
شبكة النبأ: أحيانا تفتح ملفات قديمة
تحوي قضايا خطيرة تربط بلد بآخر، وشكل مستتر الى ان تحين الظروف او
الوقائع المتسببة في كشفها، ويؤكد مصداقيتها من عاصر احداثها او تورط
فيها، بعد ان تسقط الحجب على توالي معلنة الجزء الاكبر من الحقيقة كما
هو الحال في العديد من القضايا الدولية المشابه.
وهذا ما يحدث على ارض الواقع بين فرنسا وباكستان، حيث كشفت دلائل
جديدة على تورط بعض الجهات الفرنسية من الشخصيات السياسية التي كانت
تشغل مناصب مؤثرة في موت عدد كبير من الاشخاص في باكستان، مما دفع
عوائل تلك الضحايا الى فتح ملفات القضية مرة أخرى ورفع قضايا على
المتهمين، بعد انجلاء بعض الحقائق والادلة الجديدة.
الا ان هذا الامر ما اثار مخاوف العدد الكبير من المحللين، خصوصا في
هذا الوقت العصيب الذي تمر به باكستان، مما قد يزعزع نظام الحكم القائم،
في حال ثبوت تورط بعض الشخصيات الرسمية الباكستانية في تلك القضايا.
الملفات كاملة
فان الجديد في القضية هو ما أثير في فرنسا عن تمويل غير مشروع
للحملة الرئاسية لادوار بالادور الذي كان في حينها رئيسا للوزراء وكان
نيكولا ساركوزي وزيرا للموازنة. فما مدى ارتباط الرئيس نيكولا ساركوزي
بها؟
فقد عادت تلك القضية، القديمة الجديدة، لتطفو على سطح السياسة
الفرنسية بعد أن أعلن وزير الدفاع السابق في عهد الرئيس جاك شيراك
شارل ميّون وأمام احد القضاة الفرنسيين انه كان على قناعة بوجود
عمولات حولت إلى فرنسا بعد بيع غواصة فرنسية الى باكستان.
وزير العدل السابق النائب الاشتراكي الحالي اندريه فاليني توقف عند
مسالة المطالبة بالاستماع إلى الرئيس ساركوزي.
ولكن ماذا بعد هذه الاعترافات؟ فبعد اعترافات ميون طالبت ابنة احد
الضحايا بالاستماع لرئيس الجمهورية لمعرفة كامل الحقيقة انها ماغالي
دروي.
اوليفيه موريس محامي عائلات الضحايا الأحد عشر من مهندسين وتقنيين
فرنسيين قضوا في الانفجار اعتبر انه حان الوقت للاستماع إلى الرئيس
نيكولا ساركوزي وكشف جوانب مهمة مما اسماه بالفضيحة.
فان هذه القضية تعود إلى ثماني سنوات وبالتحديد عام 2002 حيث وقع
تفجير في كراتشي استهدف مجموعة خبراء فرنسيين وراح ضحيته 15 شخصا من
بينهم 11 فرنسيا قيل إن له علاقة بقضية عدم دفع عملات في صفقة سلاح مع
باكستان تمت في العام 1994 ولكن لا شيء مؤكد حتى ألان. لكن أي دور
لعبته هذه الشخصيات في هذه القضية؟
إدارة الصناعات البحرية و"قضية كراتشي"
إدارة الصناعات البحرية: شركة برؤوس أموال عامة تعنى بالتسلح البحري
وتهتم ببيع السفن وأنظمة القتال لصالح الجيش الفرنسي وفي السوق الدولية.
في العام 1992، كلفت إدارة الصناعات البحرية شركة فرنسية تدعى "سوفما"
تهتم بتوفير العتاد والأسلحة، والتي تمتلك الدولة الفرنسية حصة فيها،
بالعمل على الفوز بصفقة بيع غواصات "أغوستا" لباكستان مقابل الحصول على
عمولات ضخمة، على أن تُعطى لها العمولات عبر وسطاء، وبالتحديد عبر شركة
تدعى "سوفريسا".
وبالفعل تم توقيع صفقة "أغوستا" عام 1994: ثلاث غواصات بيعت لكراتشي
مقابل 5.5 مليار فرنك (أي ما يعادل 850 مليون يورو). وكان نائب
الأميرال دومينيك كاستيلان هو من كلف بهذه الصفقة.
في الثامن من مايو/أيار 2002، لقي 11 موظفا فرنسيا من إدارة
الصناعات البحرية حتفهم في اعتداء في مدينة كراتشي. ومن شأن التحقيق
الجاري أن يُظهر ما إذا كان اعتداء كراتشي له علاقة بصفقة غواصات "أغوستا".
