النسبية والحقيقة المطلقة

الحلقة الثالثة من: بين الفلسفة والفيزياء عشق دائم!

د. مؤيد الحسيني العابد

منذ زمن ونحن ندرس وندرّس أفكار النظرية النسبيّة التي قاد ركبها العالم ألبرت أنشتاين. ونفعل الكثير ممّا يظهر للآخر أنّنا نفهم الشيء الكثير عن هذه النظريّة! والحقيقة التي يجهلها الآخر وربّما نجهلها نحن كذلك! هي فعلها المستمر المؤثّر في سلوكنا العلمي الإجتماعيّ وفي سلوكنا الفيزيائيّ والرياضيّ والمعبأ بأساطير الخيال البعيد عن الواقع!!هكذا يتصوّر الكثير. ويتصوّر بأنّ فعل الرياضيات كفعل الكثير من مفكّري السياسة وممارسيها حيث يبنون القصور في الهواء ولا هم يملكون حجر البناء ولا هم بنّاؤون أصلاً!!

 لا تتعجّب هي السياسة وتلك مصائبها!

لقد أثار فينا عالم النسبيّة الكثير مما يجعلنا نفكّر في الحياة المثلى عند الوصول الى عالم طريق الحقيقة المطلقة حيث لا مطلق إلاّها. لكن هناك شيء ينبغي معرفته، هو أنّ للفيزياء الرياضيّة الكثير من التطبيقات في مجالات حياتنا مستوحى تفسيرها من النسبيّة، وما النظريّة النسبيّة الا جزءاً منها! حيث هناك فرق بين النسبية كفكر وجوديّ خَلْقي (بإستثناء المطلق الذي نعتقده من وجهة نظرنا والمطلق الذي لا يستغني عنه حتى صاحب النظريّة النسبيّة نفسه ولو بمعنى آخر!) وبين النظريّة النسبية التي رفع لواءها أنشتاين!

 إنتظر قليلاً لتعرف هذه السفسطائيّة المتعبة! سأريحك بلا تفلسف ولا مماراة!!وأقول:

كم تستطيع رؤية عالم بلا قياس؟ الكبير والصغير، الحديث والقديم، البعيد والقريب وهكذا..ما الذي يلعب الدور الأساس في جعل هذه الصفات تأخذ بعدها؟! أوليس الزمن؟! ذلك الذي يتحكّم بها شيء يجهله حتى صاحب النظريّة العبقري أنشتاين!! نعم فقد حدّد الرجل الأشياء وفقاً للزمن لكنّه لم يضع تفسيره الأمثل للزمن!ما هو هذا المجهول أو قل ما هو هذا الشيء واللاشيء في الآن؟!

في مجال عملنا نبحث عن التفسيرات المثلى ونقيسها ونصل بها الى نتيجة معيّنة بالإستناد إلى فعل تجريبيّ أو فلسفيّ أو غير ذلك إذن هي العلل التي تجعلنا نبحث عن الحقيقة.

لقد اعتقد الكثير من العلماء في القرون السابقة أنّ الكون مؤلف من مادة ثابتة الكمية ليس لها خلق ولا فناء بل هي عملية تحول من شكل الى شكل آخر. وقد أثير موضوع الزمن بشكل كبير على لسان الفلاسفة اليونانيين منذ القدم ومازالت تثير هذه الآراء الكثير من البحث والدراسة وذلك لإتصالها بشكل مباشر بحياتنا وعملنا ومستقبلنا بل وماضينا أيضاً!!

لقد أثار فلاسفة اليونان موضوع الزمن على أساس أن ليس له حقيقة وجودية إن كان ذاتياً أو تبعيّاً. أو ليس له وجود خارجي، بينما أشار بعضهم الى أنّه(أي الزمن) حقيقة ثابتة وهناك من الدلائل الكثيرة على إثباتها وقد رأى هؤلاء الى أن الزمن له معنى من تفسير غيره أي إرتباطه بالمكان أي هو فاصل بين حركتين في مكانين أو نقطتين نقطة(من) ونقطة(الى). وأن الكائن الحي لا يشعر بهذه الفاصلة الزمنية حتى في متابعته لسير الحركة. لذلك(وبناء على عدم الاحساس به!) فهو منعدم الوجود. ((أما الذين ينكرون أن للزمن وجوداً ذاتياً، فيقيمون براهين كثيرة على ذلك، منها قولهم إن الإنسان إن فقد وعيه، لم يعد يحس بالزمن أو يشعر بمروره مهما طال، ومتى عاد إلى وعيه، لم يعرف كم إنقضى عليه من ساعات أو أيام. ولو كان للزمن وجود ذاتي، لأدرك الإنسان مقدار الفاصل الزمني الذي مرّ عليه. وهذا نفسه يقال عن النائم مهما طال رقاده، إذ يجهل مقدار الوقت الذي مرّ عليه إلا من الظواهر الشمسية أو آثار الليل وهكذا ننتقل الى الآخرين الذين يقولون بأنّ للزمن وجودا ذاتيا.))#

