علاوي والعقدة الايرانية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا يخلو حديث صحفي او لقاء تلفزيوني لأياد علاوي رئيس القائمة العراقية، من ذكر ايران ومهاجمتها واتهامها بالتدخل في جميع شؤون العراق.. واخرها حديثه مع جريدة الشرق الاوسط السعودية المنشور في 2-12-2010.

يقول إياد علاوي أن (المسؤولين الإيرانيين وجهوا دعوة لي لزيارة طهران والاجتماع بشخص اسمه قاسم سليماني، فكان ردي: لماذا أذهب إلى إيران للاجتماع بضابط مخابرات إيراني؟ وما علاقتي به؟ وماذا سأفعل هناك؟ واقترحت أنه إذا أراد الإيرانيون أن نلتقي فليكن ذلك في أي بلد عربي يختارونه ونتحدث علانية عن المشكلات والمخاوف لدى الطرفين، نحن لا مشكلات لنا مع إيران سوى ملفات تتعلق بالعراق وملفات عربية يمكن بحثها وغلقها) وشدد رئيس ائتلاف العراقية على أن (إيران تتدخل في الشأن العراقي بشكل سافر.

وحسب تصريحات مسؤولين أميركيين وعراقيين، فإن طهران تجهز حاليا أسلحة لفصائل وميليشيات عراقية في الداخل، ثم إننا لا نعيش على كوكب المريخ، بل في العراق ونرى ونلمس كل يوم حجم التدخل والتأثير الإيراني على المسرح السياسي العراقي.

والمسؤولون الإيرانيين أيدوا ودعموا بقوة بقاء نوري المالكي رئيسا للوزراء، وبعد ترشيح المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون، لرئاسة الوزراء، كان أول تصريح لرئيس البرلمان الإيراني علي أكبر لاريجاني: (لقد أسعدنا كثيرا ترشيح المالكي لرئاسة الحكومة).

وفي حديث اخر بثته قناة العربية بعد اجتماعات اربيل والاتفاق الذي حصل قال اياد علاوي ان (فصول الرواية لم تنته في العراق على الرغم من تحقيق إيران مكاسب كبيرة عبر نجاحها في منعي من تولي منصب رئاسة الوزراء فضلا عن ممارسة ضغوط لتحجيم دور العراقية في العملية السياسية).

وشدد علاوي على ان (الموقف الإيراني كان رافضا لأن يكون للعراقية دور مهم في إدارة شؤون البلاد). مبينا ان (الشارع العراقي لا يسمح لإيران وغيرها بالتدخل على الرغم من الضغوط التي مارستها على العراق وعلى دول مجاورة بشأن حرمان العراقية من نيل استحقاقها الدستوري).

وفي تصريحات سابقة ذكر ان معركته القادمة ستكون ضد النفوذ الايراني وان ايران وضعت خطا احمر على تسلمه منصب رئيس وزراء العراق وغيرها الكثير من الكلام الذي يعيده في كل لقاء صحفي او تلفزيوني.

في المقابل لا يرى علاوي ضيرا من تدخل دول اخرى في الشأن العراقي تسانده وتريده ان يكون رئيسا للوزراء، مثل السعودية والاردن ومصر.

ماهي خلفيات مثل هذه التصريحات لأياد علاوي ولغيره من اعضاء القائمة العراقية؟، لا زالت الذاكرة العراقية طرية بذكريات الحرب العراقية الايرانية والتي استمرت ثماني سنوات اكلت الاخضر واليابس في البلدين.

ولا زالت تلك الذاكرة تستعيد بعض الاسماء والصفات التي اطلق على تلك الحرب وعلى الكثير من معاركها، منها قادسية صدام المجيدة اشارة الى معركة القادسية بين المسلمين وايران في صدر الاسلام، ونعت الايرانيين بالفرس المجوس اشارة الى عبادتهم القديمة، وتسمية حراس البوابة الشرقية اشارة الى دور العراق والعراقيين في هذه الحراسة.

وقد انسحبت تأثيرات تلك التسميات على اوجه الحياة العراقية العديدة وعلى قطاعات واسعة من المجتمع العراقي، واضحت ايران في تلك السنوات هي العدو رقم واحد للعراقيين، واتهم الشيعة بميلهم لإيران، وانهم ليسوا عربا، رغم انهم الاكثرية الذين تعرضوا لويلات هذه الحرب اضافة الى تدمير الكثير من مدنهم وقراهم القريبة من الحدود يضاف اليهم الاكراد، الذين قتلت انفال صدام حسين الالاف منهم وازالت المئات من قراهم من الوجود قبل نهاية تلك الحرب.

