البحار وخطر انهيار الحياة الاساسية

الحموضة تهدد مستقبل مصادر البروتين

 

شبكة النبأ: خلال المئتي سنة الماضية، دفعت النشاطات الصناعية والزراعية على الكرة الأرضية تركيزات ثاني أكسيد الكربون (CO2) في الجو إلى أعلى مما كانت عليه طيلة 800,000 سنة، مُسبّبة ذلك في ارتفاع حرارة كوكب الأرض.

ولأن ثاني أكسيد الكربون ينتشر في البحار، فان المحيطات امتصت 525 بليون طن من ثاني أكسيد الكربون في نفس تلك الفترة الزمنية.

هذه العملية الطبيعية تأخذ ثاني أكسيد الكربون من الجو وتخفف بعض آثاره على الاحتباس الحراري العالمي على الأرض،  لكن ثاني أكسيد الكربون وهو ما يسميه العلماء غازا حمضيا يتفاعل مع مياه البحر ليشكل حمضاً الكربونيك. الكمية المفرطة من الحمض الخفيف الذي تسببه تركيزات ثاني اكسيد الكربون المرتفعة، قد بدأ يغيّر كيمياء المحيطات الهشة ويتدخل في حياة الحيوانات والكائنات الحية (أنظر "تركيزات ثاني اكسيد الكربون المرتفعة تجعل المحيطات أكثر حموضة"). بحسب موقع أميركا دوت غوف.

تقاول جوان كليباس، العالمة الباحثة في المركز القومي لمعهد الأبحاث الجوية لدراسة المجتمع والبيئة، المقيمة في كولورادو، "فكرّوا بالمشروبات الكربونية". وأضافت، "يضاف ثاني أكسيد الكربون إلى سائل مضغوط. يدفع هذا ثاني اكسيد الكربون للدخول إلى السائل ويخلق شراباً مشبعاً بالكربون. هذا هو جوّنا. اننا نضيف ثاني اكسيد الكربون إلى الجو مثل الحيز في أعلى زجاجة صودا، وهذا يوجه مزيداً من ثاني اكسيد الكربون إلى  داخل المحيطات.

وقالت "في ميدان عملي حول المرجان والكائنات الحية التي تعيش في قاع المحيط، تفرز  الكثير من هذه الكائنات أصدافاً مكوّنة من كربونات الكلسيوم. إذا رَميتَ قطعة مرجان أو صدفة في نظام مشبع بالكربون، وتركتها هناك لبعض الوقت، فان النظام يكون حمضياً ويأكل تلك الصدفة. بإمكانك مشاهدتها تنحّل. هذا ما نخشاه بالنسبة للمحيطات".

حياة البحار وثاني أكسيد الكربون

ان ارتفاع الحموضة يمكن ان يكون له أكثر الآثار ظهوراً على الكائنات الحية في مياه البحار التي لديها أصداف من كربونات الكلسيوم وأجزاء قاسية الأخرى. الأصداف تتكون من أشكال كيميائية تسمى أيونات – ايونات كلسيوم وأيونات كربونات – في مياه البحر.

الكائنات الحية تتراوح بين الطحالب العوالقية المُسّماة كوكوليثوفورز والحلزون العوالقي المُسّمى جناحيات الأقدام إلى الحيوانات القنفذية الجلد مثل نجوم البحار و دولارات الرمل     إلى المرجان والطحلب المرجاني الأحمر.

العوالق هي أية كائنات حيّة منجرفة (حيوانات، نباتات، بكتيريا ذات خليّة واحدة) التي تعيش في القسم الأعلى من المحيطات، والبحار، والكتل المائية الأخرى.

فيما تقول فكتوريا فابري، عالمة بيولوجيا المحيطات في دائرة العلوم البيولوجية في جامعة ولاية كاليفورنيا –سان ماركوس، "ان جناحيات الأقدام (Pteropods)، مثلاً، التي هي مصدر وفير من الغذاء للحياة البحرية الأخرى، مكونة من نوع من كربونات الكلسيوم يدعى "أراغونايت".  الاراغونايت يذوب بسرعة أكثر من مواد الأصداف الأخرى وقد تكون أول ما يذوب في مياه المحيط الحمضية.