 فيصنّفونه الى نوعين متحرك وثابت، وهكذا تنتقل المفاهيم من أحد الى آخر وبالتالي من حجة الى آخرى تدحضها!(حتى وصل الفلاسفة اليونانيون الى الرأي القائل بأنّ الأبديّة زمن الآلهة وهو زمن ثابت والزمن المتحرك هو زمن الكائنات الحية)$ ويقصدون به أن هناك زمناً مطلقاً قياسياً ثابتاً تقاس الحوادث بالنسبة اليه ولا يمكن التعامل معه في الوجود المدرك المحسوس فيما يخص الكائن المحيط، حيث يكون زمن هذا الكائن هو المتغير وذاك الثابت لا علاقة لنا به في القياسات الإعتيادية. والسؤال الذي كان يراود فلاسفة اليونان هو هل بالإمكان التحوّل من هذا إلى ذاك أي من المتحرك إلى الثابت؟! وكان الجواب بنعم عندما يتسلّق الكائن الدرجات العلى ليرتقي إلى مرتبة عليا هي ((مرتبة الآلهة!)) أي بالأسلوب الذي يعتمد على الكثير من العوامل أهمّها السمو النفسي أي السمو بالنفس الإنسانية والإبتعاد عن النفس الحيوانيّة وكلّما إستغرق في الإبتعاد عن الحيوانيّة إقترب أكثر من الهدف الأسمى من هذا السمو أو الإرتقاء!< (( أن الخير هو السعادة، وأن الإنسان يبلغ السعادة عن طريق الفضيلة، وأما الفضيلة نفسها فهي ثمرة الإرادة المعتمدة على العقل، ومن الفضيلة تحمل المشاق في سبيل الوصول إلى الخير وتحقيقه))هكذا يقول زينون الفيلسوف اليوناني$$

ويقول هذا الفيلسوف أن جهاد النفس هو الطريق الى الحرية ليوصم النفس المعتدية والمتطاولة على الآخرين بالنفس الشريرة التي إن قضي عليها سيرتاح الناس ليعيش هؤلاء(ذوو النفوس المهذّبة) ويتمتعوا بكل الخير الذي تحتويه الارض.

أما الفيلسوف أبيقور (341ـ 2! 70 ق.م) يرى أن الزمن الأبدي(أو الثابت!) بالإمكان الوصول اليه عندما يتمتع الإنسان بكل ما وهب في حدود الإعتدال.

في العموم لو نظرنا الى ما ينص عليه رأي أنشتاين في أنّ سرعة الضوء ثابتة ونقيس كلّ السرع بالنسبة إليها لتوصلنا حسب الرأي الفلسفي إلى شيء مهم أنّه لو زحزحنا الزمن عن ثباته لوجدنا الخلل الكبير الذي تقع فيه العلاقة بين سرعة الضوء والمسافة التي يقطعها الضوء مع الزمن المذكور! لاحظ:

السرعة = المسافة / الزمن

فلو كان الزمن متغيرا أي نسبياً!(وأقصد زمن وصول الضوء إلينا من الشمس) والمسافة التي لا تتغير مع الزمن المذكور تغيرا متساوياً حينها ستكون سرعة الضوء غير ثابتة وهو عين القبول!!

كلّ هذا يشير إلى أنّ سرعة الضوء ثابتة وفق تصوّر أنشتاين ولا علاقة لهذه السرعة بحركة المشاهد لها. أي أنّ الزمن نسبي هنا يختلف بإختلاف المحاور المستخدمة وهو (أي الزمن) متباين بتباين مواقعنا، وهذا يؤدي الى تباين المسافة كذلك. لذلك نقول أنّ كلّ المقاييس التي نستخدمها هي نسبية وليست مطلقة.

هذه هي خلاصة للنظريات التي قال بها علماء الفيزياء في القرن التاسع عشر والقرن العشرين بشأن الزمان والمكان.