إدوارد بلادور: شغل منصب رئيس الوزراء في الفترة ما بين 1993 و1995،
وترشح للرئاسة كمنافس لجاك شيراك عام 1995. خلال ترشحه، حصلت الجمعية
المُمولة لحملته على إيداع في حسابها المصرفي بقيمة 10 مليون فرنك (1.5
مليون يورو). وينفي إدوار بلادور أن يكون قد تلقى أي تمويل غير شرعي
لأجل حملته، كما أنه يحتمي وراء فكرة أن الحسابات المصرفية التي خُصصت
لتمويل حملته تم المصادقة عليها من قبل المجلس الدستوري.
فرانسوا ليوتار: وزير الدفاع في حكومة إدوار بلادور. وقّع عقد بيع
غواصات "أغوستا" إلى باكستان عام 1994. وقد كلف مدير مكتبه آنذاك، رينو
دونديو دو فابر، بالتفاوض حول حيثيات العقد وفرض على باقي أطراف هذه
الصفقة التعامل مع وسيطين لبنانيين شهرين قبل توقيع العقد.
نيكولا ساركوزي: كان يشغل منصب وزير الموازنة في حكومة بلادور،
ويقال إنه وافق على إنشاء شركة "أف شور هين" عام 1994، والتي كانت تهتم
بنقل العمولات التي كانت تصرف بعد توقيع بعض العقود. وكان ساركوزي
يعتبر اليد اليمنى لإدوار بالادور، وشارك في تنشيط حملته الانتخابية
عام 1995، أي تاريخ إيداع مبلغ 10 مليون فرنك في الحساب المصرفي
للجمعية المكلفة بتمويل حملة إدوار بلادور. وهو ينفي حاليا أن تكون
حملة بلادور قد مُولت بطريقة غير شرعية.
شبكة "ك": تضم هذه الشبكة وسيطان هما زياد تقي الدين وعبد الرحمن
العسير، اللذان عملا في الخفاء للفوز بالصفقة. وتسمى شبكة "ك" إشارة
إلى "كينغدوم" (المملكة)، أي المملكة العربية السعودية. وهي شبكة تم
تأسيسها في الأساس لإنجاح صفقات أخرى مع السعودية. وقد تمكنت الشبكة من
حصد أكثر من 200 مليون فرنك، حوالي 30 مليون يورو. ومن شأن التحقيق أن
يظهر ما إذا وزع الوسطاء جزء من هذا المال كعمولات مستعادة في فرنسا.
جان ماري بوافان: الرئيس المدير العام للشركة اللوكسمبورغية "هين"،
هو من أنشأ القنوات المالية التي قد يكون مر عبرها أكثر من 300 مليون
فرنك (45 مليون يورو). وقد أسست شركة "هين" عام 1994، في عهد حكومة
بلادور، بموافقة وزير الموازنة آنذاك، نيكولا ساركوزي، بحسب البعض.
جاك شيراك: في العام 1996، كان رئيسا الجمهورية الفرنسية. تم إخباره
بوجود عمولات عن صفقة غواصات "أغوستا". وعندما شك في احتمال توصل خصومه،
أصدقاء بلادور الذي ترشح ضده لرئاسة البلاد، قرر وقف صرف العمولات
للوسطاء الذين تدخلوا في ملف غواصات "أغوستا".وبحسب عائلات ضحايا
اعتداء كراتشي عام 2002، فإن اعتداء كراتشي ترتب عن هذا القرار القاضي
بوقف العمولات.
كما أعربت عائلات الضحايا عن اقتناعها بأن الرئيس شيراك كان على علم
بالعواقب التي قد يخلفها قراره. ابنتا ضحيتين في اعتداء كراتشي أعلنتا
أنهما سترفعان دعوى ضد شيراك بتهمة القتل غير العمد وتعريض حياة
الآخرين للخطر.
شارل ميون: وزير الدفاع في عهد الرئيس جاك شيراك، كلفه الأخير بمهمة
النظر في عقود الأسلحة. في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أفصح أمام
القضاء أن لديه "اعتقادا راسخا" بأن هناك عمولات مُستعادة صُرفت لغاية
1995 في إطار صفقة بيع غواصات "أغوستا" لباكستان. كما أعلن أن الرئيس
شيراك طلب منه وقف صرف هذه العمولات عام 1996.
دومينيك دوفيلبان: عمل كمدير لمكتب وزير الخارجية في حكومة إدوار
بلادور ثم في عهد حكومة ألان جوبيه كأمين عام لقصر الرئاسة.
ويشتبه أنه أيضا وضع حدا للعمولات التي كانت تُصرف بعد توقيع صفقة "أغوستا"
دون أن يأبه بعواقب ذلك على موظفي إدارة الصناعات البحرية المتواجدين
في كراتشي. وقد اعترف دومينيك دوفيلبان بأن لديه "شكوكا قوية" بخصوص
وجود عمولات مُستعادة قبل أن يتراجع عن كلامه ويقول "ليست هناك حجج
رسمية".