وتضيف: "اننا نعتقد ان جناحيات الأقدام هي فائقة الحساسية بالنسبة لارتفاع حموضة مياه المحيطات، وحيث تكون الحيوانات بهذه الوفرة، فانها تلعب على الأرجح درواً هاماً في الشبكة الغذائية".

وتتابع: " الواقع، ان الأصداف الجناحية الأقدام موجودة في المحيط الهادئ جنوبي القطب الشمالي، وتشكل مصدر غذاء هام لسمك السلمون اليافع الزهري اللون وسمك البولوك، والقد، والأسماك الهامة التجارية الأخرى".

وتقول فابري ان العوالق النباتية التي هي القاعدة الحقيقية للسلسلة الغذائية والكائنات الحية المجهرية، بما في ذلك البكتيريا الممكن ان تكون هامة جداً في إعادة تدوير المواد المغذّية، "كل هذه الكائنات والأنواع يمكن ان تتغيّر بسبب ارتفاع حموضة مياه المحيطات".

الأسماك التجارية الهامة ويرقانات المحار

الى ذلك يقول ريتشارد فيلي، كبير العلماء في المختبر البيئي البحري للمحيط الهادئ  (PMEL) في سياتل، الذي هو جزء من الإدارة القومية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، "ان موارد البروتين من البحر تساهم في إنتاج كمية هامة من البروتين لحوالي ثلث سكان العالم". وأضاف، ان "ارتفاع حموضة مياه المحيطات يشكل هاجساً جدّياً بالنسبة للموارد الغذائية للمستقبل ولإستدامة تلك الموارد".

كما يقول سكوت دوني، كبير العلماء في دائرة الكيمياء البحرية والكيمياء الأرضية في معهد وودس هول اوسيانوغرافيك في مساتشوستس، ان الطريقة الثانية تتمثل في "جمع البيانات مع نماذج كمبيوتر لسلوك المحيطات لمعرفة درجة الحموضة هناك منذ الفترة السابقة للعصر الصناعي لغاية الوقت الحاضر، وما هي الكمية التي قد تحصل في المستقبل".

ويضيف دوني، "الآن بات سطح المحيطات مُشبع بإفراط [بأيونات الكلسيوم والكربونات]، ومن السهل بالتالي نسبياً على الكائنات الحية أخذ الكلسيوم والكربون مباشرة من مياه البحر لصنع كربونات الكلسيوم، الذي لا يعود يذوب إلى محلول".

ويتابع دوني: "لكن في الوقت الذي نُغيّر فيه كيمياء المحيطات، سوف يكون هناك عتبة تتحول فيها المياه من المُشبعة بإفراط إلى المُشبعة بدرجة قليلة، كما ان الأصداف سوف تبدأ في الانحلال ما لم يتم حمايتها بطريقة ما. انك تصل إل نقطة تتغير فيها الأشياء فجأة وبصورة مبهرة".

كريستوفر سابين، وهو عالم محيطات مُشرف في المختبر البيئي البحري للمحيط الهادئ  (PMEL) يرى: "عندما تضيف ثاني اكسيد الكربون  إلى مياه البحر، فإنه يُدمّر أيونات الكربونات. وهذا يجعل الأمر أصعب على الكائنات الحية لصنع أصدافها من كربونات الكالسيوم. وإذا قمت بتخفيض كمية أيونات الكربونات إلى  نقطة لم يعد فيها سوى  كمية قليلة جداً منها، وإذا كانت هناك أصداف في المياه، هذه الاصداف ستذوّب فعلياً وتطلق المزيد من الكربونات لإعادته إلى المياه".

النقاط الحرجة

النقاط الحرجة مختلفة بالنسبة لكل كائن بحري، لكنها تنجم كلها عن التركيزات المرتفعة لثاني اكسيد الكربون  في الجو. اليوم، وفقاً لحسابات أجراها العلماء في مختبر أبحاث النظام الأرضي التابع لدائرة المحيطات والغلاف الجوي NOAA، يبلغ متوسط التركيز العالمي لثاني اكسيد الكربون  في الجو 383.9  جزء بالمليون حسب حجم الهواء.

قبل سنة 1750 المعروفة ببداية العصر الصناعي، كانت تركيزات ثاني اكسيد الكربون  في الجو حوالي 280 جزء بالمليون.

