العمالة الوافدة الى العراق واثارها الاقتصادية والاجتماعية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كانت للعراق تجربة مع العمالة العربية الوافدة وكان ذلك في ثمانينات القرن المنصرم اثناء الحرب العراقية – الايرانية، وقد بلغت تلك العمالة ارقاما قياسية، مقارنة بعدد نفوس العراق والايدي القادرة على العمل فيه من سكانه، وكان السبب المباشر لذلك عمليات التجنيد الواسعة للشباب والرجال قي محرقة تلك الحرب الطويلة والمريرة.

دخلت العمالة العربية وخاصة المصرية منها الى جميع مرافق العمل الحكومي والخاص، وكان صدام حسين قد اصدر عدة قرارات لصالح تلك العمالة حتى على حساب المواطن العراقي، وقد نقل عن صدام قوله في لقاءه مع مجموعة من المصريين بالبصرة بالثمانينات وخلال الحرب العراقية الايرانية (يا مصري اذا العراقي ضربك فرد عليه واضربه واذا العراقي قال لك يا مصري اخرج من بلدي العراق فلك الحق يا مصري ان تطرد العراقي وان تقول له انت يا عراقي اطلع من العراق هذا (عراقنا) عراق المصريين).

وقد ترك وجود تلك العمالة الكثير من الاثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في حينها ومنها مازال ساري المفعول. ففي العام 1989 وبعد خروج المصريين في تظاهرات فرح بعد فوز المنتخب المصري على الجزائر قام عدد من العراقيين باطلاق النار على المصريين المتظاهرين، وقتلوا عددا منهم وجرحوا كثيرين نتيجة ما اعتبروه استفزازا، خاصة وان العراقيين في تلك الفترة وبعد توقف المعارك، كان العائدون من جبهات القتال يبحثون عن فرص عمل ينافسهم فيها المصريون.

وغير ذلك الحادث توفي كثير من المصريين بظروف غامضة، وقد اثارت تلك الوفيات ازمة سياسية بين الحكومتين المصرية والعراقية واطلق عليها في حينها (النعوش الطائرة).

على الجانب المالي لازالت هناك الكثير من المستحقات المصرية على العراق، فقد شن نواب في مجلس الشعب المصري حملة قوية على العراق وطالبوا المسؤولين في حكومتهم استرداد ما اسموه بحقوق العمالة المصرية من العراق مع الفوائد المتراكمة.

وتزامن اطلاق هذه الدعوات في مجلس الشعب المصري مع نجاح السلطات الكويتية بالحجز على طائرة الخطوط الجوية العراقية في مطار غاتويك البريطاني بسب دعوى بقيمة 1.2 مليار دولار تعويضات عن طائرات كويتية عطبت او استولى عليها نظام صدام البائد.

وقال السفير أيمن زين الدين- نائب مساعد وزير الخارجية المصري ان الحكومة المصرية لن تفرط بحقوق العمال المصريين العاملين في العراق والذين غادروا العراق قبل 13 عاماً اثناء الحصار الغربي على العراق بسبب غزوه الكويت.

وأكد زين الدين خلال اجتماع لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب المصري، أن الرقم الدقيق لمستحقات العمالة المصرية بالعراق يبلغ 408 ملايين دولار، بينما بلغت الفوائد 537 مليون دولار حتي عام 2009.

بعد العام 2003 وتصاعد الحركة الاقتصادية والتجارية في العراق وارتفاع مستويات الدخول تجدد الحديث عن العمالة الوافدة وهذه المرة ليست مصرية بل اسيوية من عدة دول.

فقد شهد سوق العمل العراقي توالي دخول الأيدي العاملة الآسيوية وأبرزها البنغلادشية، التي باتت أمراً مألوفاً في الفنادق والمطاعم وبعض المستشفيات الخاصة، ويشكل الذكور القادمين من بنغلادش 99 في المائة من العاملين في حين تشكل الاندونيسيات عددا قليلا.

ويبلغ حجم العمالة الأجنبية في الوقت الحالي حوالي 10% من حجم الايدي العاملة، وتصل أجرة العامل الأجنبي إلى 200 دولار في الشهر، بينما يجني العامل العراقي 500 إلى 600 دولار، وتصل ساعات عمل الأجانب إلى 20 ساعة ولا يعمل العراقي أكثر من ثلثها.

وحسب احصاءات الامم المتحدة ان هناك 15600000 شخص في سن العمل في العراق والذين يستطيعون ان يجدوا العمل فيه هو 7600000 شخص اي بحدود 40% من مجموع القادرين عن العمل.

وتبرز في ظاهرة العمالة الوافدة الى العراق جملة من المشاكل نبه عليها الكثير من الخبراء والاختصاصيين من خلال تجربة دول مجلس التعاون الخليجي، فقد حذر احد المختصين من خطورة هذه الظاهرة مؤكدا ان دخول العمال الأجانب من شأنه أن يخلق مشاكل اجتماعية على المدى البعيد، وهذا ما يجب الالتفات له من قبل الجهات الحكومية المختصة لتفادي المشاكل التي تعاني منها حاليا دول الخليج في هذا الجانب، فضلا عن انه سيقلل من فرص العمل أمام العمال المحليين، الى جانب اثرها السلبي الذي سينعكس على المجتمع العراقي، وبالخصوص في الجانب الاقتصادي إذ يعاني العراق من مشكلة البطالة التي تقدر بحسب الإحصائيات الأخيرة بين (5-6) مليون عاطل عن العمل.

ونبهت الكاتبة العربية الدكتورة فاطمة البريكي الى مخاطر العمالة الاجنبية في البلدان العربية واصفة اياها ب (شر لا بد منه)؛ فهي ترى انها تسبب خللا كبيرا في التركيبة السكانية بسبب زيادة اعدادها ومن شأنها أن تؤثر سلبًا في مجتمعنا في المستقبل القريب في جوانب تمسّ الهوية، والانتماء والولاء، والأمن النفسي والاجتماعي، وغيرها.