تلك الذاكرة اخذت تضخم من حجم ذلك العدو وتحميله جميع الماسي التي مر بها العراق على الرغم من انعطاف القائد الضرورة في حرب تحرير الكويت نحو ايران، وبعد فرض الحصار الدولي عليه، حيث اصبحت ايران هي البوابة الشرقية التي تنتهك من خلالها قرارات ذلك الحصار عبر عمليات التهريب المستمرة للنفط ولسلع اخرى كثيرة.

في الحرب العراقية الايرانية وقفت الدول العربية جميعها مع العراق باستثناء سوريا وليبيا، وعادت نفس الدول لتقف ضد العراق في حرب تحرير الكويت، عبر استخدام القوات العسكرية لأراضيها وبحرها وسماءها.

انه تبدل المصالح والقوى الذي فرض على تلك الدول ان تغير من قواعد اللعب مع العراق، بعد العام 2003 تم ترحيل تلك الصورة صورة العدو رقم واحد الى المشهد السياسي العراقي من جديد، وهذه المرة عبر لونه المذهبي، واصبح يعاب على الشيعة استعانتهم احيانا بإيران ضد قوى الارهاب التي وجدت في المناطق السنية حاضنة طبيعية لها، ضد من يفترض انهم قد سلبوا حكما وسلطة استمرت اكثر من 1400 عام.

واذكر في سنة 2005 ان المتطرفين السنة قد وجهوا العديد من التهديدات للتجار في سوق الشورجة تطلب منهم الامتناع عن بيع البضائع الايرانية.

كيف يمكن فهم مثل هذه التصريحات من خلال ميزان القوة في العلاقات الدولية؟ وما الذي يمتلكه العراق منها؟

في العام 2009 نشيت ازمة بين السعودية والامارات بشأن خلاف حول مقر المصرف المركزي الخليجي. وتوترت العلاقات بين السعودية والإمارات، على خلفية انسحاب الأخيرة من مشروع (الوحدة النقدية) لدول مجلس التعاون الخليجي، في مايو من ذلك العام، الذي جاء رداً على اختيار العاصمة السعودية الرياض مقراً لبنك مركزي إقليمي يجمع بين دول التعاون الستة.

في حينها رأى محللون أن الدول التي كان ينظر لها في السابق على أنها دول صغيرة، لم تعد كذلك، في ظل التحولات الجيوسياسية الجديدة التي لحقت بالخارطة الخليجية، والتي تضغط بدورها على السعودية، أكبر مصدر للنفط بالعالم، لتغيير مفهومها عن دول الخليج المجاورة.

ورأى مراقبون أن معايير القوة الحالية لم تعد تقاس بالزيادة في عدد السكان، أو النفوذ السياسي الخارجي، وبالتالي فالإمارات العربية لم تعد طرفاً ضعيفاً في (معادلة المكانة الخليجية).

تعتبر كلمة القوة من أكثر المفردات التي تستخدم في العلوم السياسية فالقوة عند (نيكولا س سبيكمان) هي في النهاية ما تعتمد عليه الحياة سواء بالإقناع أو الاغراء أو الإكراه.

و يعتقد سبيكمان أن الدول تبقى قوية لأنها إما قوية أو لأن دولا أخرى تضمن حمايتها و يجب أن تجعل هدفها الأول هو الحفاظ على قوتها أو زيادتها، لأن القوة في معناها الأخير تعني القدرة على خوض غمار الحرب، فالدول تؤكد دائما على أهمية بناء مؤسساتها العسكرية.

و عليه يعرف (نيكولاس سبيكمان) القوة (بالقدرة القصوى على شن الحرب) و يؤخذ على سبيكمان طغيان الجانب العسكري في تعريفه للقوة وعلى عكس ما ذهب إليه سبيكمان يرى (اورغنسكي) أن المعيار الأساسي للقوة هو الوضع الاقتصادي للدولة و يصنف الدول حسب ذلك و يعتبر أن الدول تمر في ثلاث مراحل:

* مرحلة القوة الكامنة.

* مرحلة إنماء القوة.

* مرحلة بلوغ القوة.

