظَّمَ فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُهُ أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَهُ).

وبينما يقول شيخ الأزهر في مقاله أن ما جاء في الكتاب من أفكار (يلتقي فيه التشيع الجديد مع الاستشراق ألم يردد جولد زيهر ولامانس نفس ماتذيعه هذه الأقلام) يرى الدكتور عمارة أن (الذي (أفرز) هذا البيت جعل 90% من صفحاته نقولا عن كتب متداولة ومشهورة بين الجمهور عن (نهج البلاغة)وعن معاجم اللغة وكتب التاريخ وكتب الجرح والتعديل المشهورة في علم الحديث.. أي أن بيت العنكبوت هذا هو حشو في معظمه فلا علاقة له ولا لصاحبه بالفكر ولا بالإبداع).ص4

لماذا يصر الدكتور عمارة على نفي صفة الإبداع عن العبد لله؟!.

ولا أدري أي القولين نصدق: جولد تسهير ولامانس أم أن الكتاب يتضمن نقولا عن كتب متداولة ومشهورة بين الجمهور؟!.

قليل من الكذب يصلح شأن الأمة!!

فضلا عن استعانة الدكتور عمارة بقاموس الشتائم السوقية نراه يطبق القاعدة المشار إليها في العنوان حتى يتمكن من بناء قاعدة يمكن الهجوم عليها ودحضها.

مثال ذلك قوله: (يكذب مفرز (بيت العنكبوت) على كتب الصحاح كذبا بواحا عندما يزعم أن هذه الكتب قد حوت من الأحاديث ما يقول (من مات وليس في عنقه بيعة لطاغية زمانه مات ميتة جاهلية) (ص 27 بيت العنكبوت) وهذا كذب صريح على ما في كتب الصحاح. فالكاتب (مفرز) (بيت العنكبوت يكذب ويدلس على الصحاح جهارا نهارا وهي التي تجعل أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. إن مسيلمة الكذاب لو قرأ كتب الصحاح ما وسعه أن يبلغ في الكذب الحد الذي يقول فيه أن هذه الكتب تقول (من مات وليس في عنقه بيعة لطاغية زمانه مات ميتة جاهلية).ص46

بالرجوع إلى كتاب بيت العنكبوت سيكتشف القارئ أن كاتب هذه السطور لم يورد هكذا نص على الإطلاق حيث يقول (والمعنى أن المنافقين كان سلاحهم في تخريب الدين هو لحن القول وتحريفه عن مواضعه ولا شك أن أي خبير في اللغة يدرك أن حرفا مكان حرف أو كلمة تضاف أو تحذف يمكن أن تغير المعنى بالكلية. أحد نماذج لحن القول هو تلك الرواية المحرفة التي رواها أصحاب الصحاح والتي تزعم أن من مات وليس في عنقه بيعة لطاغية زمانه مات ميتة جاهلية)!!.

ولا شك القارئ يدرك بسهولة أن هذه العبارة هي من كلام الكاتب على سبيل التفسير لما ورد من نصوص تحمل هذا المعنى وليست نصا منقولا وإلآ لأورده الكاتب منسوبا لأصحابه كما حدث بالفعل في السطور التالية نقلا عن مسلم وغيره.

ليست لدينا مشكلة على الإطلاق في إيراد النصوص التي تحمل معنى (من مات وليس في عنقه بيعة لطاغية زمانه مات ميتة جاهلية) منسوبة لأصحابها ومن بينها ما رواه مسلم عن بيعة عبد الله بن عمر لبني أمية إبان مجزرة (الحِرة) لعامل يزيد بن معاوية: فقال إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا سمعته من رسول الله ص قال من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. صحيح مسلم. ج4 ص 245 أي أن ابن عمر كان يرى أن من مات وليس في عنقه بيعة ليزيد زمانه مات ميتة جاهلية!!.

اعترافات الدكتور عمارة

على طريقة (جاء يكحلها عماها) جاء أغلب ما كتبه الدكتور عمارة مفكر المرحلة الأوحد!!، ولا أدري أين غاب أساتذة علوم الحديث وتركوا له المجال لينوب عنهم.

من بين هذه الاعترافات الإقرارات ما يلي: (يذهب مفرز بيت العنكبوت إلى الادعاء بأن كتب الحديث عند أهل السنة لا مكانة لها في تأسيس المذاهب الفقهية فهذه المذاهب قد تأسست قبل ظهور الصحاح ومن ثم فلم تكن لها فوائد فقهية). ص 31. (فهل هذا الكلام صحيح)؟!. ص 32.