في نظرة الى التجربة الخليجية مع العمالة الوافدة وسلبياتها يمكن ملاحظة تفاقم مشكلة البطالة بين مواطني دول المجلس، بسبب منافسة العمالة الوافدة للقوى العاملة الوطنية في سوق العمل وبلغت كمتوسط عام حوالي 5.7% على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وتتفاوت نسبة البطالة من دولة لأخرى ويبلغ المتوسط العام للبطالة في مملكة البحرين 6.3 %وفي المملكة العربية السعودية 6.05 %وحوالي 1.5 %في دولة الكويت، و2.3 %في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر تشير بعض التقارير إلى أن معدلها يبلغ 14 %في سلطنة عمان عام 2006.

ومن بين تلك الآثار أيضا زيادة التحويلات المالية للعمالة الوافدة إلى بلدنها، حيث بلغت هذه التحويلات خلال الفترة 1975 - 2002 أكثر من 413 مليار دولار من دول المجلس، موزعة بين المملكة العربية السعودية بنحو 260 مليار دولار، الإمارات بنحو 65 مليار دولار، الكويت بنحو 29 مليار دولار، عُمان بنحو 26 مليار دولار، قطر بنحو 23 مليار دولار، وأخيراً البحرين بنحو 11 مليار دولار.

وقد أوضحت احدى الدراسات أن حجم تحويلات الأجانب في دول الخليج بلغ نحو 38 مليار دولار عام 2006، ووصفت تلك التحويلات بأنها تشكل استنزافا للمزيد من موارد دول مجلس التعاون وتسرب مخزون كبير من العملات الأجنبية الصعبة إلى خارج بلدانها، وهو الأمر الذي يقرره المراقبون بالتأثير السلبي عاجلا أم آجلا على موازين مدفوعات دول المجلس لما يمثله من استمرار نزيف مدخرات اقتصادات دول المنطقة وفرصـا ضائعة للاستثمار، وعدم إمكانية إعادة توظيف الأموال في الدورة الاقتصادية لهذه الدول.

وبينت الدراسة أن بين الآثار السلبية لوجود العمالة الوافدة في دول المجلس زيادة الضغط على السلع والخدمات؛ حيث تحصل العمالة الوافدة وأسرهم على خدمات التعليم والصحة واستخدام المرافق العامة دون مقابل أو بمقابل رمزي واستفادتهم من الدعم المقدم من دول المجلس لكثير من الخدمات مما يؤدي إلى زيادة النفقات العامة، وهو الأمر الذي يساهم في ارتفاع العجز في الموازين العامة لدول مجلس التعاون والحد من قدرتها على توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين والخريجين الداخلين لسوق العمل، إلى جانب إعاقة برامج تنمية الموارد البشرية في ظل تزايد أعداد العمالة الوافدة وإغراق أسواق دول التعاون من هذه العمالة التي تقبل العمل بأجور متدنية، وهو الأمر الذي يحد من تشغيل المواطنين ويحرمهم من فرص تطوير قدراتهم ومهاراتهم العملية وعدم الاهتمام بالتدريب والتعليم وإعادة التأهيل.

فرز مشاكل اجتماعية

وأكدت الدراسة أن هناك مشاكل اجتماعية كثيرة ومتنوعة بسبب هذه العمالة الوافدة تؤثر على وحدة المجتمعات الخليجية وتماسكها، فكثير منها تتمايز دياناتها وعاداتها وتقاليدها وثقافاتها، مما يساهم في تفاقم معدلات الجريمة بين صفوفها وانتشار حالات الانتحار وارتكاب جرائم السرقة والتزوير وغيرها. ويمكن تحديد عدد من المخاطر المستقبلية لظاهرة العمالة الوافدة على الشكل التالي.

الآثار الاقتصادية:

* منافسة العمالة الوافدة للعمالة المواطنة على الوظائف والأجور والمزايا الوظيفية الأخرى النقدية منها والعينية، مما يتسبب في نشوء أنواع من البطالة في سوق العمالة الوطنية سواء الصريح منها أو المقنع.

* تحويلات المبالغ من قبل العمالة الوافدة إلى خارج البلد وهذا يحرم الوطن من دورة ادخار واستثمار هذه الأجور.

* ارتفاع معدل الإنفاق العام على المرافق الطبية والسكنية والتعليمية ومرافق المواصلات بسبب توظيف المزيد من العمالة الوافدة على حساب العمالة المواطنة.

* إن توظيف العمالة الوافدة بكثرة يؤدي إلى رفع معدل الاستهلاك العام من السلع والخدمات في الأسواق مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها بل وتضخمها فيما بعد.

الآثار الاجتماعية:

* اختلاف العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية والدينية بين المواطن والوافد مما قد يؤدي إلى حالة من الصراع تقود إلى التفكك والانحلال الاجتماعي.

* ركون العديد من ارباب الأعمال الحرفية والمهنية إلى العمالة الوافدة يؤدي إلى نشوء الاتكالية وتكريس النظرة الدونية إلى العمل الحرفي أو المهني.

الآثار الأمنية:

* ارتكاب بعض الجرائم الأخلاقية التني لم يتعود عليها هذا المجتمع من قبل.

* شل عجلة الانتاج بالنزوح الجماعي وقت الأزمات والحروب.

* الغزو المبطن لنفسية وقدرات الشعب المضيف حتى يصبح الشعب اتكالياً يوكل أعمالة إلى الوافد ويكتفي بالجلوس خلف الطاولات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/كانون الأول/2010 - 28/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م