من قال بهذا من قبل؟! ومتى؟!

جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قد عاش في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة، وقد وضع نظريات حول الزمان والمكان وهذه النظريّات تتفّق مع العقل والمنطق قبل ما تتفق به مع نظريات العلماء المعاصرين، آخذين بنظر الإعتبار لغة الحديث عمّا ورد لإختلاف اللغة بين العصرين أو الزمانين!

يقول الصادق (عليه السلام) ((أن الزمان غير موجود بذاته، ولكنه يكتسب واقعيته وأثره من شعورنا وإحساسنا، كما أن الزمان هو حد فاصل بين واقعتين أو وحدتين))#$#

وهو يرى ((أن الليل والنهار ليسا من أسباب تشخيص الزمان ومعرفته، وإنما هما حقيقتان مستقلتان عن الزمان، يضاف إلى ذلك أن الليل والنهار ليس لهما طول ثابت، فالليل يقصر في الصيف ويطول في الشتاء، والنهار على عكسه، وهما يتعادلان أحياناً.

وفي رأي الصادق (عليه السلام) أنّ للمكان وجوداً تبعياً لا ذاتياً، وهو يتراءى لنا بالطول والعرض والإرتفاع، ولكنّ وجوده التبعيّ يختلف بإختلاف مراحل العمر، فمن ذلك مثلاً أنّ الطفل الذي يعيش في بيت صغير، يرى بخياله وأحلامه أنّ فضاء البيت ساحة كبرى. ومتى بلغ هذا الطفل العشرين من عمره، رأى هذه الدار مكاناً صغيراً جداً، وأدهشه أنه كان يراها واسعة رحيبة في طفولته. فللمكان، بناء على ذلك، وجود تبعي لا حقيقي))@.

الزمكان!!

إنّ مفهوم الزمان ـ المكان أو ما يعرف بالزمكان أو

 space–time; أو space/time

مفهوم ليس بالفهم السهل إدراكه فهما في الحالة الفلسفيّة ليسا من جنس واحد بل باتا ليس من هذا الجنس المكانيّ وليس من الجنس الزمانيّ بل بات من جنس ثالث هو جنس جمعيّ بين الإثنين! لذلك تراه بمواصفات أخرى! والمكان في حقيقته محدّد بثلاثة أبعاد نطلق عليه بالفضاء ثلاثيّ الأبعاد three-dimensional space

والزمن الذي يلعب الدور الجديد في التشكيل اللحني!! أو النغمي!! فيكون بعداً رابعاً(هكذا!) وهو في الحقيقة زجّ واضح لجنس جديد وفق مواصفات قسريّة لجنس أول فيشكلان الجنس الثالث كما أشرنا! لذلك يتحاشى الفلاسفة المحدثين من حشر الإثنين مع بعضهما فيقولون الأبعاد المكانيّة الثلاثة مضافاً لها البعد الزمانيّ! والفيزياويون هم الأكثر تحايلاً في التعبير عن المزج بإسلوب رياضيّ فريد! فيبسّطون ذلك بالنظريّات الذكيّة وفق منطق رياضيّ جميل ومستندين على عمل كونيّ رائع من خلال سلوك المجرّات العديدة!! العليا والمجرّات الصغيرة أو الصغرى التي تمثّل الذرّات والنويّات! لقد كان الميكانيك الكلاسيكي سهلاً مسكيناً لا يقوى على المواجهة العصريّة حيث إكتفى بالمكان التقليديّ بأبعاده الثلاثة ولا علاقة رابطة بينه وبين الزمان! إلاّ بالمعنى التقليديّ المعروف.

ولنا عودة إن شاء الله تعالى

............................................

((# الإمام الصادق (ع) كما عرفه علماء الغرب نقله إلى العربية الدكتور نورالدين آل علي)) الصفحة 23. المصدر منقول من الشبكة العنكبوتيّة من:

http://www.aqaed.com/ahlulbait/books/askeugh/23.htm

$ نفس المصدر السابق.

$$ - زينون القبرسي من أعلام العصر الهليني في تاريخ الفلسفة الإغريقية، وهو زعيم مذهب الرواقيين الذين كانوا يرون بماديتهم أن جميع المعارف حسية. توفي سنة 263 ق.م (راجع (تاريخ الفكر العربي) لعمر فروخ ص122)

> نفس المصدر السابق

#$# نفس المصدر السابق@ نفس المصدر السابق

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/كانون الأول/2010 - 28/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م