 و يعتبر (رينولد نيبور) الذي كان لكتاباته تأثير على الواقعية السياسية حيث أن القوة الوطنية هي انعكاس لرغبة الأشخاص في الحصول على القوة.

أما أرنولدر وولفرز يعرف القوة بأنها (القدرة على دفع الآخرين نحو عمل ما تريد و منعهم من عمل ما لا تريد).

و تبعا لمفهوم الواقعية و منظرها الأشهر موزغانثو الذي اعتبر القوة ناتجا سياسيا يرتبط بمقدرة الدولة على إحداث تغيرات في سلوك الآخرين فإن التغيير بالشكل الذي يوائم مصالح الدولة يعتبر بالضرورة مصدر القوة السياسية حيث عرف القوة بأنها (القدرة على دفع الآخرين إلى سلوك باتجاه معين باستعمال الإقناع، المساومة، الضغط).

و قد عرف السياسات الدولية و بالأحرى السياسة ككل بأنها صراع على القوة و بالتالي تصبح القوة غاية و وسيلة و هي عنده السيطرة على عقول و أعمال الآخرين، و يرى أن السياسة الدولية تهدف إلى ثلاثة أهداف: الحفاظ على القوة أو لزيادة القوة. أو لإظهار القوة.

و قد حددت مصادر القوة بما يلي:

- الموارد الطبيعية.

- الموقع.

- المساحة الجغرافية.

- درجة التطور التكنولوجي.

- عدد و بنية السكان، هرم السن، مستوى التعليم.

- العقيدة الوطنية-الايديولوجية- و نوع القيادة.

ورغم هذا فان أياً من مصادر القوة مهما تعددت لا يكتسب وزناً وتأثيراً بمجرد وجوده، وإنما يرتبط هذا الوزن والتأثير بالقدرة على التدخل الواعي لتحويل مصادر القوة المتاحة إلى طاقة مؤثرة وسلاح فعال، فالقوة (Strength) هي مجرد امتلاك مصادر القوة كالموارد والقدرات الاقتصادية والعسكرية والسكان وغيرها، أما القدرة (Power) فتنصرف إلى إمكانية تحويل هذه المصادر إلى عنصر ضغط وتأثير في إرادات الآخرين.

في عالم السياسة توجد ثلاثة اتجاهات لتعريف القوة:

الاتجاه الأول: يعرف القوة بأنها القدرة على التأثير في الغير وهي القدرة على حمل الآخرين للتصرف بطريقة تضيف إلى مصالح مالك القوة.

الاتجاه الثاني: يعرف القوة بأنها المشاركة الفعالة في صنع القرارات المهمة في المجتمع.

الاتجاه الثالث: يحاول أن يجمع بين الاتجاهين السابقين ويعـرف القوة بأنها التحكم والسيطرة المباشرة أو غير المباشرة لشخص معين أو جماعة معينة على أوجه إثارة القضايا السياسية أو عملية توزيع القيم وما يترتب عليه من مقدرة في تقرير أو تأثير في الموقف في الاتجاه الذي يفضله صاحب القوة.

أما كلية الحرب الأمريكية فتعرف مفهوم القوة القومية للدولة بأنها الإمكانية أو القدرة التي يمكن أن تستخدمها الدولة للوصول إلى أهدافها القومية في الصراع الدولي، إذن فالقوة هي الطاقة العامة للدولة لكي تسيطر وتتحكم في تصرفات الآخرين.

وقد ارتبطت بالقوة عدة مفاهيم منها: السلطة والنفوذ السياسي والقهر والتأثير والهيمنة والسيطرة والإرغام والاكراه والردع والإرهاب والإغراء، وهي تستخدم كمترادفات وكعناصر لتحليل القوة.

ما الذي يمتلكه العراق بعد كل تلك العقود من الحروب والدمار والذي يجعله بعيدا عن مرمى التأثيرات الايرانية او السعودية وغيرها باستثناء النفط والذي هو ثروة قابلة للنفاد وليست متجددة؟

لا يمكن للتأثير الايراني او السعودي وغيره ان يختفي بالبساطة التي يروج لها رئيس القائمة العراقية، والتي يريد منها تحشيد الشارع العراقي ضد كل ما تمثله ايران في المخيال العراقي دون امتلاك عناصر القوة امام تلك التدخلات من ايران او غيرها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 4/كانون الأول/2010 - 27/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م