يقول فيلي، "تظهر التوقعات حتى الآن ان مستويات ثاني اكسيد الكربون  ارتفعت أكثر بكثير من 500 و550 جزء بالمليون". وأضاف، "من ثم، لن يتمكن المرجان، مثلاً، بعد الآن من النمو بالسرعة الكافية لاستدامة نفسه فوق ارتفاع مستوى البحر أو عمليات تآكل الخط الساحلي".

وينوه فيلي، "إذا كنا صارمين جداً، علينا ان نبقي مستويات ثاني اكسيد الكربون  دون حوالي 450 جزءاً بالمليون وهو ما نوصي به للمجتمعات. إذا تبعنا معظم الخطط الموجودة في الوقت الحاضر لخفض انبعاثات ثاني اكسيد الكربون ، يكون الهدف حوالي 550 جزء بالمليون".

في حين يقول فابري، "نحن ملتزمون إلى حد ما، بمقدار معين من التغيير، لكننا بحاجة لخفض انبعاثات ثاني اكسيد الكربون  بأسرع وقت ممكن بحيث لا نعمد إلى دفع بعض هذه الكائنات الحية أكثر من اللزوم. أنا متأكد انه إذا لم نفعل شيئاً، فان الأمور ستكون أسوأ. الآن أفضل من لا شيء".

تقول فكتوريا فابري، عالمة بيولوجيا المحيطات في دائرة العلوم البيولوجية في جامعة ولاية كاليفورنيا- سان ماركوس، إلى موقع أميركا دوت غوف، "ان حموضة المحيطات بامكانها ان تعيد تنظيم كل شيء – المحيطات والشبكة الغذائية".

وتضيف، "ان بنية النظام الايكولوجي البحري قد تصل في نهاية المطاف إلى شكل مختلف تماماً عما هو عليه الآن." كما أردفت تقول، "سوف يتغير النظام بالتأكيد ولكننا نجهل كيف سيتم ذلك. إنها تجربة قد لا نرغب في إجرائها لو لم نكن قد بدأنا فعلاً بتنفيذها."

مياه البحر تكون قاعدية

هناك أشياء عديدة مشتركة بين حياة الإنسان وحياة المحيطات وأحدهما هو الرقم الهيدروجيني، وهو قياس يشير إلى ما إذا كان المحلول حمضياً، مثل الحمض الكبريتيك (عنصر موجود في المطر الحمضي)، وعصير الفاكهة من الحمضيات، والمشروبات غير الكحولية الغازية، أو قاعديا مثل الصابون، وصودا الخبز، ومياه البحر.

يتدرج مقياس الرقم الهيدروجيني من صفر إلى 14، والرقم الهيدروجيني للماء هو 7 وهو رقم محايد كيميائياً. تعتبر المحاليل ذات الرقم الهيدروجيني الأدنى من 7 تعتبر حمضية والأعلى من 7 تعتبر قاعدية أو قلوية.

مدى الرقم الهيدروجيني لدم الإنسان في الجسم يغطي فقط 0.1 وحدة رقم هيدروجيني- من 7.35 إلى 7.45. ويحدث المرض إذا أصبح الدم أعلى او أدنى من ذلك المدى الضيق. ومياه البحر، التي هي قاعدية بدرجة طفيفة كالدم، لديها أيضاً مدى رقم هيدروجيني ضيق- من 8 إلى 8.3. وكل شيء أعلى أو أدنى من ذلك المدى يمكن ان يكون مؤذياً.

في عام 1990، بدأت دراسة الاعتبار الرقم الهيدروجيني للمحيطات عندما أجرى علماء من 30 دولة اختباراً لدوران المياه في محيطات العالم، وهو جهد طموح دام لمدة ثماني سنوات سعى إلى تأكيد دور المحيطات في مناخ الأرض وجمع بيانات خط الأساسي لاستعمالها في تقييم التغييرات في المستقبل.

وضع أليم

وكجزء من ذلك البرنامج، قاد العالمان، ريتشارد فيلي وكريستوفر سابين من المختبر البيئي البحري للمحيط الهادئ التابع للإدارة القومية للمحيطات والغلاف الجوي في سياتل جهداً لدراسة توزيع ثاني أكسيد الكربون الذي ينتجه الإنسان في المحيطات حول الكرة الأرضية.