ميشال مازينس سوفريز: شاهد مُهم في القضية. رئيس سابق لشركة "سوفريزا"
الفرنسية لاستيراد الأنظمة المتطورة. أكد أطروحة وُجود عمولات مستعادة
في هذه القضية، دون أن يؤكد أن هناك علاقة بين وقف صرف هذه العمولات
واعتداء كراتشي.
القضاة:
مارك تريديفيك: قاض مكلف بقضايا الإرهاب. كُلف بالنظر في ملف اعتداء
كراتشي، وخلفه في متابعة الملف منذ 2002 القاضي جان لوي بروغيير، الذي
يرجح فكرة وقوف "القاعدة" وراء الاعتداء. اعتداء كراتشي قد يكون بحسب
القاضي مارك تريديفيك، نتيجة وقف صرف العمولات وكذلك، وجود عمولات
مُستعادة وُضعت في الحسابات المصرفية لتمويل الحملة الانتخابية لإدوار
بلادور.
رونو فان رويمبيك: بعد تقدم عائلات الضحايا بشكوى في 2010، كلف
القاضي رويمبيك بمتابعة الجانب المالي من التحقيق حول احتمال صرف
عمولات مُستعادة، أي أن هناك أموال صُرفت إلى وسطاء قبل أن يستعاد قسطا
منها لفائدة شخصيات في فرنسا.
اعتداءات كراتشي
من جانبه أقام وزير الدفاع السابق فرانسوا ليوتار في تصريح امام
لجنة تحقيق برلمانية حول اعتداء كراتشي، علاقة بين ذلك الاعتداء الذي
وقع سنة 2002 ووقف دفع العمولات، كما أفاد مصدر قريب من الملف.
وقد اسفر الاعتداء الذي وقع في الثامن من ايار/مايو 2002 في كراتشي
بباكستان عن مقتل 15 شخصا بينهم 11 فرنسيا كانوا يعملون في صنع غواصات
باعتها فرنسا لباكستان. وبعد التركيز على مسؤولية القاعدة، تحول القضاء
الفرنسي الآن الى فرضية عملية انتقامية باكستانية بعد انقطاع دفع
عمولات فرنسية في إطار صفقة بيع باكستان الغواصات الثلاث من طراز
اغوستا في 1994.
وكان ليوتار في الخط الأول بصفته وزير الدفاع في عملية التفاوض حول
صفقة اغوستا الفرنسية الباكستانية سنة 1994 والتي أمر الرئيس جاك شيراك
بوقف دفع عمولاتها اعتبارا من 1995.
وقال ليوتار امام نواب لجنة التحقيق البرلمانية حول اعتداء كراتشي،
في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2009 "اما انه تنظيم القاعدة، لكن ذلك لا
يبدو لي محتملا نظرا لطبيعة المتفجرات المستخدمة، واما انه انتقام
اشخاص لم يحصلوا على حصتهم من العمولات"، كما جاء في محضر جلسة
الاستماع اليه نشره على موقع "ميديابارت" الاخباري. بحسب وكالة انباء
فرانس برس.
واضاف الوزير "انا شخصيا -وهذا شعوري- اميل الى الفرضية الثانية"
موضحا ان وزارة الميزانية التي كان يتولاها سنة 1994 الرئيس الحالي
نيكولا ساركوزي "كان لها ممثل في كل اجتماع" عقد حول صفقة بيع باكستان
الغواصات.
وفي قضية كراتشي هذه يركز القضاء الفرنسي ايضا على شبكة فساد مفترضة:
علاوات دفعتها فرنسا لأصحاب القرار من اجل الحصول على الصفقة -كانت
شرعية حينها- إضافة الى "قسم مستعاد من العلاوات" دفع بشكل غير قانوني
في فرنسا لمسئولين فرنسيين.
دو فيلبان مقتنع بأن "العمولات الخفية مولت أحزابا سياسية مؤيدة
لبلادور" أكد رئيس الحكومة الفرنسية السابف دومنيك دو فيلبان أمام
القاضي رينو فان رويمبيك عن شكوكه بالفساد في صفقات أسلحة أبرمت في
1994 مع باكستان، مشيرا إلى أن لديه قناعات قوية جدا "بأن العمولات
الخفية" مولت أحزابا سياسية مؤيدة لرئيس الوزراء آنذاك" إدوار بلادور.