الجواب: نعم صحيح!!، حيث يقول عمارة (إن مؤسسي المذاهب الفقهية الذين سبقوا البخاري ومسلم قد اعتمدوا في تأسيس مذاهبهم على مدونات السنة التي دخلت بعد ذلك في البخاري ومسلم وغيرها من مدونات الحديث). ص 33. لاحظ (بعد ذلك).

أي أن أحدا لم ولن يعتمد لا على البخاري ولا مسلم في مذهبه الفقهي بل اعتمد على النسخة التي أمر أعور بني أمية عمر بن عبد العزيز تابعهم الطفل المعجزة (ابن شهاب الزهري) بتدوينها وتوزيعها على الأمصار وهو ما أقر به المفكر الأوحد عندما قال: (وإذا كان صحيحا ما ينقله (مفرز) بيت العنكبوت عن ابن شهاب الزهري: أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناه دفترا دفترا فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا). ص 26 نقلا عن الكتاب الأعجوبة.

وبينما يزعم الدكتور عمارة أن حياة البخاري في العصر العباسي جعلته متحررا من النفوذ الأموي نراه يتجاهل ما أوردناه في الكتاب عن استشهاد الإمام النسائي (سنة 303هـ لأنه صنف "خصائص الإمام علي وأهل البيت" لأنه رأى أهل دمشق حين قدمها في سنة 302هـ عندهم نفرة من علي بن أبي طالب ولأنهم سألوه عن فضائل معاوية فأمسك فدققوه في خصيتيه فمات) رحمه الله.

إنه الاستشهاد بسحق خصيتي رجل عمره 88 عاما لأنه تجرأ وألف كتابا في فضائل الإمام علي عليه السلام وبعد هلاك الدولة الأموية بأكثر من مائة وسبعين عاما.

الهروب الكبير

نحن لا نرى فيما كتبه الدكتور عمارة ردا على كتابنا بيت العنكبوت بل نراه محاولة للهروب من مواجهة ما ورد في الكتاب من حقائق أقر الرجل بأنها تستند إلى نقول (من كتب متداولة ومشهورة بين الجمهور) أي أن الكاتب لم يأت بشيء من عنده ومن باب أولى من كتب المستشرقين.

سنطرح على الدكتور عمارة بعض الأسئلة التي أثارها الكتاب آملين أن يتمكن من الإجابة عليها في كتيب جديد يواصل فيه إهدار أموال المسلمين.

أول هذه الأسئلة: كيف استقام أن يروي البخاري عن الطفل المعجزة ابن شهاب الزهري أكثر من 1500 رواية أي ربع كتابه وكيف أصبح الرجل فقيه الأمة وحبرها الأعظم ولم يتجاوز عمره العشرين ينفق كيف يشاء في حين يموت أصحاب النبي جوعا أو قهرا بسبب هتك أعراض بناتهن أو تختم أعناقهم بالرصاص كما فعل بهم الحجاج الثقفي؟؟.

السؤال الثاني: أين هي معايير العدالة التي تسمح للبخاري ومن سبقوه باستثناء روايات الشيعة وقبول روايات النواصب العثمانيين ومن بينهم حريز بن عثمان والسفاح سمرة والإرهابي قاطع الطريق النعمان بن بشير الأنصاري؟!.

السؤال الثالث: كيف سمح البخاري لنفسه وهو الذي كان يغتسل ويتوضأ ويصلي ركعتين قبل أن يضع أي رواية –حسب زعمهم- أن يروي عن عنبسة بن خالد الذي كان يعلق نساء مصر من أثدائهن؟!.

السؤال الرابع: كيف سمح البخاري لنفسه أن يروي صلح الحديبية نقلا عن مروان بن الحكم الذي كان يومها طفلا رضيعا في كنف أبيه الحكم بن العاص أحد رموز الكفر القرشي المتحصن في مكة ورغم إجماع المسلمين على وصفه بأحط الصفات؟!.

السؤال الخامس: لماذا سكت الدكتور عمارة عما أثرناه في هذا الكتاب عن فقهاء النبيذ وكيف أن أحدهم (ابن علية روى البخاري عنه 26 رواية ومسلم 123) والعهدة على الذهبي (سمعت علي بن خشرم يقول: رأيت ابن علية يشرب النبيذ حتى يحمل على الحمار، يحتاج من يرده إلى منزله) أي أن الرجل كان يسكر طينة ولا يدري أين هو ويبدو أن البخاري كان يغتسل ويتوضأ نيابة عن هؤلاء السكارى. في انتظار أن يقوم الدكتور عمارة بالإجابة على هذه الأسئلة وغيرها بعد أن يفرغ من الرد على وثائق ويكيليكس خلال الأسبوعين المقبلين باعتباره حلال العقد المستعصية!!.

يقول تعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ* يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) المطففين 1-6.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/كانون الأول/2010 - 14/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م