يقول العالم الرئيسي فيلي "اجتمعت سوية ثمانية بلدان للقيام ب 99 رحلة بحرية وجمعنا حوالي 72 ألف عينة من عبر العالم. جمعنا أول مشهد عالمي لتوزيع أنواع ثاني أكسيد الكربون والمواد الكيميائية المرتبطة بالكربون من محيطات العالم ومن خلال القيام بذلك تمكن كريس من وضع خريطة لكمية ثاني اكسيد الكربون الذي يولده الإنسان في المحيطات."

ويقول، عالِم المحيطات المشرف "بعد ان تم قول وفعل كل ذلك وجدنا ان المحيطات امتصت 118 بيتا-غرام من ثاني أكسيد الكربون – بليون طن متري". والطن المتري الواحد يماثل حجم سيارة صغيرة تقريباً، ولذلك يكون المحيط قد امتص ما يعادل 118 بليون سيارة صغيرة.

ويقول سابين، "خلال السنوات المئتين الماضية، أدت كمية 118 بيتا غرام تلك إلى تخفيض الرقم الهيدروجيني ب 0.1 وحدة رقم هيدروجيني." وأضاف، "ولكن قد لا يبدو ذلك كثيراً ولكنه يمثل زيادة بنسبة 30 بالمئة في حموضة المحيط. وإذا استمرينا بإضافة ثاني أكسيد الكربون إلى الجو وفق المعدل الحالي (يبلغ مجمل ما يمتصه المحيط 22 مليون طنا متريا في اليوم) فمن المحتمل عند نهاية القرن ان ينخفض الرقم الهيدروجيني بقدر 0.3 وحدة رقم هيدروجيني أخرى." الأمر الذي يزيد من درجة الحموضة بنسبة 150 بالمئة.

ويضيف سابين، "لقد ولّدنا حتى الآن تأثيراً مهماً قابلاً للقياس على المحيط، ولكن التوقعات للمستقبل قد تجعل الوضع مؤلماً جداً."

إنه يحدث الآن

يقول فيلي، ان اليوم وفي كل مكان على سطح المحيطات، من عمق 200 متر حتى السطح، توجد كمية زائدة من المواد الكيميائية التي تحتاج اليها الحيوانات البحرية لصنع اصدافها المكونة من كربونات الكالسيوم- الماء مشبعة بدرجة مفرطة. في عمق المحيط الهادئ الشمالي، على عمق 200 متر وأكثر، يوجد نقص في المواد الكيميائية- الماء ناقصة التشبع- وتذاب الاصداف المكونة من كربونات الكالسيوم بفعل هذه المواد الأكالة.

نماذج الكمبيوتر للمحيط المفتوح توحي بأنه ما لم يتم تخفيض ثاني أكسيد الكربون في الجو بدرجة حادة، فان ارتفاع الحموضة قد يجعل سطح مياه البحر أكالاً لهذه الاصداف بين عام 2020 وعام 2030 في المحيط المتجمد الشمالي.

لم يهتم أحد بمثل هذه الظروف في المحيطات الساحلية قبل عام 2007 عندما قاد فيلي وسابين الرحلة البحرية على الساحل الغربي التي ينص عليها "برنامج الكربون لأميركا الشمالية" على متن سفينة الأبحاث "ويكوما". أبحرت السفينة على طول الجرف القاري من كوين شارلوت ساوند في كندا نزولاً إلى سواحل ولايات واشنطن وأوريغون وكاليفورنيا وصولاً إلى باها كاليفورنيا في المكسيك.

وجد الفريق ان الرياح الصيفية كانت تدفع المياه السطحية المفرطة التشبع بعيداً عن الشاطئ وتسحب المياه العميقة المنخفضة التشبع إلى الجرف القاري وفي بعض الحالات إلى المياه السطحية.

ويؤكد فيلي، "ما كان مخططاً له أن يحدث في نماذج المحيطات المفتوحة في نهاية القرن، وجدنا انه يحدث الآن بالضبط على امتداد الجرف القاري الكامل على مد نظرنا". وأضاف، "يفرض هذا الأمر حل المشكلة في الوقت الحالي بدلاً من المستقبل."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/كانون الأول/2010 - 1/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م