دو فيلبان ينفي
فيما أشار رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دو فيلبان المهدد مع
الرئيس السابق جاك شيراك بشكوى قررت اسر ضحايا اعتداء كراتشي سنة 2002
رفعها، الى شبهات بحصول فساد على هامش صفقة غواصات فرنسية لباكستان في
1994، لكن الرئاسة الفرنسية نفت تورط نيكولا ساركوزي فيها.
وبعيد مداخلة لدو فيلبان على قناة تي اف 1 الفرنسية ندد الامين
العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان بـ "النهج الذي سلكه أولئك الذين لا
هم لهم سوى توريط رئيس الدولة، عبر تلميحات متتالية، في قضية لا صلة له
بها إطلاقا".
وبحسب غيان فان القول ان العقد الموقع بين فرنسا وباكستان قد يكون "أدى
الى المساهمة بشكل غير شرعي في تمويل الحملة الانتخابية" لادوار بلادور
في 1995 في وقت كان ساركوزي ناطقا باسمه، إنما هو "إشاعة مغرضة تهدف
الى النيل من مصداقية الحياة السياسية في بلادنا".
وتريد اسر ضحايا اعتداء كراتشي في 8 ايار/مايو 2002 رفع دعوى على دو
فيلبان وشيراك بتهمة "تعريض حياة الغير للخطر" لأنها تشتبه في ان
القرار الذي اتخذه الرئيس السابق شيراك بوقف دفع عمولات في إطار صفقة
غواصات لباكستان في 1994، هو الذي أدى الى تنفيذ الاعتداء كعمل انتقامي.
وقتل في الاعتداء 15 شخصا بينهم 11 فرنسيا من ادارة المنشآت البحرية.
وبعد ان ركز التحقيق على مسؤولية القاعدة عن الاعتداء، تحول في 2009
الى سيناريو عمل انتقامي باكستاني بسبب قرار شيراك بعد انتخابه رئيسا
في 1995 وقف دفع عمولات على صفقة غواصات اغوستا، وهي عمولات كانت
تدفعها حكومة بلادور (1993-1995).
واوضح دو فيلبان الذي اكد انه يريد الإدلاء بإفادته لقاضي الشؤون
المالية رينو فان رويمبيك ان شيراك اتخذ ذلك القرار بسبب "شبهات قوة
جدا بوجود رشاوى مرتجعة" يتقاضاها مسؤولون فرنسيون، ما يعني وجود فساد.
بحسب وكالة انباء فرانس برس.
وقررت عائلات الضحايا رفع الدعوى على اثر ما كشفه رئيس سابق لمجلس
إدارة شركة "سوفريسا" لتسويق العتاد العسكري أمام القاضي الفرنسي
المكلف الجانب المالي في القضية، مؤكدا ان احد مسئولي إدارة المنشآت
البحرية حذره من "مخاطر محدقة بالموظفين" في حال وقف دفع العمولات.
وأوضح رئيس مجلس إدارة سوفريسا ميشال مازينس لدى مثوله امام القاضي انه
تم تكليفه في 1995 بوقف دفع العمولات الخاصة بعقد ثان يتعلق ببيع
فرقاطات للمملكة السعودية (صواري2).
وقد يكون دو فيلبان الذي كان حينها يشغل منصب الأمين العام للرئاسة
"طلب منه الذهاب للقاء" المسؤول حينها عن الفرع الدولي في ادارة
المنشآت البحرية دومينيك "كاستيلان ولإبلاغه بتطبيق الإجراء ذاته على
باكستان". وبحسب مازينس فان كاستليان "رد قائلا ان هذا معقد بالنسبة
اليه لأنه يعرض موظفين الى مخاطر".
وعلقت ماغالي درويه المتحدثة باسم اسر الضحايا "إننا مصدومون بعدما
علمنا ان إدارة المنشآت البحرية والدولة وخصوصا شيراك ودو فيلبان،
كانوا يعرفون انه هناك مخاطر جراء وقف دفع العمولات".
ملابسات الاعتداء
بينما دعت اسر ضحايا اعتداء كراتشي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي
الى تقديم شروحات حول شبهات فساد وتمويل سياسي في صفقة بيع باكستان
غواصات فرنسية قد تكون أدت بشكل غير مباشر الى اعتداء استهدف فرنسيين
في كراتشي سنة 2002.
واعلنت ابنة احد الضحايا ساندرين لوكلير في مؤتمر صحافي "يجب على
ساركوزي ان يحضر جلسة استماع وان يبوح بما لديـه هو الذي وصف تلك
الفرضـية المالية بأنها "خرافة". بحسب وكالة فرانس برس.
وكانت المعارضة اليسارية دعت الرئيس الى "تقديم كافة التوضيحات
المفيدة عن الدور الذي يكون قام به في تلك القضية" وطلبت رفع السرية عن
وثائق وضعت تحت كنف "سرية الدفاع". |